فجأة تحت سقف الظهيرة
كامرأة خائفة
تطفئ الشمس قنديلها
ثم ترحل فى العاصفة
راحل فى عذابى أنا
مثلما ترحل الشمس فى رحم العاصفة
راحل فى عيون بلادى
المليئة بالدمع
ها نحن يا بلادى
نتقابل ثانية ..
فى متاهات عصر الرماد
* * *
راحل ، وطنى البرق
يا ويلتا ، أين أمضى ؟
ارحل فىَّ ،
يرتحل الجرح الوطن
فالجرح جرحى ، والأرض أرضى
وأنا والريح والمدخنة
ارحلي فىَّ ، يا قطعة النجم ..
ترتحل الأزمنة
* * *
ما الذى اسكت الكلمات ؟
تآكلت الكلمات
تمرغت الكلمات
ارحل فىَّ ..
قلب المغنى حزين ،
وعين الملايين غارقة فى ثبات
ما الذى جعل الضحكات
نزيف جراح قديمة
غائرات الحفر
أنت ام أن طير الهزيمة
حط فوق اغصان الشجر !
* * *
ارحلى فىَّ ، مثل الطيور الغريبة ..
راحلة ابداً ..
تنقر الافق بالشوق والذكريات
ــ سفحت عطرها غابة الشوق والذكريات ــ
ارحلى فىَّ ، لا سأما لا انهياراً
لا احتفالاً بسقطتنا ، لا انكساراً
نحن لم ننكسر
حينما انكسرت قامة الضفدعة
نحن لم ننهزم
انما سقطت عن وجوههم الاقنعة
بعدك لا ..
بعدك لا ..
لا روعة النصر ، ولا جلال الانكسار
لا هالة المجد ، ولا الشمس ولا المرار
انهتك الستار
وخرج الليل من النهار
فالبطل الذى اضاءت وجهه الاقدار
مضت به الاقدار
مضى ، وابقى للملايين وللاحرار
اثمن ما يبقيه بعدهم الثوار
الرمز والشعار
وحلم الانتصار
وان يزول ذلك الجدار
ويعصف التاريخ بالمغول والتتار
وتفتح الدار ذراعيها
لاهل الدار
* * *
بعدك لا ..
قبلك لا ..
فالارض ما تزال
حبلى ..
وقلب الشمس ما يزال
اخضر ..
والثورة ما تزال
والنهر رغم الطحلب العائم ما يزال
والسلفيون الذين احترفوا النضال
سوف يزولون
ويبقى الغد للاجيال
فلتصدق الرؤيا التى ابصرها جمال
ولينصب الطوفان
فوق القبور الآن
خيمته الوحشية الالوان
وليكتب اسمه على حوائط النيران
مختتماً عصر المهرجين والخصيان
* * *
تشابهوا يا خلفاء الله فوق ارضه
يا امراء العالم القديم
هانذا ارقص فى سارية مكسورة
انقش تاريخ عذابى
فوق جذع شجرة
هانذا آجرة فى الحائط الشرقى
شاهد محق فى جنبات المقبرة
تشابهوا .. تشابهوا
هانذا يا امراء العالم القديم
اصفكم وحدى على مائدة المساء
المسكم .. احفر فى عيونكم كما أشاء
انظر ضاحكاً الى عظامكم
وهى تغوص فرقاً وترتعد
اطفئكم واتقد
ارقب ذلك الافق الغائم وهو يبتعد
ابحث كالمجنون فى اردية الرجال
وفى زوايا الصمت والظلال
عن غائب وهو حضور الى الابد
عن احد ليس كمثله احد
* * *
هانذا ابحث تحت قبعات الساسة السماسرة
عن امة مهاجرة
تحمل جرح الطعنة الكبرى
وجرح الطعنات الغادرة
* * *
تختلط الرؤى الفجيعة
اليقين باليقين
يجعلنى صراخهم عاصفة عمياء
اوقفوا الصراخ ..
اوقفوا الانين
الحرب لم تكن هى الحرب
فقد اثمرت الموت الخيانة
واحترقت ايدى التماثيل المهانة
الأرض لم تسقط ..
ولكن سقطت كل الحصون
وانتصر الغزاة والمهرجون
* * *
اعرف أن الغد ليس غدهم ..
وانهم سيهزمون
فان من لم يكبروا سيكبرون
وان من لم يعرفوا سيعرفون
قد سقط القدس ..
وغاصت حافر القاتل فى دمائنا المحرمة
وسقط البراق والوحى
فهل عرفت ، او هل تعرفين ؟
متى ستسقطين
يا مكة المكرمة !
* * *
بعدك لا ..
قبلك لا ..
لابد من طوفان
يفقأ عينى هذه المدينة المحاصرة
لعلها تبصر كيف تولد المؤامرة
وتكبر المؤامرة
وتفرخ المؤامرة
حتى تسيل مطراً من أسقف البيوت
لعلها تعرف كيف يقبل البرابرة
فى الريح والضباب
ويصبح القياصرة
آلهة الخراب
وكيف تضمحل شمس العصر او تموت !
مشنوقة من ساقها
فى خيط عنكبوت
شعراء عرب محدثون وقدامي وشعرهم . مجمع من منشورات الخيمة.
انني لا اطمئن اليه
جد شخص لا يريح عليه
ذلك الشعر الغريب الذي
اضـ ــــبطه يغفو علي كتفيه
نكهة العطر المثير الذي
امــ ـــــضغه في كل شئ لديه
احتصار النار في شفتيه
انفعال الملح في ابطيه
والبرود المستفز الذي
يجـــ ـلد روحي حين اخلو اليه
خطفت دور الطولة مني
امرأة لا شك في عينيه
ما اسمها؟
ما شكلها؟
كيف تجني شفتاها الخوخ من خديه؟
لا..نعم.لا..لن أذوب شكي
فيه طول العمر في أذنيه
لست لو خيرته بيننا
أضــــ ـــــمن اني أفضل امراتيه
وانا ارحل في حبه حتــــــ ــتي
حدود الارض في قدميه
كيف احيا دونه وانا
أجـــــــــ ــــــــتذب الانفاس من رئتيه؟
كيف أحيا دونه وانا كلـــــــ ــــــــي انا من بعض صنع يديه؟
قصيدة (أب)..(عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة
قصيدة (أب)(عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة
ومن قصائده الجميلة والرائعة التي قرأتها له قصيدة "أب" التي نشرتها له مجلة "المسلمون" الشهرية التي كان يصدرها الأستاذ سعيد رمضان، وتصدر من خارج مصر، وهي في الحق من روائع الشعر العربي الحديث، كتبها وهو في مصيف "قرنابل" بلبنان، وقد سعد بأسرته وأولاده خلال الصيف، ثم انتهت العطلة ورحل الأولاد عنه وعادوا إلى حلب، وبقي الشاعر وحده في البيت الذي أصبح اليوم موحشًا كالقبر بعد أن كان بالأمس جنة وارفة الظلال، بما فيه من حياة وحركة وبركة وسعادة.