مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 04-09-2006, 12:03 PM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

-25-

المبحث الثالث

المانوية
ولد ماني في ولاية مسين ببابل عام 215 أو 216 بعد نيرول المسيح عليه السلام . وقد ظهر في زمان (سابور بن أزدشير ) ، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور عام 279 لأنه جنح نحو الزهد الذي لا يناسب دولة بهرام المحاربة .

وينتسب ماني إلى أسرة إيرانية عريقة ، فأمه من العائلة الاشكانية المالكة ، وأبوه فاتك الحكيم من أطراف العائلة الاشكانية .

بدأ ماني دعوته في الهند مما جعل بعض المؤرخين يعتقدون أنه أخذ نظرية التناسخ من البوذية أو عن بعض المذاهب الهندية الأخرى (11) .
أخذ ماني عن الزردشتية قولهم بأن العالم مصنوع من أصلين : نور ، وظلمة . لكنه اختلف معهم ومع المجوس في اعتقاده بأن النور والظلمة قديمان أزليان ، بينما يعتقد المجوس بأن الظلام محدث وليس قديما .

وأخذ ماني عن النصرانية عقيدة التثليث ، فالإله عنده : مزيج من (العظيم الأول ) و ( الرجل القديم ) ، و (أم الحياة ) . وفي النصوص التي حفظت عن المانوية عبارات مأخوذة عن الأناجيل المسيحية (12) .


(11) إيران في عهد الساسانيين لكريستنس ، ص 171 .
(12) إيران في عهد الساسانيين لكريستنس ، ص 171 .

-26-

ويعتقد ماني بتناسخ الأرواح ، وأن هذا التناسخ يقوم على الأجزاء النورانية من الانسان ، وآمن بنبوتي عيسى عليه السلام وزردشت ، ويؤمن ماني بأنه خاتم الأنبياء ، وقد أرسل لتبليغ كلام الله الى الناس كافة .
و أطلق الفرس على ماني ومن تبعه اسم (الزنادقة) ، وسبب هذه التسمية أن زردشت جاء الفرس بكتاب اسمه (البستاه) ، وعمل له تفسيرا أسماه (الزند) ، وجعل للتفسير شرحا أسماه (البازند) .
وكان من أورد في شريعتهم شيئا بخلاف المنزل الذي هو (البستاه) وعدل إلى التأويل الذي هو (الزند) قالوا : هذا زندي ، فأضافوه الى التأويل ، وأنه منحرف عن الظواهر من المنزل الى تأويل هو بخلاف التنزيل ، فلما جاءت العرب أخذت هذا المعنى من الفرس ، وقالوا : زنديق ، وعربوه ، والثنوية هم الزنادقة ، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم ،وأبى حدوث العالم وعلى رأسهم (المانوية)"13" .
وللمانوية تنظيم دقيق ، فهيكل الجماعة يقوم على خمس طبقات متسلسلة كأبناء العلم ، وأبناء العقل وأبناء الفطنة ، وآخر طبقة السماعون وهم سواد الناس ، ولكل طبقة من هذه الطبقات شروط وتكاليف .. ونجح ماني في ادخال أخوين لسابور في تنظيمه "14" .
وبعد أن لقي مانى مصرعه على يد بهرام ، اتخذ أتباعه عيدا لهم أسموه (بيما ) ذكرى لمقتل نبيهم الشهيد ، واستمرت الدعوة بشكل سري بعد اضطهاد الزردشتين لهم .

(13) مروج الذهب للمسعودي ، ج 1 ، ص 251 .
(14) ايران في عهد الساسانيين ، ص 169 .


