لنغني طربا مع بن نبي(3)
مرحبا أسعد الله لكم في جميع الأوقات
في يوم الجمعة يطيب لي الاستمتاع برحلة فكرية روحانية مع آي القرآن الكريم لأطول وقت ممكن مقارنة بباقي أيام الأسبوع , هو يوم عطلة أعاذنا الله تعالى من العطلة ! .. أي العجز إن كان قسرا , أو الكسل إن كان اختيارا , هو يوم اختاره الله بعلم ليبدأ فيه الخلق وينهي فيه الحياة الدنيا إيذانا ببدأ أخرى .. فأراه يوم جد وبذل وتأمل وشحذ همم.
قرأت فيما قرأت آيات مباركات من سورة الأعراف .. لأتلو عليكم بعضا منها { كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين , اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء قليلا ماتذكرون , وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون, فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين , فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين , فلنقصن عليهم بعلم وماكنا غائبين ..... الآيات } .... لم لاتتموا تلاوتها ؟
في هذه الآيات بدأ الله تعالى بذكر الكتاب.. والكتاب بنيان مؤلف من كلمات تكون جملا..والكتاب عادة يحمل فكرا ومنهجا يعبر عن صاحبه , وكلما كان صاحب الفكر من أهل الفكر أي أولي الألباب , كانت رؤاه وقناعاته محل اعتبار , فمابالنا وكتابنا صاحبه هو رب العالمين
بين صاحب كتابنا هذا عز وجل أن مافيه للذكرى أي لتأمل وتفكر من اعتنق فكر صاحبه إن جاز التعبير .. فيتبع بذالك قناعاته .. غير أن كثيرا ممن آمنوا به يتبعون غيره من الأولياء ولذا تراهم يحزنون { ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون , لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }ولأنه لاولي لنا حتى من اتخذناهم أولياء , فقدنا البشر والسرور في الدنيا كأمة , ونعوذ بالله من سخط الآخرة..... قصص هذا الكتاب يرويها شاهد لايغيب فهو الحي الذي لايموت وكل يوم هو في شأن. وسيسأل من قص عليهم مباشرة وهم الرسل , ومن تلاهم وهم المُبلغون أمثالنا !!!
اليوم سنغني إنشودة لابن نبي رحمه الله .. علنا نطرب لما ترنم به.... لنستمع :
أي صديقي ...
* لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق.
* وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض في خدر النوم وملابسه الرثة .
* ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنفته , هنالك في السهل , حيث المدينة التي نامت منذ أمس مازالت مخدرة.
* ستحمل اشعاعات الصباح الجديد , ظل جهدك المبارك , في السهل الذي تبذر فيه , بعيدا عن خطواتك.
* وسيحمل النسيم الذي يمر الآن البذور التي تنثرها يداك... بعيدا عن ظلك.
*ابذر ياأخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيدا عن حقلك , في الخطوط التي تتناءى عنك .... في عمق المستقبل.
* هاهي بعض الأصوات تهتف. الأصوات التي أيقظتها خطواتك في المدينة , وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي . وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم, سيلتئم شملهم معك بعد حين.
* غنّ ! ياأخي الزارع لكي تهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر, نحو الخط الذي يأتي من بعيد.
*وليدوِّ غناؤك البهيج . كما دوى من بل غناء الأنبياء, في فجر آخر , في الساعات التي ولدت فيها الحضارات.
* وليملأ غناؤك أسماع الدنيا, أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك.
* هاهم ينصبون الآراء على باب المدينة التي تستيقظ , السوق وملاهيه , لكي يميلوا هؤلاء الذين جاؤوا على إثرك , ويلهوهم عن ندائك .
* وهاهم قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات , لكي تغطي الضجة على نبرات صوتك.
* وهاهم قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار . ولكي يطمسوا بالظلام شبحك , في السهل الذي أنت ذاهب إليه .
* وهاهم قد جملوا الأصنام ليحلقوا الهوان بالفكرة .
* ولكن شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع , وستعلن قريبا انتصار الفكرة , وانهيار الأصنام , كما حدث يوم تحطم (هبل ) في الكعبة .
يرى بن نبي (أن الكلمة من روح القدس وأنها تساهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية , فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد إذ تدخل إلى سويداء قلبه فتستقر معانيها فيه , لتحوله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة..) وجميعنا إخوتي .. يعلم أن من ضمن قواعد ديننا أنه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ليقل خيرا أو يصمت .. يقول رحمه الله (أن الكلمة يطلقها الإنسان تستطيع أن تكون عاملا من العوامل الاجتماعية حين تثير عواصف في النفس تغير الأوضاع العالمية .. ويجده تفكيرا سديدا ذالك الذي الحضارة ظاهرة اجتماعية تكون في نفس الظروف والشروط التي ولدت فيها الحضارة الأولى. كان هذا صادرا عن عقيدة قوية ولسان يستمد من سحر القرآن تأثيره ليذكر الناس بحضارة الإسلام في عصوره الزاهرة .. حينما كان الشعب المتدين الطروب مصغيا!.)
