هل بدأت الغولة بأكل أولادها ؟؟
هل بدأت الغولة بأكل أولادها ؟
لا أدري من أين كانت عجائزنا ، تستوحي قصصا للأطفال ، هل كانت تكثف تجارب الحياة الطويلة لأجيالهم و الأجيال التي سبقتهم ، فصيغت بشكل قصص ليتم تناقلها للاستفادة من العبر التي ترمي اليها تلك القصص !
لكن قصة ( الغولة ) التي كانت تسرق أطفال البشر ، وتعتني بهم طويلا ، وتأتي لهم بالطعام من لحوم وطيور و فواكه ، ليأكلونها ، ويسمنوا ، ثم تقوم (الغولة ) فيما بعد بأكل الأطفال .. ان هذه القصة تثير التساؤلات ، وهي من أتت تلك الحكمة بتلك القصة ، طالما لم يكن الغول الا كالخل الوفي من المستحيلات !
كان الأطفال المسروقين ، يبدءون بالتعود على الغولة شيئا فشيئا ، ويعتبرونها أما لهم ، طالما أنها تقدم لهم ما يحتاجون ، دون جهد منهم ، فكانت ، حتى لو تركت لهم باب المغارة مفتوحا ، لا يهربون !
عندما كان أجدادنا ، يرهنون حياتهم على كدهم و جهدهم ، ولم يعملوا الا عند أنفسهم في الرعي و الزراعة والأعمال اليدوية ، لم تكن حياتهم الشاقة تلك ، أكثر من راحة أحفادهم .. ولكنهم كانوا يحيطون حياتهم القاسية بمعرفة حدودها الواضحة ، فلم تشغلهم الأماني و التأملات عن كدحهم المستمر ..
وعندما تولت الحكومات العربية ، تخزين الحبوب ، وطحنه و توزيعه على المخابز . وتولت تجنيد الناس في جيوش الشرطة و الجيش و التربية والتعليم والمشاريع الفاشلة الكثيرة .. هجر الناس حياتهم العملية ، وركنوا الى الاعتماد على دولهم ، فلو لم يلقى أحدهم عملا ، أمضى سنينا طويلة في الانتظار و التوسط ، عسى أن يلقى عملا حكوميا .. ليرتاح و ينعم بالحياة الآمنة ..
ولما كانت أعمال من هم في الدوائر الحكومية ، هي في معظم الحالات ، أعمال غير منتجة ولا ينتج الموظف في كثير من الأحيان عشر ما يستلم من رواتب ، تلك الرواتب التي معظمها تأتي من خلال الهبات ، التي تهبها الطبيعة من أعماقها أو الدول المانحة الطامحة ، كرشاوى سياسية ، لإبقاء الحال مائل ..
وعندما كثر التفنن بطرق الصرف ، خصوصا عند تلك الحكومات التي تعتمد على الهبات ، فأخذت تتصرف و كأنها إمبراطوريات غنية ، فتجد مدراء هامشيين ، يركبون أفخر السيارات ، وتجد الدائرة التي تحتاج الى خمسة موظفين بها خمسين موظفا .. عند ذلك شعرت تلك الدول بأن محيطها العميق قد ظهرت الحصى التي في أسفله جليا !
فاعتمدت زيادة أسعار المحروقات ، مرة ومرتين وثلاثة ، في أكثر الأقطار العربية ، و أخذت تفكر بخصخصة التعليم و الصحة ، و تيقنت أن أبناء ( الغولة) قد افتتنوا بأمهم .. فتوقفت عن تجنيد الناس في الشرطة والجيش والوظائف الحكومية ، ليس لأنه لم يبق في الميزانيات ما يمكن الصرف لهم ، بل لأنهم بدا عليهم القبول في أن يصبحوا طعاما لأمهم ( الغولة ) !
__________________
ابن حوران
|