-27-

المبحث الرابع
المزدكية
مؤسسها مزدك بن بامداد أيام (قباذ ) والد كسرى أنو شروان في فارس عام 487 ، وبدأ دعوته كمؤمن بعقيدة ماني مع خلاف بسيط فهو يرى أن ( النور ) يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على التخبط والاتفاق .
ومزدك رجل تنفيذ وليس رجل زهد كماني ، ولهذا نهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال ، ولما كان القتال بسبب عدم المساواة نادى بتقسيم الأرزاق بين الناس بالتساوي ، كما نادى بالاباحية وجعل الناس شركاء فيهما كاشتراكهم في الماء ، والنار ،
والكلآ "15" .
وحض بذلك السفلة عل العلية ، وسهل السبيل للظلمة الى الظلم ، وللعهار الى قضاء نهمتهم ، وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله ، وصاروا لا يعرف الرجل منهم ولده ، ولا المولود أباه ، ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به .
وساعد المزدكيين على المضي بجرائمهم ، وتحقيق الشيوعية التي يدعون اليها ، استجابة قباذ لهم وتعاونه معهم ، وكان أخوه (جاماسب ) واحدا منهم . ولقد قوى أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله "16" .

(15) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 249 دار المعرفة .
(16) تاريخ الطبري ج1 ، ص 137 .



-28-

وكان أتباع مزدك يزهدون في أكل لحم الحيوانات ، واذا أضافوا انسانا لم يمنعوه من شيء يلتمسه كائنا ما كان ، ولهم فلسفة خاصة في الاباحية فهم يرون أن العاديين من الناس لا يستطيعون التخلص من اللذات المادية إلا في اللحظة التي يستطيعون فيها اشباع هذه الحاجات بالاختيار .
وبعد أن كانت المزدكية مذهبا دينيا صارت مذهبا اجتماعيا ، وقوانين ثورية ، ومبادئ شيوعية ، وعم شرهم كل مكان حتى جاء كسرى الأول ( أنو شروان بن قباذ ) فرد الأموال لأهلها ، وجعل الأموال التي لا وارث لها رصيدا لإصلاح ما فسد .
وقال عنها أحمد أمين :
(وبعد كسرى عاشت المزدكية فرقة سرية .. عاشت على هذا النحو أيام الدولة الساسانية ، ثم عادت الى الظهور من جديد في بداية العصور الاسلامية "17" ).
ووصف بعض المؤرخين الثورة المزدكية فقالوا : ( فاذا حجاب الحفاظ والأدب قد ارتفع ، وظهر قوم لا يتحلون بشرف الفن أو العمل ، لا ضياع لهم موروثة ، ولا حسب ولا نسب ، ولا حرفة ولا صناعة ، عاطلون ، مستعدون للغمز والشر وبث الكذب والافتراء ، بل هم من ذلك يحيون في رغد من العيش وسعة المال .

(17) فجر الاسلام لأحمد أمين ، ج1 ، ص 137 .
-29-

وهكذا عم التطاول كل مكان ، واقتحم الثوار قصور الأشراف ، ناهبين الأموال ، مغتصبين الحرائر ، وكانوا يملكون هنا وهناك ، أراضي تلفت لأن السادة الجدد لا يعرفون الزراعة "18" .

(18) ايران في عهد الساسانيين تأليف : كريستنس ترجمة يحيى الخشاب ، ص 343 .
  #2  
قديم 04-09-2006, 12:05 PM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

-30-

نتائج البحث

من خلال استعراضنا لأهم أديان الفرس نستطيع أن نستخلص النتائج التالية "19" :

1_ عبد الفرس قوى الطبيعة والأجرام السماوية ، وآلهة تمثل قوى أخلاقية ، أو آراء معنوية مجسمة ، وكان الدين عندهم يتدخل في أقل أمور الحياة اليومية ، وكان على الفرد أن يصلي للشمس أربع مرات أثناء النهار ، كما يصلي للقمر وللنار وللماء ، ونار البيت لا يجوز أن يخبو لهيبها .
وهناك فرق بين المجوسية والثنوية ، ومن الأديان التي تنتسب للمجوسية : الكيومرثية ، والزروانية ، والزردشتية ، أما الأديان التي تنتسب الى الثنوية فهي : المانوية ، المزدكية ، الديصانية .. والفرق بينهما ان المجوسية قالت بقدم النور وحدوث الظلام فى حين قالت الثنوية بأن النور والظلمة أزليان قديمان ، فهما متساويان في القدم ومختلفان في الجوهر والطبع والفعل والمكان والأجناس والأبدان والأرواح .
وعلى كل حال فالمجوسية والوثنية أصبحت من تراث الفرس ، والفرق بينهما بسيط ، فجميع أتباع هذه الديانات عبدوا النور والظلمة والشمس والقمر ، واعتقدوا بالحلول والتناسخ ، والأساطير والخرافات .
2_ تأثرت ديانات الفرس باليهود والنصارى والبوذيين .
فاليهود حلوا بلاد فارس منذ أن سباهم (بختنصر ) ، وازداد عددهم في عهد الاشكانيين ، وقد اليهود أنفسهم منذ القرن الأول الميلادي

(19) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 244 دار المعرفة .

