هوايــــــات
هوايات
من يتتبع جذر (هوا) في القواميس العربية، يجد أن هذا الجذر يفضي الى الكثير من الألفاظ والكلمات ذات المعاني المختلفة .. فمن الهواء، حيث يخرج أحدهم ليشم الهواء من غرفته الضيقة سيئة التهوية، ثم يخرج ليشم الهواء متمشيا في الشوارع المفضية الى الحقول وقد تتطور الأمور مع أحدهم فلا يعرف أن يشم الهواء إلا في سويسرا أو (هونولولو) ..
ومن تصريف الجذر (هوا) يخرج لنا لفظ ( الهوى) أي العشق و الحب، ففلان يهوى فلانة، أي يرنو قلبه نحوها فيهواها.
وطائرة (تهوي) أي تنحدر من علياءها لترتطم بالأرض و تتحطم. وأمه هاوية أي أن رأسه ستهوي به الى جهنم و بئس المصير، كون الرأس هي أم الأفكار والأفعال عند البشر، فهي تقود صاحبها الى الهاوية .. وحيث إن (الهوة) هي الفجوة والحفرة، فالهاوية هي من يسقط فيها من لم ينتبه ..
وفي المعاملات يطلب الموظف من المراجع إبراز هويته وهي البطاقة الشخصية التي يُكتب فيها معلومات عن الفرد من هو وأين ولد ومتى واسم والدته وفصيلة دمه الخ ..
وفي تقديم الفرد لنفسه، سيذكر ـ زيادة في التعريف ـ عن هواياته فهذا يجمع طوابع وهذا يجمع عملات نقدية قديمة، وهذا يهوى الصيد وهذا يهوى السفر، وهذا يهوى جمع السلاسل الحديدية أو الولاعات الخ ..
وقد تتدخل الحالة المادية في اختيار الهواية، فلن يفكر رجل فقير أن يمارس هواية التزلج على الجليد، أو اقتناء سيارات السباق. وأحيانا تتدخل الحالة النفسية أو الجسمية في اختيار الهواية، فتجد طفلا تعرض للضرب من أقرانه في المدرسة يهوى جمع السكاكين أو السلاسل الحديدية ويصبح مولعا بمشاهدة أفلام الكاراتيه و الكاوبوي. كما ستجد رجلا أزال ( غدد البروستاتا) يراقب طيور الحمام بشغف شديد!
ومن النماذج التي سنمر عليها، سنرى أن هناك من يجعل من هوايته أفضل ما تخصص به الجذر (هوا) وهناك من يجعل من هوايته أسوأ ما تخصص به .
(1)
البحث عن الذهب :
تعتبر ظاهرة البحث عن الدفائن والكنوز، ظاهرة ملازمة لسكان البلاد الفقيرة، فحيث تكثر البطالة و يكثر الفقر، تظهر علامات أحلام اليقظة على الكثير من الناس. فيمني الفرد نفسه بصور تليق بأحلامه فقط، ويصبح يدافع عن تلك الأحلام بشكل كبير، فإن طلبت زوجته منه شيئا، صبرها بكلمات قليلة تختلط بابتسامة مدعية، ملفوفة بأسرار كاذبة، بأن صاحبها قاب قوسين أو أدنى من الانتقال من حياة البؤس والشقاء الى حياة النعيم والرخاء. والكثير من الزوجات يتقمصن دور أزواجهن ويصبرن على ما هن عليه، وينخرطن في الدور بشكل كامل.
تكون مجالس هؤلاء، مقتصرة على المهتمين بتلك الهواية، فيكون كلامهم مليئا بالألغاز، وجملهم قصيرة، وليس في الحديث أسماء، لا لأشخاص ولا لأمكنة. ويختار أصحاب القصص نماذج من رجال أغنياء في المنطقة ويردون أسباب غناهم الى ما وجدوا من كنوز، فيسيل لعاب السامعين وتنتعش أحلامهم من جديد .
ويتمتع الرواة بتمثيل دور من هم نائمين على أسرار غامضة ..فيشدوا بعضهم لإفشاء جزء من السر، لينتقلوا بعده لإجراء الحفريات السرية في أمكنة خطرة أو مكشوفة .. لو تم حساب الحفريات التي قام بها أحدهم بالأمتار المكعبة وتم ضرب تلك الكمية بخمس دولارات وهي أجرة الحفر للمتر المكعب الواحد، لأصبح هؤلاء من الأغنياء الذين يُشار إليهم بالبنان .. ولكنهم فضلوا الركض وراء أحلامهم المستعجلة فبقوا على فقرهم ..
ومن بين تلك القصص قصة حقيقية، أن أحدهم وكان يدعى (عادل)، كان يذهب الى أحد الوديان للاختلاء بنفسه ومزاولة عادة سيئة يحاول أن يخفيها وهي تعاطي بعض أصناف المخدرات، وكان يخطب ابنة رجل موسر، فبينما هو يسير على حافة أحد الوديان هبطت رجله في حفرة، فإذا به يكتشف خمسة صناديق من الذهب (العثماني).. فذهب الى والد خطيبته وأخبره بما حدث معه فجاء الرجل وأخذ الصناديق الخمسة وأعطى لعادل صندوقا، تصرف في بيعه فكانت حصته تقل عن المليون دولار قليلا.. ولم يكن هذا العادل من هواة البحث عن الذهب .. ومع ذلك لقد ركب الرواة على تلك القصة إضافات تبرر عملهم!
ذات يوم دخل أحد غير المهتمين الى مجلس هؤلاء، فأدرك ما هم عليه، فأحب أن يعبث بهم، فأخبرهم خبرا أساسه كذبة، حيث قال: إن الواهمين يعتقدون أن الكنوز الرومانية في المنطقة الفلانية تحت أنقاض القصر، لكنها في الحقيقة (وصمت بعدها) .. وهم يشنفون آذانهم لسماع ما سيقول بتركيز شديد .. فأدرك عبثية هؤلاء القوم .. ثم تابع : إن الكنز يقع في أسفل بئر فلان .. وتعمد أن يمر بسيارته في اليوم التالي بعد منتصف الليل الى المنطقة التي بها البئر، وكانت دهشته كبيرة عندما رأى آليات حفر عملاقة تحفر بالبئر والرجال يتوزعون بالمرابطة بمحيط المكان يحملون أسلحتهم .. ضحك واختفى ولم يعاود التواصل معهم ..
__________________
ابن حوران
|