مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 28-07-2006, 05:22 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

(15)

لو جلس أربعة مقامرين ، كل واحد يملك مائة دينار ، فإن كل حالات اللعب لن تجعل مجموع ما معهم أكثر من أربعمائة دينار ، فقد يكسبها الأول أو الثاني أو أي واحد ، لكنها لن تزيد . تلك الحالة نجدها في أي نوع من الصداقات فإن كان كل الأصدقاء ، يتصفوا بقلة إمكانياتهم الثقافية ، فلن تتطور مهارات وممتلكات أي واحد منهم من المعلومات الثقافية ..

في العتيقة ، لم يكن للنقد قيمة ، بل كان للعرق ( الجهد ) قيمة ، ولا زلت أذكر أن الليرة الذهبية ( العصملية ) كانت تقل بقيمتها عن الدينار المحلي ، لا تستغربوا ، فاقتناء الذهب ، دائما يأتي على هامش فائض المدخرات ، فكانت كل البلاد تعاني من ذلك .. فلا قيمة للذهب ، أو له قيمة ولكن لا أحد يدرجه مع أولوياته ..

كان أكثر من خمس و تسعين بالمائة من أهل العتيقة يعملون بالفلاحة ، وكان همهم كما ذكرنا يقتصر على تلبية الحاجات الأساسية من سكن وقوت ولبس و الحفاظ على أنفسهم من الانقراض . لم يكن الادخار يشغل بالهم ، وكذلك النقد أو ما يدل عليه . فكانوا يتبادلون بالمبادلة بقرة بنصف طن ( قنطارين ) من الحنطة ، عروس بقطعة أرض ، قليل من الحلو الذي يحن إليه الأطفال بدل بيضة دجاج ، وهكذا ..

لم يكن في البلدة الكثير من الحرف و المهن ، كان بها مجموعة من الدكاكين ، ومحل لصناعة (الفروات ) ، ومحل للبيطار لتبديل حذوات الخيل ، أو علاجها ، ومحل لصناعة ( الجلالات ) أي ما يوضع على ظهر البهائم ، ومحل لصناعة (الهريط ) وهو عمل كانت تطبخ به عظام (الجمال ) ليستخرج منها محلول غروي يشبه ( الجلي ) .. يفطر عليه بعض الناس .. ومحل لتصليح (البوابير) كان صاحبه يسمى ب (السمكري ) لتصليح مشاعل الطبخ و الفوانيس و غيرها ، ومحل لخياطة ملابس الرجال ، ولم يكن يحتاج لفنون كثيرة ، فهي ملابس أشبه بالأسطوانات ، مع بعض الإضافات البسيطة ..

أما الدكاكين فكانت في البداية لتجار قدموا من ( الشام ) أو ( القدس ) ، ثم تركوا القرية لعدم ملائمتها لطموحاتهم . ثم أصبحت ملكيتها لأبناء العتيقة ، كان فصالها و شكل ديكورها الداخلي موحدا ، فكان لها مصطبة خارج بابها ، بارتفاع نصف متر ، يجلس عليها الرجال في أوقات فراغهم وما أكثرها ، يتحادثون ويشهدون على عمليات المبايعة القليلة . ويلعبون (المنقلة ) وهي قطعة خشب جوز سميكة محفور بها عدة حفر ، توضع الحصى في كل حفرة وفق نظام يعرفوه ، أو يلعبون ( القطار ) أو ( الياس وديس ) وهي لعبة يرسمونها على سطح بثلاث مربعات داخل بعضها البعض ، ثم يوصلون خطوطا تخترق أواسط الأضلاع ، فيضعون تسع قطع من الحصى لكل لاعب تختلف ألوانها من لاعب لآخر ، ويحركون الحصى بالتناوب حتى يكسب أحدهما .

أما داخل الدكان ، فكنت تصادف مصطبة أخرى عند الباب ، يتمدد عليها البائع لندرة المشترين ، ويفصل المصطبة عن جسم الدكان ( مد ) خشبي يوضع فوقه الميزان ، ومن خارج هذا المد تجد (شوالات ) غير ممتلئة بها من أصناف الحبوب ، وهي عادة تزيد في محتوياتها ، ولا تقل ، لأن ما بداخلها كان نتيجة دفع الزبائن أثمانا لما اشتروه .. وعندما تمتلئ تلك العبوات يأخذها صاحب الدكان الى مخزن أو يبيعها لتجار الحبوب ..

أما البضائع التي كانت تكون باستمرار في الدكاكين ، فكانت السكر والشاي والصابون و بعض أدوات المطابخ كالمنخل و السكين و ملاقط الغسيل وليف الحمَام ، وحجار النيلة وأبر الخياطة ، والملح والفلفل و القهوة والهال و أنواع من الحلويات التي انقرضت ك ( القوم والقنبز والكعكبان و الراحة والفيصلية ) ، وكانت توضع في ( مرتبانات لها أغطية تصف على الرفوف ..وأحيانا تجد بعض الفواكه كالعنب والتين الخ ..