-31-

واعترف بعض ملوك فارس بهم ، وقد أنشأوا مدرسة ( سورا ) المشهورة في أوائل القرن الثالث الميلادي ، وصاهروا ملوك الفرس ومرازبهم ، فامتزج الدم اليهودي بالفارسي ، فزوجة ( بختنصر ) كانت يهودية واسمها ( دينارد ) ، وكانت سبب رد بني اسرائيل الى بيت المقدس "20" .

وتأثرت ديانة الفرس باليهودية ، كما تأثرت بما عند اليهود من تنظيم وسرية وتقية ، واستمر أثر اليهود في معتقدات الفرس في مختلف حقب التاريخ .
وانتشرت النصرانية في كل مكان من ايران ، وعندما انتهى الحكم الى الاشكانيين كان للجالية النصرانية مكان في ( الرها ) ، وكان هناك اسقفيات كثيرة في المناطق الأرمينية والكردية والأهواز ، وحالوا غير مرة أن يجمعوا الجماعات تحت ادارة مركز واحد في المدائن ، غير أنهم فشلوا لأسباب ذاتية داخلية ، وعاش نصارى ايران في سلام وان كان الموقف قد تغير عندما اعتنق ( قسطنطين ) الديانة النصرانية ، وقام نصارى ايران بالتآمر على سابور فاستشاط غضبا ، وبدأ اضطهادهم منذ عام 339 وحتى هلاك سابور الثاني .
وكذلك لم يكن أزدشير الثاني ، خليفة سابور ، محبا للنصارى ، واستمر اضطهاد النصارى حتى جاء يزدجرد الأول 399 _ 421 فتحسنت العلاقات النصرانية
الزردشتية"21" .

(20) مروج الذهب : المسعودي ، ج1 ، ص 288 .
(21) ايران في عهد الساسانيين ، ص 253 .


-32-

أما أثر النصرانية في معتقدات الفرس ، فسبق أن رأينا كيف جاءت ( المانوية ) بعقيدة التثليث والحلول مأخوذتين من عقيدة النصارى .
واختلط رجال الدين الفرس بالبوذيين فأخذوا عنهم وأعطوهم ، وزاد هذا الاختلاط عندما كان أصحاب الديانة المغلوبة يفرون من بلادهم ويلتجئون الى الهند أو الصين كما حصل للزردشتية والمانويين .

3_ والزعامة الدينية في بلاد فارس كانت تتمثل في قبيلة من القبائل ، فالسيطرة الدينية قديما كانت لقبيلة (ميديا ) ، وفي عصر أتباع زردشت أصبحت السيطرة لقبيلة ( المغان )
ورجال القبيلة الدينية هم ظل الله في الأرض ، وقد خلقوا لخدمة الآلهة ، والحاكم يجب أن يكون من هذه القبيلة ، وتتجسد فيه الذات الالهية ، وتتولى هذه العائلة شرف سدانة بيت النار .

ان عبادة الله عن طريق القبيلة هو الذي دفع الفرس الى التشيع لآل البيت لا حبا بآل البيت ولكن لأن هذا التصور يلائم عقيدة المجوس .

4_ السرية أصل من أصول عقائد المجوس :
فالزردشتيون استمروا يعملون وينشطون بشكل سري بعد أن تعرضوا للاضطهاد على أيدي أتباع (مزدا ) ، والمانوية تحولت الى حركة سرية بعد أن بطش بهرام بن هرمز بهم ، والمزدكية أصبحت دعوة سرية بعد أن نكل بهم أنو شروان .

