مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 05-07-2001, 09:13 AM
ميثلوني في الشتات ميثلوني في الشتات غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 2,111
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ميثلوني في الشتات
Post

الفصلين السابع والثامن من الكتاب
.
.
7
عودة اليهود والفجوة الكبرى

إن قارئ أسفار التوراة -لاسيما أنبياء عهد السبي وما بعده- يجد بوضوح تام أنها تشتمل على نبوءات عن اليهود في آخر الزمان ، وأن لهم بقية يكون لها اجتماع ومملكة أخرى في فلسطين ، وأن الله سوف يسلط عليهم غضبه بواسطة أمة قديرة تجتمع عليهم من أطراف الأرض.
ولكن قارئ الشروح والتفاسير سوف يحار ويتيه لكثرة الاختلاف والتناقض بينها في تأويل هذه النبوءات وتنـزيلها على الواقع ، وهو ما يتـزايد مع الزمن بظهور فرق جديدة وآراء جديدة.
لكننا نستطيع مساعدة القارئ بالقول إن جملة هذه الآراء تنحو طريقتين :
1- أن تكون تلك النبوءات قد حدثت فعلاً ، وهو رأي قديم فاليهود في كل عصر ينـزلون تلك النبوءات عليه ترقباً للخلاص ، وهذا يشبه الدول التي قامت في التاريخ الإسلامي باسم المهدي المنتظر ، كدولة بني عبيد ودولة الموحدين وغيرها، فآمن بها أناس -ولا يزال لها أتباع- وكما في إنجيل "مَتَّى" الذي يجعل واضعه النبوءات في المجيء الأول للمسيح. وبهذا تأثر الكاثوليك فمال أكثرهم إلى هذا الرأي.
وهذا الرأي هو الأساس الذي بنى عليه رواد مدرسة النقد التاريخي للكتاب المقدس في عصر التنوير عملهم، حتى تطرف بعضهم فـزعموا أن كلام الأنبياء إنما هو تاريخ للماضي لا حديث عن المستقبل، فهم إذن مجرد أخباريين نقلة وليسوا أنبياء !!
وهذا الاتجاه مناقض لتلك النبوءات نصاً وروحاً ، إذ كيف يقول الله لنبي ((قم وتنبأ على إسرائيل)) أو ((على مصر)) أو ((على أدوم))... ويكون ذلك قد وقع فعلاً من قبل ؟.
وما من دليل على تأخر عصر الأنبياء عن الأحداث التي ذكروا إلا مجرد التخمين بل المجازفة.
ولهذا لا نجد مشقة في رد هذا الرأي من أصله ، لاسيما وقد أصبح التاريخ مكشوفاً لنا أكثر من ذي قبل بكثير ، ولم يعد لمنهج الرد بالجملة من مبرر.
2- أن هذه النبوءات على ظاهرها حديث عن المستقبل ، وهو الاحتمال المنطقي الصحيح، لاسيما وأن تنـزيلها على المجيء الأول للمسيح غير معقول عقلاً وواقعاً فهي تتحدث عن دولة وممالك وحروب .. مما لم يكن قط في عصر المسيح، ولهذا فإن أكثر الشراح من اليهود والنصارى وخاصة في القرون الأخيرة ينـزلون مثل هذه النبوءات على العهد الخلاصي -أو "المشيحي" (بالشين) كما يسمونه- أي أحداث آخر الزمان بين يدي الدينونة الكبرى أو معها ، والعهد الخلاصي منوط عند النصارى بالمجيء الثاني للمسيح. في حين يعتقد اليهود أنه منوط بالملك من نسل داود المسمى عندهم "ملك السلام".
ومعنى ذلك أن كلا الطرفين هنا بل كلا الطريقين في دراسة النبوءات يتفقان على أنه منذ عصر المسيح  أو بعده بقليل ، لا يوجد شيء من أحداث التاريخ تنطبق عليه النبوءات، وسيظل الأمر كذلك إلى أحداث الساعة الكبرى. وهذا بلا شك افتراض جائر لا يسوغه إلا سبب عظيم جداً !!.
إذن فلا بد أن هناك أمراً ما يتعمد هؤلاء تحاشيه بالهرب من إنـزال هذه النبوءات على المرحلة التاريخية الفاصلة بينهم وبين المسيح . فما هو هذا الأمر ؟ ولماذا هذا الإصرار على ترك تلك الفجوة مفتوحة لتـزداد اتساعاً بمرور الزمن ، فربما بلغت الآلاف من السنين والعلم عند الله تعالى وحده ؟.
لا شك أن هذا لم يأت صدفة ، ولكنهم وجدوا أن أعظم حدث تاريخي في هذه المرحلة هو بعثة محمد  وظهور دينه على الأديان كلها ، ولم يكن أمامهم سوى أحد احتمالين :-
1- إما أن يؤمنوا بما جاء عنه من البشارات التي تضمنتها نبوءات الأنبياء ، أو على الأقل بما ينطبق على أمته منها ، وهذا فيه إيمان به أو إقرار بأن بعض النبوءات قد جاء عنه، وهذا يجر بتسلسل منطقي إلى ما بعده ، وفي النهاية يمكن بسهولة ووضوح وضع اللبنات المفقودة في بناء النبوءات ، وإذا بالبناء كله صورة ناطقة بشهادة الحق للإسلام ودولته وحضارته !!
وهذا السبيل قليل من سلكه من شرَّاح أهل الكتاب لأن الواقع أن من سلكه قد انتظم في سلك هذه الأمة المختارة وهم أخرجوه أن يكون منهم !!
2- وإما أن يضربوا صفحاً عن كل ما يتعلق بهذا الدين ويكتموه كتماً يدهش لـه كل ناظر ، وهذا ما اختاروه إلا قليلاً منهم .
