مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 06-11-2006, 11:37 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

علاقات الإنتاج ومخازن الرأي العام ..

لا يختلف أبناء أي منطقة إذا ما تساوت ظروفهم المعيشية والثقافية والسياسية في تقييم ما يدور حولهم وإعطائه صفة محببة أو مكروهة، وطبعا سيكون هناك من يشذ عن قاعدة المجموع العام، عندما يرتبط الوضع القائم بمصلحته إيجابا، فعندما تشترك عموم الآراء الفردية أن الوضع العام سيئ على صعيد ما أو حتى على كل الأصعدة، سيكون هناك بعض الآراء تقول عكس ذلك، وهذه الآراء تعود لفئات أو أفراد مستفيدين من الوضع القائم، وسيكون أثرها بالتأكيد أقوى من مجموع الآراء الرافضة للوضع حتى لو كانت نسبتهم تفوق التسعين بالمائة.

والأمر بسيط في معرفة سبب أثر تفوق رأي الأقلية على الأكثرية، وهو أن تلك الأقلية منظمة ومرتبطة بمركز تقاسم المصلحة فيما بينها، وبيدها وسائل الترغيب والترهيب والإعلام، فهي تستطيع أن توظف و تعلم وتشغل وترقي من تريد وتستطيع أن تمنع و تحرم وتحط من قدر من تريد ..

في حين أن الأكثرية مبعثرة تولول و تحوقل و تثرثر في أماكن ضيقة وتعتبر أن ليس هناك من يسمع رغم شكوتها المستمرة، وغالبا ما يكون كلامها بشكل شتائم، وتخشى أن يصل هذا النوع من الكلام الى الجهات الأمنية، فيتعرض من يتكلم الى مزيد من المعاناة!

وعندما يدعى الناس لحضور ندوة أو محاضرة أو مؤتمر، فإنه لن يحضر، وإن الحضور هم نفسهم الذين يحضرون اجتماعات تناقش البطالة أو الوضع في فلسطين أو الديمقراطيات أو المفاعلات النووية في لوكسمبورغ، ستجدهم هم نفسهم بالإضافة الى بعض كتبة التقارير من العناصر الأمنية التي ملت حتى وظيفتها الرتيبة تلك.

وإن سأل أحدهم سؤالا ، فإنه يسأله بهمة مهزوزة وكلمات منحوتة وحذر أو تهور من صياغته، بحيث أنه لا يترك أثرا مفيدا من حضوره لتلك الاجتماعات. إن وضعا كهذا يضيف مدماكا في الجدار الفاصل بين البؤس والتوجه نحو التحضر والعمل المدني النافع للشعب والدولة معا.

كما أن هناك ثقافة مسفهة لكل تجمع، فمن الهجوم على الأحزاب ومضايقتها ليس من الدولة فحسب بل من مجموعة وعاظ ومستقلين يبرروا عدم انتمائهم لأحزاب بتسفيه العمل فيها، وهم بذلك يساعدون أجهزة الحكم دون أن يكون تنسيق فيما بينهم، كما أن العمل النقابي يعاني من نفس الظاهرة، حيث يكون عدد المنتسبين للنقابة يصل الى عشرات الآلاف في حين أن من يتصدره وينطق باسمه لا يزيدون عن عدة عشرات وفي أحسن الأحوال بالمئات، دون أن يكون بينهم وبين عموم المنتسبين أي صلة عضوية تعطي للنقابة قوتها وأثرها.

إن سن القوانين يحتاج الى خبراء بالقانون وخبراء بالمهنة وشؤون المواطنين الأخرى، وإنه لمن المنصف أن نقول أن كوادر الحكومات العربية لا زالت تتفوق في هذا الجانب على المعارضة وبمسافة غير متقاربة، والسبب يعود الى عدم الجاهزية عند الفئات المعارضة للتعامل مع الصيغ القانونية، ومع ذلك تبقى القوانين المشرعة أو المصاغة من قبل أجهزة الحكومات العربية دون المستوى المطلوب فوقت صياغتها من قبل خبراء قانونيين يحيلوها على مجالس برلمانية غالبا ما تفتقر لقدرة على التعامل مع مثل تلك الصيغ، بل أن في الكثير من الأحيان يتغيب عن جلسات البرلمان حوالي نصف الأعضاء.

