أهلا بأخي مخلص
أعجبني المقال التالي ورأيته ذا علاقة بالموضوع فأحببت إطلاعكم عليه
لن يكون غريبا بعد سنوات أن نشاهد على شاشات التليفزيون وجوها بشرية مستنسخة مثل النعجة ( دللي ) …. وفى إنجلترا الآن يجرى العلماء تجارب على استنساخ البشر ….. وهناك اعتقاد سائد إن إسرائيل ستكون أول دولة في العالم تستنسخ إنسانا حيث وصلت الأبحاث لديها إلى درجات متقدمة في هذا المجال .
وإذا كان العالم الآن يتابع الاستنساخ الشكلي الذي يشمل الوجه ولون الشعر والعيون والملامح… فان هناك استنساخ عقليا وفكريا ووجدانيا سبق استنساخ الشكل بسنوات طويلة.
كانت هذه الأفكار تدور في رأسي وأنا اجلس مع عالمنا الكبير الصديق د. احمد مستجير وهو يهديني كتابين صدرا له في وقت واحد حول الهندسة الوراثية , أو كما أطلق عليها القرصنة الوراثية .. وبينما كان د. مستجير يتحدث نعن استنساخ اللون والشكل والملامح دارت أمامي فكرة الاستنساخ الثقافي واكتشفت أننا منذ سنوات بعيدة في العالم الثالث أو العالم النامي أو كما اسميه العالم النائم نتعرض لعمليات استنساخ فكرى وثقافي تجرى في غاية الإحكام .
قد يكون الاستنساخ الشكلي هو أخر مراحل تغيير هوية الحضارات في العالم وزرع حضارة وحيدة استطاعت بسلطان المال والقوة والتكنولوجيا أن تفرض أنماط سلوكياتها وتفكيرها وملامحها على معظم حضارات العالم .. إن الاستنساخ الثقافي يسعى إلى طمس ذاكرة الشعوب ..إن قضية العولمة هي اكبر عملية استنساخ ثقافي شهدها العالم في السنوات الأخيرة .. والشئى الغريب أن دول العالم الثالث ابتلعت الطعم وبدا مفكروها ومثقفوها يرددون كلمات العولمة مثل الببغاوات .. وبدأت المؤتمرات والندوات واللقاءات .. وما كانت هذه العولمة برياحها العاتية إلا عملية استنساخ ثقافي لنموذج حضاري وسلوكي وبشرى واحد يحاول أن يفرض هيمنته على العالم …بعد أن فرضت العولمة وجودها الاقتصادي متمثلا في القوة الاقتصادية الضخمة وفى الشركات متعددة الجنسيات ,وفى هيمنة القوى السياسية في العالم على مصادر الثروة في الدول النامية ,خاصة البترول .. كان الاقتصاد هو القوة الأولى التي اندفعت جحافلها في تنسيق وترابط نحو تحقيق أهدافها .. واستطاعت القوة الاقتصادية أن تفرض هيمنتها وأساليب تفكيرها ابتداء بالغذاء والملبس وانتهاء بالغناء والسينما …
ولم يكن غريبا أن يصبح الجينز رداءا عالميا وان تصير كنتاكى غذاء أجيال الشباب الجديدة , وان يكون ما يكل جاكسون مطرب الكرة الأرضية , وان تكون مادونا نجمة السينما العالمية .. وان تختفي وسط هذا الغزو الرهيب سلوكيات شعوب وحضارات فقدت هويتها وانتماءاتها أمام نماذج سلوكية وحضارية كانت غريبة عليها تماما .
كانت القوة الاقتصادية هي أول الكتائب التي مهدت لجيوش العولمة , بعد أن انسحبت
الجيوش التقليدية .. وكان الهدف الأساسي بداية الاستنساخ الثقافي والفكر وأمام هذا بدا مسلسل الاستنساخ الثقافي الذي مهدت له بقوة جيوش المال والاقتصاد والتكنولوجيا ..