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن كفارهم الأولين خير منهم ، وأعني بهم باحثي العصور الوسطى فإنهم لم يستطيعوا تجاوز تلك المرحلة لكنهم اختلفوا طوائف :-
1- فمنهم من وجد أنه لا مناص من الإقرار بنبوة محمد  ، وأن بعثته وملك أمته هو أعظم حدث في التاريخ العالمي كله ، فلا يعقل أبداً أن تأتي النبوءات عن أحداث محلية لعشيرة صغيرة -كبني إسرائيل- وتتجاهل الحدث الأكبر الذي يتمثل في تقويض الامبراطوريات الوثنية العالمية ، وقيام مملكة موحدة تعبد الله وتقدس جميع رسله على أنقاضها ؟ وهي المملكة التي بسطت نفوذها ونشرت العدل والطمأنينة على الدين والنفس والمال في معظم المعمورة ، وهؤلاء تعارضت عندهم هذه الحقيقة الصارخة مع تعصبهم الأعمى لدينهم، فرأوا أن المخرج من ذلك هو الادعاء بأنهم غير مخاطبين بشريعة الإسلام ، وأن الإسلام دين خاص بالعرب ، ومن أشهر هؤلاء بولس الراهب الذي رد عليه شيخ الإسلام في كتابه ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)).
2- ومنهم من كبر عليه إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم ، فـزعم أنه ملك من الملوك كما كان بختنصر وسنحاريب ، وأن ملك أمته هو امتداد لتلك الإمبراطوريات الوثنية . وهؤلاء في الحقيقة لا للنبوءات اتبعوا ، ولا بالإسلام آمنوا ، ولا لبني دينهم نفعوا فكانوا أقل ممن سبقهم عدداً وأثراً .
3- ومنهم من غلا وطغى ، وعكس الحقيقة ، وجعل الليل نهاراً والنهار ليلاً ، فـزعم أن رسول الله  هو "الدجال" أو "النبي الكذاب" أو "الوحش" المذكور في النبوءات ، وأن المحاربين لـه ولأمته هم القديسون الأطهار والملائكة الأبرار ، وعلى هذا التأويل الفاحش اعتمد دعاة الحملات الصليبية من البابوات والرهبان في تأجيج حماس الجماهير الغبية وسوقها إلى بلاد الإسلام( ).
إن النتائج السلبية الواضحة لهذه الآراء الثلاثة جعلت خيار الصمت والتجاهل هو المفضل لدى أكثر الباحثين لاسيما المتسترين بالموضوعية العلمية !!.
وهذه الآراء القديمة كادت أن تختفي في خضم الصراع العنيف في العصر الحديث بين الكنيسة والعلم من جهة ، وبين الطوائف النصرانية نفسها من جهة أخرى ، وصادف ذلك خضوع المسلمين شبه الكامل – للغرب وخروج اليهود من أحيائهم الخاصة ((الجيتو)) وجريهم وراء الذهب والربا والاحتكار متناسين أرض الميعاد وعهد الخلاص.
ولكن ولادة الحركة الصهيونية أعادت هذه القضايا إلى ساحة الإيمان الديني والجدل الفكري.
والعجيب أن الحركة الصهيونية لم تولد يهودية بل هي نصرانية الأصل والمنشأ ، والداعون لها من اليهود جاءوا تبعاً وكانوا من العلمانيين ، ولا تخطيء العين رؤية المزارع الصهيونية "كيبوتـز" نموذجاً للتطبيق الاشتراكي ، ولا يحتاج الباحث إلى دليل ليقول إن كثيراً من اليهود يرون في قيام هذه الدولة تجاوزاً لأحكام الله ونذيراً بهلاك اليهود . فالحركة الصهيونية النصرانية المتمثلة في الأصولية السالف ذكرها هي التي أعادت المعركة جذعة ، وهي التي روجت ولا تزال للتأويلات الباطلة للنبوءات ، وهي التي اعتبرت قيام الدولة اليهودية مقدمة لنـزول المسيح ، وابتهجت بفشل مشروع السلام وقيام الانتفاضة الأخيرة..
إن هؤلاء هم الذين أظهروا بصورة عملية جلية عمق تلك الفجوة التاريخية ، وريبة ذلك الصمت أو التجاهل ، ومن ثم جرُّوا سائر بني ملتهم جراً إلى الخوض فيها بعد أن كانت خطراً ممنوع الاقتراب !!
وهكذا وقع الفكر العالمي عامة والدراسات المستقبلية خاصة في فوضى صاخبة ، وأزمة عنيفة سببها المفارقة والتصادم بين التسليم بأن كل نبوءات الخلاص والعدل والسلام والأمة التي يتخذها الله أداة لانتقامه ، ويسلطها على قوى الكفر والظلام والفساد لن تتحقق إلا في نهاية الزمان وعلى يد المسيح عليه السلام ، وبين الرفض العقلي المطلق لدعوى أن قيام دولة إسرائيل وحلول الألفية هو بداية نهاية الزمان وأن ذلك المستقبل البعيد هو هذا الحاضر المشهود ، والسبب في هذا هو الفكر الكتابي المتناقض الذي فتحت طائفة من أهله الفجوة التاريخية الكبرى وجاءت أخرى لتسدها بكل ما هو لا عقلي ولا منطقي !!
وهكذا ضاع الحق عند أهل الكتاب بين تجاهل مقصود وتحريف متعمد ، وصدق الله تعالى :  يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون 
وليس قلب الحقائق هو جريمة أهل الكتاب هؤلاء فحسب ، بل إن قطع الرجاء لدى البشرية بالخلاص ، وإفقادها الأمل في انتصار الحق والخير والسلام هو جريمة أخرى يجب أن يتفق على إنكارها العقلاء من كل ملة !!
