خارطة القوى الاسلامية في لبنان / بقلم قاسم قصير
خريطة القوى والهيئات الإسلامية في لبنان في ظل الصراع السياسي الداخلي
توزع بين الأكثرية والمعارضة والحياد السلبي والإيجابي وتخوف من المتطرفين
قاسم قصير
أدى التحرك السياسي والشعبي الذي بدأته قوى المعارضة اللبنانية التي تضم "حزب الله" وحلفاءه في الأول من كانون الأول لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" وإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إلى إنعكاسات مباشرة على الساحة الإسلامية في لبنان، حيث انقسمت القوى والهيئات الإسلامية ما بين مؤيدٍ للحزب أو معارض له، في حين عمد بعض هذه القوى إلى التزام موقف الحياد الإيجابي أو السلبي، بينما حرصت بعض الجمعيات على الابتعاد عن الأضواء والبقاء بعيداً عن ساحة الصراع، لكن الجانب الأخطر الذي برز على الصعيد الإسلامي هو حالة التخوف من بدء تشكّل "مجموعات متطرّفة" متأثرة بتنظيم "القاعدة" ودخولها على خط الصراع، ما قد يؤدي إلى انتقال الصراع السياسي والإعلامي إلى صراع أمني مذهبي يُعيد تكرار ما يجري على الساحة العراقية، الأمر الذي حذّر منه العديد من العلماء والمرجعيات الدينية والهيئات الإسلامية.
فكيف تبدو خريطة القوى والهيئات الإسلامية في لبنان بعد مرور نحو أشهر على بدء تحرك قوى المعارضة؟ وما مدى صحة التخوف من بروز مجموعات إسلامية متطرفة قد تدخل على خط التوتر والصراع القائم؟ وما هو مستقبل الواقع الإسلامي في لبنان في المرحلة المقبلة؟
"حزب الله" والصورة الجديدة
أدى دخول "حزب الله" إلى ساحة الصراع الداخلي وقيادته تحرك المعارضة لإسقاط حكومة الرئيس السنيورة وتشكيل "حكومة الوحدة الوطنية" إلى بروز صورة جديدة للحزب داخلياً وخارجياً. فالحزب الذي كان يقود المقاومة الإسلامية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وحقق إنجازاً كبيراً في حرب تموز من خلال صموده البطولي وإفشال العدوان الإسرائيلي ـ الأميركي على لبنان، دخل في متاهات الصراعات الداخلية اللبنانية، بالرغم من ان قيادييه ومسؤوليه حرصوا على اعتبار هذه المعركة استكمالاً للمواجهة ضد الإسرائيليين والأميركيين وأنها من أجل حماية المقاومة ودورها المستقبلي.
اما الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، والذي تحوّل إلى رمز عربي وإسلامي مقاوم وامتدت شعبيته إلى معظم الأقطار العربية والإسلامية، فقد دخل في أتون الصراع اللبناني بتفاصيله الإشكالية، وتعرض إلى حملة شديدة من الانتقادات لم تكن تحصل في مراحل سابقة.
ومع ان الحزب أكد رفض إعطاء الصراع السياسي الداخلي أي بعد مذهبي أو طائفي واستمراره في الخط المقاوم الوحدوي الممتد عربياً وإسلامياً، فإن رفع شعار إسقاط حكومة الرئيس السنيورة وإقامة الاعتصام الشعبي حول السرايا الحكومية ترك إنعكاسات سلبية في الساحة الإسلامية، وتم تصوير هذا التحرك على انه استهداف "لأحد رموز الطائفة السنية في لبنان ومواقعها"، مما أدى إلى حصول حالة استنفار مذهبية في مواجهته وتراجع كبير في حالة التعاطف التي كان يتمتع بها لبنانياً وعربياً وإسلامياً.
وتعتبر مصادر إسلامية حريصة على الحزب وموقعه ودوره "ان مشاركة الحزب في قيادة المعارضة أفقده الكثير من الإيجابيات التي حصل عليها خلال مواجهته لعدوان تموز، وان الشعارات السياسية التي يرفعها الحزب في هذه المعركة لا تستحق كل هذه التعبئة والحشد، وان المطلوب إعادة النظر في أداء الحزب السياسي والإعلامي وتحديد المشروع السياسي الداخلي الذي يريد تحقيقه من وراء تحركه".
"الجماعة الإسلامية" والحياد الإيجابي
واجهت "الجماعة الإسلامية" خلال هذا الصراع تحديات كبيرة على صعيد مواقفها السياسية وكيفية التوفيق بين دعمها لـ"حزب الله" المقاوم والرافض للمشاريع الإسرائيلية والأميركية، وبين حرصها على حماية موقع رئاسة الحكومة ورفض المحاولات الهادفة إلى إسقاط حكومة الرئيس السنيورة والدفاع عن مشروع المحكمة الدولية.
