مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 10-12-2002, 09:35 AM
ساعدة ساعدة غير متصل
ابن الصحراء
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 250
إفتراضي

الحقيقة أخي العزيز محمد يشرفني مرورك بهذه الصفحة
و يسرني كثيرا أن الرواية أعجبتك

أما بالنسبة للكاتب فقد أرسل لي صديقي باسم الموقع الذي أنزل منه هذه الرواية ..
_ على فكرة أنا أقرأ الفصل الذي أنزله هنا بعد أن أنزله مباشرة لأن من يرسل الفصول لي يرسلها بالقطارة _

الكاتب هو : د. موفق أبو طوق ... ( لم أسمع باسمه قبل الآن و لا أعرف ما هو عمله ) .

و الرواية من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2001

أما الموقع الذي تجدها فيه فقد رفض صاحبي أن يخبرني به لأنه يريدني أن أتابع القصة حسب إرساله لها و رغم أنه بإمكاني أن أجد الموقع لكنني راعيت رغبته هذه

بإمكانك أخي أن تدخل على محرك بحث
google.com
ثم اكتب ( اتحاد الكتاب العرب دمشق )
و بالتأكيد ستجد الموقع ..

و اعذرني على تأخر وصول المعلومات إليك ..

مع خالص المودة ..
(; (; (; (;
الرد مع إقتباس
  #12  
قديم 10-12-2002, 09:39 AM
ساعدة ساعدة غير متصل
ابن الصحراء
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 250
إفتراضي

و ها هو ...



الفصل السابع

-1-‏

لا بد لمن يعاشر الدكتور، من أن يشعر بأنه أمام إنسان ذي أطوار غريبة.. فهو يراه - أحياناً- صامتاً لا يتكلم مع أحد، همّه أن يطرق رأسه ويمعن في التفكير، أو ينظر إلى بعيد نظرات شاردة لا معنى لها، أو يحملق إلى وجه محدثه ببرود يكاد يصل إلى حد البلاهة.. وأحياناً أخرى يراه مندمجاً في أحاديثه مع الآخرين، يدافع بقوة وصلابة عن رأيه، وينظر نظرات مركزة في وجه محدثه، ويصغي بانتباه إلى كل كلمة يتفوه بها!!‏

ولكنه سواء أكان في صمته أم في حديثه، في نفوره أم في إقباله.. فقد كنت أحس أن شيئاً ما في داخله يعذّبه، بل يكاد يقضي عليه.. فمعالم الحزن ما غابت يوما عن وجهه، والضحك كان شبه محرم على فيه، وهو إن ضحك فما كانت هذه (الضحكة) لتخرج من أعماق صدره أبداً!‏

مع الأيام.. ازدادت علاقتي بالدكتور فارس، وتوطدت صداقتي معه.. كثيراً ما كنت أزوره في العيادة الحكومية حين يخف عدد المراجعين، وكثيراً ما كان يزورنا في ورشة عملنا.. حتى أن زملائي العمال استغربوا ذلك التحول الذي طرأ على شخصيتي، إذ تغيرت بعض طبائعي، وأخذت أسامرهم وأحادثهم وأشاركهم في أعمال البيت!.. ولعل الصداقة الجديدة هي التي أحيت في نفسي شيئاً من الحماسة لهذه الحياة.. ولعل أصحابي أدركوا هذا السبب أيضاً، لذا فإنهم كانوا ينادونني بلهفة حين يدلف الدكتور من الباب:‏

-جاء صديقك يا تحسين!‏

وما كان الدكتور لينزعج من أن أُسَمَّى صديقا له، فالصداقة بين عامل وطبيب طبيعية جداً، وفق المبادئ المأخوذ بها إلى حدّ الهوس!‏

-2-‏

كان موعد زيارة الدكتور لنا قبيل التاسعة.. ولا يكاد يأخذ مكانه في المجلس حتى يمسك بالمذياع، ويدير إبرته ببطء حتى تقف عند محطة عالمية تبثّ أخبارها في ذلك الوقت.. ونضطر إلى السكوت طوال المدة التي تستمر فيها النشرة!.. كنت ألاحظ انفعاله مع كل خبر، كان يعيش مع الأخبار وكأنه في عالم آخر.. عالم لسنا نحن من سكانه! وعندما تنتهي الأخبار، يعود إلينا.. بصمته أو بحديثه.. حسب الطور الذي يعيش فيه!!‏

أحياناً.. كان الدكتور يحدثني بكلمات غير مفهومة! وكأنه يقصد من وراء كلماته هذه أن أشاركه مشكلته التي يعاني منها، من غير أن أعرف ما هي المشكلة بالتحديد!! مصيبة كبرى أن يحمل الإنسان في صدره هماً عظيماً ثم لا يقدر أن يبوح به أمام الآخرين! فهو حين يطرح أمامهم همومه وأحزانه يشعر براحة كبرى، فكيف إذا وجد بعد الطرح حلولاً ناجعة تشفيه!! أتمنى لو يبوح الدكتور لي بما يعتلج في صدره لعلي -وبإمكاناتي البسيطة- أتمكن من مساعدته في الوصول إلى درب الحلول وطريق الشفاء... ولكنه لم يفعل ذلك حتى الآن، ولا أعلم إن كان سيقدم على ذلك في المستقبل؟؟‏

-3-‏

قال لي يوماً:‏

- إنني أبحث عن توازن فكري ونفسي.. لقد اختل هذا التوازن منذ أن قررت الهجرة، وقدمت إلى هذا البلد.. ثم ازداد الاختلال معي حين ذقت الوحدة في أبشع معانيها، وعايشت العزلة في أشنع صورها.. لقد انقلبت بعض الأسس التي كنت أعتمد عليها في سلوكي وتفكيري، وبت أشك في معايير كانت ثابتة مؤكدة في مخيلتي!‏