إن المعارضات العربية تتناول القانون بعد صياغته من قبل أجهزة الدولة، وتنتقده بقسوة، ويكون ذلك بعد صدوره بزمن، مما يجعل من تعديله أو تغييره صعوبة تأخذ زمنا ليس بالقليل ..

إن خير من يفهم أوضاع العمال هم العمال أنفسهم، وإن بحث قضاياهم في نقاباتهم ودعوة المختصين من نقابة المحامين أو حتى رجال الحكومة وبعض البرلمانيين، يجعل من الصيغة النهائية للقانون أقرب للرضا من قبل كل الأطراف، لكننا نعلم كم هو وضع العمال مهلهل تنظيميا ونعلم أن قضايا العمال لا يتبناها لا صحفيون ولا سياسيون ولا العمال أنفسهم، وهذا عائد لعدم وضوح تلك الطبقة بين الناس وضوحا ثابتا، فعمال البناء مثلا، لا يستديمون في مهنتهم طويلا بل يغيرونها متى ضاقت بهم الحياة، ومثلهم الكثير من المهن.

إن النقابات العمالية والمهنية و تجمعات الفلاحين والحرفيين، تعتبر من أفضل مخازن الرأي العام المتخصص بمهنة، ودفعهم والاعتناء بتلك التجمعات يحسن بل ويصعد بقضية سن القوانين الى مرحلة ترفع من الشأن الاقتصادي والشأن السياسي المرتبط به ارتباطا حثيثا ..

وإن كانت الأحزاب و المنتديات الفكرية، تهتم بالجانب الدعائي في عملها السياسي، فإن تلك التنظيمات المدنية (النقابات وغيرها) تعتبر الجانب الإداري الذي يجعل من الخطاب السياسي أقرب للحياة اليومية التي تهم المواطنين.

وفي حملات الانتخابات للبرلمانيين، الذين توكل لهم كل الدساتير مهمة سن القوانين ( كسلطة تشريعية) ، فإن ممرات النقابات والتجمعات المدنية أصبحت ضرورية لكي يمر بها المرشح للانتخابات البرلمانية، للاستماع إليه من قبل جمهور الناخبين الممتهنين لمهنة ومعرفة ما يقول في شأن مهنتهم، وعليهم التقرير إن كان يستحق أصواتهم أم لا. كذلك إن المرشح بمروره في تلك الممرات سيكون على علم كبير في قضايا ناخبيه المهنيين، فلا يغادر عندما تطرح قضاياهم ولا يكون كأن تلك القضايا تطرح عليه أول مرة ..

وسنتناول موضوع التصويت والديمقراطية في المرة القادمة ..
__________________
ابن حوران
  #2  
قديم 11-11-2006, 05:59 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

فكرة التصويت ليست مؤشرا عادلا لاستحقاق من يقع الاختيار عليه :

عندما تعرض لقطة من مباراة لكرة القدم أمام محكمين في اللعبة فإنهم سيكتشفون خطأ حكم المباراة، وعندما تعرض تقارير طبية وصور بالأشعة لمريض أمام لجنة طبية مكونة من أطباء محترفين ومتخصصين في نفس المرض، فإن قرارا هاما سيؤخذ بشأن الحالة المرضية، سيكون أقرب للدقة، وعندما يتم فحص حفظة القرآن أمام لجنة متخصصة، سيكون هناك تشاور في منح المتسابق درجة تكون أقرب للدقة ..والأمثلة كثيرة.

ولكن عندما يعرض مرشحون لمقاعد في البرلمان أو مناصب حكومية أو حتى نقابية ومهنية مختلفة، فإن المحكمين لن يكونوا على دراية كاملة بالمادة المفحوصة (المرشحين) حتى يعطوهم أصواتهم، وسيكون صوت المعاق و الأهبل يساوي في قيمته صوت العارف و المخترع !