إذ من البدهي أن عقلاء العالم -ومنهم عقلاء أمريكا نفسها- لن يؤمنوا قط بالمستقبل كما يرسمه هؤلاء ، وإذن فأين الخلاص والرجاء..؟ أين حكمة الخالق العظيم ورحمته وعدله التي نطقت بها الكتب ودلت عليها الفطر واستدلت عليها العقول وشهد لها الواقع التاريخي الطويل..؟ أتكون هذه هي النهاية المحزنة أو المعتمة للجنس الذي كرمه الله على سائر المخلوقات..؟
لأن هذا غير ممكن أبداً ، ولأنه لا يمكن إثبات الحقيقة وتنوير البشر إلا الباحث المسلم وحده ، فهو الذي يمتلك النقل الصحيح والعقل الصريح معاً ، لأنه لا يتمسك بالعدل أو الحياد العلمي خوفاً من النقاد ، بل تقوى لله واستجابة لأمره ، لذلك كله ندعو المسلمين إلى القيام بواجبهم في هذا الشأن ونرجو أن يكون فيما نسطره هنا ذكرى لهم وتنبيه لمحبي الخير والعدل من كل ملة وأمة ، ولاسيما أهل الكتاب الذين نأمل أن تعيد طائفة منهم النظر في النبوءات على ضوء القراءة التي سنقدمها لهم.

.
.
.
.
8
.
.
.

نبوءة دانيال

دانيال  نبي من أنبياء بني إسرائيل ، لـه سفر باسمه في كتاب أهل الكتاب يتميز عن أكثر الأسفار بأمور ، وإن كان يشاركها في المشكلة العامة وهي وقوع التحريف أو التعديل ، ومن ميزاته :-
1- وضوح عقيدة التوحيد فهو يسمي الله تعالى بإله السموات خلافاً لتك الأسفار التي تسميه رب القوات (وهي تسمية يهودية تكشف عن النظرة اليهودية لله وللناس). وهو يصف الله بما لا نظير لـه في غيره ، فهو الحي القيوم الذي لـه الحكمة والجبروت والعلم والتدبير والقدرة ، وأنه رب الملوك وكاشف الأسرار والمستحق وحده للسجود والعبادة ، وأن السحر والكهانة والتنجيم باطل...الخ.
2- تطابق ما فيه من النبوءات مع الواقع المعلوم بالتواتر من أحداث التاريخ بحيث لا يشك فيها إلا مغرض.
3- اشتماله على بشارات صريحة بختم النبوة وظهور الرسالة الأبدية.
4- اشتمال نبوءته على أرقام محددة ظلت مدار بحث وجدل طوال التاريخ.
أما دانيال نفسه فهو أشبه الأنبياء بيوسف  ، إذ هو غريب مضطهد لكن الله يرفعه بالعلم وتعبير الرؤيا لدى الملك ، وهو داعية توحيد لا تثنيه الفتن عن ذلك.
ولـه في الإسلام حادثة مشهورة رواها ابن إسحاق وابن أبي شيبة والبيهقي وابن أبي الدنيا وغيرهم ، عن التابعين الذين شهدوا فتح "تستر" ومنهم أبو العالية ومطرف بن مالك، وفيها مما يهم موضوعنا هنا أن الجيش الإسلامي الفاتح وجدوا " دانيال وهو ميت على سرير لم يتغير منه شيء إلا شعيرات من قفاه ، وعند رأسه مصحف فأخذوا المصحف فحملوه إلى عمر  فدعا لـه كعب الأحبار فنسخه بالعربية ((قال أبو العالية فأنا أول رجل قرأه -قال الراوي عنه- : فقلت لأبي العالية : ما كان فيه ؟ قال : سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائنٌ بعدُ ))( )!!.
فالنص إذن مترجم إلى العربية ، وعلى يد الماهر الخبير كعب الأحبار ، وقرأه من قرأه فلا يستبعد أن يكون علماء الإسلام المؤلفون في البشارة بمحمد  من الكتب السابقة " كابن قتيبة وابن ظفر " قد اطلعوا عليه ، وإن لم يكن الأمر كذلك وكان مصدرهم نسخ التوراة في عصرهم فهو أبلغ وأقوى . فهم غير متهمين في نقلهم وأهل الكتاب المعاصرون لهم لم يكذِّبوهم فيه !!
بل قال ابن قتيبة كما نقل عنه شيخ الإسلام في الجواب الصحيح :
((وهذه البشارة الآن عند اليهود والنصارى يقرأونها ويقولون لم يظهر صاحبها بعد)).
ومع ذلك فنحن هنا لن نعتمد على ما ننقله عن العلماء المسلمين بل على ما هو موجود بين أيدي أهل الكتاب اليوم.

نبوءة دانيال العظمى :


رأى الملك نبوخذ نصر (أو بختنصر) رؤيا أزعجته استدعى السحرة والعرافين لبيانها وتأويلها فعجزوا كلهم ، ولكن دانيال تضرع إلى الله تعالى فألهمه الرؤيا وتفسيرها ، ولما دخل على الملك قال له :
((السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون أن يبينوه للملك ، لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرَّف [الإلـهُ] الملكَ ما يكون في الأيام الأخيرة)).
وشرح ذلك قائلاً :
((أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم . هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل . رأس هذا التمثال من ذهب جيد. صدره وذراعاه من فضة . بطنه وفخذاه من نحاس . ساقاه من حديد . قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف . كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما . فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان . أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها . هذا هو الحلم . فنخبر بتعبيره قدام الملك :-
أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرأس من ذهب . وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض . وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء . وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف الفخار والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين . وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً . وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف . وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد . لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب.
الله العظيم قد عرّف الملكَ ما سيأتي بعد هذا . الحلم حق وتعبيره يقين.
حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا لـه تقدمة وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال . حقاً إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت على كشف هذا السر)).
