الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الهداة والمصلحين وعلى آله وصحبه سادة المتقين وبعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )(النساء: من الآية135) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة ) ولما سئل لمن؟لم يخص بها فئة دون أخرى , بل قال: ( لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).
وكان مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه ( النصح لكل مسلم). ومقتضى هذه الأدلة وغيرها أن ينصح العبد المؤمن للخلق وأن يوصل إليهم كلمة الحق، سواءً كانوا حكاماً أو محكومين, موافقين له أو مخالفين يبتغي بذلك وجه الله تعالى ويحتسب عند الله ما يلقى من الأذى في سبيل ذلك فإن أي موقف من مواقف الحق لا يخلو من الأذى واللوم , ولهذا أثنى الله تعالى على عباده المخلصين بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54) وكان أيضاًَ مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ( أن يقولوا الحق ولا يخشوا في الله لومة لائم ).
فمن كان يريد الله و الدار الآخرة ويدعو للإصلاح حقاً فإنه يبذل النصيحة أو ينكر المنكر طاعة لله ولرسوله وحرصاً على إخوانه المسلمين وتحقيقاً للمصلحة الشرعية يفعل ذلك في كل الأحوال ويمحضه كل أحد لا يراعي رضا الناس أو سخطهم, ولا يبالي بلومهم أو اتهامهم.
أما من ينكر المنكر إذا فعله بعض الخلق دون بعض ويحابي أناساً لموافقتهم هواه, ويشنِّع على آخرين لمعاداتهم له, فهو خارج عن منهج الشهادة لله والقوامة بالقسط والعدل الذي أمر الله به كل أحد في كل حال كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة: من الآية8), وقوله جل شأنه في آية الوصايا العشر المحكمات: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)(الأنعام: من الآية152)
والكلام في هذا يطول، والمقصود واضح لمن نور الله قلبه, وإنما أردت الإشارة والتذكير بين يدي هذه النصيحة التي أقدمها لإخواننا المسلمين في هذه البلاد التي أنعم الله عليها من نعمتي الإيمان والأمان ما يحسدها عليه كثير من المجتمعات.
ولكن كثيراً من الناس لا يدركون قدر النعمة إلا بعد فواتها, ويقصرون نظرهم على جوانب الظلم والفساد وأسباب الهلاك وسوء المصير, وهي قائمة مشهودة لا ينكرها عاقل ومن هنا يخطئون في تقدير المصالح والمفاسد ويتوهمون الإصلاح في ما هو داء وشقاء مثل الظن بأن الظلم يزال بالإخلال بالأمن وأن فساد النظام يعالج بالفوضى. ولا يعتبرون بما حدث في بلاد كثيرة. وهذا من اتباع غير سبيل الأنبياء وانتهاج غير وسائل المؤمنين المصلحين في الإصلاح والتغيير ودفع الظلم وإقامة العدل وهو ما وقع فيه الدكتور/ سعد الفقيه ومجموعته التي تسمي نفسها ( الحركة الإسلامية للإصلاح) فهي ليست على منهاج النبوة في الدعوة والإصلاح وليست على منهج المعارضة السياسية المنضبطة التي يعرفها الناس في الشرق والغرب والتي هي أحد أسباب توازن تلك المجتمعات وحفظ أمنها وسيادتها , لأنها سائرة بمقتضى العقل المعيشي وإن كانت محرومة من نور الوحي الرباني.
أما المعارضة الفقيهية فمن أكره نفسه على متابعة ما تنشره ليلة واحدة ظهر له أنها ليست من هذا ولا ذاك، ابتداء من أساليب القذف والتجريح وانتهاء بالدعوة للشغب والتخريب التي دعت إليها أتباعها يوم الخميس القادم الموافق 4/11/1425هـ.
والدعوة لهذا الشغب مع أنها محاكاة ساذجة لما فعل الخميني في ثورته هي في الحقيقة مستوحاة من شعارات اللجان الثورية في بعض البلاد ويظهر فيها من التهويل وشطح الخيال وسراب الوعود ما يدعو للخجل لا سيما وأعداء هذه البلاد يضخمون أخطاءها إن كانت من الحكومة أو من المعارضة المزعومة سواء.