في نماذج أثينا و روما وقبلهما بقرون طويلة (كمنهو و قتبان في اليمن) كان المرشحون محصورين في مساحة ضيقة يتم التعرف عليهم من خلال سجل حياتهم التي حفظها الناخبون عن قرب من خلال سلوكهم و شخصياتهم، إضافة الى أنه في روما وأثينا لم يكن التصويت لعموم الشعب كما أسلفنا، بل للنبلاء والفرسان والملاكين، وفي التجربة اليمنية القديمة كان ممثلو العشائر ينتخبون من بين أفراد عشيرتهم وممثلو المهنة ينتخبون من أبناء المهنة، فحصر المرشح بمساحة محدودة يكون أقرب للاختيار الأسلم، كمن ينقي كيلوجرام من العدس ويستبعد الحصى والأجسام الغريبة، فمهمته أسهل بكثير من ذلك الذي ينقي أطنان من العدس أو الحبوب الأخرى.

لقد انتبهت بعض الدول لتلك الظاهرة، وقلصت مساحة الدوائر الانتخابية، بقصد ليس لإحقاق الحق و تحقيق العدل، بل لتقنين عملية الاقتراع بما يخدم مصالح تلك الدولة و يؤمن فوز المقربين منها ..

كما تذرعت بعض الدول باستبعاد ذوي الأصوات غير العالمين بشؤون الدولة، أي أولئك الذين لا تؤتمن معرفتهم لأهمية ما يفعلون .. وقد كانت الحكومات ذات الطابع المركزي و الحزبي (الواحد) أن تجعل من الانتخابات حقا محصورا على كوادرها وتنظيماتها، تصعد به من أدنى خلية للأعضاء في الحزب الى أعلى مؤتمر ينتخب القيادة المركزية التي تعين الحكومة و أركانها .. بحجة أن البقية من الشعب هم في وضعية مشكوك بارتباطاتها!

هذا الوضع في حصر الانتخاب بحزب أو فئة دون غيره، تلتقي به الفئات التي تنادي بالشورى، فأهل العدل والرأي القادرون على معرفة من هو قريب من الله وشرعه، ومن هو بعيد عن الله وشرعه، هم الوحيدون الذين يحق لهم الاشتراك في الانتخاب. إن المعضلة ليست في النتيجة التي سيؤول إليها جهد هذه العملية فحسب، بل إن هناك إشكالية في تحديد من يحق لهم ومن لا يحق لهم، ونحن نراقب جداول الناخبين قبل اعتمادها كقوائم نهائية للانتخابات فإن الذين يطعنوا بنزاهة الانتخابات أي انتخابات من الكثرة بمكان، فكيف لنا أن نعتبر أن قوائم أهل العدل والرأي هي مرضية عنها، خصوصا عندما توجد طوائف من نفس الدين مختلفة كما في باكستان أو الهند أو لبنان أو العراق، هذا قبل أن نصطدم بمعالجة الاختلاف بالدين!

في حالات الانتخاب العام كما يجري في مختلف أنحاء العالم، فإن أصحاب المال والجاه والقوة العشائرية سيصلون للمهمشين وقليلي الاهتمام باللعبة السياسية وسيعطونهم ثمن أصواتهم، ومن يسبق نحو هؤلاء و يتفنن في كسبهم وإرضائهم بدل أصواتهم سيكون أقرب للنجاح من أولئك النزيهين العارفين والوطنيين وقليلي الأموال .. خصوصا إذا عرفنا أن نسب التصويت في معظم بلدان العالم لا تصل الى 70% في أحسن الأحوال، أي أنه لا يزال هناك مساحة لاستصلاح الناخبين من أجل حصد أصواتهم ..

سيقول قائل : إنها الطريقة الوحيدة الأقل سوءا بين الطرق الديمقراطية، وسنقول إنها تشبه الحالة التي ضربناها في قبول الجامعات للطلاب المتقدمين للالتحاق بها، فهي تقبل على ضوء المعدلات(الأصوات)، فقد يكون هناك طالب يمكن أن يكون مشروعا لعالم أو مخترع أو قائد، ولكن أهله يعتمدون عليه في إطعامهم أو أنه لا غرفة خاصة به، فمن المؤكد أن طالبا يتساوى معه في القدرة العقلية ولكنه يحظى بالدراسة في مدرسة خاصة ويأتيه مدرسون متخصصون الى البيت، فإنه بالتأكيد هو من سيقبل في الجامعة بالنهاية، أو سيدرس على حساب أهله الموسرين ..

