مساءٌ تبدّلت ألوانه
لي صديق ذهب في سفر استغرق شهراً فلما عاد ابتلي بفقد زوجه في مساء اليوم الذي عاد فيه، فكتبت له مواسياً:
َلهْفي عَلى مَنْ عادَ بَعـدَ غِيابِ
قَـدْ ذاقَ لَوْعَةَ فُرْقَةِ الَأحْبابِ
صاباً تَجَرَّعَ في كُـؤوسِ مَرارَةٍ
جَبَلٌ تَصَدّعَ مِن جَليلِ مُصابِ
يَبدو لسانُ الـحالِ منه باكياً
ويَصيحُ دونَ نَتيجَـةٍ لِجَوابِ
وَيَقولُ والحَسراتُ تُغْرِقُه أَسَىً :
يا وَيْحَ قلبي كَيفَ كانَ إيابي؟
يا عَوْدَةً عادَت عَلَيَّ بحَسْرَةٍ
وزيارَةً حَرَقَت حُروفَ كِتابي
يا فَرْحَةً ضاقَت رِحابُ وِصالها
بي،وانقَضَت مَمْزوجَةً بِعَذابي
يا ذا المساء تَبَدَّلَـت ألوانُـه
حُزْناً عَلَيْكِ ،وطارَ فيهِ صَوابي
يا أيُّهـا الليلُ المُفَرّقُ شَـمْلَنا
أَوَ كُنْتَ تَجْمَعُ في البِلى أَسْبابي ؟!
شَرِبَت دُموعُ العَينِ نارَ رَحيلِها
وَتَحَجَّرَت في الحَلْقِ ماءُ رِضابي
كَالنَّجْمِ خَرَّت مِن عَنانِ سَمائِها
نُـُزلاً مِنَ العَلياءِ نَحْوَ تُرابِ
يا صَاحِبي كَيْفَ المَنامُ وخافِقي
بَينَ الضُلوعِ يَـحِنُّ لِلأَتْرابِ ؟!
غابَتْ مَوَدَتُهـا وَغابَت رَحْمَةً
عَنّي ، فَبِتُّ كَغارِقٍ بِيَـبابِ
هيَ كُلُّ دُنيايَ التي أحْرَزْتُها
هيَ شَمْعَةُ الفَرَحِ المُضيء رحابي
هيَ بَسْمَةُ العُمْرِ التي أوتيتُها
وَحُرِمْتُ مِنها في رَبيـعِ شَبَابي
نُورٌ تَجَلّى مِن بَهاءِ إِهـابِها
يُنْبي بِطيبِ عَراقَةِ الأنْسـابِ
أَنَا مَنْ يَصونُ العَهْدَ حُبّاً دَائِماً
أَنَا حافظُ الميثـاقِ للغُيـّابِ
فَقِرِيْ بِجَنّاتِ النَّعيمِ وَظَلِّلي
حَرّيْ ، بِطيبِ مُقامِكِ الخَلّابِ
أرجو أن تقبلوا فيض خاطري ودمتم قدوةً
أخوكم المنصور بن أبي عامر
|