وظاهرٌ من هذه الرواية أنّه لم يحفظ القرآن ولم يكتبه غير عائشة، وهو أمرٌ في غاية البعد والغرابة، فأين سائر الصحابة والحُفّاظ والكتبة منهم، قال السرخسي: "حديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لاَنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخرى، فعرفنا أنّه لاأصل لهذا الحديث"23. أمّا بالنسبة لآية الرجم المذكورة في الحديث فقد تقدم أنّه لا يصحّ اعتبارها قرآنا لكونها من أخبار الآحاد، وحكم الرجم من السنن الثابتة عن الرسول الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم إنّ هذا الحكم ـ في رضاع الكبير عشراً ـ قد انفردت به عائشة، وعارضها فيه سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تأخذ واحدة منهنّ بقولها في ذلك، وأنكره أيضاً ابن مسعود على أبي موسى الاَشعري، وقال: "إنّما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم" فرجع أبو موسى عن القول به24.
عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: "قرأ عليّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى". قالت: "قبل أن يغيّر عثمان المصاحف"25.
وظاهر أنّ هذا من الآحاد التي لا يثبت بها قرآن، وإلاّ فكيف فات هذا عن سائر الصحابة وكُتّاب الوحي منهم وحُفّاظه وجُمّاعه، واختصت به عائشة دونهم؟ ولو صحّ فهو روايةٌ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاعتقدت عائشة كونها من القرآن فكتبتها، حيثُ روي عن البراء بن عازب أنّه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله وملائكته يصلون على الصفوف الاَُوّل"26، وروي عن عائشة أنّها قالت: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله وملائكته يصلّون على الذين يَصِلُون الصفوف"27، ولعلّه أيضاً ممّا يُكْتب في حاشية المصحف، حيث كانوا يسجّلون ما يرون له أهميةً وشأناً في حاشية مصاحفهم الخاصّة.
أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال: "القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف"28. بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار، قال الذهبي: "تفرّد محمّد بن عبيد بهذا الخبر الباطل"29، هذا فضلاً عن الاختلاف في رواية عدد الحروف، فقد روي ألف ألف وواحد وعشرون ألفاً ومئة وخمسون حرفاً، وقيل: غير ذلك، الأمر الذي يضعف الثقة بصحة صدورها.
وإذا صحّ ذلك فلعلّه من الوحي الذي ليس بقرآن كالأحاديث القدسية؛ وقد لاحظنا في أدلّة نفي التحريف أنّه بلغ من الدقّة والتحرّي في ثبت آيات القرآن أن يحمل بعض الصحابة السيف لحذف حرف واحد منه، فكيف يحذف ثلثاه ولم نجد معارضاً منهم، ولا مطالباً بتدوين ما بقي من ثلثيه؟! هذا فضلاً عن وجود كثير من الصحابة ممّن جمع القرآن كلّه أو بعضه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كما سيأتي بيانه ـ حفظاً في الصدور، أو تدويناً في القراطيس، فكانت القراطيس شاهدة على ما في الصدور، والصدور شاهدة على ما في القراطيس، فكيف يضيع ثلثاه في حال كهذه؟!
وأخيراً فأنّ الملاحظ على كثير ممّا أدّعي أنّه من القرآن مخالفته لقواعد اللغة وأُسلوب القرآن الكريم وبلاغته السامية، ممّا يدل على أنّه ليس بكلام الخالق تعالى، وليست له طلاوته، ولا به حلاوته وعذوبته، وليست عليه بهجته، بل يتبّرأ من ركاكته وانحطاطه وتهافته المخلوقون، فكيف برب العالمين، وسمّو كتابه المبين؟!
ومن أراد الاطلاع على ما ذكرناه، فليراجع مقدمة (تفسير آلاء الرحمن)، للشيخ البلاغي ففيه مزيد بيان.
والملاحظ أيضاً أنّ قسماً منه هو من الأحاديث النبوية، أو من السُنّة والأحكام التي ظنّوها قرآناً، كما روي أنّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" هو آية، ولا يشكّ أحدٌ في أنّه حديث. و الملاحظ أيضاً أنّ أغلبه روي بألفاظ متعدّدة وتعابير مختلفة، فلو كان قرآناً لتوحّدت ألفاظه.
(1) الاتقان 3: 82، تفسير القرطبي 14: 113، مناهل العرفان 1: 273، الدر المنثور 6: 560.
(2) محاضرات الراغب 2: 4 | 434.
(3) الاتقان 3: 82، مسند أحمد 5: 132، المستدرك 4: 359، السنن الكبرى 8: 211، تفسير القرطبي 14: 113، الكشاف 3: 518، مناهل العرفان 2: 111، الدر المنثور 6: 559.
(4) الدر المنثور 6: 559.
(5) صحيح مسلم 2: 726 | 1050.
(6) مقدمتان في علوم القرآن: 85 ـ 88.
(7) مسند أحمد 5: 219.
(8) مناهل العرفان 1: 257، روح المعاني 1: 25.
(9) مناهل العرفان 1: 264.
(10) السنن الكبرى 2: 210، المصنف لعبد الرزاق 3: 212.
(11) المستدرك 4: 359 و 360، مسند أحمد 1: 23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد 3: 334، سنن الدارمي 2: 179.
(12) الإتقان 3: 206.
(13) البرهان للزركشي 2: 43.
(14) الناسخ والمنسوخ: 8.
(15) الإتقان 3: 84، كنز العمال 2: 567حديث | 4741.
(16) صحيح مسلم 2: 1075|1452، سنن الترمذي 3: 456، المصنف للصنعاني 7: 467و 470..
(17) الفقه على المذاهب الإربة 4: 259.
(18) مشكل الآثار 3: 6 ـ 8، الناسخ والمنسوخ: 10 ـ 11، أُصول السرخسي 2: 78، فتح المنان: 223 ـ 230، التمهيد في علوم القرآن 2: 282، الفقه على المذاهب الأربعة 4: 258 ـ 260.
(19) الناسخ والمنسوخ: 10 ـ 11.
(20) مشكل الآثار 3: 7 ـ 8.
(21) تفسير المنار 4: 472.
(22) مسند أحمد 6: 269، المحلّى 11: 235، سنن ابن ماجة 1: 625، الجامع لأحكام القرآن 14: 113.
(23) أُصول السرخسي 2: 79.
(24) جامع بيان العلم 2: 105.
(25) الإتقان 3: 82.
(26) المصنف لعبد الرزاق 2: 484.
(27) المستدرك 1: 214.
(28) الإتقان 1: 242.
(29) ميزان الاعتدال 3: 639.
بعد كل هذا الذي ذكرته
اقول ان القران الذي لدينا ولديكم واحد ولا تحاولي ان تقنعيني بغير هذا الكلام لان المصحف الذي املكه في منزلي نفس الذي تملكينه انتي وغيرك من اخواني السنه والشيعه
وانا اتفق مع اخي مراقب الاسلاميه
http://hewar.khayma.com/showthread.p...threadid=21613
انا لااريد ان اكتب في هذا الموضوع ولكن كل هدفي ايضاح الفكره ان القران الذي لدينا هو نفسه الذي لديكم
ولو قلنا غير هذا الكلام لنسخنا قوله تعالى(انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)
فاذا كان كلامي تدليسا كما تدعين فكلامك ايضا تدليسا