إن أجواء كهذه كانت تجمع الذباب ، فكنت تلاحظ شريطا لاصقا يتدلى من أعلى الدكان لارتفاع أعلى من الرأس بقليل ، وقد التصق به الذباب حتى أصبح لونه أسودا أو لونا (ذبابيا ) ..

هناك نوع غريب من علاقات البيع والشراء كنت لا أفهمه كثيرا ، حيث كان يتجول في البلدة ، أناس غرباء ، يركب أحدهم حصانا أو حمارا ، ويبيعون الزيت و الأقمشة أو يصيحون ( مبيض .. مبيض ) وكان من يصيح يهتم بمعالجة أواني الطبخ النحاسية التي مر عليها وقت دون تبييض . كما كان أحدهم يصيح ( رشادي .. غوازي ) .. وكان يبيع الصيغة ( أي الحلي الذهبية والفضية ) .

الأمر الذي كنت أستغربه ، هو أن من يبيع الصيغة ، كيف كان يأتمن على ماله وحليه في الطريق من قطاع الطرق ، فاكتشفت في وقت متأخر ، أنه كان يودع حصانه عند أحد أهالي العتيقة ويأتي بالباص ، مقابل شيء يتفق عليه .

كما كان هناك قسم من الغجر يأتون في مواسم الحصاد ، ويبيعون أدوات يحتاجها الفلاحون في أعمالهم كالغرابيل و الكرابيل و المقاطف و المذاري والشواعيب ، وغيرها من تلك السلع ..

وقد رأيتهم كيف يصنعون الغرابيل (جمع غربال ) والكرابيل ( جمع كربال ) وغيرها .. فبعد أن يعالجوا الخشب بالماء والحرارة ويجعلون منه دائرة . يكونوا قد قاموا باستغلال أي جلد حيوان يلقوه ، سواء كان ميتا أو مذبوحا ، فيدبغوه ، ويجففوه تحت الشمس مثبتينه بأعواد ترتفع قليلا عن الأرض ، ثم يقددون الجلد ليعملوا منه خيطانا جلدية يدخلوها في ثقوب (الطارة ) الخشبية ويشدونها فتصبح جاهزة .. وكانوا يفهموا بالقياسات ، فتلك للقمح وتلك للشعير وتلك للحمص الخ ..

لم يكن أحد يفكر بتطوير عمله ، فالتقنيات محدودة ، والعادات المهنية قد تكون ممتدة الى آلاف السنين السابقة ، فقد يكون الشكل الذي رأيناه في منتصف القرن العشرين يشابه لحد كبير ما كان سائدا في العصر العباسي ، وقد يكون صدر الدولة العباسي يتفوق على ما شاهدناه في منتصف القرن العشرين في العتيقة .. حيث لم تكن علاقات الإنتاج التي كانت بوادرها قد تكونت في عصر المعتصم وما تلاه ، فقد كان هناك شيخ لكل مهنة يحتكم الممتهنون عنده في حالات الخلاف .. وتطورت حركة القرامطة لتفرز شكلا له طابع سياسي في بعض الأحيان .. أما في العتيقة ، فكان الاجتهاد هو الحكم في الخلافات ، فيبدو أن الناس لم يكونوا مطلعين على تجارب من قبلهم أو من يجاورهم من التجمعات السكانية الأكثر تقدما ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 22-06-2006, 05:13 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الأخت الفاضلة أوركيدا .. أشكر لك المرور الكريم والكلمات الطيبة

الأخ الحبيب يتيم الشعر .. بارك الله بك لما أضفت من كلام رائع
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 30-09-2006, 02:04 PM
أوراق الخريف أوراق الخريف غير متصل
وداعا خيميتي الحبيبة
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2004
المشاركات: 1,892
إفتراضي

اخي ابن حوران
هاذا الكتاب او هذه القصة اعادت لي زكرى في قلبي
عن بيت ترعرت به مع جيرانه الذين كانو يفقون عمري ب ستين او سبعين عاما
وكنت بينهم كالاعوبة بين يديهم وكانو لي هم التاريخ كله
ظننت انني سوف انقش اسمي على جدران تلك الدار واعد يوما واشم رائحة سكانه
ولكنني عدت ولم يكن له اثار
سبحان الله اخي انني متشوقة لااتابع حلقة بحلقة عن موضوعك واعود لااسقي تلك الازهار العتيقة
واقول لها
لا تبكي يا ازهار الدار هي انا عدت ارويك
تحياتي لك اخي ولي عودة لو سمحت لي بعد انتهائي من قراءة ما كتبت
تسلم يداك
__________________

