رسالة مفتوحة من نصر بن سيار إلى الأمة العربية
أ. د. حازم طالب مشتاق
كان نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان في أواخر الفقد الثاني وأوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، وكان والياً محنكاً حازماً. فاستشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق في تلك الأيام، يعلمه في أبيات من نظمه ما شاع بخراسان من الاضطراب في العامين الماضيين، ويحذره من خطورة الوضع، ويصارحه أنه إذا استمر في التدهور ولم يعالج معالجة حازمة، فأنه سيؤدي لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة.
(الطبري 9: 1973، ومروج الذهب 3: 257)
ويقول:
ابلغ يزيد وخير القول أصدقه
وقد تبينت ألا خير في الكذب
إن خراسان أرض قد رأيت بها
بيضا لو أفرخ قد حُدّثت بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت
لمّا يطرن وقد سربلن بالزغب
فإن يطرن ولم يُحتل لهن بها
يلهبن نيران حرب أيّما لهب
فلم يمده بأحد لأنه كان مشغولا بمجالدة الخوارج في العراق فاستغاث بآخر خلفاء بني أمية في الشام مروان بن محمد. وأعلمه حال أبي مسلم، وخروجه، وكثرة من معه، ومن تبعه. وأخبره بغوائل الفتنة القائمة ودواهي الكارثة القادمة، إن لم ينجده بمدد من عنده (الدينوري ص 357. والعقد الفريد 4: 478. ومروج الذهب 3: 255). و(الطبري 9: 1973. والأغاني طبعة دار الكتب 7: 56. وابن الأثير 5: 365). فكتب ينذره ويحذره شعراً:
أرى خلل الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفئها عقلاء قوم تكن حرباً
مشمرة يشيب لها الغلام
فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ
وإن رقدت فاني لا أُلام
فإن يك أصبحوا وثووا نياماً
فقل قوموا فقد حان القيام
ففرّي عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعرب السلام
ولكن مروان لم ينجده، لأنه كان مشغولاً في الشام بالاقتتال بين القيسية واليمانية. وعندما قطع الأمل وفقد الرجاء أخذ يبث همومه وشجونه إلى العرب في المدينة، محاولاً أن يستثمر نخوتهم الدينية وعزتهم القومية وناشدهم أن يكفوا عن الاقتتال فيما بينهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء، توحد سواعدهم وقلوبهم للوقوف بوجه أبي مسلم وخطره الذي أصبح يهدد وجودهم ومصيرهم (الدينوري ص 361. والعقد الفريد 4: 479. وابن الأثير 5: 367) فكتب يقول شعراً:
أبلغ ربيعة في مرو وإخوتها
أن يغضبوا قبل أن لا ينفع الغضبُ
ما بالكم تلقمون الحرب بينكم
كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُبُ
وتتركون عدواً قد أظلكم
فيمن تأشبَ لا دين ولا حسبُ
ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم
ولا صميم الموالي إن هُمُ نُسبوا
قوم يدينون ديناً ما سمعت به
عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ
مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم
فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ
لعمري، ما أشبه اليوم القريب بالأمس البعيد. والشيء بالشيء يذكر. حتى لكأن نصر بن سيار قد كتب في القرن الثاني للهجرة رسالة مفتوحة إلى أبناء الأمة العربية في هذا الزمن الرديء والوضع السيئ من أوائل القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد. وأطلقها سهما مضيئاً يخترق ظلمات المجهول وحجب الغيب ويطوي فيافي الزمن وأستار التاريخ، ويدوي في آذاننا وعقولنا وضمائرنا كما يدوي جرس الإنذار ونداء الخطر.
وها هو نصر بن سيار يعود إلى قومه من جديد ويخاطبهم مرة أخرى مستنهضاً الهمم والعزائم ومستثيراً قيم العزة القومية وتقاليد النخوة العربية والإسلامية. فلا نامت أعين الظالمين ولا شُلّت سواعد المظلومين ولا ارتفعت بيارق الظلم.
http://www.al-moharer.net/moh234/mushtaq234.htm