هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغربية للإسبان؟ 3
التسوية القانونية باعتبارها جسرا نحو الإدماج اللغوي والثقافي
إن المهاجر السري، أي غير الشرعي، مثله مثل السجين، فالأول يظل باستمرار ينتظر فرص التسوية القانونية، التي يجود بها أحيانا قانون الدولة التي يوجد فيها، أما الثاني فلا يركن فقط لحساب الأيام التي قضاها في سجنه، بدءا من اللحظة الأولى التي أسر فيها، وإنما يترقب دوما المناسبات والأعياد التي قد تستثير سخاء الحاكم، فيصدر عفوا جزئيا أو شاملا عن بعض السجناء، فالمهاجر السري لا توهب له الحرية إلا إذا استوت وضعيته القانونية، وامتلك الوثيقة التي تعترف بأنه انتقل من دائرة غير الشرعي إلى نطاق الشرعي، أو من دائرة السري إلى نطاق العلني، كأنما الحرية هي الوثيقة، والوثيقة هي الحرية! فإذا انتفت الوثيقة صودرت الحرية، وإذا غابت الحرية صارت الوثيقة بلا قيمة! وهذا هو حال أغلب المهاجرين المغاربة الذين أتى بهم القدر إلى شبه الجزيرة الإبيرية، والذين كانوا في الغد القريب يحلمون بوضع ولو قدم واحدة على التراب الإسباني، وبعدها سوف تزهر الحياة في أعينهم، وتقول لهم: هيت لكم! لكن بمجرد ما تأتى لهم ما حلموا به، صدمتهم الحقيقة المرة، وتكسرت على صخرة الواقع آمالهم العريضة، فراحوا يحلمون من جديد بالوثيقة/الحرية أو الحرية/الوثيقة، التي قد تشرعن وجودهم غير القانوني، فيحظوا ولو بشكل نسبي ببعض الفرص في العمل والسكن والتنقل ونحو ذلك.
إن التسوية القانونية لوضعية المهاجرين غير الشرعيين التي دشنتها الدولة الإسبانية الشهر الحالي (فبراير 2005)، لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء رؤية تحليلية تتأسس على السؤال/المفتاح: ما الداعي إلى هذه التسوية القانونية التي تبادر بها الدولة الإسبانية؟ إن هذه الخطوة السياسية الجريئة التي اتخذتها حكومة ثباتيرو الاشتراكية الفتية، ليست حبا في عيون المهاجرين السريين مغاربة كانوا أم أجانب، كما أن انسحاب الجيوش الإسبانية من العراق، والذي تم على يد هذه الحكومة، لم يكن حبا في عيون العراقيين أو العرب، وإنما خشية تكرر العرس الدموي الذي كانت مدريد محفلا له. إن التسوية القانونية هذه، سوف تجني من خلالها الدولة الإسبانية نتائج إيجابية جمة، تمس مختلف المستويات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية وغيرها، فعلى المستوى الاقتصادي سوف يتحقق انتعاش لا يستهان به، علما بأن قطاعات اقتصادية ومالية شتى سوف تستفيد من "إعادة تأهيل الاقتصاد الإسباني والتخلص من التهرب الضريبي لأرباب العمل والعمال على السواء" كما أشار أحد المسؤولين الإسبان، أما على الصعيد الأمني فسوف يحكم الطوق على الأجانب الذين سوف يصبحون شرعيين، فيسهل على السلطات الإسبانية وضعهم تحت مجهر الأمن وعيون المخابرات، في حين سوف يكون المستوى الاجتماعي والثقافي ونحوهما محط الاهتمام، علما بأن هذه التسوية ما هي إلا جسر مهم نحو ما هو أهم، وهو قضية إدماج المهاجرين الأجانب، لغويا وثقافيا، في المجتمع الإسباني، فيتكرر بذلك نفس النموذج الذي سلكته تلك الدول الأوروبية التي يربطها تاريخ طويل وحافل بمشكلات الهجرة وقضايا المهاجرين.
في المقابل سوف يستفيد ما يقرب من 800 ألف مهاجر سري أجنبي، ومنهم حوالي 100 ألف مغربي من هذه التسوية، التي تمكنهم من الانفلات من الاستعباد المادي والمعنوي الذي عانوه منذ وطأت أقدامهم أرض الأندلس القديمة، لكن هل تعني هذه الخطوة أن باب الهجرة السرية سوف يوصد، أم أن مثل هذه التسوية سوف تتكرر ريثما يفد على إسبانيا العدد الكفيل بأن يحث الحكومة أو السلطة على التفكير من جديد في تسوية أخرى، تدر المال الغزير على الخزينة الإسبانية، وتعزز الأمن العام، وتفعل آلية الاندماج، ثم كيف يمكن تفسير الدور المغربي بخصوص ما يجري، هل يظل معتصما بصمته المعهود، أم يمتهن أسلوب الاستجداء الدبلوماسي عل يحظى عدد من أبنائه المغتربين بالحرية/الوثيقة، أو الوثيقة/الحرية، وفي هذا تفعيل ما لاقتصاده الذي سوف يستفيد من عملة رعاياه الصعبة، الذين سيصبحون شرعيين، لكن ألا يعني هذه التسوية، من وجهة ما، أن المغرب مطالب أكثر بتحصين حدوده الصحراوية والبحرية، واستئصال كل جذور الهجرة السرية، وهو بذلك يبتاع إسبانيا الاطمئنان والأمن والحماية مقابل أن تحرر مواطنيه غير الشرعيين، وفي نهاية المطاف إلى متى يظل المغاربة يحلمون بالعبور نحو المستقبل الذي يلوح لهم من على السواحل المقابلة، وهو عبور محفوف بمخاطر البوغاز التي لا ترحم، ألم تئن بعد لحظة الانفكاك من التبعية العمياء للآخر، ورد ماء الوجه للوطن، بالفعل الصادق، والتضحية المشتركة، والتوزيع العادل لثروات المغرب، والاعتراف الصريح بكل مكونات المجتمع، وبعدها يهرع الجميع وبين ناظريه هدف واحد وموحد: نحو مغرب متقدم، وهو نفس الهدف الذي رفعه الإسبان، فيحضن الوطن كل أبنائه المغتربين وغير المغتربين، وتنقلب الموازين، فينعكس اتجاه هجرة المغاربة من المنفى إلى الوطن، كما حصل بالتحديد للإسبانيين.
__________________
التجاني بولعوالي
شاعروكاتب مغربي مقيم بهولندا
|