شقراء القطار
شقراء القطار
تأمل الفتاة الشقراء الجالسة في المقعد المقابل ثم فتح صفحة المنوعات ، مفاجأة سارة هذا الأسبوع لا تضع ثقتك في الجميع ، نجاح عملي وعاطفي ، وعندما وصل لهذه الكلمة نظر للفتاة من جديد ، توقف القطار هنيهة ثم واصل مشواره ، وضع الجريدة جانبا وأخد يفكر ،المحطة التالية هي الأخيرة بالنسبة لي ، بعد هذه الرحلة الشاقة أظن بأنني أستحق مفاجأة سارة كما ورد في الأبراج .
كان القطار يسير ببطء والغبار يدخل عبر النوافذ ويخيل للمرء بأن الهنود الحمر سيظهرون بين الفينة والأخرى ، الشقراء لم ترفع بصرها عن النافذة ، غريبة هذه الفتاة نفس المظهر ونفس السلوك ، لم تتغير منذ أن تعودت على ركوب هذا القطار الذي يربطني بمقر عملي لم يصدر عنها أي شيء يثير الإنتباه ولم تصلني منها أي إشارة إنسانية محفزة ، إنها كاللوحة الخالدة ، عندما ينتهي منها الفنان لن يكون بوسعها عمل أي شيء فهي حبيسة الإطار الذي حدده لها .
ليس لديه أي شعور نحوها بل هي الرغبة في معرفة سر هذه الفارسة الغامضة ، دخل بائع حلويات العربة وما أن إقترب حتى نادته الفتاة وإبتاعت منه ما تريد ، في هذه اللحظة توهم صالح بأنها ستعطيه نصيبه، أخيرا تحركت فهي لم تقم بهذه المبادرة عبثا ، فالنساء يملكن تقنيات مذهلة لجذب الرجال ، فهي تجس نبضي فقد إشترت أكثر مما تحتاج كل يوم تزداد قيمتها في نظري ، إنها مثال العفة والنبل ، أظن بأن حياتي قبل ركوب هذا القطار كانت سرابا .
دوى صفير القطارمعلنا الوصول الى المحطة القادمة ، يبدو أن الرحلة إنتهت والحلم الجميل لن يتحقق هذه المرة ، سألقي عليها آخرة نظرة وأنزل كالعادة ، كلا سأواصل الرحلة وأعرف ولوشيئا عن هذه المخلوقة التي غزت عالمي ، توقع أن تبدي الفتاة إستحسانا لمكوثه ولكنه لم يلحظ أي إبتسامة أو حركة ما زال التمثال في سكونه الدائم ، لا أتصور بأنها لا تعرفني ، على الأقل فإن ملامحي مألوفة لها ، فانا مسافر مواظب على الركوب معها ، كل يوم تثبت لي بأنها جديرة بالإهتمام .
واصل القطار رحلته، في حين كانت العربة قد إستقبلت مسافرين جدد، في المحطة القادمة سيتحدد مصيري ، سأتكلم معها مهما كان الثمن ، سأطلب رأيها في الرحلةأو أقترح عليها مرافقتها فالشمس قد مالت الى المغيب، لن أحدد موضوع حديثي معها، سأترك القدر يحدد ما يريد ، عندي إحساس بأن المفاجأة السارة ستحدث قريبا .
توقف القطار معلنا الوصول الى المحطة الموعودة ، خرج صالح من دوامته الفكرية ، سأهبط قبلها حتى يبدو كل شيء عادي ، عندما تخطت باب المحطة كان يسمع خطواته وخطواتها وراءه ، بعد لحظات ستتحدالخطوات وتتحدد الروئ .
- ماما ، ماما
رفع بصره فإذا به يرى طفلة صغيرة تركض نحوه ، إلتفت نصف دورة فأدرك بأنها لا تجري نحوه بل نحوها وما كادت تقترب منه حتى سقطت فأسرع بالإمساك بها ن في هذه اللحظة كانت الفتاة الشقراء تضم الطفلة بين ذراعيها وتغمرها بالحنان ثم إستدارت نحو صاحبنا وعلى وجهها نصف إبتسامة .
بقي صالح مسمرا في مكانه يراقب إبتعادها عنه وتراىء له عن بعد شبح رجل يبتسم ،غادر
المكان ولم يكن في ذهنه إلا شيئا واحدا وهوالوصول الى أقرب محطة سيارات أج
__________________
ليست العظمة في أن لا تسقط ، ولكن العظمة في أن تسقط وتنهض من جديد.
|