قلت: يا بلبـل الرياض أجـبني ما الذي هاج من هواك دفينـَه
قد سمعنا الغناء والشدو والنجو ى وصبَّ التـرنيم فينـا فنونَه
فاروِ من شرفة القرون أحاديثك وارحم منَّا الدموع السخينــَه
قال حقًّا لقد شغلت عن الضـو ء وعمَّيت سحره وفتـونــَه
ما ترى ذلك الجمال الذي قـدَّ سـه اللـه ثـم زكى معينـَه
أي نور جـلا الغـزالة في رأ د ضحـاها بمثل نور المدينَه
إنها هجـرة الرسول وما أرو ع ذكر الرسـول لو تعلمونـَه
ها هي اليوم تملأ الكون نورًا فجـرّ اللَه في السماء عيونـَه
ماتت اللات وانقضت دولة الـ عزى وخرت مناة ولهى حزينَه
تندب المجد بعد أن ضعضع الـ حـق هواهـا فما تزال سجينَه
سلَّ سيف الإسلام من غمده البا ليَ تروي الدماء منـه جفونَه
مقصد لا يزيله الصارم العضب ولا تمنـع الحـوادث دونـَه
ورسولٌ يرى النعيم على الذل جحيمًا فليس يرضى سكونـَه
جعلـوا المـال طيـعًا في يديـه وأتـوه بملكهم يفتنـونـَه
ويقـولـون يا محمـد دع عنـك سفاه الشيطان واترك مجونَه
واهجـر الدعـوة الجريئة واصنع مثل آبائنا مـا يصنعـونـَه
واعبـدوا مثلنا الحجـارة فالنفـ ـع لديها وخير ما تأملونَه
ولئن شئت ملك كسرى أنوشروان فاهنـأ بمـا ترى أن تكونَه
وترى المال كالجبال على الأرض فتـرضي أهواءك المفتونَه
كبـرت تـلك نزوة يا أبـا جهل أبالمصطفى تـريد المشينَه
لعن الله كل من يشهد الحق جليًا ولا يـرى أن يصـونَـه
هل ترى في الكنوزوالملك والجاه خداعًا ترجـونه أن يلينَـه
علم اللَه أنها دعوة الحق ستفـ ري بالسـيف ما تفترونَه
جنة الله ربحه وروض الله مناه فمـن يناضل دينَه
سار جيش الإسلام في محو الكفـ ر فسوى سهوله وحزونَه
ومضى للخلـود ينصره اللـ ـه بجند مسومين مصونَه
وسرى الصادق الأمين ينادي أن هلموا فهاجروا للمدينَه
وانشروا الدين في سكون إلى أن يظهر الحق بعدما تكتمونَه
رب حُم القضاء فانصر رجالي واسكب الصبر والهدى والسكينَه
إن أنـصـارنا البواسـل قـُلٌّ وخميس العدو ملء المدينَه
***
قـبض النـور من ربوعـك يا مكة فابقى يتيمة مسكينَه
واطربي يـا مـدينة اليوم بالها دي وهاتي من المدائن زينَه
وانثرى الزهر والرياحين والجلـ سان في كل مجمع ترتضينَه
إن دين الرسـول فيـك مقيـم أو يزيل الرسول عنه دجونَه
سوف يزهو بعد النضال على الدنيا وتبقى الشريعة المأمونَه
***
أقف اليوم والخطوب جسـام لأرى الركب قد أضلوا السفينَه
نشروا في الزعازع الهوج أعلا م الخطايـا لغير شـط أمينَه
وأضاعوا دينا ظلت تذود الكفـ ـر عنه كالليث يحمي عرينَه
فـانفث القـوة الفتيـة في النا س وشد العزائم الموهونَه
يا أسود الشرى وأشـبال طـه ها هو الغرب يبتغي أن يهينَه
فاجمعوا شملكم وهبـوا صفوفًا واحفظوا شرعة الرسول المبينَه
فحيـاة الجمود نوع من المو ت وعَزَّ الذي يرى الحق دينَه
---------
* "صالح الشرنوبي" 1343 - 1370 هـ = 1924 - 1951 م، وهو شاعر مصري متميز، ولد ونشأ في بلطيم، والتحق بالمعهد الديني بدسوق، فمعهد القاهرة، فالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم كلية الشريعة، فكلية دار العلوم، وعمل بالتدريس في القاهرة، ونشر بعض شعره في مجلات الإذاعة والرسالة والثقافة وجريدتي الأهرام والمصري، وعمل في جريدة الأهرام، وله اثنا عشر ديوانًا في كراريس صغيرة، منها مجموعة أسماها (نشيد الصفا-ط).