مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 30-04-2001, 04:04 PM
Sukkary Sukkary غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
المشاركات: 4
Post خطوة واحدة - قصة قصيرة

منذ صغره وهو يحب الشتاء .. لكنه كان يكره تلك الغيوم التى تضفى على الكون حوله لونا كئيبا موحشا ..
ويشعر بمشاعر غامضة محببة لنفسه حينما يرى الشمس تطلع بعد احتجابها وراء تلك الغيوم ..وكم من ساعات قضاها فى صباه وهو يترقب تلك اللحظة التى تبتسم له فيها الشمس بعد احتجابها الحزين..
نظر للسماء وجد الغيوم قد تجمعت وسدت الطريق امام الشمس تماما .. الوقت يوحى إليه بوقت الغروب ..
مع أن اليوم مازال فى أوله .. لمح الشمس وهى تحاول أن تتسلل من تلك الفرج بين الغيوم .. أعجبه هذا الصراع الخفى فانشغل بمتابعته للحظات ..

تذكر موعده فنظر فى ساعته فى قلق .. إنه يخشى أن تقفز عقاربها فجأة فيفوت الموعد المحتوم كان ينظر فى الساعة كل دقيقة تقريبا .. هاهى الآن العاشرة وعشرون دقيقة .. مازال أمامه عشر دقائق كاملة ..

سار فى طريقه .. وهو يراقب الغيوم بطرف عينه .. تذكر موعده فشرعت دقات قلبه تتسارع بشكل عجيب والدماء كأنما أجرت سباقا محموما داخل شرايينه .. وذهنه صار كانه جمهور مهووس يستثيره هذا السباق ..
تمتم ببعض آيات القرآن وهو يحاول ان يغالب قلقه ..

نظر فى ساعته .. مازال هناك تسع دقائق ..
نسمة رقيقة آتية من وراء المدينة داعبت وجهه ليست من جنس نسمات الشتاء الباردات تلك .. سمع معها صوت أمه يناديه .. استدار بلهفة ناحية الصوت لكنه لم ير إلا طائرا يلتقط صغيره من الأرض ويطير به مسرعا ناحية السماء .. تتبع ببصره الطائر حتى توارى بعيدا فى السماء ..

امتلأ ذهنه الآن بصورة أمه . هذا الملاك البشرى .. إنها كتلة من الرحمة ونكران الذات تسير على قدمين .. أحس بتلك الابتسامة التى اعتادها تصاحب ذكر أمه قد سرت إلى شفتيه . هدأ قلبه واطمأن قليلا ..
أخذ يستعيد ذكرى ماضيه القريب البعيد ..
تذكر بيتهم الذى كان يملأه الحب .. وتطوف السعادة مع الهواء فيه صباح مساء .. ضحكة أبيه الصافية التى لم يسمع مثيلها قط يتردد صداها فى أذنه ..
تذكر جدته التى لا تمل الدعاء لهم جميعا وهى جالسة على عتبة دارهم منشغلة بمراقبة الحياة فى فصلها الأخير وهى تمر امام عينها ..

حن إلى تلك الروح الجميلة التى كانت تظلل بيتهم حينما تذكر ضحكات أخته الحبيبة إلى قلبه .. كانوا يعيشون فى الجنة مثلما قالت هى ذات مرة ..

خنقته عبرة وهو يتذكر صورتها وقد أخرجوا جسدها الهامد من تحت أنقاض بيتهم كانت تحتضن ثياب عرسها .. فقد كانت تستعد لزفافها بعد أيام ..

