الشعلة الرابعة
الشعلة: 4
قال سيف الله الصقيل: ناصر الحق الإمام الجليل، طارق بن محمد السعدي .. بن الخليل، في كتابه المبارك ( إشعال الفتيل للتبير دولة بني إسرائيل ):
نقول للمتهافتين على السلام والصلح مع اليهود:
إن اليهود لم يحفظوا عهودهم مع الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون. ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين } [البقرة: 63-64]، وقال تعالى: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثمّ توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون. وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تُخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون. ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان...} [البقرة: 83-85]، والآيات في هذا الشأن كثيرة.
فكيف تطمعون أن يوفوا بعهودهم معكم؟!!
إن اليهود لم يحفظوا عهداً مع أحد من خلق الله تعالى برّهم وفاجرهم، كما قال الله تعالى: {أَوَكُلَّما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون} [البقرة: 100]، وقال سبحانه {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذّبوا وفريقاً يقتلون} [المائدة: 70]؛ والتاريخ يشهد على ذلك، ويشهد أن كل خَلَفٍ قالوا: من أخلفَ بعهده من اليهود أمة قد خلت، وأما من نعقد معهم العهود: فأمة مختلفة، قد تغيّرت وترقّت مفاهيمها. ولكنهم وجدوا العكس، وخرجوا بنفس نتيجة من سلف. وذلك أن الله تعالى كما قال: {فبما نقضِهِم ميثاقَهم} أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أُخِذ عليهم: {لَعَنّاهم} أي: أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى {وجعلنا قلوبهم قاسية} أي: فلا يتّعظون بموعظة ولا يتقبّلون نصيحةً ولا يطمئنّون لأحدٍ {يحرّفون الكَلِم عن مواضعه} أي: ففسدت فهومهم، فأوَّلوا كتاب الله على غير ما أنزله، وحملوه على غير مراده بما يناسب أهواءهم، وهكذا يفعلون في كلّ نص أو اتفاق لا يريدون نقضه ومخالفته صريحاً علناً {ونَسُوا حظاً مما ذُكِّروا به} أي: وتركوا نصيباً مما لم يقدروا على تأويله مما ذكَّرناهم به {ولا تزال تطَّلع على خائنة منهم} أي: على مكرٍ وغدرٍ منهم، حيث صار من طبعهم تأويل المعاهدات وترك العمل بها {إلا قليلاً منهم} أي: إلا من أَسْلَم منهم وهم قليل {فاعف عنهم واصفح} أي: فاعف عن زلاّتهم واصفح عن جرمهم ومؤاخذتهم. وهذا قبل نزول الآية التي أمرت بقتالهم في سورة براءة وهي: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة: 29]، وأما بعد نزولها: فقد نُسِخ العفو والصَّفح بما جاء فيها {إن الله يحبُّ المحسنين} أي: الذين يعفون ويصفحون حيث أُذِن لهم بذلك.
فكيف تطمعون أن يوفوا بعهودهم معكم، وما زالت اللعنة عليهم، وقلوبهم غير سليمة، وفطرتهم غير مستقيمة، وأعمالهم غير قَويمَة؟!!
إن اليهود لن يرضوا حتى يكونوا آلهة تُعبد من دون الله، مع عدم وجود ما يُذكِّر الناس به سبحانه. وحتى ذلك قد لا يرضيهم لخبث أطباعهم وقساوة قلوبهم وسفاهة أفهامهم. وذلك ظاهر في عقائدهم، حيث يعتقدون بأنهم أسياد الناس، وأولياء الله، وأصحاب الدار الآخرة دون غيرهم، ولهم في ذلك كلام خبيث خسيس. ولكن الله تعالى أجابهم بقوله: {قل يأيها الذين هادُوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنَّونه أبداً بما قدَّمت أيديهم، والله عليم بالظالمين} [الجمعة: 6-7]، وقوله: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصةً من دون الناس فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنَّوه أبداً بما قدَّمت أيديهم والله عليم بالظالمين} [البقرة :94-95].
فكيف تطمعون أن يرضوا عنكم وأنتم تحبّون السيادة والمناصب، وتعاهدونهم لتسودوا كما يسودون؟!!
إن اليهود لم يرضوا عن سيّدنا رسول الله محمد لأنه لم يصوِّبهم ويأتِ بما يسيّدهم فيما هم عليه على الخلق، كما قال له الله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملَّتهم} [البقرة: 120].
فكيف تطمعون أن يرضوا عنكم وأنتم من أمته وتتّبعون ما أُنزل إليه ولا تستطيعون تحريفه ولا تعطيله؟!!
إن اليهود لم يرضوا عن الله تعالى في عطائه رغم نعمه العظيمة عليهم، سواء في أنفسهم أو في حياتهم؛ حتى أنه سبحانه فضَّلهم على العالمين كما قال عزَّ وجلَّ: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنّي فضَّلتكم على العالمين} [البقرة: 122]، ومن فضله عليهم ما قال سبحانه {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيِّبات وفضَّلناهم على العالمين} [الجاثيه: 16]، وقارئ القرآن يعلم الكثير من ذلك. فقالوا فيه سبحانه ما تَقْشَعِرُّ له الأبدان وتشيب منه الرؤوس، وهو ما حكاه الله تبارك وتعالى وتقدَّس سبحانه {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران: 181]، وأيضا: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلَّت أيديهم ولُعِنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان يُنفِق كيف يشاء...} [المائدة: 64].