إنني أعلم أن كثيراً من الدعاة والمربين لم يطلعوا على ما تنشره الحركة ومن هنا لم تنل الواجب من الإنكار، كما أن كثيراً من الأخوة القراء سيقولون إن للاستجابة لهذا الشغب أسباباً كثيرة يجب على أهل العلم معرفتها ودراستها ومناصحة الحكومة بشأنها، وهذا حق بل أقول إننا نعلم من الأسباب ونرى من النذر والمخاطر مالا يعلمون ولا يرون، ولكن الشأن ليس في هذا مهما كان التفاوت في تشخيصه، إنما الشأن في منهج إصلاحه ووسائل معالجته، ونحن مع يقيننا أن أسباب البوار ونذر الخطر في الدين والدنيا موجودة، ومع علمنا أن للحكومة الدور الأهم في تقويتها أو إزالتها فإننا لا نخصها بالمسؤولية وحدها بل نحملها أنفسنا والأمة جميعاً كلاً في موقعه، فلولا تقصير أهل العلم والدعوة بل مداهنة بعضهم وانسياق العامة وهلعهم وراء شهواتهم لما حدث كثير من الانحراف، ولولا تقاعس بعضهم عن نصرة من ينكر المنكر ويجتهد في الإصلاح على منهاج النبوة وسيرة السلف الصالح لما عمّ الظلم وانتشر الفساد، بل من الإنصاف أن نقول إننا كما نعلم ونشهد بوجود العديد من المظالم والمنكرات والتجاوزات من قبل الحكومة فإننا نعلم ونشهد كذلك –وهذا من العدل الذي أمرنا به- بأن كثيراً من المفاسد والمظالم الاجتماعية والأخلاقية لولا أن الأنظمة الحكومية تحظرها وتحاربها لتقحَّم الناس إليها كل سبيل، وركبوا إليها السهل والوعر وشواهد ذلك معروفة في الواقع، وما هروب فئات من الناس إلى الخارج كلما استطاعوا وإنفاقهم الأموال الطائلة فيما يغضب الله إلا أحد هذه الشواهد.
ومع هذا نبشر أهل الخير والصلاح بأن السعي في الإصلاح هو الهم الشاغل لمن وفقهم الله بإتباع منهج النبوة من العلماء والدعاة، وقد أعدوا لذلك مشروعاً متكاملاً -وهو قيد التشاور والتعديل- ولولا أحداث خارجة عن إرادتهم لكان قد رأى النور منذ زمن ولن يحيدوا بإذن الله عن منهاج النبوة مهما طال الطريق وكثرت العوائق.
وهم لا يرجون من وراء ذلك مناصب ولا مغانم دنيوية بل كما قال الله تعالى لرسوله الله صلى الله عليه وسلم: ( قل لا أسألكم عليه أجراً ) (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد).
وليس المقام الآن مقام التفصيل في هذا المنهج وإنما المقصود النصح لإخواننا و أبنائنا الذين قد تخدعهم بوراق الآمال الكاذبة والسراب اللاهب, فتصدهم عنه إلى ما يرسمه أفراد معزولون يقحمون أتباعهم ومن يسير وراءهم في مغامرات غير محسوبة النتائج والمآلات استغلالاً لطيب قلوبهم وتلاعباً بمشاعرهم وعزفاً على جراحهم وآلامهم.
ونحن ولله الحمد في غنى تام عن كل منهج خارج عن شريعتنا ولا نحتاج في الإصلاح إلى إملاء خارجي أياً كان مصدره لندن أو واشنطن أو غيرهما، فكما أن الذين يقولون إن العدل والحرية لا تأتي إلا على ظهر الدبابة الأمريكية خونة مارقون؛ فإن الذين يظنون أن التخريب والشغب يرفع الظلم الاجتماعي ويزيل الفساد المالي والإداري هم واهمون مخطئون أو مجرمون آثمون.