ومع السرية كانت أديان الفرس منظمة تنظيما هرميا دقيقا يراعون به ظروف العصر ، وكانت تنظيماتهم من القوة بحيث تمكنهم من الوصول الى قصور الحكام في حالات


-33-

ضعفهم ،أما في غير حالات الضعف فالحكام من أفراد القبيلة التي ترعى شؤون الدين .

5- تاريخ أديان الفرس يمتاز بالفتن وكثرة الثورات ومن الأمثلة على ذلك أن ثورة عارمة وقعت بين بابك وجوتجهر ، ثم نشبت فتنة بين سابور و أزدشير .

وفي هذه الفتن والمعارك كان الأخ يقتل أخاه ، والأب ابنه بدون رحمة ولا شفقة ، وعندما يشعر ملوك فارس بأن الخطر قد أحاط بهم كانوا ينقضون على من يزعمون أنهم أنبياء لهم ، فبهرام بن هرمز قتل ماني ، وكسرى أنو شروان قتل مزدك .

وعلى ضوء معرفتنا لهذه الحقيقة نعلم أسباب الثورات والفتن في البلاد التي يسيطر عليها المجوسيون في عصرنا هذا ، كما نعلم لماذا كانوا وما زاولوا يصفون خصومهم عن طريق الاغتيالات .
  #3  
قديم 04-09-2006, 12:07 PM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

الفصل الثاني
موقف الفرس من الإسلام

_ كسرى يجدد فتوة الإمبراطورية .
_ كسرى يمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
_ حوار يزدجرد مع النعمان بن مقرن .
_ دحض فريه .
-37-

كسرى يجدد فتوة الامبراطورية :
شاء الله سبحانه وتعالى أن توافق ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية حكم كسرى أنوشروان لبلاد فارس ، ولقد كان كسرى أنو شروان من أعظم ملوك ساسان ، وأكثرهم شهرة ، وأشدهم قوة وبطشا ، وأوسعهم حيلة ودهاء .

دام حكم كسرى ثمانية وأربعين عاما ، وبدأ عهده بتطهير مملكته من طاعون المزدكية واباحيتهم فقتل مزدك ومعظم أنصاره ، وجمع جمهور مملكته على ( المجوسية ) دين آبائه وأجداده .

وبعد قضائه على مزدك وأتباعه باشر الاصلاحات الداخلية ، فقضى على الفوضى ، ورد الأموال المغصوبة الى أهلها ، وأعاد بناء ما هدمه المزدكيون من مساكن وقرى ، وأقام الحصون والجسور ، وأصلح نظام الضرائب التي كانت تثقل كاهل المزارعين وأرباب الصناعات .

وأولى الجيش أكثر عناية ، فأحسن اختيار أفراده وقادته ، وأصلح نظام التدريب ، وجدد العتاد ، وبدأ انتهائه من اعداد الجيش بدأ غزو البلدان المجاورة ، فجدد سيطرته على الحيرة ، وجند اللخميين في حروبه وفتوحاته .
وخاض أنو شروان معركة ضارية مع الامبراطورية البيزنطية ، وحقق انتصارات عليها ، واستولى على أنطاكية عام 540 ، ثم بسط نفوذه على اليمن فاحتلها عام 570 وطرد الأحباش منها .

واستمرت بلاد فارس في قوتها وجبروتها بعد هلاك كسرى أنو شروان الذي جدد فتوة المملكة ، ووحد الصفوف ، ورفع رايات فارس في معظم بلدان العالم .

-38-

ثم جاء ( كسرى بن هرمز بن كسرى ) الذي كان يسمى (ابرويز) ومعناها المظفر ، فحافظ على الأمصار التي احتلها جده ، وحقق انتصارات جديدة ، وتمكن من احتلال : الرها ، ودمشق ، وبيت المقدس ، والاسكندرية .
وبينما كان كسرى بن هرمز يتيه غرورا وكبرياء ، وهو يرى ملوك الدنيا وعظماءها يركعون أمامه ذلا واستسلاما .

