النارجيل
وهو جوز الهند وهذا الشجر من أغرب الأشجار شأنا وأعجبها أمرا وشجره شبه شجر النخل لا فرق بيتهما إلا أن هذه تثمر جوزا وتلك تثمر تمرا وجوزها يشبه رأس ابن آدم لأن فيه شبه العينين والفم وداخلها شبه الدماغ إذا كانت خضراء وعليها ليف شبه الشعر وهم يصنعون منه حبالا يخيطون بها المراكب عوضا من مسامير الحديد ويصنعون الحبال للمراكب والجوزة منها وخصوصا التي بجزائر ذيبة المهل، تكون بمقدار رأس الآدمي ويزعمون أن حكيما من حكماء الهند في غابر الزمان كان متصلا بملك من الملوك ومعظما لديه وكان للملك وزير بينه وبين هذا الحكيم معاداة فقال الحكيم للملك إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن تخرج منه نخلة تثمر بتمر عظيم يعود نفعه على أهل الهند وسواهم من أهل الدنيا فقال له الملك فإن لم يظهر من رأس الوزير ما ذكرته قال إن لم يظهر فاصنع برأسي كما صنعت برأسه، فأمر الملك برأس الوزير فقطع وأخذه لحكيم وغرس نواة تمر في دماغه وعالجها حتى صارت شجرة وأتمرت بهذا الجوز وهذه الحكاية من الأكاذيب ولكن ذكرناها لشهرتها عندهم.
ومن خواص هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السمن والزيادة في حمرة الوجه وأما الإعانة على الباءة ففعله فيها عجيب، ومن عجائبه أنه يكون في ابتداء أمره أخضر فمن قطع بالسكين قطعة من قشره وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من الحلاوة والبرودة ومزاجه حار معين على الباءة فإذا شرب ذلك الماء أخذ قطعة القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرد بها ما في داخل الجوزة من الطعم فيكون طعمه كطعم الجوزة إذا شربت ولم يتم نضجها كل التمام ويتغذى به ومنه كان غذائي في أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدة من عام ونصف عام ومن عجائبه أنه يصنع منه الزيت والحليب والعسل.
فأما كيفية صناعة العسل منه فإن خدام النخل منه ويسمون الفازانية يصعدون إلى النخلة غدوا وعشيا إذا أرادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه العسل وهم يسمونه الأطواق فيقطعون العذق الذي يخرج منه التمر ويتركون منه مقدار أصبعين ويربطون عليه قدرا صغيرة فيقطر فيها الماء الذي يسيل من العذق فإذا ربطها غدوة صعد إليها عشية ومعه قدحان من قشر الجوز المذكور أحدهما مملوء ماء فيصب ما اجتمع من ماء العذق في أحد القدحين ويغسله بالماء الذي في القدح الآخر وينجر من العذق قليلا ويربط عليه القدر ثانية ثم يفعل غدوة كفعله عشيا فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع منه الرب فيصير عسلا عظيم النفع طيبا فيشتريه تجار الهند واليمن والصين ويحملونه إلى بلادهم ويصنعون منه الحلواء.
وأما كيفية صنع الحليب منه فإن بكل دار شبه الكرسي تجلس فوقه المرأة ويكون بيدها عصى في أحد طرفيها حديدة مشرفة فيفتحون في الجوزة مقدار ما تدخل تلك الحديدة ويجرشون ما في باطن الجوزة وكل ما ينزل منها يجتمع في صحفة حتى لا يبقى في داخل الجوزة شيء ثم يحرس ذلك الجريش بالماء فيصير كلون الحليب بياضا ويكون طعمه كطعم الحليب ويأندم به الناس.
وأما كيفية صنع الزيت فإنهم يأخذون الجوز بعد نضجه وسقوطه من شجره فيزيلون قشره و يقطعونه قطعا ويجعل في الشمس فإذا ذبل طبخه في القدور واستخرجوا زيته وبه يستصبحون و يأندمون به ويجعله النساء في شعورهن وهو عظيم النفع.
- ابن بطوطة -
|