المحذور الشرعي الأول:
قتل النفـس المؤمنة المعـصـومة، فإن أولئك الشبيبة ، ما تمكنوا من دخول تلك المجمعات السكنية ، إلا بعد قتلهم العديد من المسلمين ، من الحراس ، ناهيك ـ يا مسلم ـ عمن قتل بداخلها غدراً وغيلة من المسلمين ، إضافة إلى رجال الأمن. وإليك النصوص العظيمة من الكتاب والسنة في تحريم دماء أهل القبلة:
1. يقول الله : وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . سورة الفرقان ، { 68 ، 69 } .
2. ويقول : ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً . سورة النساء، الآية: {93} . ولو تأمل المسلم جميع المحرمات الواردة في الشريعة، فلن يجد تشديداً للشارع في كبيرة من الكبائر بعد الشرك بالله مثل قتل النفس المؤمنة. فيا أخا الإسلام، من توعده الله بجهنم، ثم الخلود فيها، ثم حلول الغضب ثم الطرد والإبعاد الذي هو نتاج اللعنة، ثم ختم تلك العقوبات الأربع: بأن الله قد أعدَّ له عذاباً عظيماً، من هذا حاله ومآله، هل يكون من المفلحين !!!
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية :« لم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد ، فهذا الذنب العظيم ، استحق وحده أن يجازى صاحبه بجهنم بما فيها من العذاب العظيم ، والخزي المهين ، وسخط الجبار، وحصول الخيبة والخسارة » انتهى كلامه رحمه الله .
ومن أجل هذا الوعيد الشديد في تحريم دم المؤمن فهم ابن عباس ترجمان القرآن وهو ممن دعا له رسول الله بالفقه في الدين وعلم التأويل ، من هذه الآية: أنه ليس لقاتل المؤمن توبة، وكان يقول في المدينة:ليس لقاتل المؤمن توبة، ثم يتلو هذه الآية ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً قال:« هي آخر ما نزل ولم ينسخها شيء كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين وإن كان الحق مع جماهير صحابة رسول الله ، وأن لقاتل المؤمن توبة لكننا نسوق أثر ابن عباس حتى تعلم الأمة تعظيم سلفها لدماء أهل القبلة . أما أدلـة السـنة في هـذا الباب : فقد تواترت تواتراً لا شك فيه ،
3.ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال :« لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ ) وكلمة: " لا يحل " واضحة لكل أحد.والسؤال الذي يفرض نفسه هو: الذين سُفِكتْ دماؤهم في هذه الأحداث في أي قسم من الأقسام الثلاث التي أشار إليها المعصوم حتى تحل دماؤهم ؟!
4. وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو أن النبي قال : ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) تأمل أيها المنصف ويا مريد الحق، الدنيا كلها تزول، تهدم المساجد، ويهلك الصالحون، ولا يعبد الله طرفة عين في الأرض، كل هذا أهون من سفك دم امرئ مسلم واحد.
5. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (أولُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ) ووجه الدلالة من تعظيم الشارع لدماء أهل القبلة: الأوليةُ في الفصل والقضاء كما أن أول ما يحاسب به العبد من حقوق الرب الصلاة تعظيماً لحقها، كذلك الأولية في حقوق العباد هي في حق الدماء.