شكرا لك اخي ابو معاذ على التوقيع
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 09-10-2006, 04:23 PM
Orkida Orkida غير متصل
رنـا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 4,254
إفتراضي

رائع أخي الغالي إبن حوران،
وننتظر التتمة

حبيبتي أوراق، هي هيدي حال الدني
بس زكرى..... ولاشيئ يعود كما كان
دمتم بخير
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 24-10-2006, 08:36 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

( 20)

هناك أمور يحير بها المرء كثيرا .. فعندما ترى رجلا يكدح ليلا نهارا، من أجل أن يؤمن لقمة لطفل صغير ويحرم نفسه من الكثير من الأشياء، فإنك تحير بذلك السلوك .. وعندما ترى طيرا يهيم على وجهه ليلتقط رزقا يضعه في فم مخلوق صغير ينتمي له، وأمه ترقد معرضة نفسها لهجوم الضواري والأفاعي فإنك ستحير أيضا، والكثير من تلك الظواهر التي يستسلم لها المرء في النهاية ليقول إنها إرادة الله ويصمت .

في كثير من الظواهر الأخرى التي لا تنتمي الى النوع الأول، تكون الأعراف أو العادات أو الضرورات الحياتية هي ما تكمن كمسببات وراء تلك الظواهر، فلماذا يتخصص القط بملاحقة الفأر ولماذا يتخصص الكلب في ملاحقة القط، فهذه ستكون من مهام العلماء المتخصصين في تلك الشؤون ..

أما أن يقوم الإنسان على خدمة الحيوان، ويبذل قصارى جهده في تلك الخدمة فهذا ما لم أعرف سره كما لن يعرف سره من يعيش في أيامنا هذه، قد يتعجل أحدنا عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويجيب على الفور إجابات لم يبذل بها أي جهد، أو أنه لم يجرب مراقبة هذا النوع من الخدمات في حياته ..

في بعض القرى الجبلية واللواتي لا تكون ملكيات المواطنين فيها من السعة بمكان، قد يصدف أحدنا فلاحا يحرث مساحة لا تزيد عن 500متر مربع هي كل ما يملك، وتكون وسيلة الحرث بواسطة حمارا ضئيل الحجم، ولو توقفنا بجانب ذلك الفلاح، وسألناه : كم تتوقع أن يأتيك ناتجا من هذه المساحة، لتردد وتعصب قبل أن يجيب ، ولكن على السائل أن يتحلى بالصبر ويكرر على الفلاح السؤال، فإنه سيحصل على إجابة بأن الناتج لن يغطي كلفة اقتناء الحمار لمدة شهر، وإن واجهنا الفلاح بما استخلصنا من عدم جدوى اقتناءه لبادر بطردنا على الفور .

في العتيقة لم تكن تمر ساعة دون أن يكون للحيوانات ذكر في الأوامر أو القصص أو العمل نفسه، ومن يتفحص مكونات ذلك الاهتمام لاستنتج على الفور عبثية تلك العلاقة .

فكنا نسمع أسئلة رب المنزل لذويه : هل أسقيتم (الَطرشَات ) وهي كلمة تدلل على الحيوانات المنزلية من أبقار و خيل وحمير وغيرها .. هل (كربلتم ) التبن للطرشات ، أي هل أزلتم التراب والشوائب من التبن لتقدموه للحيوانات .. هل نظفتم تحت الطرشات .

هذا بالإضافة الى أن الآبار التي تكون في ساحات المنازل، لا يشرب أهل المنزل منها، لأنها تلوثت ببقايا روث الحيوانات، وعليه فإنه يتوجب أن يحضروا ماء شربهم من مكان لم يتلوث ببقايا الحيوانات، صحيح أنهم سيستخدمون الحيوانات لنقل الماء، لكن لولا وجود الحيوانات لوفروا هذا الجهد وتناولوا ماءهم عن قرب ..

وإذا جاءت سنين قحط (محل) فإن قسم من السقوف ستزال من مكانها، وسيؤخذ التبن لتغذية تلك الحيوانات، ومن الطبيعي أن طبقة بسمك نصف متر تقريبا قبل ضغطها والتي كانت توضع بالسقوف ستحل مشكلة تغذية الحيوانات لعدة أسابيع، وعلى أصحاب تلك الحيوانات أن يعيدوا ترتيب السقوف في وقت لاحق ، وهو جهد لولا الحيوانات لن يحدث ..

هناك حالة أخرى كنا نراها عند تغذية العجائز لصيصان ( صغار الطير) في حالات الديك الرومي، فتشوي العجوز بيضا و تخلطه ببعض القمح المجروش، وتغذي تلك الكائنات الحية به، في حين يجلس الأطفال يسيل لعابهم دون أن يحصلوا على مثل هذا الغذاء الخصوصي ..