فكيف تطمعون أن يرضوا عنكم إن تنازلتم لهم عن بعض حقوقكم وقدَّمتم لهم بعض العطاء، وأنتم دون الله بما لا يَحْتَمِل التّشبيه في المُلك والعطاء؟!!
إن اليهود يتّبعون شهواتهم ورغباتهم وأهواءهم، بحيث أنكم قد تعطونهم أعزّ ما تملكون، وأنفسَ ما يُعطى ويُطلب، فتميل نفوسهم لغيره فلا يمتدحون عطاءكم ولا يعتبرونه. وقد قابلوا بمثل ذلك اللهَ تعالى كما حكى سبحانه وتعالى ذلك بقوله {وظلّلنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنَّ والسلوى كُلوا من طيِّبات ما رزقناكم...} [البقرة: 57]، فقالوا ما حكاه سبحانه وتعالى {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربّك يخرج لنا مما تُنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم...} [البقرة: 61].
فكيف تطعمون أن يقنعوا بما تعطونهم من النفائس أو غيرها؟!!
إن اليهود لم يصدّقوا الله رغم أنه الله، ورغم إنجازه سبحانه لكلّ وعوده ووعيده معهم، ورغم قيام الأدلّة المعقولة والمحسوسة على صدقه سبحانه.
فكيف تطعمون أن يصدّقوكم ويطمئنّوا لكم؟!!
وقد نصحكم الله تعالى بقوله {أفتطعمون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثمّ يحرِّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة: 75].
وبالجملة: فاليهود لا يتّبعون إلا شهواتهم وأهواءهم؛ فيخالفون الخالق والخلق، وينقضون أيّ وعد أو ميثاق، ويُنكرون أيّ فضل وعطاء، ويُعادون المقرّب إليهم لشهواتهم وأهوائهم. والقرآن يشهد على ذلك، وهو كلام الله تعالى، ومن يعرف الخلق مثل الخالق؟ والتاريخ قد دوَّن ما سَلَفَ من مثل ذلك، وما زال يُدوِّن، فلا تدعوه يكتب عنكم الجهل والغباء والسَّفه.
واعلموا أن الله تبارك وتعالى الذي خلق الخلق، يعلم أحوالهم وأطباعهم وما يُسرّون وما يُعلنون. كما يعلم صانع الراديو مثلاً كلّ ما يدور فيه مما ظهر أو خفي على الناس، ويعرف قُدرة تلقّيه للذبذبات، وما يمكنه التقاطه وما لا يمكنه التقاطه منها، وغير ذلك من أحواله وأوصافه. ولله المثل الأعلى.
وهو سبحانه الذي أخبركم عما تقدّم وغيره من صفات اليهود المذمومة، فلا تقتدوا بهم في تكذيب الله وتأويل كلامه وتحريفه بالقول أو الفعل.
وليس لنا جواب لمن قال: أُجرِّبهم عسى أن يكونوا قد تغيّروا. إلا أن نقول له: إن الله ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وعلى عقولهم إلى قيام الساعة غشاوةً فلا يتغيّرون، وهذا ظاهر في كتابه وسنّة نبيّه. ونقول له أيضا مثالاً يقوله العوام: (من جرّب مُجَرَّباً كان عقله مُخَرّباً).
وإن الله تعالى أعلم بمصالح عباده منهم، وأعلم بالأعداء والأنصار منهم كما قال سبحانه {والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليّاً وكفى بالله نصيراً} [النساء: 45]. وهو الذي أخبرنا بأن اليهود أعداؤنا إلى يوم القيامة، وأنهم لا يطمئنّون إلا بقتلنا وتضييع -بل وإلغاء- ديننا، كما قال سبحانه {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلّوا السبيل} [النساء: 44]، وقال سبحانه {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذِمّة، يرضونكم بأفواهم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون} [التوبة: 8].
ومهما كنتم، فلن تكونوا كالأنبياء في حرصهم على مصالح اليهود وحلمهم وصبرهم عليهم، وعطائهم ومساعدتهم لهم ودفاعهم عنهم، وغير ذلك مما تحاولون التقرّب إليهم به، ومع ذلك كلّه قتلوهم، كما قال الله تعالى {فبما نقضِهم ميثاقَهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ وقولهم قلوبنا غُلْفٌ بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً} [النساء: 155] والمراد بالقليل الذين يؤمنون: من أسلم، لا ما يحرّفه البعض بقوله: أي: أن بعضهم يحفظ العهد، ونحو ذلك، كما زُعِم على جهلٍ أو فسوقٍ.
ولا تغتروا بما يظهرون أمامكم من الرضا والتصديق، لأنهم ما يفعلون ذلك إلا للوصول إلى غايتهم وللماطلة والمخادعة كما تقدّم في قول الخالق جلّ جلاله {يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم}، وقوله سبحانه {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءُون} [البقرة: 14].
ولا يغترّ من ضلّ عن الإيمان فيقول: أنا لست مؤمناً، فلا يتعاملون معي كذلك. لأنهم إن كانوا مع المؤمنين الذين عُرِفَت مقاصدهم ويلتزمون بأمر ربّهم وما أُنزل إليهم كذلك، فمعك وأنت تتّبع هواك من باب أَوْلى أيها الأحمق الجاهل.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
للاتصال بفضيلته واستفتائه: talsaadi@hotmail.com
|