الحديث الثامن والثلاثون
من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( إن الله تعالى قال: من عاد لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري.
هذا حديث -أيضا- عظيم قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: إن الله تعالى قال - وهو حديث قدسي- ( من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب ) عادى: يعني: اتخذ الولي عدوا، وهذا معناه أنه أبغضه
قال العلماء: إن أبغض الولي؛ لما هو علي من الدين، فهذا ظاهر دخوله في الحديث، وأما إن عاداه لأجل الدنيا، وحصل بينه وبينه خصومات؛ لأجل الدنيا فهذا فيه تفصيل، إن صار معه خصومات بغضاء وكره، فإن يخشى عليه أن يدخل في هذا الحديث، وأما إن كانت الخصومات بدون بغضاء، فإنه لا يدخل في هذا الحديث، يعني: لا يكون مؤذنا بالحرب، وذلك لأن سادات الأولياء من هذه الأمة قد وقعت بينهم خصومات، فتخاصم عمر وأبو بكر في عدة مجالس، وتخاصم ابن عباس، بل العباس وعلي وحصل بينهم خصومة، وتراجعا إلى القاضي، وهكذا في عدد من الأحوال.
فوقوع الخصومة بلا بغضاء لولي من أولياء الله -جل وعلا- فهذا لا يدخل في ا هذا الحديث، وأما إذا أبغض وليا من أوليا الله -جل وعلا- فإنه مؤذن بالحرب، يعني: قد أذنه الله -جل وعلا- بحرب من عنده، وإيذانه بالحرب معناه: أنه أعلم وأنظر بأنه سيعاقب من الله -جل وعلا- إذ حرب الله -جل وعلا- إيصال عذابه ونكاله لعباد
، قال: ( من عاد لي وليا ) والولي عند أهل السنة والجماعة عرف بأنه: يعني عرفه بعض العلماء بأنه: كل مؤمن تقي ليس بنبي، هذا الولي في الاصطلاح عند أهل السنة والجماعة، يعني: أن الولي كل من عنده إيمان وتقوى.
والإيمان والتقوى يتفاضلا، فتكون الولاية، يعني محبة الله -جل وعلا- لعبده ونصرته لعبده تكون تلك الولاية متفاضلة، وإنما يقصد بالولي من كمل بحسب استطاعته الإيمان والتقوى، وغلب عليه في أ حواله الإيمان والتقوى، وذلك لقول الله -جل وعلا-: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) ) يونس ، فجعل الأولياء هم المؤمنين المتقين، إذن فمن عاد مؤمنا متقيا قد سعى في تكميل إيمانه وتقواه بحسب قدرته، ولم يعرف عنه ما يخدش كمال إيمانه، وكمال تقواه، فإنه مؤذن بحرب من الله
يعني: معلم ومهدد بإيصال عقوبة الله -جل وعلا- له؛ لأن هذا الولي محبوب لله -جل وعلا- منصور من الله -جل وعلا- والواجب أن تحب المرء لمحبة الله -جل وعلا له.
قال: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) يعني: أن أحب القربات إلى الله -جل وعلا- أن يتقرب إليه بها العبد أن يتقرب العبد بالفرائض، هذه أحب القربات إلى الله -جل وعلا-: الصلوات الخمس، حيث تصلى وتقام، والزكاة المفروضة، والصيام المفروض، والحج المفروض ، والأمور الواجبة، وكل أمر افترضه الله -جل وعلا- عليه فالتقرب إليه به.
وأحب الأشياء إليه -جل وعلا- وهذا خلاف ما يأتي لبعض النفوس، في أنهم يحصل عندهم خشوع و تذلل في النوافل ما لا يحصل في الفرائض، بل ويرجون بالنوافل ما لا يرجون بالفرائض، وهذا خلاف العلم، والله -جل جلاله- كما جاء في هذا الحديث القدسي : إنما يحب بل أحب ما يتقرب إليه به -جل وعلا- ما افترضه سبحانه.
فافترض الله -جل وعلا- الفرائض؛ لأنه يحب أن يتعبد بها
.. يتبع ..