(2 : 21 – 48)
هذا نص الرؤيا التي توصف دائماً بأنها أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية ، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء ولا يصح فيه الخلاف لأن النبي نفسه قد أوّلها ، ولكن أهل الكتاب تعمدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق، فقد أقروا بهذه الرؤيا وتأويلها قروناً ، دون أن يدخلهم ريب في أنها على ظاهرها، وأن المملكة الأولى (الرأس الذهبي) هي مملكة بابل ، وأن المملكة الثانية (الصدر الفضي) هي مملكة فارس ، التي قامت بعد بابل وسيطرت على العراق وبلاد الشام ومصر ، وأن المملكة الثالثة (الفخذ من النحاس) هي مملكة اليونان الذين اجتاحوا مملكة الفرس بقيادة الإسكندر المقدوني سنة 333 ق.م ، وأن المملكة الرابعة (الرجلين من حديد ثم حديد وخزف) هي الإمبراطورية الرومانية التي انقسمت إلى شرقية عاصمتها "بيزنطة = القسطنطينية" وغربية عاصمتها "روما".
لم يكن أحد من أهل الكتاب يشك في هذا إطلاقاً ، بل كانوا جميعاً -لشدة إيمانهم به-ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة الله) التي تدمر ممالك الشرك والكفر والظلم ، لاسيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم فهي التي أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمرت القدس سنة 70 م ، ونصبت الأصنام في المسجد كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من البشاعة والفظاعة قل نظيرها في التاريخ ، وليس "نيرون" الطاغية المشهور إلا واحداً منهم ، وظلوا مضطهدين لهم ثلاثة قرون حتى دخل قسطنطين في النصرانية المحرفة ، واستمر الاضطهاد لليهود والموحدين من النصارى وسائر الفرق المخالفة.
الممالك الخمس الواردة في نبوءة دانيال التي عبر فيها رؤيا بختنصر
وقد ذكرنا ما قبلها للإيضاح( )
موقعها من الرؤيا أهم ملوكها الدولة
قبل دانيال  داود  حكم من 1013-973 ق.م .
سليمان  حكم 973- 933 ق . م .
ثم انقسمت مملة بني إسرائيل إلى مملكة يهوذا وإسرائيل . الدولة الإسلامية التي حكمت بكتاب الله ((التوراة))
سرجون الثاني حكم 772 – 705 ق . م .
أخضع الأراضي المقدسة لحكم الآشوريين . مملكة الآشوريين (بابل)
المملكة الأولى في الرؤيا (الرأس الذهبي) بختنصر حكم من 630 – 562 ق . م .
دمر القدس وأخذ الإسرائيليين أسرى إلى بابل وعاصره دانيال وعبر رؤياه المشهورة . مملكة الكلدان (بابل)
المملكة الثانية (الصدر الفضي) قورش الذي قضى على الكلدان
حكم من (550-529) ق.م. مملكة القدس
المملكة الثالثة (الفخذ النحاسي) الإسكندر الكبير الثالث
حكم (336 – 323) ق.م واستولى على الأراضي المقدسة (333) ق.م . مملكة اليونان
المملكة الرابعة (الساقان الحديديان والأقدام من خزف وحديد) 1- الإمبراطور أغسطين مؤسس النظام الإمبراطوري الذي في أيامه ولد المسيح  .
2- دقليديانوس الذي قسم الإمبراطورية دولتين شرقية وغربية لكل منهما قيصر مستقل . حكم من 248-305 م.
3- قسطنطين الأول مؤسس القسطنطينية ومعتنق النصرانية توفي سنة 327 م بعد مجمع نيقية بسنتين.
4- هرقل حكم سنة 610 م وفتح المسلمون الأراضي المقدسة في عهده وودعها إلى الأبد. مملكة الروم
في ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان ، المسمى عندهم "أركون السلام" ، الذي على كتفه خاتم النبوة ، والذي بشر به الأنبياء كلهم ، حتى أن المهتدين من علمائهم جمعوا من سفر أشعياء وحده ثلاثين بشرى به( ) وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصية . والعلامات الكونية ، ويترقبون تلك الدلائل العلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الإمبراطور المتعبد العالم بدينهم "هرقل" : ((قد ظهر ملك أمة الختان)) وأيقن بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم الكفر الأمي –أبي سفيان– ((بأن ملكه سيبلغ موضع قدميَّ)) كما ثبت في الحديث الصحيح المشهور.
وفعلاً قامت المملكة الربانية الخامسة وملكت موضع قدمي هرقل وغادر الشام وهو يقول : ((سلام عليكِ يا سورية ، سلام لا لقاء بعده)) !!
قامت فسحقت ممالك الوثنية وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام وكانت مساحتها تزيد على مساحة القمر ودخل تحت لوائها من كل شعوب الأرض طوائف عظيمة وهنا فقط تفرق أهل الكتاب واختلفوا !!
 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينةْ
 وءاتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم  !!
فمنهم –وهم كثير جداً– من آمن واهتدى ، ومنهم من كفر وذهبوا في كفرهم شيعاً لا حصر لها ولا يزالون يتكاثرون وينقسمون كما تتكاثر الجراثيم !!
ويهمنا هنا الإشارة إلى اختلافهم بشأن رؤيا دانيال الواضحة :-
لقد انقلبوا على أعقابهم !فبعد أن كانوا لا يختلفون أبداً في تأويل المملكة الرابعة (مملكة الروم) نراهم يتعسفون تأويلها ، ويتعمدون تأجيلها أو تحويلها ، أو على الأقل التعتيم عليها ،كل ذلك تخلصاً وهروباً من الإقرار بالمملكة الأخيرة ، على ما سبق إيضاحه في الفصل السابق.
وبلغ الأمر ذروته وعنفوانه في الحركة الأصولية " الصهيونية النصرانية ".