وبينما كان كسرى ينظر الى جيشه الذي كان يشرق ويغرب فاتحا دون أي مقاومة تستحق الذكر .. في هذا الوقت أشرقت الأرض بنور الاسلام ، ومن الله على البشرية حين أوحى لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى ، وفتحت المدينة المنورة ذراعيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المؤمنين .

ومن المدينة المنورة _ عاصمة الدولة الاسلامية الجديدة _ انطلق صلى الله عليه وسلم مبلغا دعوة الاسلام ، مجاهدا في سبيل الله ، وكان العالم اجمع يتابع أخبار الرسالة والرسول ، وكان من بين الذين يستطلعون أخبار الوحي والاسلام كسرى _ بن هرمز وغيره من قادة الفرس والرومان .

وقام صلى الله عليه وسلم بإرسال رسالة الى كل زعيم دولة يبلغه دعوة الاسلام ، ومن الذين وصلهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرى بن هرمز .

كسرى يمزق كتاب رسول الله (ص) :
روى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه مع رجل الى كسرى وأمره أن يدفعه الى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين الى كسرى ،


-39-

فلما قرأه كسرى مزقه وقال : فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق .

وفي رواية لابن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل كتابا مع عبد الله بن حذافة الى كسرى بن هرمز ملك فارس يدعوه الى الاسلام ، فلما قرأه شقه وقال :
يكتب إلي بهذا وهو عبدي ، ثم كتب كسرى الى باذام وهو نائبه على اليمن أن ابعث الى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به"1" .

وفعلا أرسل باذام رجلين ليأتياه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستبشر مشركو العرب برسول كسرى ، وأدركوا أن محمد سينتهي لأنه لا طاقة له بكسرى وجنده .
وهذا منطق الذين التصقوا بالتراب ، وضاقت عقولهم عن ادراك أبعاد الرسالة ، فجحدوا قدرة الله ، وكل الذي يفهمه كسرى وأعوان كسرى : أن هؤلاء المسلمين ناس أذلة جياع يتطاولون على أسيادهم الفرس ..، وهذه الدعوة كلها لا تستحق _ بزعم كسرى _ أكثر من جنديين يأتيان بمحد صلى الله عليه وسلم ، وكسرى بن هرمز نفسه عندما غضب من النعمان بن المنذر أرسل إليه يطلبه فلم يستطع أي حي من أحياء العرب أن يحميه من كسرى ، واضطر أن يمتثل للأمر فوضع في يده القيد وزج به في سجن من سجونه المظلمة حتى هلك ، وولي على الحيرة بدلا منه إياس بن قبيصة الطائي .

(1) البداية والنهاية لابن كثير ، ج 4 ، ص 269 .


-40-

وأين محمد صلى الله عليه وسلم المستضعف المطارد من قبل سفهاء مكة ، أين هو من النعمان المنذر ملك العرب وسيدها ؟! .

بهذه العنجهية والغطرسة كان كسرى بن هرمز ينظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى الرسالة التي شرفه الله بحملها .

وشاء الله ان يسلط (شيرويه ) على أبيه كسرى فيذله ويقتله ، ويخبر صلى الله عليه وسلم (باذام ) بما حدث لسيده ، ويعود ( باذام ) فيجد صدق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم يستجيب الله لدعوة نبيه عندما دعا الى تمزيق مملكة كسرى .

حوار يزدجر مع النعمان بن مقرن :
لقد دانت الجزيرة العربية بالاسلام ، وامتطى جند الله صهوات خيولهم يطرقون أبواب المدائن ودمشق والقدس بأيد مضرجة بالدماء ، ونفوس متعطشة الى وعد الله لهم في جنان الخلد وملك لا يفنى .
وعندما صمم المسلمون على فتح بلاد فارس انتدبوا سعد بن أبي وقاص لهذه المهمة ، كانت هناك مفاوضات ورسل بين الجيشين ونسوق فيما يلي بعض ما حدث :

أرسل سعد بن أبي وقاص طائفة من أصحابه الى كسرى ، يدعونه الى الاسلام قبل أن تنشب الحرب بينهما ، فاستأذنوا عليه فأذن لهم ، وخرج أهل البلد ينظرون الى أشكال الرسل وأرديتهم على عواتقهم ، وسياطهم بأيديهم ، والنعال بأرجلهم .. كما نظر أهل البلد الى خيول رسل سعد الضعيفة ، وجعلوا يتعجبون منها ومنهم غاية العجب ويتساءلون :