ولحين ما يتم اكتشاف طريقة أفضل من المجموع العام للدرجات في قبول الطلبة بالجامعات، قد يكتشف معها طريقة أقل سوءا في اختيار النواب والحكام.
__________________
ابن حوران
  #3  
قديم 27-11-2006, 04:52 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الديمقراطية .. آلية أم عقيدة؟

بالقدر الذي يسعفنا فيه اطلاعنا على تجارب تاريخية من العراق القديم الى اليمن الى اليونان والرومان الى التجربة الإسلامية الى عصر التنوير والحداثة في العرب وانتهاء بالعصر الراهن. فإن الكلام عن الديمقراطية أو التلميح عن أسلوب شبيه ولكنه لا يحمل نفس الاسم، فإننا نخلص الى أنها آلية في إدارة المجتمعات بصورة عامة وفي الإدارة السياسية بصورة خاصة تستصحب في صورتها المثلى مجموعة من القيم في مقدمتها: الحرية والدفاع عن كرامة الإنسان والمساواة بين الخلق ومن ثم احترام كل (آخر) وتدعو للتعددية السياسية والفكرية وتداول السلطة، وحق الناس في المشاركة في صياغة حاضرهم ومستقبلهم، وحقهم في مساءلة حكامهم.

وكونها آلية فإنها تتغير بتغير الأزمان والأمكنة والمجتمعات والمعتقدات. ولكن عندما يصبح الإيمان بهذا الأسلوب عقيدة تسقط عليه المعتقدات التي يؤمن بها من يدعو لهذا الأسلوب، فتكون دعواته لتطبيق الآلية مشوبة بطابع عقيدته التي يرفضها المخاطَب، فيعارضها.

إن ربط الديمقراطية بالعلمانية أو الدين، جعلها في بلادنا مثارا للجدل، استغلت أطراف كثيرة نقاط الربط فيه لتعيق تطور نمو الديمقراطية في بلادنا، وهذا الربط في اعتقاد الكثيرين أنه خاطئ ولا صحة فيه، فالتجارب القديمة قبل آلاف السنين لم تكن تعرف العلمانية ولم تكن فيها الأديان بالشكل التي هي عليه في أيامنا سواء بتجربة (المزود) في دول اليمن القديمة أو في دول اليونان وروما القديمة.

كما أن هناك من الجهات الدينية كجبهة الإنقاذ في الجزائر وحماس في الأراضي الفلسطينية وحتى التجربة الإيرانية، يعرف أصحابها بأنهم ليسوا علمانيين، فالربط بين العلمانية والديمقراطية ليس باستمرار دالة على أصالة الإيمان بالمبادئ التي ذكرناها في جلب العدل واحترام الآخر وصون حقوق الإنسان، فقد انتخب هتلر وشارون وغيرهما، وسجلاتهم مليئة بالإنسانية والعدل والرفق بالآخرين!

وكذلك لم يكن كل العلمانيين محبين للديمقراطية، بل كان بعضهم معاد لها بقوة فستالين و ماو وغيرهما والذين كانوا يحرمون دهماء الشعب من حق المشاركة في تقرير مصير البلاد، ولهم فلسفتهم الخاصة بذلك، فأوجدوا ما سمي بالديمقراطية المركزية التي تعني الانتخابات داخل كواليس الحزب الواحد أو الحزب القائد ..

لن نتوقف كثيرا عند هذه النقاط، ابتعادا عن أجواء الملل، لكننا سنخوض في حديث موائمة تلك الآلية لمجتمعاتنا العربية الإسلامية ومدى النجاح في إيجاد نموذج يصلح لبلادنا في هذه الأيام ويراعي عامل التراث والمزاج العام مع ما يؤمن نمو مفهوم المصلحة العامة (مصلحة الأمة .. هنا). آخذين بنظر الاعتبار العوامل التالية :

أولا: إن واقعنا يسبح في فضاء ذهني مشبع بنظرة الى الكون تنطلق من الإيمان بالله سبحانه وتعالى، خالق كل شيء في الكون، والناس فيه كما هي الكائنات الحية الأخرى تتعبد لله وتعمر الأرض وفق مشيئته سبحانه.