إن البيان الثوري للحركة تجاوز الاحتجاج السلمي المزعوم إلى التحريض على ما لا يصح تسميته إلا الانقلاب الشامل مع توزيع الغنائم وتهديد كل مخالف وفق رؤية شخصية تمثل نموذجاً لما يسمى جنون العظمة، وبذلك يخرج العمل عن نطاق الإصلاح ويخرم الثوابت الشرعية له، ومن أهم هذه الثوابت توحيد الصف واجتماع الكلمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونبذ التفرق والتناحر على أي أساس كان وانتهاج الوسائل السلمية في الإصلاح –وها هنا أصل الخلاف مع الحركة وليس الخلاف معها في المطالبة بالحقوق واتخاذ بعض الوسائل المحدثة دون بعض- مع أن الدعوة بشكل ما إلى التخريب تتنافى مع ضرورات الشريعة في حرمة الحقوق وحفظ المال خاصاً أو عاماً. وكيف يأمن الداعون إلى هذه الفتنة من اندساس بعض المنتمين للطوائف الحاقدة أو للتيارات المنحرفة أو العمالة الموتورة إلى ركب التخريب والتدمير فيحرفونه لتحقيق مآربهم الخاصة؟ ومن الذي يملك زمام التوجيه, وقائد المسيرة يصدر أوامره من وراء البحار؟ وأين تذهب عقول قوم يريدون إثارة هذا النوع من الشغب في الشهر الحرام وفي بوابة الحرمين حين يتوافد حجاج بيت الله الحرام إلى هذه البلاد. مع أنها محط أفئدة المسلمين كل حين وقبلتهم في كل فريضة وأي عبث بأمنها في أي زمان أو مكان جريمة يجمع المسلمون على إنكارها.
وبذلك وغيره يظهر أن المسيرة الفقيهية مرفوضة وفق جميع المعايير الشرعية والمنطقية والزمانية والمكانية.
ونحن إذ نؤكد أنّ الإصلاح في المملكة العربية السعودية وسائر بلاد الإسلام ضروري، والتعاون عليه حتم؛ فإننا نؤكد أنه يجب أن يكون على منهاج النبوة وأحكام الشريعة المطهرة التي ضمنت للرعية على الولاة من الواجبات ما لا تضمنه شريعة قط، كما حفظت لولاة الأمر على الرعية من الحقوق ما لا يحفظه نظام عادل قط. فمن أراد أن يخرج عن هذا ويحشر هذه الأمة المباركة في جحر الضب أو يجعلها تابعة للشرق أو للغرب فهو مجرم خائن كائناً من كان، وهي له رافضة مجمعة على ذلك وإن انخدع بعض العامة أو المتهورين من الشباب فإن الشاذ لا حكم له والأمل في عودتهم إلى الجادة قائم لا سيما مع المناصحة والتذكير.
ونحمد الله تعالى أن هذه الأمة تتردد وتتوجس من كل ما ترى فيه اتباعاً لمنهج الغرب، وهي في كل مرة تثبت التزامها بمنهج العدل والاعتدال وترفض كل ما خرج عنه سواء كان إرهاباً وتدميراً أو شغباً وفوضى وهذا ما يؤكد واجب المصلحين والمربين والموجهين والآباء في بلادنا أن يحذِّروا العامة والشباب خاصة من هذه الفتنة وأن يذكروهم بأن كل فتنة في التاريخ تأكل أول ما تأكل مثيريها وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ونرى المبادرة في ذلك لأن الأيام معدودات والنفوس مشحونة وأعوان الشيطان يسارعون في الفتنة بكل ما يستطيعون.
وفي الختام نذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين بالتوبة والاستغفار والضراعة إلى الله أن يدفع عنا شر الأشرار وكيد الفجار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون:76) وقال (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43) ونسأله جل شأنه أن يجمع كلمتنا حكاماً ومحكومين على المنهج القويم والصراط المستقيم وأن يجعلنا صالحين مصلحين إنه سميع مجيب.
وأخيراً نرجو من أتباع الحركة الفقيهية ألا تضيق ثقافتهم وتربيتهم الديمقراطية عن نصيحة المخالفين فيبادروا بسوء الظن ويسارعوا في الاتهام فإن الحق أحق أن يتبع والرجوع إليه طاعة لله ولرسوله قبل أن يكون لأحد من الخلق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموضوع منقووووول عن موقع المسلم
http://www.almoslim.net