إنني أشعر وكأنني ريشة في مهب الريح.. وأحس بأن أفكاري تسبح في محيط بلا شطآن، وتحوم في فضاء ليس له حدود!!‏

وسكت الدكتور فجأة!‏

وحين نظرت إلى وجهه، صدمني البريق الذي تشعه عيناه.. هاتان العينان المغرورقتان بالدموع!! هذه أول مرة أرى فيها الدكتور يبكي! كانت دموعه- التي حاول مسحها بسرعة- دليلاً على عمق المأساة التي يعاني منها، وضخامة المصيبة التي يعيش معها.. لقد بكى أمامي اليوم مضطراً! ترى ماذا يفعل عندما يكون وحيداً بين أربعة جدران؟ أي نشيج أو نحيب يمكن أن يسمع منه! مسكين يا دكتور فارس، لقد تزاملت لديك الغربة والكربة، وتصادقت عندك العزلة والهموم.. أي سر رهيب ذلك الذي تحمله في أعماقك؟! ليتك تفتح لي صدرك قليلاً، وتميط اللثام عن معالم هذا السر.. ولكنني لن أطلب، لا لن أطلب ذلك منك، لأن طلبي سيزيد آلامك، ولن تكون وراءه أية فائدة!!‏

-4-‏

في أحاديث السياسة، كان الدكتور يصول ويجول.. يبدو أن الحديث السياسي- على الرغم من مرارته- ينسيه شيئاً من همومه الذاتية.. لاحظت هذه النقطة الإيجابية أكثر من مرة، لذا حاولت الاستفادة منها قدر الإمكان.. فكثيراً ما كنت أثير أمام الدكتور موضوعاً سياسياً ما، أو أطرح أمامه خبراً جديداً نقلته الإذاعة.. وكنت أطلب منه التحليل وإبداء الرأي، وما كان عند هذا الطلب يخجلني قط!!‏

آراء الدكتور وطروحاته السياسية، تدل على سعة أفقه، وعمق تجربته، ودقة ملاحظته.. كان يقوّم الأمور بطريقة (بانورامية) شاملة، فلا يتوقف عند الحدث الجزئي، بل يحاول ربطه بما سبقه أو رافقه من أحداث أخرى أثّرت فيه وأثّر فيها.. وكان ينظر إلى المستقبل نظرة بعيدة وفريدة، ويسعى دائماً أن يصل بين أمجاد الماضي وهزائم الحاضر، بين دروس الأمس وأحداث اليوم.. كانت ثقافته الإنسانية عالية، وإطلاعاته السياسية غزيرة، وله ذاكرة عجيبة لا يعلوها الصدأ حافلة بأخبار وأحداث ومناسبات وتواريخ قلما يتذكرها الإنسان العادي!!‏

كان يردد دائماً: مشكلتنا الأساسية أننا ننسى، نعيش الحاضر فقط، ونبني أمورنا كلها على وقائع الحاضر، دون أن نتساءل كيف تسنى لهذه الوقائع أن تجري لولا استباقها بوقائع أخرى حدثت في الماضي.؟!!‏

****‏

أكثر الناس احتداداً في النقاش مع الدكتور فارس.. كان المهندس فؤاد!‏

كانت آراؤهما السياسية متباينة، ووجهات نظرهما متعاكسة.. وكانت جلسات حوارهما صاخبة حامية.. تعلو فيها الأصوات، ويحلو فيها التحدي، وتستفز خلالها الأعصاب!‏

وما أكثر المواضيع الفكرية والسياسية التي تطرح على بساط بحثهما، وما أكثر الخطوط الحمراء التي يتجاوزونها في معاركهما الكلامية! على كل حال، لم يكن من الضروري الوصول إلى هدنة، أو وقف لإطلاق نار الاتهام.. فهذا أمر بعيد المنال في جلساتهما حامية الوطيس، خاصة وأن تحليل القضايا المعاصرة بات مشكلة عويصة، والسعي إلى بقعة ضوء وسط هذا الظلام المخيم أمسى شاقاً منهكاً، والاتفاق على رأي واحد وفكرة مشتركة هو في غاية الصعوبة ومنتهى التعقيد.‏

***‏



أخوكم في الله ..
الرد مع إقتباس
  #13  
قديم 10-12-2002, 09:42 AM
ساعدة ساعدة غير متصل
ابن الصحراء
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 250
إفتراضي

تكملة ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


-نحن لا نطفئ الشمس.. كما تدّعي! إنني أتوق إلى إزاحة الظلام الذي يخيم على أوطاننا. ويبسط رداءه المقيت على أمتنا الواحدة.‏

قال المهندس كلمته تلك.. وأخذ ينظر إلى الدكتور فارس نظرة ذات مغزى!‏

قال الدكتور فارس:‏

-ولكنك تهرب من مسلمات تعتبر ألف باء الفكرة العربية، وتشيح بوجهك عن قضايا لها صلة متينة بإحياء هذه الأمة..‏

أجاب المهندس فؤاد:‏

-ومن قال لك إنني أفعل ذلك.. إن الأمور تعاكس تصوراتك تماماً..‏

قال الدكتور، وهو يحرك سبابته حركة عصبية:‏

-أفكارك المطروحة تثبت صحة ما أقول، وكلامك المتكرر يؤكد دائماً تلك الاتجاهات السلبية.‏

احتد المهندس قائلاً:‏

-لا يا دكتور.. إنك تفسر كلامي تفسيراً غير حقيقي.. فأنا لدي اعتبارات معينة أنت لا تدركها!.‏

