اولوية الجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و من والاه
أخي الكريم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
لم أكن أخي لأرد على موضوعك هذا لولا اهميته القصوى و خصوصا في هذه المرحلة من تاريخ امتنا الاسلامية فإن أخطأت فمن نفسي و إن أصبت فمن الله ، فله الحمد و المنة .
إن ما عرضته أخي الكريم من عرض للايات و الاحاديث الشريفة و رأي للعلماء لهو بحق فتوى وهذا ما ذكرته انت ، و انها أشبه ما تكون بفتوى للمحدث الشيخ الالباني رحمه الله الذي افتوى بتحريم جهاد اهل فلسطين و وجوب تركها ـ اي فلسطين ـ و الانتقال الى بلد مسلم على اعتبار انها اصبحت دار كفر. و هو قد أخطأ في هذا الامر
يقسم الجهاد الى نوعين : جهاد الطلب و هو طلب الكفار في بلادهم لامور الدعوة و جهاد الدفع و هو دفع الكفار عن بلاد المسلمين. و أما الاول فهو فرض كفاية و الثاني فرض عين على كل مسلم. يقول ابن تبمية رحمه الله : و أما قتال الدفع فهو اشد انواع دفع الصائل عن الحرمة و الدين واجب اجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين و الدنيا لا شئ اوجب بعد الايمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط كالزاد و الراحلة ،بل يدفع بحسب الامكان. الاختيارات العلمية ـ ملحق بالفتاوى الكبرى .
يقول الله عز و جل : انفروا خفافا و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون . و هذا جلي و اضح و لا عذر فيه لاي كان. و يقول عز و جل : و اناستنصروكم في الدين فعليكم النصر .
و يقول عز و جل : و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله. و الفتنة كما ذكر عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما هي الشرك. و لا شك انه في هجوم الكفار على المسلمين اذية لهم في دينهم و ارضهم و عرضهم. و في هذه الحالة فإن الجهاد يصبح فرض عين على كل مسلم و لا يشترط فيه اخذ اذن الولد من والده و لا الزوجة من زوجها و لا المدين من دائنه، اذ ان دفع الضرر عن الامة اولى و اوجب.
و تبقى حالة سقوط الاستئذان مستمرة الى ان يتم دفع العدو او اخراجه من ديار المسلمين او توفر جماعة لها قدرة على الدفع.
و يقدم الجهاد و هو فرض عين على غيره من الفروض ، فهو يقدم على الصلاة ، فالصلاة تجمع و تقصر و تتغير هيئتها اذا حل الجهاد. و الجهاد يقدم على الصوم اذ ان رسول الله افطر و لم يصم في الطريق لفتح مكةحيث قال صلى الله عليه و سلم : انكم مصبحوا عدوكم و الفطر اقوى لكم فأفطروا.
و الجهاد يقدم على طاعة الوالد و الزوج حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. و المقصود هنا في حال تم الامر بالكف عن العمل.
يقول الرملي في نهاية المحتاج: يكره الغزو بغير اذن الامام او نائبه ، ولا كراهة في حالات :
ـ اذا فوت الاستئذان المقصود. اي الدفع المذكور اعلاه.
ـ اذا عطل الامام الغزو.
ـ او غلب على ظنه عدم الاذن.
هذا و الجهاد جهاد كفاية . اما ان يصبح جهاد عين فلا اذن و لا استئذان. و لا تجد اوضح من رأي ابن رشد في هذا المقام اذ قال : طاعة الامام واجبة و ان كان غير عدل ما لم يأمر بمعصية، و من المعصية النهي عن الجهاد المتعين.
يقول ابن قدامة في المغني: فإن عدم (بضم العين و كسر الدال) الامام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره.
إن الخلافة الاسلامية لا تأتي نظريا بالدراسة و الثقافة ، انما ولاية الجهاد الخاصة هي التي تأتي بالولاية العامة و الخلافة. و في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لاصحاب له بعثهم في سرية : أعجزتم إذ بعثت رجلا فلم يمض لامري أن تجعلوا مكانه من يمضي لامري. رواه ابو داوود و أحمد.