في أيام (الدراس ) أي سحق القش لاستخلاص الحبوب منه، يقضي الفلاحون مدة شهرين وأكثر حتى ينجزوا تلك العملية. صحيح أنهم كانوا يستخدمون الحيوانات في تلك العملية، لكن كل أو معظم ناتج تلك العملية ستأكله الحيوانات نفسها، فمن المستفيد بالدرجة الأولى ؟ إنها الحيوانات .. ومن يستخدم من ؟ إنها الحيوانات التي كانت تستخدم الإنسان، ولكنه كان يخدمها دون أن يسأل أو حتى يفكر .. هكذا وجدوا آباءهم !

ولو نفق حيوان ( مات) فإن الحزن عليه سيفوق الحزن على أحد أعضاء المنزل من البشر، وسيكون حديث الناس لعدة أيام هو كيف أن فلان قد فقد حماره بالموت، ولكنهم لم يعملوا له بيت عزاء، وهو أمر لن يعترضوا عليه لو بادر أحدهم ذات يوم واخترع مثل هذا التقليد ..

كانت الأدوات وحتى المفردات اللغوية المختصة بالحيوانات تفوق تلك التي تستخدم للبشر، ففي حين لم تكن تجد طبيبا واحدا للبشر في عشرين قرية، كنت تجد في كل قرية بيطارا يهتم بصحة الحيوان. وستجد من يفصل لها الرسن والجلال ( غطاء الظهر) والمرشحة ( للخيل) و غيرها ..

لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #6  
قديم 24-10-2006, 10:18 PM
*سهيل*اليماني* *سهيل*اليماني* غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,467
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة ابن حوران
( 20)

هناك أمور يحير بها المرء كثيرا .. فعندما ترى رجلا يكدح ليلا نهارا، من أجل أن يؤمن لقمة لطفل صغير ويحرم نفسه من الكثير من الأشياء، فإنك تحير بذلك السلوك .. وعندما ترى طيرا يهيم على وجهه ليلتقط رزقا يضعه في فم مخلوق صغير ينتمي له، وأمه ترقد معرضة نفسها لهجوم الضواري والأفاعي فإنك ستحير أيضا، والكثير من تلك الظواهر التي يستسلم لها المرء في النهاية ليقول إنها إرادة الله ويصمت .

في كثير من الظواهر الأخرى التي لا تنتمي الى النوع الأول، تكون الأعراف أو العادات أو الضرورات الحياتية هي ما تكمن كمسببات وراء تلك الظواهر، فلماذا يتخصص القط بملاحقة الفأر ولماذا يتخصص الكلب في ملاحقة القط، فهذه ستكون من مهام العلماء المتخصصين في تلك الشؤون ..

أما أن يقوم الإنسان على خدمة الحيوان، ويبذل قصارى جهده في تلك الخدمة فهذا ما لم أعرف سره كما لن يعرف سره من يعيش في أيامنا هذه، قد يتعجل أحدنا عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويجيب على الفور إجابات لم يبذل بها أي جهد، أو أنه لم يجرب مراقبة هذا النوع من الخدمات في حياته ..

في بعض القرى الجبلية واللواتي لا تكون ملكيات المواطنين فيها من السعة بمكان، قد يصدف أحدنا فلاحا يحرث مساحة لا تزيد عن 500متر مربع هي كل ما يملك، وتكون وسيلة الحرث بواسطة حمارا ضئيل الحجم، ولو توقفنا بجانب ذلك الفلاح، وسألناه : كم تتوقع أن يأتيك ناتجا من هذه المساحة، لتردد وتعصب قبل أن يجيب ، ولكن على السائل أن يتحلى بالصبر ويكرر على الفلاح السؤال، فإنه سيحصل على إجابة بأن الناتج لن يغطي كلفة اقتناء الحمار لمدة شهر، وإن واجهنا الفلاح بما استخلصنا من عدم جدوى اقتناءه لبادر بطردنا على الفور .

في العتيقة لم تكن تمر ساعة دون أن يكون للحيوانات ذكر في الأوامر أو القصص أو العمل نفسه، ومن يتفحص مكونات ذلك الاهتمام لاستنتج على الفور عبثية تلك العلاقة .

فكنا نسمع أسئلة رب المنزل لذويه : هل أسقيتم (الَطرشَات ) وهي كلمة تدلل على الحيوانات المنزلية من أبقار و خيل وحمير وغيرها .. هل (كربلتم ) التبن للطرشات ، أي هل أزلتم التراب والشوائب من التبن لتقدموه للحيوانات .. هل نظفتم تحت الطرشات .

هذا بالإضافة الى أن الآبار التي تكون في ساحات المنازل، لا يشرب أهل المنزل منها، لأنها تلوثت ببقايا روث الحيوانات، وعليه فإنه يتوجب أن يحضروا ماء شربهم من مكان لم يتلوث ببقايا الحيوانات، صحيح أنهم سيستخدمون الحيوانات لنقل الماء، لكن لولا وجود الحيوانات لوفروا هذا الجهد وتناولوا ماءهم عن قرب ..