وارتسمت على وجه الدكتور أكثر من إشارة استفهام.. قال:‏

-كيف!؟ كيف تفسر لي هذه الهُوّى العميقة التي فصلت بين أبناء الشعب العربي الواحد.. كلٌ في دولته المصطنعة، وكلٌ يسير وفق خط يخالف خطوط الآخرين، وكلٌ يحاول أن يرتدي ثوب الإقليمية الضيقة الذي يغاير في شكله ولونه ثياب أشقائه!!؟‏

ثم.. أليس هناك من يحاول أن يمسخ فكرة (الوحدة)، ليحولها إلى مجرد اتفاق في الرأي، أو تقارب في وجهات النظر، أو تبادل في الخبرات العلمية والتقنية، أو تعاون في المجالات الثقافية والاقتصادية الصناعية!؟ وهذه جميعاً أشكال مزاجية لا حول لها ولا قوة، أشكال خلبية لا يسعها أن تكون بديلاً عن (الوحدة) الحقيقية، أشكال هشة يمكن أن تقرر بجرّة قلم، ويمكن أن تمحى من الوجود.. بجرّة قلم أيضاً!..‏

رفع المهندس كفه المبسوطة، وكأنه يطلب من الدكتور فارس التروي قبل إصدار الحكم... قال بلهجة هادئة:‏

ـ يا دكتور... تراكمات السنين الماضية، لا تحل بين عشية وضحاها.. لابد يا دكتور من تقارب العقول بعد تقارب القلوب، لابد من إزاحة الجهل المخيم، والفقر المدقع، والارتجال في اتخاذ القرارات، والفوضى في تنفيذ الإصلاحات.. لابد من إيجاد وحدة سلوكية قبل قيام وحدة رسمية.‏

وابتسم الدكتور ابتسامة باهتة... قال ساخراً:‏

ـ *هه... ومتى تنتهي تلك الاستعدادات يا صديقي؟!.. أبعد سنة، أبعد عشر سنوات، أم بعد مائة سنة؟!!..‏

ـ يا دكتور، لابد من الصبر والتريث.. إن عملية التجميع وحدها لا تكفي.‏

وضم المهندس أصابعه، ثم تابع حديثه مكرراً حركة يده التمثيلية:‏

ـ عندما توحّد شعباً متخلفاً مع آخر مثله، فالناتج الرياضي شعبٌ أشدُّ تخلفاً من السابقَيْن، لأن فكرة التخلف ترسخت في النفوس أكثر فأكثر، وكلا الطرفين سيلمس تشجيعاً من جانب الطرف الثاني.‏

قال الدكتور فارس بحدة:‏

ـ يا (باشمهندس)... ليس الأمر كذلك، ما دمنا أمة واحدة... فنحن دولة واحدة، والوحدة التي تسميها باصطلاحك تجميعاً.. هي في الحقيقة ضم للجهود المتعددة ككل... هي تكامل حقيقي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. فمنك الخبرة، ومني العمل، ومن زيد المال، ومن عمرو التخطيط والمتابعة.‏

أنا أحب الوحدة، وأنت تحبها، والأخوة الموجودون معنا في هذا المجلس يشاركوننا ذلك الشعور أيضاً.. فلماذا التريث؟ لماذا الانتظار؟! كنا ننتظر الاستقلال وهاقد نالته الدول العربية، وكنا ننتظر الاستقرار، وهاقد حصل عليه الجميع بلا استثناء... فما هي الموانع، وماهي العقبات... إلام ننتظر؟... وعلام نؤجل عمل اليوم إلى الغد؟!..‏

وران على المجلس صمت ثقيل.. قطعه المهندس فؤاد بقوله:‏

ـ لا تنس يا دكتور التجارب السابقة، لا تنس تجربة الوحدة بين الإقليمين الشقيقين، والمآل الذي آلت إليه الدولة العربية المتحدة التي كنا نعتبرها نواة للوحدة الشاملة.‏

هز الدكتور رأسه، وتنهد بأسى، وكأنَّ ذكر تلك الوحدة قد أثار في نفسه شجوناً ذات طابع مميز...‏

قال بصوت خافت: مسكينة تلك الوحدة، فمهما تكن أخطاؤها، فإنها لم تدفعنا إلى المرحلة التي تبيح لنا أن نزيلها من ضمائرنا كمبدأ، ونقتلها في أعماق نفوسنا كفكرة، ونذبحها كما تذبح النعاج!...‏

إن أوزار النكسات التي منيت بها أمتنا العربية.. بدءاً من نكسة حزيران، وانتهاءً بالتنازلات العربية التي أوهمت بأن تحرير فلسطين وإنقاذ كامل ترابها الوطني ضرب من الجنون أو شطحة من شطحات الخيال... إن هذه الأوزار تقع على أكتاف الذين صنعوا الانفصال، أو غفلوا عن هذه الوحدة.‏

لقد كادت هذه الوحدة أن تكون فكي كماشة تعصر إسرائيل عصراً، وكان في إمكاننا تقويم أخطائنا من الداخل... أي في إطار الدولة العربية القائمة آنئذٍ، وماكان الانفصال حلاً حتمياً يجب اللجوء إليه، لأن انفصال دمشق عن حلب في المفهوم العربي، ليس أكثر سوءاً من انفصال دمشق عن القاهرة... فثوب الوحدة ملزمون بارتدائه جميعاً... شئنا أم أبينا، وليس في يد أي منا صلاحية خلعه... إذ من أعطى الأفراد حق التنازل عن حق الأمة؟!!...‏

