وتكشفت تلك العمليات ــ بحسب المراقبين ــ عن بعض التحولات المهمة على الصعيد العسكري، تمثلت في انتقال مسرح العمليات من جنوب أفغانستان ــ البيئة الأم للحركة وعناصرها ــ إلى شمال أفغانستان حيث تتركز قوات التحالف الشمالي، وهي المنطقة المعروفة تقليدياً بضعف نفوذ وسيطرة طالبان فيها
وقد أخذ هذا التحول بعداً تنظيمياً من خلال تعيين طالبان قائداً عسكريا لولاية "فارياب" على الحدود الأفغانية مع تركمانستان ــ الملا محمد عاصم متقي ــ بالإضافة إلى نائبين آخرين له بهدف تصعيد العمليات ضد قوات الشيوعي عبد الرشيد دوستم، مع التركيز في الجبهة الجنوبية على قوات الاحتلال الغربية ، كما هزت موجة من الهجمات شملت 14 تفجيراً جنوب وشرق أفغانستان ــ سجلت خلال الأشهر الأخيرة ــ وشهد إقليم "هلماند" الجنوبي معارك شرسة بين القوات الحكومية ومقاتلي الحركة
وصرح حاكم ولاية "هلماند" انه كاد أن يقع في أسر طالبان عندما احاط 200 من مقاتلي الحركة به وحرسه البالغ عددهم 100 عنصراً في أشرس قتال تشهده المنطقة ، وتتوقع القوات الأجنبية الموجودة في البلاد المزيدَ من العمليات العسكرية خلال المرحلة القادمة بالنظر إلى تصعيدِ الحركة من هجماتها. وكان وزير الدفاع الأمريكي، دونالد رامسفيلد، اعترف بأنَّ هجمات المقاتلين لا تزال مستمرة، كما أكد أنَّ الطلعات الجوية التي تقوم بها القوات الأمريكية والأفغانية ضعيفة التأثير في مواجهة المقاتلين، وقال في هذا السياق : "عندما لا يكون لديك قوات كبيرة تتحرك على الأرض، أو لا تكون قوات العدو مركزة في تجمعات كبيرة، فإنَّ الغارات الجوية تكون ضعيفة التأثير"
2ــ حصول الحركة على أسلحة متقدمة من جهات خارجية
ويرجع المراقبون النقلة النوعية في عمليات طالبان الهجومية، إلى حصول الحركة على أسلحة متطورة، وخاصة صواريخ (أرض- جو) ومعدّات أخرى معقدة، وتقنية في غالبيتها روسية وصينية الصنع، الأمر الذي من شأنه أن يعطي طالبان أبعاد وقدرات إستراتيجية في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكية
وأظهرت عمليات نفذتها طالبان مدى ما يتمتع به عناصر الحركة من قدرة على استخدام صواريخ الأرض ــ جو، بينما أشارت مصادر إلى أن مقاتليها يمارسون تدريبات على أسلحة أكثر تعقيداً. وترى المصادر أن صواريخ "سام" الروسية والصينية أصبحت متوفرة وبأسعار زهيدة، وأن أفغانستان صارت سوق رئيسة لهذه الصواريخ، رغم وجود الاحتلال بعدته وعتاده، وتزعم بعض المصادر أن كل عملية اختطاف في أفغانستان تنتهي بإطلاق سراح رهينة، تحصل طالبان منها على شاحنتين محمّلتين بالأسلحة. الأمر الذي يعني تأمين الحركة لمصادر التسلح، وتعدد هذه المصادر
مقاتلو طالبان والقاعدة عادوا للظهور
ويؤكد المراقبون على أن الأسلحة المتوفرة لدى حركة طالبان هي أسلحة متطورة نسبياً وباهظة الثمن في الوقت نفسه، وهو ما أشار إليه شريط بثّته قناة "العربية" وتضمن صوراً لمقاتلين عرب وأفغان وأجانب يتهيئون لقصف مواقع أمريكية، ومزودين بأسلحة متطورة لا يمكن أن تكون متاحة بسهولة في أفغانستان
3 ــ تنامي التحالفات السياسية والعسكرية للحركة في الداخل والخارج
مع دخول قوات الاحتلال الأمريكية الأراضي الأفغانية تحول زعيم (الحزب الإسلامي) قلب الدين حكمتيار نوفمبر 2002 من أشرس خصوم حركة "طالبان" والعدو اللدود لوجودها إلى حليفها الرئيس في هذه المواجهة المصيرية مع الغزاة ، ويعد حكمتيار واحداً من أقوى الزعماء الأفغان، وتأتي أهمية تحالفه مع طالبان في ضوء القدرات المالية، والخبرة العسكرية، والعملياتية المهمة التي تتمتع بها قواته، والتي تكونت خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي، وكان حكمتيار أبرز زعماء المجاهدين آنذاك ، وبقدر ما تتمتع به قوات حكمتيار من تسلح جيد، فإن له قدرة كبيرة علي التأثير في الأغلبية السنية الباشتونية، فضلاً عن تمتعه بتأييد بعض العناصر الراديكالية داخل الجيش الباكستاني.