ذكرياته الجميلة معها تمر امام ذهنه كشريط سينمائى .. كان يحبها ويشعر أنها ملاك يعيش فى صورة فتاة ..
انقبض صدره حينما سمع جدته ذات مرة تقول أن الملائكة لا يعمرون فى الأرض كثيرا ..
تذكرها وهى ترتدى ثياب عرسها وتريها له .. كانت جميلة ورقيقة مثل ملاك قالت له لو لم أكن أختك هل كنت تتزوجنى؟
رد عليها مداعبا : امممم .. دعينى أفكر ..
صدى ضحكاتهم وعتابها اللطيف والبخور الذى كانت تطلقه أمه خوفا عليهم من الحسد يملأ رأسه ونفسه ويعيد إليه ذكريات جميلة صارت الآن مؤلمة أشد الألم ..
أطلق من صدره تنهيدة كئيبة مثل تلك الغيوم التى تملأ صدر السماء فوق رأسه ..
خمس دقائق ..
طافت فى ذهنه صورة تلك الدمعة الصلبة التى رآها فى عينى جدته وهى جالسة بجوار جثة أبيه صامتة كما اعتاد أن يراها وهى تراقب فصول حياتها الماضية..
تذكر تلك الجنة التى استحالت جحيما فى لحظات .. و تلك السعادة التى ضاعت من حياته للأبد مع جسد أمه الذى ضاع مع ما ضاع تحت الركام ..

كاميرات التلفاز تصور بيتهم .. وهو يراقبهم فى صمت .. أحدهم يلتقط صورة لأخته وهى تحتضن أبيه من بين الركام ويرفعها امام شاشة التلفاز .. وصوته يعلو ويعلو ويبدو من ملامح وجهه الغضب الشديد .. وبعدما انتهى التصوير ألقى بالصورة وراءه وسار يبحث عن شئ جديد بين الركام ... ابتسم بينه وبين نفسه فى مرارة وقال انه يبحث عن سبق صحفى .. التقط هو الصورة مسرعا ونفض التراب عن وجه أبيه الذى كان مازال يضحك تحت كل هذا الركام ..
عربات الإسعاف تتسابق فى نقل الموتى .. وهرج ومرج ينتشران بالمنطقة ..
وهو مازال على صمته بجوار جثة أخته العروس .. تذكر نبوءة جدته أن الملائكة لا يعمرون فى الأرض شعر بشئ من التسليم وتمنى وقتها لو كان ملاكا ..
أشارت إليه جدته برأسها ليقترب .. حدق فى عينيها اللتين كانتا كانما دفن بهما أبوه منذ لحظات .. ضمته إلى صدرها استمع إلى هذا اللحن الحزين الذى يعزفه قلبها شدت على يديه فى صلابة وأشارت له أن ارحل !!
نظر مرة أخرى إلى عينيها وإلى أبيه الراقد فى قاعهما .. فهم كل ما تريد أن تقوله فقام فى صمت ..

ها هو الميدان يلوح لى مئات المارة يملئون الميدان .. عشرات السيارات تقطعه ذهابا وايابا .. نظر فى ساعته بقيت دقيقة واحدة على الموعد .. شعر باشتياق رهيب لهم جميعا .. متى يتم لقاؤهم لقد طال البعاد .. وعصف به الشوق ..
وها هى الحافلة واقفة تنتظر .. انهم يزدحمون عند بابها .. يا ترى هل سيقدمون معى جميعا ؟!! اتجه صوب الحافلة وهو يتأمل وجوه الجنود الكريهة ..
دقيقة واحدة .. بل هى خطوة واحدة على اللقاء .. إننى مشتاق لهم جدا .. تحسس جسده وبدا كأنما يعدل هندامه ويستعد لاستقبالهم .. تأكد من وضع شئ ما ..
رفع بصره إلى السماء ابتسم قلبه حينما وجد الغيوم قد تفرقت وعاودته تلك المشاعر الطفولية الجميلة حينما رأى الشمس تطارد بأشعتها بقية ما تبقى منها لتصفو السماء تدريجيا ..
أحس بقوة أن روح أمه ترفرف الآن حوله إنه يشعر بحضورها الذى لا يمكن أن تخطئه نفسه أبدا ..
سمع ضحكات أبيه النقية تتردد بجلاء من فوقه .. أخذ يجيل بصره فى شوق إلى السماء ..
بعيدا جدا جدا وراء آخر غيمة فى السماء رآهم هناك ينتظرون ..
شعر بالطمأنينة الكاملة وتوقف السباق المحموم الدائر فى شرايينه .. نظرت كل جارحة من جوارحه مع عينه إلى عقارب ساعته وحينما صار بجوار الحافلة ودونما تردد ضغط الزر المختبأ فى حزامه .. لينطلقوا جميعا إلى هناك وراء الغيوم !!
الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م