سارق القمر
سارق القمر
كنت أسير ذالك المساء ، أسمع وقع أقدامي محاولا االلحاق بظلي ، هذا الأخير ما زال لحد الساعة يحقق الإنتصارات المتتالية، كم من مرة حاولت مباغتته وأنا صغير ، إنه يستفيد من الدعم المباشر للقمر.
رفعت بصري صوب القمر الذي مازال يترقب خطواتي ، عندما كنا نركض في الشوارع والأزقة ، طالما تساءلنا عن فحوى الدائرة المضيئة في قلب السماء، وما كان يحيرنا هو
ملازمته لنا ، مهما حاولنا التوغل بين الأشجار والحقول ،مع مرور الزمن أضحى القمر عزيزا علينا جميعا لكونه يتبح لنا متعةالسهرقرب منازلنا ، غير أنني لن أنسى صديق الطفولة صالح ، الذي كان يكره القمر بصورة تدعو الى الإستغراب ،لقد كان يتفادى الخروج في الليالي المقمرة ،فكان دوما يسعى الى القضاء على تلك الصورة الجمالية للقمر، إنه وحش معلق في السماء ، هذه مقولته دائما ، وحاليا يعيش هائما في المدينة ، لقد فقد عقله بسبب الخوف والقلق وسوء أحواله الإجتماعية .
وفيما كنت أقطع الطريق إذ بصوت يناديني
- هات سيجارة
- من ، صالح ، إنها مفارقة عجيبة في الوقت الذي كنت أفكرفي أمرك ، ألتقي بك
- هل هو بالخارج
- من
- القمر،
- ذالك الوحش المعلق في السماء
- لا تخش شيئاإنه في الطرف الآخر من الجسر ، خد هذه
- إخبر أهل المدينة بأنني سأقبض على الوحش غدا ، سأحبسه في أعماق الوادي
تركت الهائم وواصلت طريقي نحو البيت، لا أصدق بأن القمر هو السبب في كل ما يحدث لهذا التعيس .
في اليوم الموالي وأثناء عودتي في المساء وبمجرد خروجي من مقر عملي ، فوجئت بعدم وجود أي أثر للقمر ، نظرت يمينا ويسارا ن ولكن بدون فائدة ، أيعقل أن يغادرنا بدون سابق إشعار وأي معني يا ترى للتسكع الليلي بدون قمر ،وكيف سيكون هناك هلال ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم .
واصلت طريقي مصدوما بما حدث ، حتى ظلي غادر المكان لأنه إفتقد حليفه الطبيعي ، حاولت مصابيح الشارع إنقاذ الموقف ، لكنها باءت بي الفشل ، أيعقل أن يسرق شخصا معتوها قمرا، ولما لا ، بالنظر الى الحقد التاريخي الدفين الذي يكنه لغريمه اللذوذ، زيادة على أنه ليس لديه طموح ، عدا الإنتقام من القمر وتحقيق حلمه الكبير .
الجسر كان يبدو عاديا تلك الليلة وهو يعانق السيارات المشردة والمترجلين الحائرين مثلي ، دخلت منزلي والأفكار تتصارع في أعماقي ، وبعد العشاء جلست حزينا ، أشاهد برنامجا مملا وفجأة ظهرت مقدمة الأحوال الجوية ، معلنة عن حدوث خسوف للقمر هذه الليلة .
فتحت النافذة وتأملت القمر الذي عاد لتوه ،تنفست الصعداء وأيقنت بأن صالح فشل في تحقيق
مشروعه الغريب .
__________________
ليست العظمة في أن لا تسقط ، ولكن العظمة في أن تسقط وتنهض من جديد.
|