هناك أخطاء، هذا أمر لا ينكر، ولكن هل هي أخطاء خاصة بدولة الوحدة.. لأنها دولة وحدة، أم أنها أخطاء قابلة للوقوع في أ ية دولة عربية أخرى، إقليمية كانت أم وحدوية أم اتحادية.. على كل حال، الذين شاركوا في هذه الأخطاء، أطراف متعددة... النظام، المعارضة، المبالغون في المثالية، الغارقون في العاطفة.. كلهم يتحملون مسؤولية ما حدث... ولكن، هل الوقوع في الخطأ يعني صرف النظر عن العمل ككل؟!.. لا يا صديقي، يجب أن تكون هذه التجربة دافعاً لنا إلى الأمام، يجب أن نستفيد من كل ما جرى، لنبني البناء العربي الجديد على أسس سليمة، وقواعد متينة، ومقومات تراثية وعصرية متشابكة.‏

وانبرى المهندس قائلاً بسرعة وكأنه اكتشف شيئاً جديداً:‏

ـ إذاً.. أنت معي في أن الدراسة ضرورية قبل القيام بأي عمل وحدوي.‏

أجاب الدكتور فارس بهدوء: كل عمل بحاجة إلى تفكير وتخطيط قبل تنفيذه.. ولكن بشرط أن يكون هناك اهتمام حقيقي جدي بهذا العمل... أما إذا فقد الاهتمام، فلا عمل ولا...‏

وقاطعه المهندس فؤاد: الاهتمام موجود يا دكتور... ولكن لابد للتفكير والتخطيط من زمن...‏

قال الدكتور بصوت يرشح مرارةً:‏

ـ الزمن المعقول... مقبول إلى حد ما، ولكن الزمن الطويل ليس من صالحنا... عشرات السنين مرت على تجربة الوحدة، ونحن نبتعد أكثر فأكثر عن الدولة العربية الواحدة.. أصبحت لكل قطر شخصيته المميزة التي ينادي بها في قوانينه وإعلامه وأغانيه وأناشيده!... شخصية قطرية هزيلة، بدلاً من الشخصية العربية الممتلئة والتي كانت هدفاً نسعى إليه وأملاً نرنو إلى تحقيقه!..‏

إننا يا أخي نزداد ـ مع الأيام ـ ابتعاداً عن بعضنا... تقاليدنا بدأت تتمايز، "أفكارنا بدأت تتصارع، أهدافنا بدأت تتنافر..إنك تشعر ولاشك أن قيام الوحدة في الخمسينيات كان أسهل بكثير من قيامها من الستينيات، وقيامها في الستينيات أكثر سهولة من قيامها في السبعينيات!..فناهيك عن الثمانينات والتسعينيات ومطالع القرن الجديد!!...‏

إن الزمن ياصديقي يسبقنا، وعلينا أن نركض ونركض كي نلحق به..‏



****‏



الذي يستمع إلى الدكتور فارس، وهو يتحدث في أمور السياسة، لا يتصور أنه أمام ذلك الإنسان القلق الحائر الزائغ البصر الذي لا يجرؤ على رفع رأسه!...‏

والذي يصغي إلى أفكاره المنظمة وتحليلاته المرتبة، لا يتوقع أنها تصدر من الفم الذي لا يكاد ينطق بشيء... وهو إن نطق فكلماته مشتتة، وألفاظه مبعثرة، لا تكاد تحمل ـ حين جمعها ـ جملة مفيدة أو معنىً مقبولاً!!‏

غريب أمر البشر... في تكوينهم النفسي عجائب وأية عجائب!! فسبحانك يا رب، آمنت بك وصدقت!!..



~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

لي طلب من جميع من يدخل هذه الصفحة ..

هلا سجل كل منكم رأيه بهذه الرواية و نقده لها ؟

أخوكم ...
الرد مع إقتباس
  #14  
قديم 10-12-2002, 10:41 PM
ساعدة ساعدة غير متصل
ابن الصحراء
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 250
إفتراضي

و هذا هو ..



الفصل الثامن

ـ 1 ـ‏

جاء شهر حزيران، وجاء معه الحر الشديد الذي لا يُحتمل! ومما زاد الطين بلّة أننا لم نكن نملك وسائل رادعة تقينا شر هذا الحر، فنحن محرومون من الكهرباء، بمعنى آخر نحن محرومون من المكيفات والمراوح والثلاجات... ولم يكن الماء العادي ليطفئ حرارة الجوف، ولم تكن المراوح اليدوية ـ التي صنعناها من الورق المقوى ـ لتمنع عنا اللفحات الساخنة!... وكنا ـ حين ينتصف النهار ـ نسبح في نهر من العرق، العرق الذي يتدفق بغزارة من جميع مسام جلودنا!! كنا نتوقف عن العمل تماماً عندما يحين وقت الظهيرة، ونبحث عن مكان ظليل نتفيأ فيه ليخفف ولو قليلاً من لسعات الحر، وكانت تمر بنا الساعات الطويلة قبل أن تكسر حدة الشمس، ويميل قرصها نحو الأفق الغربي!..‏

في الليل، كنا نتعرض إلى هجوم عنيف من أسراب الهوام والناموس، الذي كان يلسعنا بلا هوادة، ومن غير شفقة أو رحمة، ويغطي وجوهنا وأجسامنا بنقاط حمراء تستدعي الحك الدائم... كنا نحاول تغطية أجسادنا بالملاءة فنكاد نختنق، فنسعى إلى ترك جزء يسير قرب الأنف من غير غطاء كي نتنفس، ولكن حتى هذا الجزء الظاهر الصغير لم يكن لينجو من اللسعات! نصحونا بـ(الكلّة)، ولكن هي الأخرى لم تأت بفائدة تذكر، لأن الحشرات الدقيقة كانت تدخل بسهولة عبر عيونها مهما تكن صغيرة!!‏

ولا نكاد ننتهي ـ مع انتهاء الليل ـ من الصراع مع الهوام والناموس، حتى يبدأ الذباب بأرتاله الكثيفة هجوماً منظماً آخر.. والذباب هنا (ثقيل الدم) بطريقة لا يتصورها عقل... ومهما تحاول (نشّه) وإبعاده، فهو لا محالة عائد إلى المكان الذي أبعدته عنه! فنضطر إلى ترك أسرّتنا مكرهين، وعيوننا نصف مغمضة، ورؤوسنا (مفتولة) ما تزال بحاجة إلى مزيد من النوم!...‏

