قصه قصيره
حسن نصرالله في بني براك *
شوقيه عروق
وجدت نفسي داخل مأزق ، فوهة الزمن تصوب رصاصها نحو عصافير الساعه ، تجرني العقارب الى التوتر .. والارقام تكومت امامي وجلس فوقها موعدي مع الطبيب ، العرق يتصبب من مساماتي التي وجدت ان حرارة الطقس خارج السياره قد انتصرت على المكيف الذي عجز عن احتضان البروده وتقديم الانتعاش في يوم اكدت فيه دائرة الارصاد الجويه ان الحرارة ستكون أعلى من المعدل الطبيعي .. تباً لهذا الطبيب الذي اشار علي بالذهاب الى المركز العلاجي .. مركز مكون من عدة طوابق بدون كراج خاص لسيارات زواره ، كيف يمكن ان يكون هذا في امبراطورية المخالفات ومواعيد رجال شرطة السير او شرطة البلديه الذين يخرجون من أوعية العطش الى الشوارع والطرقات لأرواء الظمأ عبر تسجيل المخالفات ... الف وادور .. السيارات مركونه بصوره عشوائيه .. سيارات تقف وهي تصارحك انها ألقت بنفسها الى احضان شرطي كي يخالفها ، وسيارات تسد المنافذ بعنجهيه ولا مبالاه ، وسيارات مروضه على التواضع حيث تقف في أي مكان يملك متسعاً حتى لو ادى الامر الى ضرب هذه السيارات من قبل السيارات المسرعه ... ما زلت الف وادور كأنني داخل زجاجه مغلقه ، لمحت من بعيد بوابه كبيره مشرعه ، قررت الدخول مهما كانت النتيجه حتى اتخلص من حصار الوقت والسيارات التي تطلق ابواقاً وسائقيها الذين يصرخون من قيادتي البطيئه ..
الساحه كبيره ، لافته صفراء تقسم بخط أسود بارز ان
أي سياره ستقف في هذا المكان سيجري مخالفتها أو جرها من قبل شرطة البلديه .. هذه منطقه خاصه للمحل .. نظرت الى الواجهه الزجاجيه .. متجر خاص للأدوات المنزليه .. قررت المغامره ، سأركن السياره هنا .. ما ان فتحت الباب حتى وجدت امامي شبح رجل ، صدمني وجهه الاصفر الذي يتأجج غضباً ..
ــ ممنوع ايقاف السياره هنا !!!
قالها بعبريه سريعه ، مكتظه بزهق روتيني ..
اجبت بسرعه ..
ــ انا أتيه لمتجركم ...
ابتسم ورسم فوق ملامحه الغاضبه نصباً تذكارياً لضعف التاجر الذي يمارس الكذب حينما يرحب بالزبون ... قررت ان اشتري شيئاً كي أجد عذراً لأيقاف السياره في منطقه أمنه .. ( فالمقروص يخاف من جر الحبل ) وانا مقروصه من دفع المخالفات التي تصطادني بشباكها بين حين وحين .. دخلت المتجر .. استقبلني رجلاً آخر يرتدي سروالاً اسوداً وقميصاً ابيضاً ينبت من وسطه ، عند الخصر خيوطاً بيضاء ولحيته الكثيفه التي علقت ذبائح من الشعر الاشقر ، خرجت من اعلى فوديه الى صدره حاملةً غابه غامضه وسيلاً من روحانيه متقنه ومدروسه ...
الرفوف مليئه بادوات المطبخ .. لست بحاجه لشيء ، همست لنفسي .. نظرت الى ساعتي ، امامي عشر دقائق حتى يحين موعدي مع الطبيب .. سأشتري شيئاً وأطلب من صاحب المتجر ان تبقى سيارتي مركونه امام متجره حتى اقضي موعدي مع الطبيب ، ثم أعود .. أواني من كؤوسٍ وصوان وملاعق ومزهريات وورود بلاستيكيه وجافه وشموع وتحف ورسومات ... ضجر يستدعي ثرثرة المطابخ
والصالونات والتي ارفض الأن الحوار الانثوي معها ... اختال بين الرفوف .. مجموعه من السكاكين .. توقفت .. تذكرت انني بحاجه الى سكاكين حاده .. فالسكاكين التي في مطبخي تعاني من هروب الحده .. وزوجي يعايرني انها لا تقطع " الزبده " رغم انه يقوم دائماً بشحذها .. كأنني وجدت ضالتي .. حملت المجموعه وتوجهت الى المرأه الجالسه على المدخل وتحاسب الزبائن الذين يشترون .. وقفت امامها انها ترتدي قبعه على رأسها وقميصاً رمادياً مغلقاً حتى العنق .. شعرت انه يضغط على عنقها حتى بانت التجاعيد على الذقن منفره ، كالازقه المعتمه ..