ثانيا: إن المرجعية الأولى لمجتمعاتنا تتمثل في القرآن والسنة، الأمر الذي يعني أن حرية حركة المجتمع ليست مطلقة بل محكومة بمجموعة قيم مفهومة منها القطعي الوارد في نصوص قرآنية غير قابلة للتأويل، ومنها ما هو قابل للاجتهاد يغلب عليه الطابع الظني، ويعني بالمعاملات بين الناس.

ثالثا: إن الناس مكلفون بعمارة الأرض والاستمتاع بما أحله الله لهم، وتكليفهم هنا يتطلب منهم البحث عن الأساليب التي تصون حقوق الناس والمخلوقات الأخرى وفق حق تلك المخلوقات في التمتع بما أعطاها إياه الله سبحانه.

رابعا: إن السياسة عند المسلمين ليست فن الممكن كما يسود في المفاهيم الليبرالية الغربية، لكنها كل طريق يؤدي للتهذيب والإصلاح. فهي عند ابن القيم " أخذ الناس الى الصلاح وإبعادهم عن الفساد" أو هي جلب المصلحة ودرء المفسدة. وعند ابن عقيل من فقهاء الشافعية ف ( لو أنك تقصد أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فهذا غلط وتغليط للصحابة، السياسة هي أي فعل يكون فيه الناس أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد، ولو لم يفعله الرسول صلوات الله عليه، ولو لم يرد فيه نص قرآني).

لم تكن السياسة هي الدولة كما هو شائع في الخطاب المعاصر، وإنما كانت فعلا اجتماعيا ينشد التهذيب والتربية والإصلاح، ولذلك وجد في أدبيات السلف (سياسة الموردين) للطرق الصوفية، وسياسة الصبيان عند ابن سينا، وسياسة الخيل الخ .

يتبع
__________________
ابن حوران
  #4  
قديم 01-12-2006, 06:58 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

مصادر قوة الديمقراطية :

ينظر البعض منا الى الإنجازات التي حصلت عند الأمم المتقدمة علميا وصناعيا فيرى التقدم بالطائرات والأسلحة وأجهزة الحاسوب، فيطلق تنهيدة مليئة بالأسى ويقلب الأسباب، فيصل في النهاية الى أسلوب الحكم في بلادهم وأساليب الحكم في بلادنا .. فتقفز عند البعض فكرة أن الديمقراطية وراء ذلك .. ثم ينادي بتلك الفكرة بأسلوب مبتدئ لماذا لا نطبق الديمقراطية عندنا؟ .. فيجيبه آخر وهل كان السوفييت ديمقراطيين عندما طاولوا تلك الأمم بتقدمهم في علوم الفضاء والنفس والطب وغيره؟

في المقابل يجيب آخر أن أجدادنا كانوا على قدر من التقدم تفوقوا فيه على كل الأمم عندما كانوا يتمسكون بكتاب الله .. ثم يستعيد صورة الذي دخل جنته فرآها خاوية على عروشها لأنه تباهى بقدرته العلمية دون الإيمان بالله، ولا ينسى ذكر قارون، فيشعر بعد قوله أنه أدى مهمته و برأ ذمته، وسيكون محظوظا لو رأى من يخالفه الرأي ليدخل بنقاش طويل يفلح (هو) ويتراجع من عارضه .. لتتصلب عنده مسألة الاعتداد بالرأي .. ولكنه سيستفيق على تطاول الأمم على رموز ديننا والغمز بأغلى رمز وهو القرآن الكريم والرسول صلوات الله عليه .. فيعاود الشعور بالخيبة الممزوجة بإيمان ملفوف بضبابية، يكاد لا يرى حدودها بشكل دقيق، لكي تتحول الى خطاب عملي تكون الخطوات التطبيقية فيه واضحة.

لو تحقق حلم فقير بأنه حصل فجأة على مبلغ من المال، بشكل هبة وليكن هذا المبلغ بالملايين، فإن أمامه خطوات لم يحسبها، أنه كيف سينقل هذا المبلغ دون أن يتعرض للصوص في الطريق، والى أين سيذهب به، وقد يكون حاله كأحد معارفنا الفقراء الذين وجه أحدهم له سؤالا: لو حصلت على مليون دولار ماذا ستعمل بها؟ كانت إجابته الفورية: أشتري نصف كيلوغرام من الكبد!