وقبل أن نعرض تأويلهم ومدى صحته نذكِّر بأن الرؤيا رسمت صورة بليغة لممالك الكفر التي تعبد الأصنام المنحوتة من دون الله تعالى ، إن هذه الممالك هي بذاتها صنم لـه رأس وصدر وفخذ ورجلان وأصابع ، صنم يجسد الوثنيات كلها لكي تتضح في المقابل صورة الجبل الذي ينتصب مكان الصنم.
رمز في منتهى البساطة وصورة في غاية الوضوح ، وما فعله هؤلاء هو تشويه هائل لا يتسق مع الصورة بحال .
فهم -لكي يجعلوا الجبل هو الألفية عند نـزول المسيح الثاني كما يعتقد النصارى أو مملكة داود العظمى التي يرأسها المسيح اليهودي كما يعتقد اليهود– قالوا : إن هناك فجوة في نبوءة دانيال ، وجعلوها بين الساقين والقدمين !!! ومن المعلوم أن طول المسافة الزمنية بين رأس التمثال وساقيه أي بين مملكتي بابل والروم [من وفاة بختنصر إلى استيلاء تيطس على القدس] هو ستة قرون تقريباً لا أكثر.
وهذه الفجوة التي يفتعلونها بين الساق والقدم طولها ألفا سنة !!
والمصيبة أنها ستظل تطول حتى قيام الساعة فلنتخيل هذا التمثال الغريب الذي تطول الفجوة بين أعلاه وأسفله كل يوم !!
إنها صورة لا يصدقها العقل فضلاً عن أن يقبلها فنان أو يستحسنها ناظر.
وقد عرفنا لماذا افتعلوا هذه الفجوة فالسؤال إذن بماذا سدوا الفجوة ؟
لقد انتـزعوا " قطع غيار " شاذة من تمثال آخر وأرادوا إلحامها بالتمثال !!
إن هذا التـزوير لم ينجح ولكنه بلا ريب ألقى ظلالاً من الضباب حول الرمز لابد من تجليته.
وجد هؤلاء أن لدانيال رؤيا أخرى – أو بالأصح في سفره رؤيا أخرى في الفصل السابع هي رؤيا الحيوانات الأربعة ، فسرقوا الحيوان الرابع وركبوه في التمثال ، مما يذكرنا بأكذوبة "بلتداون " التي ارتكبها بعض الداروينيين حين أراد سد الحلقة المفقودة في سلسلة التطور فركّب جمجمة من أعضاء إنسان وأعضاء قرد !!
والفرق أن الغش في الدين أعظم منه في أي شيء آخر !!
تقول الرؤيا الأخيرة : إن دانيال رأى أنه صعد من البحر المحيط أربعة حيوانات عظيمة مختلفة : الأول كالأسد ولـه جناحا نسر... والثاني كالدب وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث مثل النمر وله أربعة أجنحة وأربعة رؤوس ، والرابع حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد أكل وداس بقية الحيوانات برجليه ، وله عشرة قرون طلع بينها قرن صغير قلعت من قدامه ثلاثة قرون ، وظهر لهذا القرن الصغير عيون وفم إنسان فتكلم بإلحاد وكفر ، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة ؟؟ !!
وبقيت الحيوانات الأخرى حية لكن نزع عنهم سلطانهم.
(الإصحاح السابع)
وقد فسرت الرواية نفسها الحيوان الرابع بأنه (مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك تأكل الأرض كلها وتدوسها ، والقرون العشرة من المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك ويتكلم بكلامٍ ضد العليّ)).
وأخيراً يبيد ملكه على يد "قديسي العليّ" الذين تؤكد هذه الرؤيا مراراً أن العاقبة لهم وأنهم يمتلكون المملكة التي لا تزول !!
ربما لأن للحيوان الرابع أسناناً من حديد والمملكة الرابعة تكون من حديد قالوا إن المملكة الرابعة هي الحيوان الرابع لاسيما -وكل منهما هو ‌‌"الرابع" لما سبقه- وقالوا إن هذه المملكة رمز لأوربا التي سيكون فيها عشر دول قومية يخضع لها العالم قبل نزول المسيح!!.
وعليه تكون المملكة الخامسة هي الألفية السعيدة عند نـزول المسيح.
ومن السهل إبطال هذا الرأي من وجوه كثيرة :-
1- أن يقال ما تعبير الحيوانات الثلاثة الأخرى إذن ؟ مع أنهم مهما فسروها فلا يصح أي تعبير يناقض ما فسره دانيال نفسه ، فكيف تظل الثلاثة الممالك في التمثال هي الممالك القديمة والرابعة هي أوربا الحديثة ، إنها مفارقة واضحة ، المنطق السليم يفرض إما أن نحمل الرؤيا على الرؤيا كلياً وإما نجعلهما منفصلتين كلياً وهو الصحيح ‍‍‍!!.
2- الحيوانات طلعت متجاورة وغلبها الرابع دفعة واحدة. أما الممالك في الرؤيا الأولى فمتتابعة متوالية كل منها غلب ما قبله.
3- الحيوانات الأربعة طلعت من البحر المحيط والممالك الأربع قامت في الشرق والخامسة (الإسلامية) قامت في المنطقة نفسها ثم امتدت شرقاً وغرباً حتى وصلت في أيام المغول والترك إلى شمال أوربا وسيطرت على شرقها كله.
4- الحيوانات الثلاثة تسلط عليها الرابع لكنها بقيت حية أما الممالك الثلاث فقد اندثرت مطلقاً.
5- تعبيرهم الرؤيا الأخيرة باطل في نفسه فإنها ذكرت حيواناً لـه عشرة قرون وفسرتها بأنه مملكة لها عشرة ملوك فتفسيرهم بأنها عشر ممالك متجاورة باطل.