وقد عانت "الجماعة" وقيادتها من إرباك كبير بعد مشاركة رئيس مكتبها السياسي النائب السابق أسعد هرموش في تشييع الوزير والنائب الراحل بيار الجميل وإلقائه كلمة عفوية في المناسبة، مما فسر لدى الكثيرين بأنه انحياز إلى قوى 14 آذار، بالرغم من ان قيادة "الجماعة" عمدت لاحقاً إلى إصدار بيان تفصيلي لتوضيح موقفها وأطلقت مبادرات عدة من أجل حل الأزمة، وتحركت ما بين قصر قريطم والسرايا الحكومية وعين التينة، وقيادة "حزب الله" للوصول إلى حلول سياسية للأزمة من دون التوصل إلى نتائج إيجابية.
ويمكن توصيف موقف "الجماعة" بأنه يعبّر عن "الحياد الإيجابي" الذي يقف على مسافة متساوية بين الطرفين وان كانت بعض قيادات "الجماعة" وكوادرها وعناصرها تميل أكثر نحو "قوى 14 آذار" على صعيد الملفات الداخلية، وقد أطلقت "الجماعة" ايضاً مبادرة حول مستقبل المقاومة لكن لم تتم مناقشتها بشكل مفصّل من الأطراف المعنية.
وقد برزت بعض الإشكالات في علاقة "الجماعة" بـ"حزب الله" وتراجع مستوى التعاون والتنسيق بينهما، وان كانت خطوط التواصل والاتصال لا تزال قائمة، لكن يبدو ان المطلوب إعادة ترتيب الأولويات بين التنظيمين الإسلاميين الحركيين للوصول إلى تفاهم جديد حول كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة.
"جبهة العمل الإسلامي" والإرباك الشعبي
دخلت "جبهة العمل الإسلامي" برئاسة الداعية الدكتور فتحي يكن في أتون الصراع السياسي الداخلي بكل قوتها وفعاليتها، فقد شارك يكن في تأسيس "اللقاء الوطني المعارض"، وكان من أبرز الداعين إلى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكّرة.
كما شارك أعضاء الجبهة وقياداتها في كل التحركات الشعبية المعارضة.
وتضم الجبهة اضافة إلى يكن، "حركة التوحيد الإسلامي" بقيادة الشيخ بلال شعبان، "حركة التوحيد الإسلامي ـ مجلس القيادة" برئاسة الشيخ هاشم منقارة، لقاء الجمعيات والشخصيات الإسلامية برئاسة الشيخ عبد الناصر جبري (عضو تجمع العلماء المسلمين ورئيس كلية الدعوة الإسلامية)، مجموعة "قوات الفجر" المنشقة عن "الجماعة الإسلامية" برئاسة الحاج عبدالله الترياقي، اضافة إلى العديد من المشايخ والشخصيات الإسلامية من مختلف المناطق.
وقد أدت مشاركة الجبهة في فعاليات المعارضة إلى حصول حالة من الارتباك الشعبي لدى المجموعات التي تضمها، ولم تستطع الجبهة حشد حالة شعبية واسعة في تحركات المعارضة، كما عمد يكن إلى اتخاذ بعض المواقف الرافضة لاقتحام السرايا الحكومية وتشكيل حكومة انتقالية في مواجهة حكومة الرئيس السنيورة، وذلك في إطار استيعاب ردود الفعل السلبية في الساحة السنية على المشاركة في تحرك المعارضة.
وبالرغم من ان مشاركة الجبهة في تحرك المعارضة أدى إلى تعزيز موقعها السياسي وإعطاء زخم قوي لرئيسها الدكتور يكن على الصعيد الإعلامي، وخصوصاً من خلال إقامته لصلاة الجمعة في الوسط التجاري، فإنها خسرت في المقابل بعض الالتفاف الشعبي حولها في الساحة السنية وتعرضت إلى حملة إعلامية قاسية طالت العديد من رموزها.
"حزب التحرير" والحياد السلبي
يسعى "حزب التحرير الإسلامي" إلى ان يقدّم دائماً رؤية مختلفة حول الواقع السياسي في أي بلد يعمل فيه. ويعمد الحزب إلى ربط أية تطورات أو أحداث سياسية بالصراعات الدولية وخصوصاً الصراع بين أميركا وبريطانيا أو أميركا وفرنسا، ويطرح حلولاً جذرية لهذه التطوّرات من خلال الدعوة إلى تطبيق الحكم الإسلامي أو دولة الخلافة الراشدة لانها "الدواء الشافي لكل الأمراض".
لكن الحزب في تعاطيه مع الأزمة السياسية اللبنانية عمد إلى إعطاء مواقف مباشرة، وعقدت قيادته مؤتمراً صحافياً في فندق "السفير" في الروشة لإعلان موقفها من التطوّرات.
