يقول الشيخ غلام الله رحمتى عن تجربة شخصية مع حكومة ما قبل الطالبان وجكومة الطالبان
نعم كانت لي تجربة، فهناك في كابول كان هناك مزار اسمه " شاهد شامشيراه " ومعناه: مشهد الملك ذي السيفين، وكان مشهداً معروفاً مشهوراً، وهذا الملك يقولون إنه كان يقاتل ضد الأعداء بسيفين، فلما انقطع السيفان قتل واستشهد ودفن هناك، وكان هذا المشهد يُعبد بجميع أنواع العبادات، وأنا كنت قد دخلت بنفسي داخله، فكان مكتوباً على أحجاره وعلى جدره الأقوال الشركية والأشعار الكفرية، وكان مكتوباً بالبشتونية عند الضريح: " ليس لنا معاذ ولا ملاذ ولا ملجأ إلا إياك "، هكذا، وفي ذلك الحين جئت إلى كابل وتكلمت مع الشيخ رباني وأيضاً كان الشيخ سميع الله موجوداً، فقلت: أنتم أعلنتم الحكومة الإسلامية وقلتم إنها جمهورية إسلامية، فلماذا لم تقضوا على هذه المراكز الشركية؟ فضحك رباني وقال: يا شيخ! أنت تريد حكومة إسلامية أوتوماتيك عليكم بالصبر، قلت: لا بد أن تكون على الأقل لجنة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن هؤلاء يموتون على الشرك ولا بد من وجود من يمنعهم عن هذه الشركيات. فضحك وقال: لا تكون الحكومة الإسلامية بشكل أتوماتيكي.
ولكني رأيت أنه لما جاء الطالبان قضوا على كل شيء، وأخرجوا كل شيء من هذه الأضرحة، وأغلقوا أبوابها ومنعوا زيارة القبور إلا الزيارات الشرعية، ومنعوا زيارة النساء مطلقاً للمقابر. وقد جئت في زمن الطالبان بعد أن أشيع في بيشاور أنهم عملاء أمريكا وأنا أيضاً كنت قبل أن أجيء أفغانستان كنت أقول من هم هؤلاء الطالبان؟ كنت أيضاً أظن إنهم عملاء أمريكا، وعملاء باكستان، وقد كان يقال عنهم أيضاً إنهم قبوريون مشركون وفئة خرافية أشعرية ماتوريدية، كل هذا قبل أن آتي إلى أفغانستان، ولما أتيت إليها جئت متخفياً لأني كنت أيضاً أخاف أن يقتلني هؤلاء القبوريون!، فدخلت متخفياً، ولكن اتُّفق أنني عندما جئت كان معي في هذه السيارة رجل معه طفل وطفلة وامرأة، ومعه كيس مملوء يشبه المتكأ أو الوسادة، فلما وصلنا إلى كابول وضع هذا الرجل الكيس أمام واجهة مطعم ثم أنزل ابنه وبنته وامرأته، ونزلت أنا أيضاً وسكنت في الفندق، وبِت هناك، وفي الغد مررت على ذلك المكان الذي فيه المطعم، فلاحظت أن ذلك الكيس الذي وضعه الرجل لا يزال في مكانه فقلت في نفسي: أليس هذا الكيس الذي تركه الرجل بالأمس؟ ولم أهتم كثيراً وقلت لعله غيره، ثم بعد يومين مررت فكان موضوعاً هناك، وبعد ثلاثة أيام وجدته موجوداً هناك أيضاً، وكنت قد نويت أن أمر على مزار " شاهد شامشيراه " وأنا أعتقد أن طالبان قبوريون، فقلت: سأرى ماذا زادوا في هذا المزار من الشركيات، فلما وصلت وجدت الباب مغلقاً وكان معي أربعة زملاء كلهم ملتحون من طلبة العلم، فطرقت الباب، فجاء رجل ذو شيبة وفتح، لكنه كان يُرى حزيناً أسيفاً.
