(6)
و مثله أيضاً ( منجتنجتون ) فهو يقول مثل ذلك ويضع نفسه في الخندق الغربي ثم يقول :" يجب أن نرصَّ الصفوفَ الغربيَّةَ أمامَ التحدِّي الإسلامي والتحدي الصيني ، يجب أن نطوِّرَ نوعاً من الوحدة بين أمريكا وأوروبا، يجب إيجادُ علاقةَ تعاونٍ على أقلِّ تقديرٍ بين أمريكا وروسيا وبين أمريكا واليابان ، يجب ألاَّ نذهبَ بعيداً في تخفيض القُدرة العسكريَّةِ الغربيَّة ".
هذه الأشياء التي يطالب بها لأنَّه يقولُ هناك عدوٌّ منتظرٌ استعِدُّوا له ، ووحِدُّوا صفوفكم ، وتعاونوا مع أصدقائكم الآخرين ، لا تخفضوا أسلحتكم كثيراً ولا تذهبوا بعيداً في ذلك لأنَّكم سوف تحتاجونها !
انظر الوعيَ والعمقَ والإدراكَ ، والتخطيطَ للمستقبل ، وأنت حين تأتي للمسلمين تجد أنَّه على رغم الضعف والذُّلة والقِلَّة والتأخُّرِ إلاَّ أنَّ الخلافاتِ الشَّرسةَ تعصف بهم فلا تبقي أحداً مع أحد ، وإلى الله تعالى المشتكى وهو وحده المستعان .
هذا الكتابُ ( صدامُ الحضارات ) قد يكونُ ردَّةَ فِعلٍ للمدِّ الأصوليِّ العالميِّ والتوجُّهات الدينيَّة الموجودة في الإسلام و في بقية الديانات الأخرى ، وكأنَّه يدعو أمريكا إلى أن تعتصمَ بمعطياتها وخصائصِها في مواجهةِ قومٍ مسلمين يؤمنون بدينٍ وينتمون إليه انتماءاً عريقاً .
كما أنَّ هذا الكتاب يتحدثُ ويكشفُ حرجَ القوى الغربيةِ أمريكا وغيرِها إزاءَ ما يسمونه بالديموقراطيةِ في العالم العربي و الإسلامي .
فهو يقولُ لك إنَّ الديمقراطيةَ مع أنَّها هي البديلُ الذي يقدِّمُهُ الغربُ، وهي الشيءُ الذي يتحدثون عنه وهي دينُ الغربِ وعقيدتُهُ ومنهجُهُ وسياستُه، إلاَّ أنَّه يقولُ إنَّ الديموقراطيةَ خَطرٌ في العالم العربيِّ والإسلاميِّ ، لأنَّ الديموقراطيةَ الحقيقةَ لو طُبِّقَت هناك فإنَّها سوفَ تدعَمُ قوىً معاديةً للغربِ ، على نَمَطِ ما حدث في الجزائرِ و الأردُن و اليَمَنِ وما يمكن أن يجري في مصر وأيِّ بلدٍ آخرٍ، أي أنَّها سوفَ تدعم التوجُّهاتِ الأصوليَّةِ التي تكتسحُ الشَّارعَ العربيَّ و الإسلاميَّ .
و بالمقابلِ فإنَّ رفضَ الديموقراطيَّةِ في العالَمِ الإسلاميِّ سوف يكرِّسُ التدمُّر والتوتُّر والقلقَ الاجتماعيَّ و السياسيَّ ويجعلُ الرَّفضَ و الغَضَبَ الشعبيَّ يزدادُ ويتفاقمُ و يتَّسِعُ يوماً بعدَ يوم .
هذا الطَّرحُ ، طرحُ الصِّراعِ الحضاريِّ هو طرحٌ معقولٌ في نظري في الجملة ، و إن كان مقلقاً للعلمانيين لأنَّه يقتضي الاعتصامَ بالدِّين و سوفَ يجعلُ كلَّ أمَّةٍ تعودُ إلى دينها وعقيدتها وتراثها الصَّحيح ، تعتصمُ به أمامَ من يحاربونها بدينٍ مختلفٍ و عقيدةٍ مختلفةٍ و تراثٍ متغيرٍ و أمورٍ وخصائصَ تاريخيَّةٍ مميَّزة .