وكأنَّ الحرَّ الشديد... قد دفع بعض الحشرات الكبيرة السامة إلى الهجرة من أوكارها الصخرية والترابية، واللجوء إلى البيوت لتتقاسم الحياة مع أهلها! فلأول مرة أرى العقارب الضخمة تمشي بخيلاء بيننا، فلا نكاد نقتل واحداً حتى يظهر آخر، وكنا نخاف حين جلوسنا أو عند نومنا أن نغدر بلسعة، لذا كنا حريصين على ملاحظة أسرّتنا والانتباه إلى أماكن جلوسنا، وكنا ننفض أمتعتنا وثيابنا نفضاً دائماً خشية أن يكون هناك عقرب لعين يتربص بنا!..‏

الحقيقة.. حياتنا باتت لا تطاق وسط هذه المنغصات.‏

وكنت ألوم نفسي دائماً على استمراري في البقاء، وتقاعسي عن العودة الفورية بمجرد معرفتي ظروف الحياة هنا... ولكن، لات ساعة مندم، فلا فائدة.. لقد بدأت، وعلي المتابعة حتى النهاية، وخليق بي أن لا أقع في مثل هذا المأزق ثانية!..‏

ـ 2 ـ‏

وازدادت زيارات الدكتور لنا، كان ـ أيضاً ـ يهرب من منزله الذي لم يعد يطاق! كان يقول لي: لم يعد هناك نوم لا في الليل ولا في النهار!... أغمض عيني فلا أستطيع النوم، ولا أجني من هذه الإغماضة إلا مزيداً من الوساوس والهواجس، التي أهرب منها إليكم!..‏

وجاءني يوماً.. وطلب مني أن ألحق به إلى مكان سيارته، حيث فتحها وأخرج منها فراشاً ووسادة ودثاراً.. قال لي: ساعدني..‏

ثم ركض أمامي إلى المسكن، وأخذ مكاناً في أحد أركانه قائلاً:‏

ـ سأبقى معكم هذه الفترة... أكاد أموت من الوحدة!..‏

قلت: ولكن...‏

قاطعني:‏

ـ لا تقلق.. سأعيش معكم كما تعيشون.. آنس بوجودكم قربي، وأجد أيضاً لقمة طيبة أتناولها حين أجوع.‏

في الواقع.. كنت متحرجاً من أن يلازمنا الدكتور ملازمة دائمة، فنحن العمال لنا طريقة خشنة خاصة في العيش، ربما لا توافق الدكتور الذي يبدو معتاداً النعومة والرخاء والبحبوحة.. كما أنني لا أعرف رأي الزملاء الذين يعيشون معي، كيف سيستقبلون وجود الدكتور معنا؟!..‏

المشكلة الأولى مرت بسلام.. فالدكتور فارس مستعدّ تماماً لتحمل أي شيء مقابل العيش مع الآخرين، والابتعاد عن الوحدة والعزلة! والمشكلة الثانية لم تكن في الحقيقة مشكلة، لأن أصدقائي سبقوني إلى الترحيب بالدكتور!...‏

وقد لاحظت بعض التغيير على الدكتور خلال وجوده معنا.. صار يمزج بين حين وحين، وخفّ صمته عن ذي قبل.. وكنا نحاول أن لا نكلّفه أي عمل منزلي، فكان أن تطوع بإحضار مشترياتنا من السوق بسيارته، وكنا نحتاج فعلاً إلى من يساعدنا في ذلك، لأن السوق بعيدة جداً، طريقها وعرة صعبة.‏

مع مرور الزمن، أصبح الدكتور وجهاً مألوفاً في الورشة. وأزيلت (الكلفة) بيننا وبينه، وتخلينا عن كثير من الرسميات في معاملتنا له، كما خفف هو الكثير من خجله خلال تعامله معنا!.‏

-3-‏

ارتفع بناء المدرسة، وأخذ شكله يتميز ويأخذ أبعاده وتطاول على البيوت المتناثرة حوله، وبدا وكأنه ينظر إليها بشموخ وكبرياء!. وقد كنا نستقبل كل يوم عشرات المواطنين الذين كانوا يتجمعون قرب المدرسة، يتفرجون ويحملقون بدهشة وإعجاب على ذلك المبنى الجديد، الكبير في حجمه، الجميل في منظره، وزخارفه، القوي في بنيانه وأركانه... وكثيراً ما كانوا يسألون:‏

-متى سينتهي البناء؟ متى سيتم دوام طلابنا فيه؟.‏

كنا نطمئنهم قائلين:‏

-قريباً.. قريباً إن شاء الله.‏

وكان جوابنا هذا، يطلق ألسنتهم بالشكر والثناء.‏

فعلاً، كنا قد أنجزنا القسم الأعظم من أعمالنا في هذا البناء، وكان الجميع يعملون بجدّ ونشاط..‏

كلٌ في مهنته... كنت قد أنهيت تقريباً من جميع التمديدات الكهربائية الداخلية والخارجية، وبدأت بتركيب الأجهزة الخاصة بالتدفئة والتبريد والإضاءة.. وقد ضاعف لي أبو عدنان عدد العمال الذين يعملون معي، مما ساعد في أن يكون عملي سائراً سيراً مرضياً... ويبدو أن التآلف مع الجو قد ساعد أيضاً في رفع الهمة وشحذ العزيمة.. فالغريب لا يبقى غريباً، والوضع الشاذ يصبح مع الأيام وضعاً طبيعياً ومقبولاً.. وأهم شيء في العمل أن يقبل الإنسان عليه بنفس راضية.. فإذا لم تتوفر مثل هذه النفسية فإن عقبات عديدة سيصطدم بها، ولن يكون قادراً على إزاحتها بسهولة.‏