في شمال العراق يزعم الأكراد أن لديهم نظام ديمقراطي في إقليمهم، وسيكون من الصعب على البعيد الذي يستمع لأخبارهم أن يتحقق من ذلك .. كما هي الحال عند الذين تسلموا الحكم (الصوري) في ظل الاحتلال الأمريكي، لا يفتئوا يرددون كلمات الدستور والشرعية والبرلمان وغيرها من المصطلحات التي تستخدم في النظم الديمقراطية، وعندما يرد مسامعهم أن المحتلين قد يغادرون قريبا، فإنهم يبادرون بالتصريح بخطورة انسحاب المحتل، ومن يدري سيكون حالهم شبيه بحال سكان إحدى (جزر القمر) الأربعة الذين يخرجون بمظاهرات بين فترة وأخرى لعودة الاستعمار!

في المقابلات التلفزيونية التي يجريها إعلاميون ضليعون بمهنتهم مع أي مسئول عربي حكومي، فستكون إجابات المسئول كلها ثقة و لغة مهذبة بأن نظام حكومته من أفضل النظم بالعالم فهو يراعي حقوق الإنسان وأبواب المسئولين مفتوحة أمام المواطنين .. والانتخابات تتسم بالشفافية الخ. ويبادل الإعلامي الضليع المسئول الابتسامة وتنتهي المقابلة .. أين المشكلة إذن؟

لقد نوهنا سابقا أن علاقات الإنتاج والمصلحة الفردية التي تلتحم مع المصالح الفردية الأخرى، لتتكون مصالح جماعية له أنصارها الحقيقيون وحماتها الأشاوس الذين لا يربطهم بالجماعة مجرد (طيف) فكري يتمثل بالخطاب والثرثرة الأدبية .. بل تكون الخطابات تعبيرا عن حالهم وعن مصالحهم بشكل واضح وحاسم وقاطع .. فتكون الدولة أمام كتل اقتصادية واجتماعية وفكرية لها وزنها .. وغضبها وعدم رضاها له ألف حساب عند الدولة ..

فقوة الديمقراطية تأتي من قوة من يحتاجها .. وتلك القوة تنمو بالتمارين وكثرتها، وهي لا تهدى هدية من حاكم يرتاح لوضعه الذي هو فيه، بل تبدأ من الطرف المحكوم، ابتداء بالتوعية وكسب الأنصار في الشريحة الواحدة سواء كانت مهنية (نقابات) أو فكرية أو سياسية أو غيرها، وتصعد بخطابها حتى تنتهي بالعصيان المدني (عند اللزوم) .. لانتزاع قوانين تحاصر الفساد وتطور عملية تناقل السلطة بين المواطنين بشكل سلس ودون (تقنين مفبرك) .


ولكنها لا تبدأ بالعصيان المدني أو الشتائم، فلو قامت ثلة بدعوة الناس لمسيرة سلمية لن تجد من المجيبين الكثير لها، لضعف آلية (القوة) المطالبة بالديمقراطية، في حين لو أرادت أي حكومة أن تخرج أنصارها للشارع ليتظاهروا تأييدا لها فسيكون العدد بالتأكيد أكثر، طالما أن نمو القوى المنادية بالديمقراطية لا يزال ضعيفا.
__________________
ابن حوران
  #5  
قديم 23-12-2006, 12:59 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

تطور أنظمة الحكم في المنطقة العربية
وصور الديمقراطية فيها ..

لقد حقق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة التي حَمَلها الله عز وجل إياه ثورة اجتماعية هائلة، بالإضافة الى الجانب الديني ( ربانية الرسالة). فسحبت السلطة من البيوتات الثرية والتي كانت تتقاسم السيادة في أشكال مختلفة( الرفادة و السقاية والرايات و غيرها)، ووضع الناس تحت حكم مركزي قوام عناصره الرسالة السماوية. وقد أثرى الرسول صلوات الله عليه بالتوجيه والشرح ما يرشد المسلمين الى طريق الصواب.


وكانت النصوص في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تبين حدود الطريق الذي يسير عليه الناس ( مسلمون وغيرهم). فالدعوة قد حُدِدَت بنص (لا إكراه في الدين قد بين الرشد من الغي)1 و (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)2 و (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)3 و (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)4 .