لما دخلت إلى الضريح، دخلت منتعلاً، وكان هذا أمر ممنوع، ولكننا دخلنا بالنعال غير مبالين، فظن الشيبة أننا من الطالبان فسكت، ودخلت إلى المزار فلم أرَ لوحات شركية ولا أي أشياء شركية لم أرَ إلا لوحة واحدة مكتوب فيها حديث: " كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكِّر الآخرة "، مع لوحة أخرى مكتوب عليها: " من جاء إلى هذا القبر متوسلاً به أو مستشفعاً به أو مستمداً به فجزاؤه القتل "، ففرحت فرحاً شديداً، وقلت: هذا والله الأمر الذي كنا نطلبه من قبل، فخرجت أخاطب الشيخ الحارس، وقلت له: أين الزوار واللوحات وصناديق النذور، أين هي؟ فظن الرجل أنني قبوري حزنت على ما جرى للقبر، فقال: اسكت، هؤلاء طالبان لو سمعوا بك فإنهم يقتلونك، هؤلاء كفرة وهابية منعوا كل هذه الأشياء. ففرحت فرحاً شديداً، ثم نصحته بعد ذلك، فلما فهم أن رأيي من رأي طالبان حزن، وقال: نعم! هم يقولون مثل ما تقول. ثم ذهبت تاركاً المزار وذهبت إلى السوق فلم أرَ امرأة واحدة متبرجة، وقبل ذلك كانت كابول التي أعرفها، كان التبرج منتشراً فلما جاءت الطالبان منعوا كل هذا، ومنعوا النساء من العمل في الدوائر الحكومية كلها، في الأول أعلنوا أن كل أمرأة تعمل وتحصل على راتب ستعطى راتبها على أن تجلس في بيتها إذا كانت تربي أيتاماً. ورأيت أنهم منعوا الأغاني والفجور.
أمضيت في كابول أسبوعاً وبعده أردت أن أرجع من كابول، فجئت إلى الموقف الذي كان فيه الكيس عند المطعم فلم أجده، وأثناء انتظار السيارة، سألت صاحب المطعم: كان هناك من عدة أيام كيس هنا أين ذهب؟ قال لي: يا شيخ! لهذا الكيس قصة عجيبة. قلت وما هي؟ فقال: هذا الكيس لواحد من الرجال جاء من بيشاور بباكستان، وكان بيته في هيرات فلما نزل في كابل نسي الكيس وذهب، والبارحة جاء وأخذ الكيس، وكان الكيس موكأً ومربوطاً بخيط، فلما فتحه ظهر أنه كان مملوءاً بالفلوس، فمازحته وقلت: وأين كنت أنت طيلة هذه المدة، كنت ميتاً أو نائماً؟ فقال: يا شيخ! طالبان يمسكونني ما أحد يجرؤ على ذلك؛ لأن طالبان يختبئون هناك وينظرون من يمد يده بالسرقة فيقطعونها. هذا الأمر أيضاً رأيته.
فلما رجعت إلى بيشاور، ألقيت خطبة الجمعة، وقلت فيها: إن طالبان أحسن بكثير ممن كانوا قبلهم. فأُخبر بذلك بعض زملائي وقالوا: يا شيخ! كيف ألقيت الخطبة؟ فقلت لهم: على السُّنة وما فيها من الواجبات والسنن، قالوا: لا نريد هذا، لكن ماذا قلت عن طالبان؟ فقلت: الذي رأيتم، فقالوا: كيف تقول هذا وهم مشركون؟ قلت: والله شيء عجيب! كيف هم مشركون وقد رأيتهم منعوا المراكز الشركية، هم قضوا على الشركيات، هذا رباني نفسه رفع الراية لمزار شريف في عيد النيروز في عهد حكومته.
فقلت له: إذن هم فعلوا هذه الأشياء من منع المراكز الشركية، وأنتم ما فعلتم وقلتم إن الحكومة الإسلامية لا تأتي بطرق أوتوماتيكية، ولكنهم لما وصلوا فعلوا هذا الشيء؛ فكيف هم مشركون؟! ثم قلت: والله إن الإنسان في هذه الدنيا يحتاج إلى شيئين: إلى الأمن للتعايش في الدنيا، والإيمان للتعايش في الآخرة، وهؤلاء الطالبان وإن يقال عنهم في إيمانهم شيء، لكن والله جاؤوا بالأمن ونطمع ونتوقع أن يجيئوا بالإيمان أيضاً، أما أنتم فلم تجيئوا بالأمن ولا بالإيمان، هكذا قلت، فانتشر هذا الكلام بين المهاجرين والمجاهدين.
أنتهى كلام الشيخ عند قوله المهاجرين و المجاهدين
و ما أدراكم ما المهاجرون و المجاهدون
أنتظروا منى المزيد
__________________
عن عقبة بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال)
آخر تعديل بواسطة جاءنا بيان ، 15-09-2005 الساعة 07:35 AM.
|