ولا أخفي عنكم.. أن النموذج الذي وضع لهذه المدرسة نموذج جميل، بل جميل للغاية, وقد يستغرب الإنسان العادي أن يجد مثل هذا النموذج في مثل هذه المنطقة!... ولعله يحدث نفسه: ليتهم قدّموا لهذه المنطقة الخدمات الضرورية قبل أن يبنوا مثل هذا البناء، ليتهم أمّنوا لها الكهرباء، والماء، والهاتف، والمواصلات، والطرق المعبدة، والخضراوات.. قبل أن يدفعوا الملايين لإنجاز مثل هذه المدرسة!! ولكن هذا التساؤل لن يفيد شيئاً، فالعقلية التي يفكر بها القائمون على الأعمال لها طبيعة خاصة هنا.. وما دام المشروع قد تمت الموافقة عليه، فلا بد من ترجمته عملياً... وإن كانت هناك مشاريع أخرى ينبغي أن تحوز الأولوية.‏

الحوادث الفردية التي طرأت في أثناء العمل كانت بسيطة وقليلة.. ولعل مردّ ذلك إلى التحذير المستمر من وقوع أي حادث لنا، لأن إمكانات المعالجة في المنطقة بسيطة للغاية، وهذا يعني أن المصاب (تروح من كيسه)... وهذا ما دفعنا بالطبع إلى الحرص الشديد والحذر الدائم.‏

ولكن لا ينجي حذر من قدر.. فقد وقعت بعض الحوادث القليلة كما ذكرت، وكان الدكتور فارس لا يتوانى عن الإسراع في معالجة أي جرح أو كدمة مهما تكن بسيطة.. وكثيراً ما كان يدور علينا في الورشة، يتفقد أحوالنا الصحية، ويتابع بلهفة العمل الذي نقوم به، ويهز رأسه إعجاباً كلما شاهد إنجازاً يستحق التقدير.


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


إخواني ..

أصبحت أحب د.فارس كثيرا
من وجهة نظريهو بطل القصة ..

ما رأيكم أنتم ؟

أخوكم في الله ...
الرد مع إقتباس
  #15  
قديم 13-12-2002, 12:55 AM
ساعدة ساعدة غير متصل
ابن الصحراء
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 250
إفتراضي

الفصل التاسع

ـ 1 ـ‏

في القلب شريحة كتب عليها: (الوطن)، تعيش مادام القلب حياً، وتموت إن توقف عن الخفقان!... تشتكي فيتداعى لها سائر القلب بالسهر والحمى.. تتأوّه فتتغير دقاته وتزداد آلامه ولا يعود له نبضه الحقيقي إلا عندما تعود لها صحتها وعافيتها!..‏

والعدو اللدود الذي يهاجم هذه الشريحة يسمى: (الغربة).. مرض خبيث موجع مؤلم، لا تفيد معه المهدئات والمسكنات مهما تكن قوة تأثيرها، ولا شفاء منه إلا حين استئصاله واستبعاده تماماً!...‏

كلنا مرضى بهذا الداء اللعين..‏

ولكن الأعراض مختلفة تتفاوت في حدّتها بين شخص وآخر، وأكثر الأعراض وضوحاً وإيلاماً كانت عند صاحبنا الدكتور فارس!..‏

يذكر الوطن الأول بلغة العشاق الغارقين في بحار الوله والهيام!..‏

ويردد اسمه بطرب وتأثر، وكأنه أغنية رائعة لحنها أعظم فناني هذا العالم.‏

المطر يذكّره بالوطن، والشمس تذكّره بالوطن، والقمر والنجوم تعيد إلى مخيلته ذكرى الوطن، حتى الأحجار التي كنا نرصفها، والحصى التي كنا نستعملها.. كان يقارنها بأحجار وحصى الوطن!..‏

ويحك يا صاحبي: أي داء ذلك الذي تعاني منه!..‏

فالأيام تمر، والعمر يمضي.. ولا ندري أنكحل عيوننا برؤية ذلك الحبيب البعيد، أنموت فيه وتختلط عظامنا بذرات ترابه، أم أن الموت سيدهمنا في ديار الغربة، وعيوننا شاخصة إلى ذلك الوطن الغالي؟!..‏

قال:‏

ـ لست مستعداً لأن أعيش حياتي هنا، وقلبي يتفتت حسرة ولوعة.‏

قلت: تجمّل بالصبر... انغمس في واقعك الجديد، حاول أن تنسى.‏

قال: وكيف أنسى! .. وهل ينسى الظمآن الماء؟ هل ينسى الجائع الطعام؟!...‏

قلت: وما الفائدة.. تذكره وأنت بعيد عنه، فلن ينوبك من ذكراه غير الحسرات.‏

قال: أتعرف يا صديقي أنني سأعود؟.‏

قلت مستغرباً: تعود!. متى، وكيف؟. لقد جئت من أجل هدف، فهل حققته؟.‏

قال، وهو يضع يده على كتفي:‏

-اسمع يا صاحبي.. لقد أتيت إلى هنا في لحظة من لحظات الطيش!. تصورت الأمان هنا، والعيش الرغيد هنا، والسعادة كلها هنا.. ولكنني وجدت نفسي مخطئاً في تقديراتي تلك، فالسعادة لا تأتي أبداً من وراء مظاهر خادعة... هناك شيء في الداخل لا يعوض.. شيء لن أستعيده إلا بالعودة إلى وطني الغالي وأهلي الأعزاء...‏