وكان من الممكن أن يكون هناك تعاون اقتصادي مشروع يقوم على تبادل المصالح والأهداف .. ولكن الفرق كان شاسعا بين لغة المصالح المشتركة ولغة الهيمنة المفروضة .. أن التعاون أمر مشروع ولكن الهيمنة تختلف تماما من حيث الأهداف والأغراض والوسائل .. كان من الممكن أن يكون التعاون في استخدام التكنولوجيا حقا مشروعا للجميع , وان يقتصر دورها على مجال المال والأعمال , لكنها شقت طريقها بعنف إلى عقول الناس وثقافاتهم وثوابتهم العقائدية والتاريخية أحدثت فيها شروخا كثيرة.
كان من الممكن أن يتحول العالم إلى سماء مفتوحة تحلق فيها كل النجوم الثقافية بألوانها الزاهية والمتباينة .. ولكن إرادة الله النجم الواحد أن يظل وحده في السماء مضيئا .. وان تختفي حوله كل النجوم . من هنا كانت عمليات الاستنساخ الثقافي التي وضعت ضمن أهدافها الرئيسية زعزعة الهوية الثقافية للحضارات التقليدية في العالم .. كنا نسمع عن الموسيقى الهندية.. والفيلم الهندي.. والرسوم الصينية .. والزخارف الإيرانية.. والأفلام الهندية والموسيقى العربية .. والفن التركي.. والنقوش الكردية .. والسينما المصرية .. وكان لهذه
الفنون عشاقها ومريدوها حتى في دول العالم المتقدم .. وفى يوم من الأيام كانت السينما الهندية تنافس السينما الغربية في عقر دارها .. وكانت للسينما المصرية الواسعة ليس في الدول العربية , ولكن في الدول الإسلامية ودول العالم الثالث ..أين هذه الفنون الآن ؟
لقد اختفت في ظروف غامضة .. ووقف فيلم رومانسي واحد مثل "تايتنك" يحصد مليار دولار في معظم دور العرض في العالم كله .. وكان هذا واحدا من أهم النماذج الواضحة في أساليب العولمة في أساليب في عملية الاستنساخ الثقافي .
وقبل ذلك كانت أفلام مادونا .. وأغاني ما يكل جاكسون .. وبعد أن أوشكت قلاع الفنون أن
تتهاوى تسللت عمليات الاستنساخ إلى مناهج التعليم في الدول النامية بطرق مشروعة .. ووجدنا مواكب المهرجانات التي تقتلع الجذور وتشكك في الهوية .. ووجدنا نفسنا أمام ثقافة مهجنة .. لا هي حملت ملامح جذورها الأصلية , ولا هي حملت ملامح الوافد الجديد.. ولم يكن غريبا أن يختفي الغناء الجميل وتظهر الأشباح الراقصة .. وان يغيب المسرح الجاد ويظهر مسرح الجسد .. وان تتواري الكتابات الجادة أمام الإسفاف والترخص .. وساعد
على ذلك كله سماوات مفتوحة أصبحنا جزءا منها وللأسف الشديد أننا نمثل الجسد الضعيف الذي يحتاج دائما إلى عمليات نقل دم سريعة ومتواصلة حتى ولو كان الدم ملوثا .. واما عمليات الاستنساخ الثقافي والفكري اختلت موازين السلوكيات ابتداء من الطعام والملبس وانتهاء باستخدام التكنولوجيا الحديثة حتى ولو كان خارج السياق .. وجدنا شعبا يدفع ستة بلايين جنيه سنويا من اجل عيون جهاز صغير اسمه التليفون المحمول .. ومع هذا الجهاز الصغير كانت هناك تحولات اجتماعية وثقافية حادة .. بجانب عبء اقتصادي رهيب على الأسرة ...وجدنا تغيرات حادة في نظام الطعام والملبس ... اصبح يمثل عبئا ثقيلا على الأسرة .. ولم يكن التغير نحو الأفضل أمام أمراض كثيرة تعانى منها أجيال الشباب بسبب فساد الأغذية واستخدام الهرمونات في إنتاج الحيوانات والأطعمة ..وجدنا لغة جديدة علينا اقتلعت اللغة الام من جذورها .. وربما نحتفل بعد سنوات برحيل آخر شخص كان يجيد اللغة العربية الفصحى أمام زحف الإسفاف اللغوي الرهيب .. وجدنا نماذج سلوكية غريبة علينا أخطرها المخدرات وتوابعها ابتداء بالهيروين وانتهاء بالبانجو .. وما تبع ذلك من انتشار أعمال الاغتصاب والجريمة .