يقول الله عز و جل مخاطبا نبيه: فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك و حرض المؤمنين. و في هذا امران واجبان و هما; القتال و لو وحيدا و الثاني هو التحريض. و في الحديث الحسن الذي رواه احمد و ابو داوود ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم اصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهرق دمه ، فيقول الله عز و جل لملائكته: انظروا الى عبدي رجع رغبة فيما عندي و شفقة مما عندي حتى اهريق دمه.
و لمن أراد الاستزادة و التفصيل عليه بفتوى الشيخ المجاهد عبدالله عزام فإن ما نقلته هنا هو من فحوى فتواه.
أخي الكريم ، بالله عليك قولي، هل ننتظر حتى يهتك عرض آخر أنثى في الشيشان؟ او يذبح آخر طفل في افغانستان؟ او تراق آخر قطرة دم في فلسطين؟ او يهان آخر شيخ في العراق؟ اما كفانا دعوات الداعين الى القعود و التخاذل؟ ومن هؤلاء الذين يجب غض الطرف عنهم و الصفح و الاحسان الى أن تقوم دولة الخلافة؟ يقول تعالى مخاطبا نبيه: فاصدع بما تؤمر و أعرض عن الكافرين. هذا في بداية الدعوة. ثم دعوة الى الله بالحكمة و جدال بالتي هي أحسن ، ثم إذن بالقتال، ثم القتال اذا قاتلهم الكفار ثم جاء شرط انسلاخ الاشهر الحرم، ثم بعد ذلك أمر مطلق ( و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). أقول أن هؤلاء هم من ورد فيهم الاعراض و الدعوة الى المجادلة بالتي هي أحسن، وهم كفار قريش، أما وقد ترسخت قواعد الدين و ليس هناك سوى ( و أطيعوا الله و رسوله ان كنتم مؤمنبن) و ولاء لله و رسوله و براء من الكافرين (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) فلم يعد هناك مجال للمجادلة و التسامح.
كما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن ينتظر قيام الدولة الاسلامية ليسمح لصحابته بأن يقاتلوا و يجاهدوا ، و إنما كان ينتظر تهيئة العدد اللازم للقتال. ففي مكة لم يكن ليتوفر العدد و العدة للقتال، بينما توفر ذلك في المدينة برغم ما كان فيها من يهود و منافقين في ذلك الوقت . يقول تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرين يغلبوا مئتين و إن يكن مئتين يغلبوا الفا بإذن الله). فليس الأمر بالعدد و لا بالعدة ـ مع أهميتها ـ و إنما الأمر توكل و إيمان بعقيدة لا اله الا الله محمد رسول الله، ثم و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة.
كما أنه في أحاديث رسول الله صلى الله عليه سلم في خروج المهدي و اجتماع نفر من الشباب حوله في الحرم من قبل أن يعرف هو أو يعرفوا هم أنه المهدي ، لأبين دليل لا وجوب العمل و عدم التقاعس عن أداء الواجب. أما أن ننتظر حتى ينصلح أمر الامة كلها لنعلن دولة الخلافة ثم يؤمر بالجهاد، فهذا أبعد مما يرجون. فالحال لن يصلح ما دام العدو يعيث في الارض فسادا. و هي و الله دعوة هدامة للتقاعس و الركون. هؤلاء فعلوا كمن وضع العربة امام الحمار ثم قال للحمار حا . فأنا ذلك؟!
أسأل الله ان يثبت المجاهدين في سبيله وأن ينصرهم على عدوهم و أن لا يحرمنا أجر جهادهم ، و أن يحشرنا في زمرة محمد صلى الله عليه و سلم ، إنه على ذلك قدير.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.
سلام عليكم و رحمة الله
__________________
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
|