-41-

كيف يتحدى هؤلاء كسرى مع كثرة عدد جيشه وشدة بأسه ؟!
ولما استأذن الرسل على الملك (يزدجرد ) أذن لهم وأجلسهم بين يديه ، وكان متكبرا قليل الأدب ، ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها أي عن النعال والسياط والثياب و ..
وكلما قالوا له شيئا من ذلك تفاءل فرد الله فأله على رأسه ثم قال لهم : ما الذي أقدمكم هذه البلاد ؟ أظننتم أنا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا ؟!

فقال النعمان بن مقرن :
إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير و يأمرنا به ، ويعرفنا الشر وينهانا عنه ، ووعدنا على اجابته خيري الدنيا والآخرة . فلم يدع الى ذلك قيبلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ، و لا يدخل معه في دينه إلا الخواص ، فمكث كذلك ما شاء أن يمكث ، ثم أمر أن ينهد الى من خالفه من العرب ويبدأ بهم ، ففعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط ، وطائع إياه فازداد . فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ، وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم الانصاف ، فنحن ندعوكم الى ديننا وهو دين الاسلام حسن الحسن وقبح القبيح كله ، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزية ، فإن أبيتم فالمناجزة .

وإن أجبتم الى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم ، وشأنكم وبلادكم ، وإن أتيتمونا بالجزية قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم .

قال فتكلم يزدجرد فقال :
إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا و لا أسوأ ذات بين منكم

-42-

قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم ، ولا تغزركم فارس ، ولا تطمعون أن تقوموا لهم . فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا ، وان كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا الى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم . فأسكت القوم فقام المغيرة بن شعبة فقال :

أيها الملك ان هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم ، وهم أشراف يستحيون من الأشراف ، وانما يكرم الأشراف الأشراف ، ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ، وليس كل ما أرسلوا له جمعوه لك ، و لا كل ما تكلمت به أجابوا عليه ، و لا يحسن بمثلهم ذلك ، فجاوبني فأكون أنا الذي أبلغك ويشهدون على ذلك .

انك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما ، فأنت ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا ، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات ، ونرى ذلك طعامنا ، وأما المغازل فإنما هي ظهر الأرض ، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم .

ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ، وأن يبغي بعضنا على بعض ، وان كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه ، وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك ، فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده ، فأرضه خير أرضنا ، وحسبه خير أحسابنا ، وبيته خير بيوتنا ، وقبيلته خير قبائلنا ، وهو نفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا ، فدعا الى أمر فلم يجبه أحد .
أول ترب كان له الخليفة من بعده ، فقال وقلنا ، وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا

-43-

فلم يقل شيئا إلا كان ، فقذف الله في قلوبنا التصديق له وأتباعه ، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين .

فما قال لنا فهو قول الله ، وما أمرنا فهو أمر الله ، فقال لنا أن ربكم يقول :
أنا الله وحدي لا شريك لي كنت اذا لم يكن شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهي ، انا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء ، وإن رحمتي أدركتم فبعث إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي أنجيكم بها بعد الموت من عذابي ، ولأحلكم داري دار السلام .
فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق ، وقال من تابعكم على هذا فله مل لكم وعليه ما عليكم ، ومن أبى فأعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم ، فمن قتل منكم أدخلته جنتي ، ومن بقى منكم اعقبته النصر على من ناوأه .

فاختر إن شئت الجزية وأنت صاغر ، وإن شئت فالسيف ، أو تسلم فتنجي نفسك .

فقال يزدجرد :
أتستقبلني بمثل هذا ؟.
فقال _ المغيرة _ :
ما استقبلت إلا من كلمني ، ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به .

فقال :
لولا أن الرسل لا تقتل لقتلك ، لا شيء لكم عندي . وقال ائتونى بوقر من تراب فاحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن .

 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م