وجدنا محاولات دائمة للهجرة والسعى للحصول على جنسيات أخرى , لدول أخرى وما تبع ذلك من هروب جماعي لرؤس الأموال إلى الخارج ومحاولات الحصول على شهادة ميلاد في عاصمة أخري لابنائنا الصغار .
وجدنا محاولة تشكيك دائم في جذورنا وتاريخنا ورموزنا وقدراتنا بحيث لا يبقى نموذج واحد تجد فيه الأجيال الجديدة نموذجا أو قدوة .. كانت هذه الخطوات كلها تتم أمام أعيننا وتترسب في أعماق أبنائنا ونحن مدركون لحجم الكارثة .
والمشكلة الآن إن الرياح لا تأتى من الخارج فقط , ولكنها تهب علينا في أحيان كثيرة من أجهزة مسئولة , وحملة أقلام ومباخر ..
ولهذا فان الاستنساخ الثقافي الذي يتعرض له العالم النامي الآن يمثل جريمة في حق التاريخ والبشرية .. لانه لا يعقل أبدا أن نجد الحضارة الإنسانية كلها وهى تتهاوى أمام نموذج حضاري ضار يحاول فرض سيطرته على الجميع مستخدما كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة .. وقد يتساءل البعض وما هو الحل ؟ ..
الحل عندي أن يتمسك كل شعب بجذوره وإلا يفرط في تاريخه ومقوماته بسهولة .. وهذا يحتاج إلى خطوات حاسمة ..
إن تغيير مناهج التعليم يجب أن يخضع لرقابة " وطنية " دقيقة .. تغربل كل ما يمس جذورنا أو يسئ لتاريخنا بشكل مباشر أو غير مباشر ..
إن صيانة جذورنا الثقافية يمثل ضرورة ملحة في هذه الظروف ابتداء بالإبداع وانتهاء بألوان الفنون المختلفة من السينما والغناء والمسرح والفنون الشعبية .. إن المنافسة شفىالسماوات
المفتوحة تفرض علينا زيادة قدراتنا على المنافسة من خلال إنتاج متميز يحرص على مقومات الانتشار والقيمة في وقت واحد .. ويؤكد في كل الحالات قيمة الانتماء ..إن
محافظتنا على ما بقى لدينا من رموز من البشر والأماكن والسلوكيات يمثل حصنا من حصوننا المنيعة ..إن تاريخ الأشخاص ثروة .. لانهم قدوة لأجيال قادمة .
وما بقى من القصور ثروة .. لانه آخر ما بقى من الزمن الجميل ... وما بقى بين أيدينا من سلوكيات إنسانية رفيعة .. يمكن أن يكون حصنا لأجيال قادمة أمام غزو سلوكي مخيف ..
وما بقى من مشاعر الانتماء والولاء والحب للأرض والوطن شئ يجب إن نغرسه في نفوس آبائنا قبل إن يبحثوا عن جواز سفر أو جنسية أخري .. وإذا كان الاستنساخ الثقافي هو الخطوة الأولى نحو الاستنساخ البشرى .. فإنني اعتقد أن قضية الفكر والعقل والثقافة اخطر بكثير من قضية اللون والشكل والملامح .. من اجل هذا يجب أن نكون على حذر أمام طوفان الاستنساخ الثقافي الذي يسعى لتحويل العالم كله إلى قطيع تحت شعار جديد نردده بوعي.. وبدون وعى.. اسمه العولمة ..
فليتحسس كل منا رأسه .
http://www.tut62.net/mostagir.htm