نفي إلى أرض الأزهار
أحبابي في الخيمة .. انقطعت عنكم كثيراً ولذلك سببان أولهما العطل الذي ألغى اشتراكي ومازال ساريا .
والثاني أنني أصبحت معلماً (مدرس) وهي مهنة المتاعب كما تعلمون
والسبب الرئيسي أنني عيّنت في منطقة تبوك البعيدة شمال المملكة فلم أستسغ الإقامة في مدينة تبوك التي تشتهر بتصدير الأزهار إلى كثير من دول العالم ومن بينها هولندا بلد الأزهار نفسها وانتقلت إلى إحدى قطاعاتها وهي مدينة "الوجه" الساحرة . مدينة صغيرة جميلة على ساحل البحر الأحمر في براءةٍ وعذوبةٍ تفوق عذوبة الأطفال فقلت في ذلك:
إني نفيت إلى أرض الأزاهير ** فلم تطقني ولم تقنع بتدميري
وسخرت كل ما في الكون من عِددٍ ** لتحرم القلب من صوت النواعيرِ
سحقاً تبوك فمالي فيك من أربٍ ** ولتفرحي اليوم بالقوم الطنابير
مالي إليك سبيلٌ قد أتيتكِ في ** كفي مشاعل إيقادٍ وتنويرِ
فرغتِ روغة ثعلوبِ يخالطه ** لؤم الذئابِ بأرضٍ دون ناطورِ
فلتمكثي ياديار المكرِ آسنةً ** بيني وبينك بحرٌ من أعاصيرِ
ما ذنب دوحةِ أرض (الوجه) أن نسبت ** يوماً إليك وفيها كل توقيرِ
أرضٌ بنوها كرامٌ كل حادثةٍ ** يدعون فيها أتوا في غير تأخيرِ
يجرّرون سيوفاً طال منصلها ** كأنها شهبٌ في كف موتور
سمحاً إذا منحوا جهماً إذا ركبوا ** تزهو بأروع فتيانٍ مشاميرِ
لو أنها نطقت يوماً لقد برئت ** من ظلمها بانتسابٍ للدياجيرِ
فلا تبوك ولا أبناؤها وزنوا ** يوماً جمالكِ يا أرض العصافيرِ
مدّي يديكِ لصبٍ جاء مغترباً ** أذاقه البين من ضرب السواطير
مضى وخلّّف قلباً في مدينته ** في مثل شاطءك المغمور بالنور
يحنّ للقوم لا يسطيع رؤيتهم ** فالدار نائيةٌ يا لهفة الدورِ
حقاً رحلت أنا؟ هل كان ذا حلماً؟ ** لا بل رحلت بقلبٍ جد معصورِ
يهزني الشوق يا أهلي إذا انزلقت ** على الخدود دموعٌ كالنوافيرِ
وأن يقال غريبٌ في مواطننا ** وأن أرى حجب الأبعادِ كالسورِ
لا تبكِ .. كل غريبٍ عائدٌ وله ** إلى أحبته أشواق عصفورِ
المعتمد بن عباد
|