وإذا جاءت سنين قحط (محل) فإن قسم من السقوف ستزال من مكانها، وسيؤخذ التبن لتغذية تلك الحيوانات، ومن الطبيعي أن طبقة بسمك نصف متر تقريبا قبل ضغطها والتي كانت توضع بالسقوف ستحل مشكلة تغذية الحيوانات لعدة أسابيع، وعلى أصحاب تلك الحيوانات أن يعيدوا ترتيب السقوف في وقت لاحق ، وهو جهد لولا الحيوانات لن يحدث ..

هناك حالة أخرى كنا نراها عند تغذية العجائز لصيصان ( صغار الطير) في حالات الديك الرومي، فتشوي العجوز بيضا و تخلطه ببعض القمح المجروش، وتغذي تلك الكائنات الحية به، في حين يجلس الأطفال يسيل لعابهم دون أن يحصلوا على مثل هذا الغذاء الخصوصي ..

في أيام (الدراس ) أي سحق القش لاستخلاص الحبوب منه، يقضي الفلاحون مدة شهرين وأكثر حتى ينجزوا تلك العملية. صحيح أنهم كانوا يستخدمون الحيوانات في تلك العملية، لكن كل أو معظم ناتج تلك العملية ستأكله الحيوانات نفسها، فمن المستفيد بالدرجة الأولى ؟ إنها الحيوانات .. ومن يستخدم من ؟ إنها الحيوانات التي كانت تستخدم الإنسان، ولكنه كان يخدمها دون أن يسأل أو حتى يفكر .. هكذا وجدوا آباءهم !

ولو نفق حيوان ( مات) فإن الحزن عليه سيفوق الحزن على أحد أعضاء المنزل من البشر، وسيكون حديث الناس لعدة أيام هو كيف أن فلان قد فقد حماره بالموت، ولكنهم لم يعملوا له بيت عزاء، وهو أمر لن يعترضوا عليه لو بادر أحدهم ذات يوم واخترع مثل هذا التقليد ..

كانت الأدوات وحتى المفردات اللغوية المختصة بالحيوانات تفوق تلك التي تستخدم للبشر، ففي حين لم تكن تجد طبيبا واحدا للبشر في عشرين قرية، كنت تجد في كل قرية بيطارا يهتم بصحة الحيوان. وستجد من يفصل لها الرسن والجلال ( غطاء الظهر) والمرشحة ( للخيل) و غيرها ..

لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..



اخي ابن حوران .. تقبل الله منك صالح العمل وتجاوز عن سيئه وكل عام وانت بخير ..
اكرمك الله باكرامنا وجزاك عنا كل خير ومعروف .. لما كنت بيننا اخا كريما .. ومعلما حليما ..
واجبرتني مع العيد ان اشارك في نصيبك وبديع ارجاءك .. وابدأ بموافقتك بمقولة اهل الابل عن ابلهم انها .. الفقر المحبوب ..
كما ان غالبية اهل البادية من الذين لايزالون بها او نزلوا المدن لايستغنون عنها ولابد ان يكون لاغنامهم منزال آخر يكرمونها فيه .. ويسمونها ( الحلال ) .. فترى احدهم يتركها بداية .. ومايلبث ان يعود لها وينزلها حول منزاله باحد نواحي مدينته .. ليتنفس الصعداء بها ويزين لونه ويشرق جبينه ويتهلل .. وينطلق بالبشرى اليها في كل مرة .. له بها جمال الصباح وطمأنينة المساء .. ان كان موظفا اضافها الى مصروف ابنائه .. وان كان غير ذلك يبارك الله له بها .. وكلما مر عليه ضيف اكرمه منها .. وهي قد لاتتجاوز اصابع اليد اوضعفها .. ولكنها ارتبطت بحياتهم كالماء والهواء .. كما ان اغلب من يحرم منها ولاتسمح الظروف له باقتنائها .. تجده متعكر المزاج متزايد الاوجاعه بسبب فقده لما كان يسليه ويمتع قلبه ويبهج اساريره .. كما ان الغنى عند العرب غنى النفس والسؤدد لايشترى بمال والعزة حريتهم فمابقي اذن ..
ونحن نغبطهم الان وليتنا كنا نملك الوقت لذلك ولو ملكنا الوقت لخدمنا غبارها واكرمنا نزلها .. لانها في خير ليس في شر .. كيف ونحن نرى ان اغلب الذين لايجدون مايشغلهم او يسليهم .. يمنيهم الشيطان ويزين لهم اسباب الخسران .. ولو كان عندهم ماكان عند آبائهم من حيوانات يخدمونها .. لما خدموا باموالهم اشر من الحيوانات .. وظلموا انفسهم ..
واعجبتني كثيرا هذه العجملة في قولك ..
لو قدر لأحدنا أن يعثر على أحد أبناء ذلك الجيل، والذي أظنه امتدادا لأجيال تصل الى آلاف السنين، وكان هذا المعمر قد رأى مدى التطورات التي حدثت في البلاد على كل الصعد، وتوجه أحدنا إليه بالسؤال أو بتلك الملاحظات التي أوردناها، وطلب منه تفسير للحكمة من كل هذا الحجم من الوفاء للحيوان، لضحك بصوت عال .. ولكنه لن يجيب ..
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ...