وهكذا فالقول بأن هذه الممالك العشر هي التحالف الأوربي أيام نابليون كما ذكر (بيتز ص 251) أو الاتحاد الأوربي الحالي كما يـزعم المعاصرون لا يصح تعبيراً ولا واقعاً، فهو يناقض كلا الرؤيتين ويخالف الواقع ، فأمريكا وحدها اليوم أقوى من الاتحاد الأوربي كله والاتحاد الأوربي ،لم يعد عشر دول بل زاد كثيراً.
ونحن لا نريد أن نخوض في تعبير الرؤيا لكن في إمكاننا أن نقول : إن الحيوانات الأربع التي طلعت من وراء المحيط هي الإمبراطورية البريطانية "الأسد" وروسيا الشيوعية "الدب".
أما الثالث : شبيه النمر ذو الرؤوس الأربعة و الأجنحة الأربعة فقد يكون الدول الكاثوليكية الاستعمارية الأربع " فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال " أو تحالف دول آسيا المسماة النمور وهي ثمان !!
وبالطبع سيكون الحيوان الرابع الذي أكلها وداسها هو الولايات المتحدة الأمريكية (أو حلف الناتو عموماً) ، أما القديسون الذين سيدوسون أمريكا فلا يحتاجون إلى تفسير بل إلى الانتظار.
ونقول للأصوليين :
إن أعجبكم هذا التعبير فخذوه واستريحوا ، وإن رددتموه وقلتم : ظنٌّ وتخمينٌ. قلنا : نعم ولكن أي الظنين أولى ؟ ولماذا ظنكم أنتم يقين وظننا نحن وهم !!
أما اليقين بهذا الشأن فهو أمران :-
1- أن الروم ذات قرون كما أخبر النبي  : ((فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر))( ).
2- أن المعركة بيننا وبينهم سجال إلى أن يكون الفتح الأخير لروما وينـزل المسيح  ، وهذا ما لا يعلم زمان وقوعه إلا الله ، وعليه فلا يعلم عدد قرون الروم إلا الله تعالى وربما كانت العشرة المذكورة في الرؤيا لا مفهوم لها بل مجرد رمز وهذا مذهبٌ لهم في الأعداد المذكورة في الكتاب المقدس كله( )، هذا إن لم نقل إن في الرؤيا تحريفاً وإضافة !!
وعلى أي حال نحن نعلم أن هذه الرؤيا والخلاف فيها قد لا يثير ثائرة القوم إلا إذا تعرفنا على القرن الصغير الملحد من هو ؟
فقد ذهب طائفة منهم إلى أنه دولة الإسلام ؟
وأن التجديف والإلحاد هو إنكار المسلمين لألوهية المسيح !!
وهذا عجيب إذ كيف تكون المملكة الخامسة العظمى الأبدية قرناً صغيراً من قرون حيوان من الحيوانات الأربعة الذي له غير هذا القرن عشرة قرون كبرى !!
وكيف تكون الأمة الإسلامية التي شملت العرب والفرس والترك والبربر والزنج والهنود والتتار وغيرهم مجرد قرن من الروم ؟ وقرن صغير أيضاً !!
إن النـزول بالبحث العلمي إلى هذا الحد يوجب الإعراض والضرب صفحاً عن هذا اللغو لاسيما وأنه لا علاقة للمسيح وألوهيته بالرؤيا من قريب ولا من بعيد بل السفر كله توحيد.
وذهبت طائفة منهم إلى أن القرن الصغير هو الوحش المذكور في سفر الرؤيا !!
وهنا ينبغي أن نعتذر للقارئ المسلم عن الاسترسال في ذكر الغرائب الحيوانية ، ولا يظن أننا سنورد فيلم الرعب الطويل المسمى سفر الرؤيا !
ونرجو منه أن يتأمل معنا هذا الوحش في لقطة لا تتعدى الثواني من هذا الفيلم ، وليعلم أن القوم في الغرب أضاعوا ويضيعون في هذا ما يعد بالملايين من ساعات العمل ، بل ربما من أيام العمل ، وأن الكتب المتعلقة بها أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا !!
فماذا علينا لو تحملنا دقائق وصفحات لنردهم إلى الصواب ، ونريحهم من العناء ونحمد الله على اليقين.
يقول سفر الرؤيا :
((ثم وقفت على رمل البحر ، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر لـه سبعة رؤوس وعشرة قرون ، وعلى قرونه عشرة تيجان ، وعلى رؤوسه اسم تجديف (أي إلحاد وزندقة) والوحش الذي رأيته كان شبه نمر ، وقوائمه كقوائم دب ، وفمه كفم أسد، وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً ، ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي، وتعجبت كل الأرض وراء الوحش)).
[13 : 1 – 3]
لقد حاول "ت.ب.بيتز" -وهو أجود شارح لسفر الرؤيا- أن يصيب كبد الحقيقة، ويدل قومه على القرن الصغير الملحد ، الذي يخرج من بين قرون الروم ، ولكنه لم يستطع لأسباب :
الأول : مشترك بين كل الباحثين وهو اختلاط الحق بالباطل في الأسفار واستحالة تمييز المحرَّف من الباقي على أصله بله المضاف والمحذوف .
الثاني : مشترك بينه وبين أكثر باحثي أهل ملته كما أسلفنا ، وهو جعل النبوات كلها ‍‍في زمن المسيح القادم ، وتجاهله المطبق للإسلام رسالة وحضارة ومملكة !!
الثالث : يخصه ،وهو أنه هلك قبل قيام رجسة الخراب "إسرائيل " فكان من الصعب عليه أن يفسر الأحداث بدقة.
لكن لما يتميز به شرحه سوف نجعله نموذجاً لتصحيح المنهج.