وقد عمد الحزب إلى مهاجمة الأكثرية الحاكمة وقوى المعارضة على حد سواء منطلقاً في توصيفه للمشكلة بالقول: "ثم هذا لبنان تتصارع فيه أوروبا وأميركا بأدوات من أهله، فتتشاجر هذه الأدوات معاً وتتضارب بالأيدي والعصي والحجارة بل وتتقاتل، ثم إن السياسيين سواء أكانوا في الحكم أم خارجه، يغدون ويروحون ويستمرون بالدوران إلى ان يتفق الكبار في الخارج على الحل فينفذه أزلامهم في الداخل".
هذا التوصيف للأزمة بغض النظر عن صحته يضع الحزب خارج المعادلة السياسية، ولذلك لم يقم بأية نشاطات أو تحركات لمعالجتها. لذا، يمكن توصيف موقفه بـ"الحياد السلبي". والملاحظ ان اللقاءات التي كانت تجمع بعض مسؤولي الحزب بقيادات الحركات والاحزاب الإسلامية ومنها "حزب الله" و"الجماعة" و"التوحيد" قد تراجعت، وتوقفت اللقاءات التشاورية الدورية بينهم. كما لم يقم الحزب بأي تحرك شعبي أو سياسي لوقف الفتنة ومنع تحول الصراع السياسي الى صراع مذهبي باستثناء قيام وفد من الحزب بزيارة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان.
"تجمع العلماء" والانحياز وفقدان الدور
اتخذ تجمع العلماء المسلمين قراراً واضحاً وصريحاً بالانحياز الى جانب المعارضة والمشاركة في تحركاتها السياسية والشعبية، وأصدر التجمع بياناً في بداية الأزمة دعا فيه اعضاءه من العلماء الى المشاركة في الاعتصام في الوسط التجاري.
كما ألقى العديد من أعضاء التجمع كلمات في الأنشطة السياسية والشعبية اليومية التي كانت تقام في الوسط التجاري وقد أدت هذه المشاركة الى تعرض التجمع وأعضائه الى حملة قاسية من بعض الشخصيات والتجمعات الدينية، واتهمته بـ"الانحياز الى ايران وحزب الله" كما عمدت دائرة الأوقاف الاسلامية في دار الفتوى الى اتخاذ قرارات بإيقاف بعض اعضاء التجمع عن الخطابة في المساجد مما أدى الى حصول اشكالات فيها.
والتجمع منذ انطلاقته وتأسيسه في العام 1982 تحرك في اطار الخط الوحدوي الاسلامي ودعم المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. وكان للتجمع دور فاعل في مواجهة الفتن المذهبية وخصوصاً خلال أحداث بيروت في العام 1984 وحرب المخيمات. وقد عمد بعض اعضاء التجمع الى اقتحام حصار المخيمات والبقاء فيها حتى وقف الحرب.
لكن مشاركة التجمع في تحرك المعارضة ودعمه لمواقف "حزب الله" أديا الى تراجع دوره الوحدوي الاسلامي وتحوله الى فريق سياسي بالرغم من أن قيادة التجمع تبرر هذه المشاركة في التحركات الشعبية بأنها لحماية خط المقاومة.
ومع كل الملاحظات التي يمكن ان توجه الى التجمع، فإنه لا يزال قادراً على المساهمة في التخفيف من حالة الاحتقان المذهبية والعمل بفعالية لتعزيز الأجواء الوحدوية بغض النظر عن الخلافات السياسية.
وحسب مصادر أعضاء في التجمع فإن "هناك خطة ينوي التجمع القيام بها من أجل معالجة الإشكالات التي برزت ودعم الجهود الوحدوية" مما قد يعيد الى التجمع فعاليته في الخط الذي رسمه عقد تأسيسه.
التيارات السلفية والجمعيات الاسلامية
اتجهت معظم التيارات السلفية في لبنان الى اتخاذ مواقف داعمة لـ"تيار المستقبل" ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وشكلت هذه التيارات سلسلة من الوفود لزيارة النائب سعد الحريري والرئيس السنيورة ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني لاعلان رفضها لإسقاط حكومة السنيورة ومحاصرة السرايا الحكومية. وتحرك عدد كبير من علماء الدين في المناطق والمشرفون على الجمعيات الاسلامية للمشاركة في التحركات الداعمة للحكومة ومواجهة قوى المعارضة، وشكل هؤلاء احد عناصر القوة الأساسية في تحرك "تيار المستقبل".
وان كان مشهد الجمعيات الاسلامية شهد بعض الاستثناءات، فان "جمعية القرآن الكريم" التي يرأسها الشيخ هشام خليفة كانت أقرب الى قوى المعارضة. كذلك الأمر مع رئيس "جمعية الدعاة الثقافية" الشيخ محمد ابو القطع الذي تعرض الى بعض المضايقات بسبب مواقفه الداعمة لـ"حزب الله".
|