6. وفي البخاري عن ابن عباس ، أن النبي قال ): أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم ، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ، ومطلب دم امرئٍ بغير حق ليريق دمه
7. وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله ، أن النبي قال : (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا)
8. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي : ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ) وهنا قرن الشارع بين أعظم ذنب عصي الله وهو الشرك وبين قتل النفس تنفيرا من هذا الذنب العظيم وعكسه يقرن الرب عز وجل بين التوحيد وبين طاعة الوالدين ترغيبا فيه
9. وفي المسند، من حديث معاوية قال : سمعت رسول الله وهو يقول: « كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا
وفي المسند جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ رَجُلًا قَتَلَ مُؤْمِنًا قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا قَالَ ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَقْتُولَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ قَالَ بِشِمَالِهِ آخِذًا صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ فَيَقُولُ رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي
10. وفي المسند من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال يجيء المقتول يوم القيامة وبيده رأسه يشخب دماً وبيده الأخرى قاتله يقول: يا رب هذا قتلني ، فيقول للقاتل: تعست اذهبوا به إلى النار). يا أمة محمد من يقول الله له : تعست هل ندافع عنه ونطلب له التأويلات والتبريرات
11. وفي المسند أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال من قتل مسلماً فاغتبط بقتله -وفي رواية فاعتبط بالعين المهملة- لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ). قال أحد الرواة لشيخه: ما معنى فاغتبط؟ قال: المسلم يقتل المسلم في الفتنة فلا يبدي ندماً وتوبة. الله أكبر تأمل الحوادث التي مضت والدماء التي سفكت من دماء أهل التوحيد هل أبدى أولئك ندماً وتوبة ، فو الله الذي لا إله غيره يغتبطون بقتلهم وهذه بياناتهم في الإنترنت شاهدة على كلام المصطفى ، فيصدرون البيانات ، يشرحون ويصورون عملياتهم.
12. وفي صحيح البخاري و مسلم قال عليه الصلاة والسلام (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) ونصوص الوعيد نمرها كما جاءت من غير تأويل له كما أمر بذلك أئمتنا الثوري واحمد رحمهم الله
13. وخاتمة هذا الأصل العظيم حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما في الصحيحين ففي هذا الحديث عبرة لكل من تسول له نفسه الولوغ في دماء المسلمين ، بتبريرات واهية ، وشبه فاسدة ، وأقيسه باطلة .
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلَامَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ فَقَالَ تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ إِنِّي أَتَيْتُكُمْ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّهُمْ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ قَالَ وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لِمَ قَتَلْتَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَتَلْتَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
ونحن نقول لأولئك الشبيبة، ومن جوز لهم أفعالهم، وأفتى لهم بجواز ذلك، ومن يحرض، ومن يباشر تلك الأحداث: ما تصنعون بلا إله إلا الله إذا جاءت تنافح عمن قتلوا غدراً وغيلة ؟ ومع كلمة التوحيد ، تأتي أعمال الخير ، لأولئك المغدور بهم ، من صلاة ، وزكاة ، وصوم ، وحج .فليعدوا لها جواباً فإن الموعد قريب والديان لا يموت.ويلاحظ طالب الحق أن المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يستغفر لأسامة رغم وجود تبريرات لأسامة منها :
أ ـ أن ما بدر من أسامة كان في ساحة معركة ولم يكن في أوساط الآمنين
ب ـ أن هذا الرجل أثخن بالمسلمين جراحاً وقتلاً.
ج ـ لم يشفع لأسامة أن هذا الرجل ما نطق بكلمة التوحيد إلا بعد رفع السيف عليه .
وبذلك يتبين للمسلم عظم دم أهل القبلة من ثلاثة أوجه:
أ. أن التأويلات والتبريرات المذكورة لم تشفع لأسامة فعله .
ب. لم يستغفر رسول الله لأسامة رغم أن له مكانة عظيمة في نفس رسول الله ، وعدم الاستغفار من رسول الله لأسامة زجر له ولمن بعده ، عن سفك دم المعصومين .
ج. ولعظم دماء المسلمين نجد أن أسامة تمنى تأخر إسلامه . حيث جاء في رواية عند مسلم أنه قال:« حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ» فهذا يدل على شدة ندمه، وشعوره بخطورة ما قام به . فيا أيها اللبيب الفطن هذا صحابي،قتل رجلاً واحداً متأؤلاً، فكيف بمن قتل العشرات من المسلمين . وأظن أن كل عاقل يدرك أن لأسامة من سبق الإسلام والجهاد والعلم والفضل ، ما ليس لأولئك الشبيبة .
|