ــ فقط هذه السكاكين
ــ نعم .. اجبتها وانا ادخل يدي في حقيبتي الكبيره
افتش عن محفظة النقود ..
ــ سبعون شاقلاً ...
ما زلت افتش عن محفظة النقود ... لا احب الحقائب الصغيره ، احب الحقائب الكبيره حيث اضع فيها كل ما يحلو لي ، من الكتب والمجلات والمكياج الى فرشاة الشعر والاوراق والاقلام ، وعندما كان ابنائي صغاراً كنت اضيف الحفاظات وقناني الحليب والادويه والورق المعطر ، عالم متكامل داخل هذه الحقيبه التي لطالما اطلق عليها الاصدقاء ( جراب الكردي ) مع انني اغيرها دائماً حسب الموضه والالوان رافضةً باصرار حمل حقيبه صغيره اشعر انها ترمي بأشيائي التي يصعد منها فرح الاسترخاء والراحه ، ما زلت افتش عن محفظة النقود اخرجت الكتب والاوراق والمفكره على الطاوله ، المرأه الجالسه ترمق المفكره بفزع .. لمحت صورة جمال عبد الناصر التي اتفاءل بها دائماً ، فمنذ ايام المرحله الثانويه ولي تقليد خاص جداً وضع صورة
جمال عبد الناصر على المفكره وكل سنه أغير المفكره اقوم بنزع الصوره عن المفكره القديمه واضعها على مفكرة السنه الجديده ، تقليد سنوي اضفت اليه السنه الماضيه صورة حسن نصرالله .. لم أهتم لعيون المرأه المفزوعه التي تنزف تحديقاً واستنكاراً .. اخذت تنادي زوجها الذي هرع على كابوس صراخها ، ووجدت نفسي داخل كهف يمتلىء بصدى الصراخ ، وسراويل سوداء وقمصان بيضاء تحيط بي من كل جانب وجميعهم يتكلمون ويشيرون الى الصوره ... احدهم أقترب ..
ــ هذا حسن نصرالله ..
ــ نعم حسن نصرالله ..
مد يده كي يمزق الصوره التقطت المفكره ووضعتها داخل الحقيبه بسرعه ، اخذ يكيل لي الشتائم ، بعضهم اخذ يراهن ان الصوره ليست لحسن نصرالله بل لفنان يشبهه .. اجاب أحدهم انها لحيته ونظراته ... دخل رجل كالريح .. وسأل
ــ ماذا يفعل حسن نصرالله عندنا .. الا يكفي
ما فعله بنا ...
هربت من حصار الوقت ها هي الوجوه تحاصرني وتحاول قص اجنحتي ..
ــ هل يوجد قانون يمنع وضع صورة حسن
نصرالله ..
المرأه الجالسه على المدخل المعتمره القبعه والقميص الرمادي المضغوط تحاول قذف المتواجدين بالهلع ..
ــ انظروا اشترت ايضاً سكاكين ...
ايقنت انني الأن في عش الدبابير وان الرقص على ايقاع الكلمات سيقودني الى انفاق وارصفه ومتاهات لا اعرف عقباها ....
ــ انا لا اريد شراء سكاكين او اي شيء آخر ..
الموضوع هي انني كنت ابحث عن مكان اركن به السياره لأنني على موعد مع الطبيب في المركز العلاجي المجاور ..
تستطيعون الاتصال بالمركز .. هذا هو الرقم ...
ناولته للمرأه المفزوعه .. ولم تهدأ حتى قامت بالاتصال وتأكدت من الاسم والساعه المحدده لزيارة الطبيب ..
وهمست للسكرتيره ...
ــ هذه من طرف حسن نصرالله ...
ضحكت وانا اخترق الطوق ... ما زالت الشتائم تنهال ، يغمدون خناجرهم في الصوره التي ضبطت في متجرهم وعكرت صفوهم ..
اخذت افتح ثقباً بين المتجمهرين الذين يسترقون النظر متوجهةً الى سيارتي .. قدتها ببطء .. خرجت من الساحه الى الشارع .. تذكرت موعدي مع الطبيب ، سأركن سيارتي في أي مكان .....اوقفتها وانا اتكىء على أي مخالفه تمد مخالبها ...
دخلت العياده ... تأسفت للسكرتيره لأنني تأخرت ...
لكن طلبت مني برقه متناهيه ان انتظر حتى يخرج المريض المتواجد مع الطبيب ... بعد فتره ... أطل الطبيب ... ونادى
ــ " جبيرت " ( سيده ) نصرالله ...
نظرت حولي ... لم أجد الا أنا ....
* بني براك مدينه تقع شمال شرق تل ابيب ويسكنها خليط من اليهود أكثرهم من المتزمتين دينياً .