يقرر بيتز أن الوحش هو نظير القرن الصغير في نبوة دانيال (مع التنبيه إلى أن في سفر الرؤيا وحشين اثنين !!).
وهو في الوقت نفسه الشكل الجديد الذي ستتخذه الأمبراطورية الرومانية ، الذي سيفاجئ العالم قبل نزول المسيح لإقامة ملكوته -الذي هو المملكة الأخيرة الأبدية في نظره.
وهو لما رأى أن الفجوة كبيرة ،وقرونها الزمنية كثيرة ، لا يسدها عشرة ملوك ولو حكم كل ملك قرناً ، جاء بتأويل جديد هو أن القرن ليس ملكاً ! بل هو شكل من أشكال الحكم كالشكل الجمهوري أو الإمبراطوري مثلاً ، ولكل شكل ملوكه الكثيرون، لكنه لم يفصل لنا كل الأشكال بل جعل السادس هو الإمبراطوري ، وافترض أن الشكل السابع عتيد.
أن يقوم أما الثامن والنهائي فهو حكومة الوحش الذي هو القرن الصغير. (ص186).
ولأول مرة -بل من النادر- أن تجد في كلام القوم على كثرته وإسهابه مثل هذا الكلام الرصين الذي يشبه في أوله كلام فقهاء الإسلام ، يقول :
نلاحظ وجه شبه بين هذا الوحش وبين قرن دانيال الصغير فقد حارب القرن الصغير القديسين فغلبهم. (دا/ 7 : 21).
كما أعطي للوحش أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم. (رؤ/ 13 : 7).
وكما في دانيال يتكلم القرن بكلام ضد العلي. (7 : 25).
هكذا في الرؤيا يفتح الوحش فمه بالتجديف على الله. (13 : 6).
وكما أن سلطة القرن الصغير تدوم إلى زمان وأزمنة ونصف زمان (دا/ 7: 25).
كذلك سيبقى سلطان الوحش اثنين وأربعين شهراً. (رؤ/ 13 : 5).
وهي نفس المدة المذكورة في دانيال ولو اختلف الاصطلاح. (189-190).
وهنا لنا وقفة يسيرة فالقوم كالعادة لابد أن يتناقضوا ويحيروا العقل ، إذ كيف يوجد شكل سياسي يحكم فيه مجموعة من الملوك ، ويكون مجموع حكمهم هذه المدة الوجيزة ؟ ثم إنه لم يثبت على رأي واحد ، بل جعله مرة شخصاً حاكماً وأخرى هيئة أو جمعية تآمرية - كما سنرى.
فلنتابع معه الأحوال والأحداث المتعلقة بالوحش لكي نعرف هذا القرن الصغير المشؤوم ؟!
عن هذا يقرر بيتز أمورا ً:-
1- أن الوحش سيكون في أورشليم (193). ويقرر ((إن أورشليم هي النقطة المركزية التي تتجمع حولها الحوادث المذكورة هنا بلغة الرموز)) (194). (ونذكِّر القراء بأنه كتب هذا والقدس شبه منسية عندهم إلا من قليل من السّوّاح أو الزائرين).
2- الوحش (إسرائيلي لكنه لا يبالي بيَهْوَه إلـه الأمة ، ولا بالمسيَّا ((الموعود المنتظر)) رجاء الأمة ، ولا حتى بالآلهة الباطلة التي طالما مالت إليـها الأمة…)).
3- يتحالف الوحش مـع ((رأس الإمبراطورية الرومانية ومركز القوة والسلطة العالمية)) (200).
4- يجزم (بيتز) أن هذا الرئيس الروماني ليس أحداً من الأباطرة السابقين ، بل هو الذي سيأتي عند قيام رجسة الخراب ، التي تحدث عنها دانيال ، وذكّر بها المسيح مرة أخرى ، ويقول :
(من مواضع كثيرة في كلمة الله -أي الكتاب المقدس- يتبين أن العشرة الأسباط سيجتمعون في أورشليم بعد خلاصها وعتقها -أي قبل نزول المسيح- وهناك يحتملون نار الضيقة العظيمة في أشدها ، بينما إسرائـيل الذين رفضوا المسيح سيجتمعون إليها قبل ذلك). (ص 217) أي في يوم غضب الرب على الدولة الرجسة الذي سنعقد لـه فصلاً قادماً بعنوان ((يوم غضب الرب)).
مرة أخرى ينبغي أن نتذكّر أنه هلك قبل قيام دولة إسرائيل بكثير.
5- حكومة الوحش ستكون ملحدة على النظام الغربي ، لا على هدي الوحي بل هي من أكبر أسباب الإلحاد والظلام. يقول :
((في أوربا الغربية الوطن المختار للمدنية والحرية والاستنارة والتقدم كانت نتيجة تفاعل تلك المبادئ البشرية هي قيام حكومة الوحش ملتقى الطغيان والظلام والتعاسة والتجديف)) (ص 238).
6- وتحت زعامة الوحش يقرر بيتز اعتماداً على مفهومه لرؤيا دانيال :
((سوف تتكون عصبة من الحكومات المتحالفة مؤقتاً)) (251).
وصفة الحلف الذي ستعقده الإمبراطورية الرومانية الجديدة هو أن :
((العشرة ملوك الذين يحكمونها يصنعون رأياً واحداً ويعطون الوحش ملكهم)) (ص253).
والعجب حقاً هو أنه ((ليس الوحش هو الذي يجبرهم على إطاعة أمره بل هو عمل تطوعي يقومون به من جانبهم)) (ص253).
كما أنه ليس من شرط الوحش أن يحكم كملك بل ((بواسطة نفوذه في مؤامرات و مشورات على أرض الإمبراطورية الرومانية القديمة أو على الأقل الجزء الغربي منها))!! (ص254).
