يخطئ من يظن أن الفقه الوهابي تطبيق لصورة الإسلام الصحيحة كما كانت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وإنما هو يمثل (محمد بن عبد الوهاب) لنصوص ابن تيمية ومن قبله ابن حنبل اللذين اجتهدا بما يوافق عصرهما لا عصرنا، ولو كان يمثل الإسلام الصحيح ـ كما يدعون ـ لما تحالف مع سلطة (آل سعود) التي تحالفت بدورها مع الإنجليز، ولما طبق (الشريعة) على العوام وترك الأمراء والسادة (!) ولو كان المذهب الوهابي يمثل الإسلام الصحيح لما تتبع عورات المسلمين ولما تجسس على عقائدهم تحت ستار (هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر)(!).
ولو كان المذهب الوهابي يمثل الإسلام الصحيح لما حث على التقليد الأعمى للآباء والأجداد والأسلاف، والله ينهى عن ذلك ويذم المقلدين و(إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون)(المائدة /104).
ولو كان المذهب الوهابي يمثل المذهب الصحيح لما شجع وعضد الاستبداد السياسي ولأهاب بالحكام أن يطبقوا قواعد الحكم السياسي السليم، القائم على العدل والتداول والديمقراطية .. وغيرها من مبادئ الحكم المدني التقدمي .. والذي يستقصي التاريخ الطبيعي للأديان يعلم أن الاستبداد السياسي ناتج من الاستبداد الديني، وتعاليم الإسلام والقرآن ليست مؤيدة للاستبداد السياسي، أما تعاليم الوهابيين تؤيده مادام في مصلحتها.
ومن جناية المذهب الوهابي على الفكر العربي انه أنشا جيلا من الشيوخ الذين احتكروا فهم النص الديني بناء على فهم أسلافهم، فأنشاؤا شكلا دينيا يدعوا إلى التخلف والعسر ورفض الآخر، واغرقوا المسلمين في كم هائل من الفتاوى التي اصطنعوها اصطناعا لتناسب مذهبهم السلفي وأعادوا العقل العربي إلى أزمان الجاهلية والبداوة.
وأضحى (الوعي الجمعي) لا يعتقد إلا بسلطة النص، وأصبح (العلماء) و(الشيوخ) حق الإفتاء في كل شيء وتضخمت سلطة النص أمام تعقيدات العلم ولا يزال الناس يستفتون في كل شيء. وإذا قال قائل: إن القاعدة تقول: (لا اجتهاد مع النص) فذاك صحيح إذ لا اجتهاد مع النصوص القاطعة الكثيرة التي وردت في القرآن وصحيح السنة أما النصوص التي تحتاج إلى اجتهاد يتغير مع تطورات الزمن والتي تدل على صلاحية القرآن الكريم لكل زمان ومكان، فلا ينبغي أن نقف عند اجتهاد الفقهاء والمفسرين القدماء لها.
وليس بأدل على مفاجأة هذا المذهب للعلم والعقل السليم من أن (عبد العزيز بن باز) – المفتي السابق لال آل سعود – ظل مصرا على تكفير من يقول بكروية الأرض(!!).