إخوتي الكرام ... لم يكن مجتمع المستمعين الأوائل مجتمع الإيقاعات السريعة , وإنما الطرب الأصيل العميق في النفس .. لم يكن انفعاليا ثائرا . بل متأملا راسخا " لم نرض الدنية في ديننا " لم يعول عليها النبي صلى الله عليه وسلم , ومضى مع ايقاعه المتزن ليرسخ مايريد من خلال اعمال البصيرة ,وبعد النظر. وعلينا اليوم أن نسعى لأن تطربنا القصص وأحداث التاريخ لأخذ العبر من خلال الاستماع الهاديء المبني على النقد والتحليل واجراء سلاسل من عمليات المقارنة والربط ( اللهم عافني في سمعي , اللهم عافني في بصري)
مشكلتنا نحن المسلمون أننا نشعر بخصوصية عند الله عن باقي البشر لمجرد أننا مسلمين , وهذه النظرة هي عائق في طريق أي تقدم وخلاص { ليس بأمانيكم ولاأماني أهل الكتاب من يفعل سوء يجز به } .. فسنن الله لاتحابي في جميع أمور الحياة. ويؤيد ذالك مفكرنا رحمه الله فيقول ( إن من عادة التاريخ ألا يلتفت للأمم التي تغط في نومها , وإنما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر , تطربها إذ ترى في منامها أبطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم, وتزعجها حينما تدخل صاغرة في سلطة جبار عنيد. ) وهذا حق .. فنحن اليوم نعاني الإزعاج حين نرى أنه لم يبق من حضارتنا الاسلامية مايذكره البشر إلا أوهاما نتسلى بها في خلواتنا وتشغل حيزا ضئيلا من قنواتنا الإعلامية.
إن مانحن فيه اليوم هو الكسل الذي أمرنا أن نستعيذ منه وكلا يلقي على الآخر فالقادة تلوم الشعب والشعب يلوم القيادة ليستمتع كل منهم بنومه لأطول زمن, وننتظر تاركين الفهم عن كتاب نمنا عن تلاوته تدبرا عمرا طويلا , فلم تعد تطربنا آياته .. ولسان حالنا هو ((هم )) لايفعلون , ولا وجود لـ ((نحن)) .. وعندما أسلمنا أنفسنا للنوم وقرعت طبول هم وتخلينا عن نحن .. قامت شعوب أخرى آمنت بنحن , أو كما يعبر رحمه الله (أنه تبعث شعوبا لتلعب دورها حينما تدق ساعة البعث معلنة قيام حضارة جديدة ومؤذنة بزوال أخرى .. ويرى أنه من المحزن حقا أن العالم الإسلامي .. إبان هذه الحقبة قد استسلم لرقاد طويل , فلم يفطن لساعات التاريخ الفاصلة , ولم يحاول انتهاز فرصتها السانحة ليتخلص من الاستعمار ) ووالله ياإخوتي إن مانعانيه اليوم هو استعمار الفكر وغلبة الكسل وروح ((هم ))
إخوتي .... ألا من مستيقظ ومبصر للصباح مستمتع بجمال الآذان , مرددا ( الحمد لله الذي أحيانا بعد إذ أماتنا وإليه النشور ).... ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل )
الآن ليحاول كل منا أن يترنم بأغنية بن نبي رحمه الله .. ويجيلها في فكره .. واضعا نصب عينيه أن أصدق الأسماء ( الهمام والحارث)
إلى اللقاء
__________________
حمل البنادق والقنابل سهل ميسور لمن امتلك نفسا جبارة عظيمة بالله , قد استصغرا كل ماعدا الله , وما عادت ترى في غير الموت في سبيل الله غاية وأملا. لكن حمل الشهادات وبذل الجهود العظيمة في بحث علمي أو استقصاء أدبي هو المهمة الجسيمة التي تواجه أولئك الذين حبسوا في الأرض ولم يكتب الله لهم الشهادة في سبيله ولعله سبحانه ادخرهم ليكونوا من أهل الحياة في سبيله , الذين تقوم على كواهلهم دولة الإسلام وتتوقف على جهودهم حياة المسلمين كراما أعزة ..(يمان السباعي)
((( أنا لاأغتال الجمال , وأنتم أصل لكل جمال )))
|