(ونُذَكِّر بأنه كتب هذا قبل قيام الأمم المتحدة وظهور السيطرة الصهيونية على السياسة الغربية عامة والأمريكية خاصة) !!.
7- وعن عدو الوحش والمعركة بينهما يقول بيتز :- ((إن الحلف القائم بين الامبراطور الروماني واليهود غير المؤمنين لا يمنع غزو الجيش الشمالي ، الذي -بسبب العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في ذلك الوقت- سيباغتهم كسيل جارف ، ويجلب الخراب على الأرض)) (214).
ولتفسير الجيش الشمالي نجده يقول :
((يجمع ملوك المشرق قواتهم ليغيروا على حدود أملاك الوحش ومن الناحية الأخرى سيجمع الوحش باتفاقه مع ملوك الغرب قواته ويزحف إلى معركة هرمجدون المشؤومة)) (ص240 ).
9 - وأخيراً يحدثنا بيتز عن نتيجة المعركة :
((قل أن يحلم الوحش ومساعده الأثيم أنهما سيؤخذان أسيرين من ساحة القتال التي يعجلان إليها ! وأنه سيلقى بهما حيين إلى عذابات بحيرة النار الأبدية ، وقل أن يجرؤ القديسون المتألمون المختبئون بين الجبال والمغاير فيؤمِّلون بأنهم سيرفعون رؤوسهم آخر الأمر)) !!.
والآن وقد عرفنا " الوحش " نسأل : هل هذه النهاية لا تكون إلا في "هرمجدون" وعلى يد المسيح ؟.
إن افتراض ذلك هو الخطأ المشترك بين هؤلاء وبين بعض الباحثين المسلمين أيضاً ، والفرق أن هؤلاء لا يحسبون حساباً للمنطق والعقل وسنة الله في التاريخ ، أما المسلمون فيبحثون غالباً عن سنن طبيعية لتفسير الأحداث... المسلمون كمن يخطئ طريقه في النهار أما هؤلاء فكل سيرهم في الظلمات إلا بقايا من البصيص الباهت !!
لقد قلنا إن بيتـز كاد أن يصيب الحقيقة ، ولكي نساعد قراءه على إصابتها نورد لهم تلخيصه للأحداث كما سطره (ص213). مع حذف العناصر المشيحانية وإبقاء الموضوع في حدود المألوف ، ونقرأ كلاماً بدونها فيكون هكذا :
((سوف تعود الإمبراطورية الرومانية إلى الوجود .. وستكون الكتلة اليهودية قد رجعت إلى أورشليم غالباً في عدم الإيمان (ونقول نحن بل قطعاً)... وبينما هم في أورشليم إذا بقوة عظيمة تهدد ذلك الشعب الراجع ، ولكي تتقي الكتلة اليهودية شر تلك القوة فإنها... تعقد عهداً مع الرئيس العظيم الذي سيكون حاكماً للإمبراطورية الرومانية في عهدها الجديد... إلا أن الحلف القائم بين الإمبراطور الروماني واليهود غير المؤمنين لا يمنع غزو الجيش... الذي بسبب العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في ذلك الوقت سيباغتهم كسيل جارف)) (213–214).
ولو أعدنا نحن كتابة الموضوع فسنقول ببساطة :
1- دولة إسرائيل قرن صغير خرج من الروم من بين قرونهم الاستعمارية الكبرى وقد رجع إلى الأرض المقدسة غازياً مدنساً.
2- الوحش أو الوحشان هما : الصهيونية ذات الوجهين أحدهما يهودي والآخر نصراني.
3- اليهود عامة والصهيونيون خاصة هم دعاة الإلحاد والفساد في الأرض وأكثر أصحاب النظريات الإلحادية منهم : ماركس ، وفرويد ، ودوركايم ، وفيشتة وأرلر ، وماركوز ، وهسّرل ، وشيلر ، وبرجسون ، ومارتن بوبر.
4- قيام رجسة الخراب في القدس هو احتلال اليهود لها واتخاذها عاصمة لحكمهم وهذا مما سنفصل الحديث عنه لاحقاً.
5- الإمبراطورية الرومانية الجديدة هي الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن يشتمل الاسم : الغرب كله وهنا تتداخل مع بابل الجديدة المذكورة في النبوءات الأخرى ، وهي التنبين الذي أعطى الوحش القدرة والسلطان !! وسنرى نهاية هذا التنين مع نهاية رحسه الخراب في يوم غضب الرب.
6- الجيش الآتي من الشمال أومن الشرق هم المجاهدون المسلمون ولهذا أيضاً تفصيله في فصل آتٍ من نبوءات أخرى !!.
وبقية القصة من التحالف والحرب وحلول غضب الرب لا إشكال فيها حينئذٍ !!.
إلا أنه لا بد من الإشارة إلى سبب آخر يوجب تعديل كلام بيتـز ، وهو أن التثليث الذي أفسد عقيدة هؤلاء قد أفسد عقولهم أيضاً ، فهو في ص ( 211 ) ينسى كل ما قال ويؤكد أن الثلاثة الأشخاص الملقبين بالقرن الصغير والوحش والرئيس الإمبراطوري كلهم في الحقيقة شخص واحد !!!.
والمهم أن تغييراً ذا شأن لم يمس جوهر (السيناريو) وكل ما صنعناه هو تعديل أسماء شخصيات المسرحية !!.
والعنصر الأساس في المسرحية هو ((عودة اليهود إلى الأرض المقدسة بلا إيمان)) بل بكفرهم القديم وإلحادهم الحديث ، ومن هنا أقاموا على الأرض المباركة الطاهرة دولتهم التي سماها دانيال ((رجسة الخراب)) وهذا هو موضوع الفصل التالي.
__________________
الشعب الذي يرفض دفع ضريبة عزه من دماء خيرة أبنائه يدفع أضعاف أضعافها ضريبة لذله من دماء كل أبنائه
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م