اخي الكريم ابن حوران اعلم انني لم اضف لك شيئا تجهله .. ولكني اجدك كريما في تقبل اخوتك دائما ..
__________________
]

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 24-10-2006 الساعة 10:24 PM.
الرد مع إقتباس
  #7  
قديم 12-11-2006, 06:50 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

(21)

عندما يتكلم أطفال الابتدائية بالسياسة، ويتسمع إليهم من يعتقد أنه يستطيع الإجابة على تساؤلاتهم، فإنه يغوص في بحر تساؤلاتهم، من زاوية يحن للطفولة ومن زاوية أخرى يتفقد ما تبقى من تلك الطفولة حاضرا وجاهزا في أعماقه رغم تقدم العمر، فتخبو لديه الرغبة بالتطوع لإجابتهم عن تساؤلاتهم، كما أنه لا يستطيع دوما الانتصار على الطفل السابت الحاضر في نفسه.

من تلك التساؤلات، كيف يستطيع حاكم البلاد أن يسيطر على كل تلك المساحات الشاسعة، والمدن بعماراتها العالية وذات الشقق الكثيرة، والقرى والأرياف والأزقة، والبوادي، فيجيب طفل آخر أحيانا إن تلك القدرة هي لله وحده وأنه يهبها من يشاء و ينزعها ممن يشاء.

كان من يتسمع لهذا الحوار الصغير والتساؤلات الفتية، يهم أن يقول لمن يتساءل، إنها رغبة واستعداد الأغلبية لتقبل ذلك، حيث يتركوا تلك المهمة لمن هم فيها طوعا أو قسرا، ولا يريدوا أن يفسدوا رتابة حياتهم اليومية في مناقشة مثل تلك التساؤلات ..

لكن هناك من يعتقد بعدم أحقية من في الحكم، وأن بالاستطاعة التخلص من أي حكم مهما بلغت قوته، في حالة ضبط خطط التخلص من ذلك الحكم، وقد يبالغ البعض في تسهيل مهمة التخلص من الحكم وأنها تتلخص بالإرادة فقط.

كما قد تبالغ بعض الحكومات في تضخيم أفعال بسيطة وتعتبرها أخطارا، لا بد من مواجهتها بقوة، كما فعلت الحكومة العثمانية مع فتى اسمه (عمر الفاخوري) من لبنان عندما ألف كتابا أو (كتيب) بعنوان (كيف ينهض العرب) وكان قد قرأ للفيلسوف (جوستاف لوبون) الذي كان متخصصا في الكتابة ضد اليهود وتأثر به ، فاعتقدت الحكومة العثمانية أن هناك خطرا قادما من تلك البقعة فحاصرت طرابلس وقامت بحملات شنق وصلت عدة مئات في حلب ودمشق وبيروت وطرابلس، حتى اكتشفوا في النهاية أن هذا الفتى لا يزيد عمره عن ستة عشر عاما إلا قليل ..

في العتيقة ظهرت فئة تشبه ما كان عليه عمر الفاخوري من احتقان وحماس، كانت الفئة لم تكمل منهاجها الثقافي في الفصيل السياسي الذي تنتمي إليه، حتى لم تنهي المراحل الأولى من ذلك المنهاج، فظهر على أفكارها خلط بين أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وقد استغلت تلك الفئة أنباء إنشاء حلف (بغداد) والمظاهرات التي سارت في شوارع بعض المدن العربية، فخرجت للتظاهر بشوارع العتيقة وكان يتقدمها شخص تلقب بالفوهور ومع ذلك كان محسوبا على الخط الأممي، فكان يرتقي (مقرص) ويخطب من فوقه ثم يقفز على طريقة أبطال الكاوبوي، وكان الأطفال من خلفه يهتفون : فلان راكب طيارة .. وعلان راكب حمارة .. فلان يفصم بزر .. وعلان يلقط قشر .. هذه أهم الهتافات التي كان يرددها المتظاهرون ..