و لذلك يقولُ البعض إذا صحَّ هذا التوقَّعُ في صدامِ الحضاراتِ فإنَّ النصرَ في جميع الدِّياناتِ وفي جميعِ الأمَمِ وفي جميعِ الدُّول فإنَّ النَصرَ سوفَ يكونُ لأكثرِ التيَّاراتِ تشدُّداً وانغلاقاً في جميعِ الحضاراتِ وسوفَ يكونُ النَّصر بالنسبةِ للمسلمين مثلاً، حليفاً لما يسمونها بالتيَّاراتِ الأصوليَّة التي تدعو إلى رجعةٍ صادقةٍ وكاملةٍ إلى الدِّينِ في جميع ميادين الحياة .
و مثل ذلك الديانات الأخرى فالنصرانيَّة مثلاً ، سوف يكون النَّصرُ للتيَّارات الأصوليَّة المتشدِّدة بها ، و الهندوس يكون النصرُ للتيَّاراتِ الهنودكيَّة المتشدِّدة التي تؤمنُ بالحديدِ والنارِ في مقاومة خصومِها و أعدائِها ، ومثل ذلك بالنسبةِ لليهودِ أو غيرِهم و خاصَّةً إذا كانت تلك التيَّاراتُ تملك قوةَ الاستقطابِ والتأثير في الجماهيرِ .
هذه ثلاثةُ توقُّعات ، يُمكن أن يتمَّ من خلالها سقوطَ الحضارةِ الغربيَّة ، وبالجملةِ فهناك قائمة طويلة جداً من الأمراضِ الفتَّاكةِ المزمنةِ التي تنخرُ في الجسمِ الغربيِّ عامَّةً والجسم الأمريكي خاصَّة.
هناك على سبيل المثال : الأمنُ واختلاله،فسادُ الأسرة وتفكُّكها ، ضياعُ الشباب ومشكلاتُهم ، الإجهاضُ وهو قضيةٌ خطيرةٌ ، المخدِّراتُ وانتشارُها وعصاباتُها ، الشذوذُ الأخلاقيُّ والجنسيُّ ، الفقرُ المدقِعٌ في تلك الدُّول الغنيَّة حتى إنَّك تجدُ أنه عام 1977 أو 1978 م ، كان عددُ الفقراء الذين لا يجدون قوتَ اليوم أي دونَ مستوى الإعدامِ، كان عددُهم فقط 800 مليون إنسان ، وبعد عشر سنوات تحوَّلَ هذا الرقمُ إلى .. هل تتوقَّع أنَّه انخفض ؟ كلا ! بل ارتفع إلى مليارين من النَّاس !!
مليارا إنسان ، دون مستوى الحياة الإنسانية العادية من شدَّةِ الفقر !
حتى في أرقى المدنِ الغربيَّة والأمريكية ينامون على الأرصفةِ ويأخذون أطعمتَهم من صناديقِ القمامة، وقد رأيت بعيني مثلَ هذه المشاهد وهم يعدُّون في بعض الولايات بالملايين !
أيضاً البطالة وانتشارُ معدَّلاتها وارتفاعها في أمريكا وغيرها ، عصاباتُ الإجرام كالمافيا وغيرها وهي عصاباتٌ خطيرةٌ للخطف وللسرقة وللقتل للاغتيال ، لتعاطي وبيعِ كلِّ الأشياء بلا استثناء !
أيضاً الديون الفرديَّة ! كلُّ الأفرادِ مدينون في أمريكا ! والديونُ الفرديَّةُ تزيدُ الآن على 4,4 تريليون دولار على الأفرادِ من الشَّعب الأمريكي ! فكلُّ فردٍ مدينٌ وهو يقضي حياته كلَّها في تسديد الديون ، دينٌ للسيارة و دينٌ للبيت ، ودينٌ للزَّواج ودينٌ لكلِّ شيء ، وهو أمرٌ خطيرٌ بدأ يتسرَّبُ أيضاً إلى البلاد الإسلامية .
التعليمُ وانهيارُه حتى إنَّ هناك كتاباً انتشر ودرِّسَ عنوانُه ( أُمَّةٌ معرَّضةٌ للخَطَر )، أظنِّي سبق أن تحدثتُ عنه، يتكلمُ عن انهيارِ التَّعليم في أمريكا .
__________________
تـوقن أم لا تـوقن .. لايعـنيني
مـن يـدريـنـي
أن لـسانـك يـلهـج باسم الله
وقـلـبـك يــرقـص للشيطان !!
|