بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز جمال حمدان،
أشكر لك غيرتك الواضحة على الإسلام والمسلمين، ولا شك أن الكلام في المواضيع والمشاكل المعاصرة مطلوب ومفيد، ولكن لي على مجمل كلامك ملاحظات
أولا: إن الإسلام ليس كله سياسة، نعم الكلام في السياة واجب على من استطاع، وانتقاد ما حصل ضد العراق مطلوب، والتعاون مع الغربيين في استنزاف ثروات هذه الأرض حرام، وهو خيانة لهذا الدين والأمة، وكذلك ظلم الحكام للمحكومين منبوذ، والعلم على تغيير الواقع واجب لا شك في ذلك.... وغير ذلك كثير وأنت تعرفه
ثانيا: الإسلام بالإضافة إلى الأمور السياسية يحتوي على أمور فكرية وعقائدية، وهي وهي من أكبر الأصول الدينية، لأن الإنسان لا يكون مسلما إذا لم يعتقد، ولكنه يكون مسلما ولو لم تكن هناك دولة إسلامية. فالاهتمام بالعقائد واجب بل هو أوجب من غيره.
ثالثا: كون العقائد واجبة لا يستلزم التنطع والمباشرة بالتكفير لكل من يخالف فيها، بل إن التدقيق في هذه الأمور واجب أيضا، ولكننا ابتلينا في هذا الزمان، بدخول كثير ممن لا يعلمون في مجالات لا يحل الكلام فيها إلا لأهل العلم، وهذا الأمر لزم من شيوع التهاون بأهل العلم، وإطلاق القول على أكثرهم بأنهم مبتدعة أو خارجون عن أهل السنة، وذلك لمجرد أنهم يوافقون الإمام الأشعري إجمالا. وهذه هي أصول الدعوة السلفية، التي تريد أن تجعل عامة الناس يتجاوزون العلماء الأكابر ويغوصون في النصوص الشرعية بعقولهم الجاهلة غالبا، وهذا لا يحل في دين الله تعالى، لأن الله تعالى جعل لأهل العلم حكما ولغيرهم من العوام حكما آخر. وأوجب على الذين لا يعلمون أن يسألوا الذين يعلمون. أليس كذلك أيها الأخ. فالحكم باستواء الناس عموما في حقية الرجوع مباشرة للنصوص الشرعية لاستنباط الأحكام الشرعية أو للنظر في أمور الدين مخالف لنفس الدين. بل الواجب على العامة هو معرفة الدين والإيمان به، ومعرفة الدين للعوام تتم عن طريق العلماء لئلا يضلوا.
رابعا: النقاش في أمور الدين أنا أرى أنه مطلوب، حتى لو احتد الأمر، لأن هذا يكون عاملا في تقوية الوازع الديني في النفوس جميعا، وصدقني أنه إذا كانت المقاصد مخلصة لله تعالى، فإن الاتفاق سيحصل بين المتناقشين، فلا يضر أن يقول الواحد للأخر :أنت غلطت في قولك هذا، أو أنت انحرفت عن المجال الصحيح في الدين، لأن عين هذا القول والموقف يتضمن اعترافا واضحا بالدين وسلطته من الطرفين، واعترافا بمرجعيته في حل الخصومات، ويكون دافعا للاثنين إلى الرجوع مرة بعد أخرى والتفتيش في للاستدلال على ما يعتقدون أنه الحق، والواجب عند ذاك إذا لم يستطع واحدهم الاستدلال على ما قال أن يرجع عن قوله. ولو بقي الحوار في هذا المجال لكان نافعا.
خامسا: الكلام في الدين يقوي الوازع الديني، خاصة إذا كان سائرا على القواعد الصحيحة، ولا يكون مطلقا منافيا لذلك. والتهويل في مناقشة القضايا غير نافع في النقاش، والحق يمكن الوصول إليه بالنظر الصحيح، والنظر الصحيح لا بد له من مقدمات وطريقة صحيحة. فالحل في هداية الناس لا يكون بالقول لهم لا تتناقشوا بل في تركهم يتكلمون في المواضيع الدينية، ولكن بدلالتهم أيضا على الأمور الصحيحة والقواعد النبيلة التي إذا التزمنا بها يتم بها الاهتداء إلى الحق من الأقوال والأفعال.
سادسا: هل ترى أن الكلام في الدين والمسائل الدينية ينافي الاهتمام بالمشكلات المعاصرة أيها الأخ الفاضل؟؟؟ ألا ترى أن أهم مشكلاتنا على الإطلاق هي عدم فهمنا للدين على حقيقته، على الأقل على المستوى الفردي. بل إن النظر في الدين واجب لأنه هو الطريقة المثلى للاهتداء إلى الحق.
هذه بعض الملاحظات التي أردت أن أقولها لك، ولكل الإخوة الذين علقوا على كلامك. والله الموفق.
|