قلت: ولكن يا دكتور.. أليس من الأفضل أن تبقى بضع سنين هنا... تبني نفسك وتقوّي عودك.. ثم ترجع؟.‏

قال: وهذه السنوات التي سأمضيها هنا.. أليسَت محسوبة من عمري، أليس علي أن أعيشها أيضاً.. لا، دعني، دعني أقض حياتي كما أحبّ وأريد..‏

قلت: والوطن هناك، هل...‏

قاطعني قائلاً: إنه ينتظرني.. ينتظرني على الرغم من الآلام!.‏

-2-‏

ازداد ولع الدكتور فارس بجهاز الراديو، وتضاعف اهتمامه بالنشرات العربية والعالمية..‏

فالأخبار القادمة تحمل رائحة غريبة، وأحداثها تدق جرس الإنذار بعنف.. ومع مرور الأيام.. أخذت الأحداث طابعاً مأساوياً قلما عايشنا مثله في عصرنا العربي الراهن!.‏

فالحصار الخانق يشتد حول (المناطق العربية)، والمقاتلون المحاصرون براً وبحراً وجواً يستبسلون في الدفاع عن بيوتهم وأعراضهم وكرامتهم، العالم كله يتحدث عن الشجاعة الفائقة التي يظهرها الرجال والنساء والأطفال، وجيش العدو يمعن في همجيته ووحشيته، وكأنه يريد إبادة كل شيء يحمل اسم فلسطين، يريد أن يمحو من ذاكرة العالم كل ما يذكّر بالقضية!.‏

وصديقي الدكتور، بات نصف مجنون!. لا يكاد يمسك نفسه من وطأة الأحداث.. المذياع معه ليل نهار، في غدوه ورواحه، في أوقات عمله وساعات راحته.. انفعاله غريب، وتهجمه غريب.. كان يردد بصوت هيستيري صارخ:‏

-لقد خذلوهم، لقد خذلوهم... ويح العرب، أي ذل يعيشونه!.‏

نعم يا صاحبي..‏

نعم، فالتفرقة تؤدي إلى كل شيء، والتمزق الذي يعانيه الجسد العربي لا يفاجئنا حين يصل بنا إلى هذه النهاية!.‏

لا غرابة في الموضوع يا صاحبي، لا غرابة على الإطلاق!.‏

الكلام لن يحرر أوطاناً..‏

والتصريحات لا تنقذ الديار وتحمي المقدسات..‏

والأمة لا تعيش ببرقيات التأييد ورسائل الاستنكار!.‏

مسكين أيها الوطن.. ظلمك أهلك وأبناؤك، تركوك وأنت في أمس الحاجة إليهم.. كلٌ يغني على ليلاه، وليلى الجميع، ليلى الحقيقة، ليلى القضية.. تبحث عن عاشق مخلص، عن محبّ صادق.. تبحث عمن يذوب في هواها، ويتحرق شوقاً لوصالها ورضاها.. تبحث هنا وتفتش هناك، ولكن أنى لها أن تجد معتصم القرن الحادي والعشرين.


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

سلام ..
الرد مع إقتباس
  #16  
قديم 18-12-2002, 12:51 PM
ساعدة ساعدة غير متصل
ابن الصحراء
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 250
إفتراضي

الفصل العاشر

-1-‏

أكاد اقول: إن مشروع المدرسة قد انتهى، إذ لم تبق هناك غير لمسات أخيرة، ومن ثم يُسَلَّم البناء إلى الجهة المسؤولة.. كنت أتساءل بيني وبين نفسي: لماذا نبني؟. الهدم سهل جداً في وطننا الكبير الغالي؟. يحتاج تشييد البناء فيه إلى شهور وأعوام، وفي لحظات يحصد صاروخ حاقد كل ما بذلته السواعد المفتولة والعقول المفكرة!. أنبني كي يهدم الآخرون!!. أما علينا أن نهيئ في البداية الحماية والحصانة، قبل أن نوجّه جهودنا إلى البناء؟!.‏

في الحياة المتناقضة، تكثر التساؤلات.. وربما لا يجد المرء لها جواباً! لأنه يعيش في وضع يعاكس الوضع الطبيعي، وضع شاذ يسرق منه أي توازن نفسي أو فكري، وضع يحرمه من الثبات على الرأي والاعتماد الحقيقي على النفس!.‏

بات الحزن لغة رسمية في ورشتنا، نسينا لغات الفرح والدعابة والمزاح! فالأخبار المأساوية القادمة.. سرقت كل شيء جميل في حياتنا...‏

تمر بالمرء مناسبات يحتاج فيها إلى ابتسامة.. قد يتخلص من ورطة، أو يصل إلى هدف يسعى إليه منذ زمن.. ولكن، حتى هذه الابتسامة بات رسمها صَعْباً على الشفاه!!. لم أبتسم إطلاقاً حين جاء أبو عدنان يحمل إلي الخبر الذي تصور أنه سيدفعني إلى القفز من فرط السعادة.. قال لي:‏

-أبشر يا تحسين.. لقد تم العثور على جواز سفرك في السفارة، وليس هناك أي (إشكال) بالنسبة له.. أنت الآن حر كعصفور طليق، تستطيع السفر، وتستطيع البقاء، وتستطيع التنقل.. ولن يضايقك أحد بسؤاله بعد اليوم!..‏

لم أبتسم...‏

تلقيت النبأ ببرود قاتل، ظن أبو عدنان أنني لم أفهم مقالته، كرر كلماته مرة أخرى، فاضطررت أن أسحب من فمي عدة كلمات:‏