4ــ القبول الشعبي للحركة داخلياً في مقابل كراهية الاحتلال
ونشير هنا إلي نجاح طالبان في خلق إمتدادات وجذور قوية لها في البيئة الأفغانية والإقليمية المحيطة، خاصة داخل الحدود الباكستانية والإيرانية
وبرزت حالات تذمر كبيرة داخل الشعب الأفغاني ضد العمليات العسكرية الأمريكية بسبب الإصابات التي توقعها في صفوف المدنيين، وهو ما دعا الرئيس الأفغاني "حامد كرزاي" لأن يطلب من الأمريكيين وقف طلعاتهم الجوية، وحملات التفتيش في القرى، وذلك لتهدئة المواطنين الأفغان. وبدا من تصريحات كرزاي أنه يهدف لإستمالة الحركة لتهدئة عملياتها العسكرية، كما وضح أنه يأمل ــ من جانب آخر ــ في أن تلقى مواقفه صدًى لدى أوساط عشيرته "البشتون"، فالغارات الجوية وعمليات التفتيش التي تقوم بها قوات الاحتلال الأمريكية في الجنوب والشرق أثارت سخط المواطنين في هذا الإقليم الذي يعتبر من المعاقل التقليدية لحركة "طالبان"
ولم يكن الشعب الأفغاني بعيداً في ضوء المقارنات التي يقوم بها أبناء هذا الشعب بين وضعه الراهن ومرحلة طالبان التي تحظى بتقديرات إيجابية، خاصة فيما يتعلق بمستوى الاستقرار، والأمن، والتوازن السياسي، وتوافر الحاجات الأساسية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ناهيك عن تزايد كراهية الوجود الأجنبي بين الأفغان ، ومن الدلائل العملية على مدى ما تتمتع به طالبان من قدرات تكنولوجية وحركية وقبول بين الشعب، قيامها بإعادة إحياء "إذاعة الشريعة" التي كانت وسيلة الإعلام الوحيدة إبان سنوات الحكم
حيث عادت الإذاعة للبث، لتغطي أقاليم وسط البلاد، كما يمكن التقاطها في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان
واعتبر إعادة إحياء "إذاعة الشريعة" في حينه، والذي تم بنصب هوائيات بث في مناطق عدة من قبل فنيين ومهندسين تابعين لطالبان، رد على تصريحات كان قد أدلى بها الجنرال "ديفيد بورنو" القائد العام لقوات الاحتلال، وزعم فيها أن الحركة تفتقد للدعم الشعبي وأنها باتت ضعيفة، وإلى إنتهاء
وقد وصف المتحدث باسم الحركة، عبد اللطيف حكيمي، إعادة بث إذاعة الشريعة بالتطور اللافت الذي يؤكد أن طالبان لا تزال قوية، ومنظمة للغاية، الأمر الذي يفضح الأكاذيب الأمريكية بأن طالبان قد انتهت. وكانت الإذاعة قد بدأت البث بإذاعة بيان للملا محمد عمر بقراءة أحد مذيعيها، حثّ فيه الأفغان على مواصلة الجهاد
5ــ الفشل الأجنبي الواضح في المواجهة
وفي خضم المعارك المستمرة والمتلاحقة من قبل طالبان ــ الحركة الإسلامية التي ترى في التهدئة مع المحتل ذنب وكبيرة تتنزه عنها بدوام القتال ــ لم يستطع الأمريكيون إخفاء الإعتراف بالفشل في مواجهة الحركة وما تبديه من شراسة واستبسال في المواجهة ، وهو ما بدى في العجز الأمريكي عن القضاء على الحركة، أو الوصول إلى قادة أشرس مقاومة عسكرية ضدها في آسيا (الملا عمر ، أسامة بن لادن ، أيمن الظواهري ، قلب الدين حكمتيار)، حيث لم تفلح تلك القوات الأجنبية بما تتمتع به من تكنولوجيا حديثة وعتاد في العثور على أي من هؤلاء القادة، رغم عمليات المطاردة التي تشنها منذ خمس سنوات بمعاونة الجيش الباكستاني والقوات الحكومية الأفغانية ، وفي هذا الإطار
كان زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، بث شريط مسجل قال فيه : إن القوات الأمريكية خسرت الحرب في أفغانستان، وستغادرها كما أنهم فقدوا معنوياتهم في العراق ، وحث الشعب الأفغاني على الانضمام للجهاد، وإعلان الحرب المقدسة ضد القوات الأجنبية لطردها من البلاد. وقال : "إن المقاومة وصلت إلى مرحلة بحيث أصبح من المستحيل القضاء عليها".