استمرت المظاهرات عدة أيام بشكلها الصبياني، ثم قرر (الفوهور) أن ينقل القارمة التي تقول حدود الدولة ووضعها في طرف بين الدولة وحدود العتيقة، وفرض رسوم عبارة عن (100فلس) لكل سيارة تدخل (جمهورية العتيقة الديمقراطية) .. وقد ورد خبر عاجل في الإذاعة البريطانية التي كانت تبث من قبرص عن نشوء تلك الجمهورية التي لو انتبه أهالي العتيقة لأدخلوها في موسوعة (جينيس) كأقصر فترة حكم جمهوري بالتاريخ ..

فقد كان أحد المتطوعين من العشائر المتخاصمة قد انتهى من توصيل تقريره للعاصمة لتتحرك القوات البرية يتقدمها المشاة زاحفة زحف (النمرة و القردة) لمسافة خمس كيلومترات، متوقعة أن تلقى دفاعا صاروخيا من تلك القرية، وقد ورد لمسامعي أن اللواء الذي كان يقود تلك القوات بعد مرور ثلاثين عاما، أنه كان لديه أوامر أن يقصف العتيقة بالمدفعية قبل دخولها، لكن الخطة قد تغيرت بآخر لحظة!

جمع قادة الوحدات العسكرية الذين سيطروا بسرعة على القرية، وجوه العشائر وأمروهم أن يصطفوا بصفين مواجهين لبعضهم، ثم أمروا كل واحد أن يبصق في وجه من يقابله .. ومن يرفض كان يتعرض للضرب ..

أما الشباب (الثُوَار) فقد انهزموا الى قطر عربي مجاور، كلاجئين سياسيين، وكانوا يزيدون عن مائة ، بقي في المهجر، قسم منهم حوالي عشرين عاما، كما قد انهزم معهم من ليس له أي علاقة، عندما رأوا كم هو البطش الذي يحل بمن في سنهم عندما يلقى القبض عليه..

كان من بين الفارين شخص أشقر طويل عيناه واسعتان لكنه يغمض إحداهما نصف إغماضا، وقد اعتبره كل رجال الإعلام والصحافة الذين تجمعوا ليسألوا القادمين عما جرى في الدولة المجاورة، وما هي أخبار (جمهورية العتيقة الديمقراطية). فاختاروا ذلك الطويل الأشقر، حيث لم يعد هناك من يدَعِي بأنه على رأس الثورة، ولم يمانع الواقفون من تنصيب هذا الأشقر ناطقا بلسان الثورة، رغم معرفتهم بأنه أقرب للحمقى منه للعاقلين. وعندما توجه إليه أحد الصحفيين بالسؤال، رد على الفور بأنه في حالة جوع شديد، فجيء بطعام على الفور (له وحده) .. فطلب كوبا من الشاي فأحضروا له كوبا، فطلب لفافة تبغ، والصحفيون ينتظروا ما سيدلي به الناطق بلسان الثورة من تصريح .. ولما انتهت طلباته، وكرروا عليه السؤال أجاب: (طعة وقايمة) يعني أعلن عن عدم فهمه عما جرى .. فخرجت العناوين : وامتنع الناطق بلسان الثورة عن التصريح ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #8  
قديم 17-11-2006, 05:12 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

(22)

في كتابة العقود بين المتعاقدين، يتولى كتابة العقد محامي يظن أنه ملم بالقوانين، أو مأذون في حالات عقد الزواج، ومن أراد التملص من العقد أو التحايل عليه، قد يستعين بمحامي، أو يتفحص نقاط الجزاء في حالة المخالفة حتى يدفعها أو يتفاوض من أجلها لينهي فترة التعاقد ..

في عقود الزواج، التي يعبئها المأذون ويوثقها لدى دوائر عدلية تثبت حالة العقد وتعتبره نافذا، في الغالب يكون العقد مكونا من صفحة والقليل من التفاصيل، بل يشمل المهر المقدم والمؤجل والأثاث و مكانا لتوقيع الشهود، وليس للعقد أهمية إلا شرطيته الشرعية والقانونية..

ولكن لا توجد في عقود الزواج، شروطا تبين نسبة الملح في الطعام ولا ارتفاع صوت المرأة أو الرجل، ولا من سيحلب البقرة، ولا من سيفتح الباب إذا طرقه طارق .. ومئات الألوف من الحركات اليومية التي لا تستطيع مجلدات أن تحويها ..

في العتيقة كانت المرأة لها دور لم تنص عليه المواثيق المكتوبة، ولم يتطرق إليه خطباء الجمعة، ولم يذكره الناس في مجالسهم، لكنه تم انتشار تفاصيله مع الهواء وامتزج بدخان المواقد و(الطوابين) والتصق على جدران الحارات، وحفظه أبناء البلدة كما تحفظ صغار (السحالي) طرق المناورات من الأعداء الخارجيين، ولا أظنها أنها ( أي السحالي) قد تخرجت من جامعة أو معهد لكي تتعلم مهاراتها في فن البقاء ..

