استرضاء كعب الأنصار بمدحه إياهم
قال ابن إسحاق : وقال عاصم بن عمر بن قتادة : فلما قال كعب " إذا عرد السود التنابيل " ، وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته غضبت عليه الأنصار ; فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعهم من اليمن
من سره كرم الحياة فلا يزل
في مقنب من صالحي الأنصار
ورقوا المكارم كابرا عن كابر
إن الخيار هم بنو الأخيار
المكرهين السمهري بأذرع
كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة
كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم
للموت يوم تعانق وكرار
والقائدين الناس على أديانهم
بالمشرفي وبالقنا الخطار
يتطهرون يرونه نسكا لهم
بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت ببطن خفية
غلب الرقاب من الأسود ضواري
وإذا حللت ليمنعوك إليهم
أصبحت عند معاقل الأعفار
ضربوا عليا يوم بدر ضربة
دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله
فيهم لصدقني الذين أماري
قوم إذا خوت النجوم فإنهم
للطارقين النازلين مقاري
في الغر من غسان من جرثومة
أغيت محافرها على المنقار
قال ابن هشام : ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده " بانت سعاد فقلبي اليوم متبول " : لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل فقال كعب هذه الأبيات وهي في قصيدة له .
قال ابن هشام : وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
--------------------------------------------------------------------------------
وقوله إذا عرد السود التنابيل جمع تنبال وهو القصير وقوله عرد أي هرب . قال الشاعر
يعرد عنه صحبه وصديقه
وينبش عنه كلبه وهو ضاربه
علة السواد في أهل اليمن وشرح بيت لحسان
وجعلهم سودا لما خالط أهل اليمن من السودان عند غلبة الحبشة على بلادهم ولذلك قال حسان في آل جفنة
أولاد جفنة حول قبر أبيهم
بيض الوجوه من الطراز الأول
يعني بقوله من الطراز الأول أن آل جفنة كانوا من اليمن ، ثم استوطنوا الشام بعد سيل العرم ، فلم يخالطهم السودان كما خالطوا من كان من اليمن ، من الطراز الأول الذي كانوا عليه في ألوانهم وأخلاقهم .
وقوله حول قبر أبيهم أي إنهم لعزهم لم يجلوا عن منازلهم قط ، ولا فارقوا قبر أبيهم .
مدح آخر لكعب
ومما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح النبي صلى الله عليه وسلم
تخدي به الناقة الأدماء معتجرا
بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
ففي عطافيه أو أثناء بردته
ما يعلم الله من دين ومن كرم
__________________
السيد عبد الرازق
|