-شكراً يا أبا عدنان.. بشارتك هذه تستدعي سروري حقاً!.‏

وتركت أبا عدنان وهو يرمقني بدهشة، تخيل أنني قد أصبت بمسّ.. ولكن أين أنا وأين أنت يا أبا عدنان، كلٌ منا في واد بعيد عن الوادي الآخر!. عقلي ليس هنا أيها الصديق، عقلي هناك مع الأحباب المحاصرين، الذين يتلقون السهام الغادرة بصدور مفتوحة وقلوب شجاعة!.‏

-2-‏

أيكتفي الإنسان بالتفرج من بعيد؟.‏

أيكتفي بالحسرات والآهات؟.‏

أيكتفي بذرف الدموع وتوزيع التهم وكيل الشتائم؟.‏

في رأسي أفكار متضاربة، آراء متشعبة.. أي صراع عنيف ذلك الذي يجري فيه، أحسّ به وكأنه يوشك على الانفجار...‏

أتابع أنباء القتلى والجرحى، تبثها محطات عالمية مختلفة، في الوقت الذي تبث فيه بعض المحطات العربية: برامج فنية، وفقرات ترفيهية، ومباريات رياضية، وحفلات انتخاب ملكات جمال!!.‏

وما من داع للاستغراب.. والواحد منا، يدفع منذ زمن طويل، بعيداً عن قضاياه المصيرية، ويحيّد في المسائل التي لا تمسّه مباشرة، ويُملى عليه بطريقة أو بأخرى.. بأن ما يجري في قطر عربي آخر يمسّ أهله فقط، ولا علاقة له به لا من قريب ولا من بعيد!.‏

ما من داع لاستغراب الصمت العربي، أو التصريحات الرسمية التي تأتي من باب إسقاط العتب.. فما عاد هناك شيء يهزنا من الأعماق، وما عادت هناك قيم وتصورات تدفعنا إلى التفاعل الحقيقي مع الحدث، وتحثنا على التواصل معه قلباً وقالباً!!.‏

* * * *‏

جاءني الدكتور فارس، وقد غمره هدوء غريب.. قال لي:‏

-هيّئ نفسك لوداعي.. فأنا راحل غداً..‏

قلت: إلى أين؟.‏

قال: إلى أرض البطولات.. إلى الوطن الغالي.. فقد بلغ السيل الزبى!.‏

قلت: وعملك.. هدفك.. وجودك هنا؟!؟.‏

قال: لقد انتهى كل شيء.. قدّمت استقالتي.. وأنا مسافر غداً..‏

قلت: بهذه السهولة.!!‏

قال: نعم...‏

قلت: يا صاحبي. هل فكرت ملياً بالأمر؟.‏

قال: لقد فكرت بما فيه الكفاية.. وأنا مرتاح جداً لهذا القرار.‏

سكت قليلاً.. ثم تابع حديثه:‏

-لقد غادرتُ الوطن الأول.. وأنا أتصور أن الحياة فيه باتت لا تطاق، إذ لم أكن أميناً على شيء يخصّني هناك!. معارك دائمة، انفجارات متكررة، مداهمات يومية، ذبح، قتل، خطف.. تصورت صعوبة التغيير، واستحالة تبديل الأمور، وتصورت بأن السفر بعيداً سينقذني مما أخاف منه، ويمنحني الطمأنينة والراحة.. ولكن ما حدث هو العكس، العكس تماماً!!. لاحقني الوطن على الرغم من آلاف الكيلومترات، حاصرني هنا في وحدتي ووحشتي، اقتحم علي كلّ منافذ تفكيري، وهاجم كل محاولة للسلوى والنسيان!.. كانت ذكراه تضخم وتضخم كل يوم، كانت صوره وذكراه تتركني نصف مجنون.. أكثر من مرة دفعت إلى حافة الانهيار، أكثر من مرة فُتِحت أمامي أبواب الضياع.. لم أكن طبيعياً، ولعلك أنت بالذات لاحظت ذلك، وحاولت أن تكشف السر!.‏

اليوم يا صديقي.. سيطر الوطن علي، نداؤه سحرني، أسكرني.. أنا عائد إليك أيها الحبيب لأقوم بواجبي هناك، لأعيش مع الأحباب والأصحاب، لأقف معهم في وجه الغزاة الطامعين، أساعد الجريح، وأشجع الصحيح المعافى.. أنا عائد إليك أيها العزيز، فقد طال البعد، واشتد الشوق، وتعاظم الحنين.. فافتح لي أحضانك، وضمني إليك.. أنا عائد إليك أيها الغالي كي أنال شرف الدفاع عنك..‏

-3-‏

بعضهم يسبق الآخرين في اتخاذ القرار، وبعضهم يقرر بعد أن يشجعه قرار الآخرين.. الناس درجات!.‏

قلت لصديقي الدكتور فارس، قاطعاً عليه حماسته:‏

-انتظر.. ألا تريد رفيقاً في السفر؟.‏

قال مستغرباً:‏

-من؟‏

قلت، وكأنني ألقي قنبلة جاهزة للانفجار:‏

-أنا..‏

قال:‏

-أنت!!.‏

قلت، وشفتاي تختلجان من التأثر والانفعال:‏

-أجل أنا.. ألا يعجبك هذا الصاحب؟.‏

قال، وكأنه يكرر أسئلتي السابقة نفسها:‏

-وهذا البناء.. وعقد عملك.. و....؟!.‏

قاطعته قائلاً:‏

-أعمالي انتهت تقريباً.. ولن يمانع المقاول من أن يتمم معلم آخر ما تبقى منها.. على كل حال، أنا مستعد لكل الاحتمالات.. انتظرني هنا، ريثما أقابل أبا عدنان..‏

وتركت الدكتور قبل أن يفتح فمه بكلمة..‏

وإلى غرفة المقاول أبي عدنان حملتني خطواتي الواثقة ......................













































































































































~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ النهايـــــــــــــــــــــــــــــة ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~

أتمنى أن الرواية أعجبتكم

أخوكم في الله
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م