لم تكن هناك حركة نسائية مناضلة لتوصل النساء الى ما وصلت إليه، ولم تكن تتذمر النساء من وضعها، كما لم يكن الرجال يحتاجون لقطع يكتبونها على صدورهم تقول (هنا رجل) ولا النساء تحتاج الى مثل تلك القطع..

عندما كانت حاجات الإنسان معروفة ولكل سلعة وظيفة وضرورة، كان الناس يتعاملون مع تلك السلع في محلاتهم التجارية وفق تلك الضرورة والوظيفة، فالتجار كونهم من الناس، كانوا يحضرون ما يلزم للناس و يتلاءم مع إمكانياتهم، دون أن توزع غرف التجارة و روابط رجال الأعمال قوائم بتلك الحاجات، لكن لما غزت السلع الأسواق و فرضت على المشترين التعامل مع تلك السلع (كمحور محرك لحركة الاقتصاد)، كيَف الناس أوضاعهم وفق تلك السلع، فارتبكت اعتيادية وانسيابية حياتهم، فظهرت التشوهات الاقتصادية والاجتماعية حتى تشوهت معه حالة ثبات وثبات نمو وتطور المجتمع.

لم تكن المرأة تضع في فهارسها طلبات لم يكن لها ضرورة ووظيفة حياتية تتعلق بدور المرأة التي لم تكن عنصرا إضافيا، بل كانت عنصرا أساسيا ليس مكملا لدور الرجل، بل ملتحما في دوره التحام وجهي ورقة النقد، تفقد الورقة النقدية دورها إذا تلف أحد وجهيها أو تشوه .. وكان الإقرار من كل المجتمع بهذه العلاقة الصميمية والعضوية ..

لم يكن يعتدي الرجل على دور المرأة، فعندما يتم سؤاله من قبل أبناءه عن شيء هو من اختصاص والدتهم، سيحيله فورا لها، كما كانت المرأة تحيل ما يناط بالرجل للرجل، تماما كما هي الحالة في دور لاعب الدفاع في كرة القدم، ودور حارس المرمى، فإن أمسك لاعب الدفاع الكرة بيده فإنها مخالفة قد تعرض الفريق لضربة جزاء ..

كانت المرأة معنية بتربية كل ما هو داخل أسوار الدار، ابتداء من صغار الطيور الى الأبقار و الإبل و حتى رجل البيت، فهي تعني برعاية كل هؤلاء وتغذيتهم وجعلهم يظهرون للآخرين بأبهى صورهم، ليعود الفخر والمجد منسوبا لها في النهاية، وكان الرجل كالمقاول الذي يزود (معلم البناء) بمواد البناء، وما يتبقى يعود للأخير ..

وفوق ذلك كانت تذهب للحقول لتزود البيت بمواد الطعام من (خبيزة وعكوب وبعض ما تخرجه البراري) لتقدمه كوجبات لمن في البيت، وكانت تحضر معها أعواد (المكانس) وأعواد الحطب .. وعليها أن تقتصد في موجودات البيت من مؤن، حتى يمضي العام على خير، لا بل وتحتاط تحسبا لقدوم عام من القحط لا غلال فيه .. وكانت ترثي ما يتمزق من الملابس .. وفي أوقات فراغها ونزهتها تقوم بغزل وحياكة الصوف، لتعمل منه رداءا جميلا يلتصق بجسم طفل أو رجل ليترك بصمات روح الأسرة لأطول فترة ممكنة، أو تقوم بتلوين عيدان القش من القمح لتعمل منه أداة منزلية يحفظ بها الخبز أو تحمل بها الحبوب ..

وكانت توفر على الاقتصاد الوطني ما تتحمله الآن الدول من استيراد (حليب أطفال مجفف) .. لترضع أبنائها كل عوامل القوة والتلاحم الوراثي بين الأجيال.

هكذا كانت المرأة، قبل أن يلقى عليها قوائم من طلبات أو غايات، تعرف قسما منها وقسم آخر لا تعرفه .. لتدخل في صراع مع نفسها و مع الرجل، وتدخل الأمة في صراع من أجل البحث عن مسارات لا تمت لواقعنا بصلة ..
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 17-11-2006 الساعة 06:06 AM.
الرد مع إقتباس
  #9  
قديم 24-10-2006, 08:31 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الأخت الفاضلة أوراق الخريف
الأخت الفاضلة أوركيدا

أشكر لكما المرور الكريم
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #10  
قديم 12-11-2006, 06:49 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أخي الفاضل سهيل اليماني

أشكرك جزيل الشكر على المرور وإثراء تلك الوصلة بعمق الرؤية التي لا نختلف عما ورد بها .. ولكن الإثراء الأهم هو أن هناك من يتابع تلك الشطحات بعين فاحصة وهو على قدر كبير من الاحترام

احترامي و تقديري
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م