حوار مع قمرية الحرم
ِكنت قد اعتمرت قبل أيام وبقيت في مسجد الله الحرام كي أنال أجر مضاعفة الصلاة ، فحدث أن تلاقيت مع قمرية من قماري الحرم ، فكان بيننا حديث صامت ، ولغة عيون ، هيجت ما في فؤادي ، وأخرجت ما في قلبي فكانت هذه الأبيات :
ماذا الترنم يا قمرية الحرمِ
فرحى طربتِ وذي ترنيمة النغمِ
أم هدك الوجد والأشواق فانفجرت
حشاشةُ الروحِ بالآهات والألم
لا تنظري لي بعين اللوم واقتربي
وقاسميني خفايا النفسِ واقتسمي
ما لي أرى الحزن في عينيك مرتسمٌ
وأسمعُ النبضَ ألواناً من السقمِ
بثي إليَّ شجون النفس إن بنا
ِمن الحنين كبركان من الحممِ
ما كدت أسلوَ حتى جئتني ولقد
هيجتِ حزني وما حزني بمنصرمِ
والله يا جارتي ما كنت أحسبهُ
قد مرَّ عامٌ لموتِ السيدِ العلمِ
كأنه الأمس تحت الثرى دفنتْ
عظامه وهي هذا اليوم في الرممِ
يا هول فاجعتي يا عُظْم نائبتي
لولا الحياء لأسعدت الثرى بدمي
لنحتُ دهري وأبكيت الورى حَزَنَاً
وما يفيد نياحي بعدهُ بفمي
فقدتُ يا هذه روحي فواعجبي
أني أعيش بلا روح ولا نسمِ
والله ما غاب عني والدي ابداً
أراه في يقظتي حياً وفي حُلُمي
يا جارة البيت يا قمريتي التفتي
فذا مقامُ نبي الله بالقدمِ
وهذه الكعبة الغراء ما نظرتْ
لمثلها العينُ عند العربِ والعجمِ
بيتٌ عظيمٌ وقد شيدت قواعدهُ
بكفِ أطهر خلق الله من قِدَمِ
ذي زمزمٌ نبعت من تحت أرجلهِ
ابنٌ لهاجر ذاتِ الدين والهممِ
وحجَّرتها ولولا ذا لقد بقيتْ
سيلاً فسبحان رب الكون ذي الحكمِ
ولتنظري إنه المسعى به ركضتْ
أقدامها تبتغي قوما من الأممِ
وذي المآذن بالتكبير قد صدعتْ
الله أكبر .. ما أحلاه من كَلِمِ
هذي المناظرُ أهواها وأعشقها
تُزِيلُ عني غشاوات من الظلمِ
آتي إليها أناجي الرب منطرحاً
فلي حياة هنا في المشعر الحُرُمِ
يا رب يا واحداً فرداً ويا صمداً
يا منشىء الخلق والأكوان من عدمِ
ارحم وحيداً بلا أهلٍ ولا ولدٍ
أدعوك يا رب يا ذا المن والكرمِ
__________________
لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ
بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ .
|