وراعت النصوص القرآنية إرساء القيم الاجتماعية الأساسية ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)5 ووضعت القواعد المحاسبية وفق ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)6.

ثم شرح الرسول صلوات الله عليه الأسس تلك، فأعلن أن الإنسان متخلف في الأرض وفي المال وأن الملكية هي ملكية انتفاع وأن الناس شركاء في المرافق العامة للمجتمع ومصادر الثروة فيه كما ورد في الحديث الشريف ( الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار) ودعم ذلك بمبدأ التكافل الاجتماعي (من يكن ذا فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له)7. وتجلت هذه الأسس في مؤاخاة المهاجرين والأنصار وتقسيم أموالهم فيما بينهم والأمثلة كثيرة.

وُضعت السلطة السياسية في أيدي الناس وأصبحوا هم أصحاب القرار في تصريف أمور حياتهم وبهذا المنحى يقول الرسول صلوات الله عليه ( ما كان من أمر دينكم فإلي .. وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به).. كما عُدت المشاورة وفق الآيتين ( وأمرهم شورى بينهم) و ( وشاورهم في الأمر).

فأصبح أي مسلم تتوافر فيه صفات الإيمان والحكمة والاستعداد لتحمل المسئولية وأن يحوز رضا الناس ليبايعوه حاكما عليهم أن يعتلي أعلى مواقع الحكم. وقد ابتدأ الرسول بنفسه في بيعتي العقبة الشهيرتين.

لقد وجد نص في القرآن يعترف بالعقائد الأخرى ويوفر لمعتنقيها الحرية في ممارسة شعائرهم وصيانة حقوقهم كمواطنين ضمن المجتمع شريطة احترامهم للأسس الجديدة التي أُرسيت (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، فلا خوف عليهم ولا يحزنون)8

حض الإسلام الناس على المشاركة الإيجابية في شؤون الحكم ومطالبتهم بالنقد البنَاء، وقصة الخليفة عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه واضع الخطوط الرئيسية لنظام الحكم الإسلامي، المعروفة حينما قال: ( من رأى منكم فيَ اعوجاجا فليقومه) فقام أحد الأعراب فقال: ( والله يا عمر لو رأينا منك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا).. كما قوله عندما صوبت قوله إعرابية : (أصابت إعرابية وأخطأ عمر). ومثال آخر أورده أبو جعفر الطوسي في كتابه (تلخيص الشافي) عن الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضوان الله عليه وهو يخطب بالناس فيقول ضمن خطابه: ( إن رسول الله كان يُعصم بالوحي وكان معه ملك، وإن لي شيطان يعتريني ألا فراعوني، فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني)9

إعطاء الشرعية للتغيير عندما يحصل انحراف أو عندما يتوقف النظام عن التعبير عن الناس، في هذا يقول رسول الله صلوات الله عليه (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)10 وحديث آخر ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان)11. والآية الكريمة من سورة الرعد ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

هذه الأسس التي أُرسيت، نشأ على هامشها ثقة متبادلة وتلاحم خلاق بين السلطة والناس وزالت الحواجز بينهما وانتفى وجود الخلاف المتبادل بينهما بشكل لم تعد فيه حاجة لوجود أجهزة القمع التي تحرس السلطة وتحميها.. وحادث رسول كسرى الذي قدم الى المدينة فلقي عمر بن الخطاب رضوان الله عليه نائما تحت شجرة دون حرس.. فقال قوله الشهير الذي يكاد يكون قانونا تاريخيا : ( حكمت فعدلت .. فأمنت فنمت) أبلغ مثال على ذلك .. إن تلك الممارسة التي تمت قبل أربعة عشر قرنا كانت متقدمة على عصرها، وسابقة لنداءات مونتسكيو وجان جاك روسو وجون لوك وغيرهم. وليس لهذا القول مداعبة للغرور القومي أو التحسر على الماضي، بل إن لهذا علاقة بالأزمة التي نعيشها و نناقشها ..

يتبع

هوامش
ــــ
1ـ البقرة 256
2ـ النحل 125
3ـ الحجرات 13
4ـ آل عمران 103
5ـ النجم 38ـ41
6ـ الإسراء 15
7ـ حديث نبوي رواه مسلم. المقصود بالظهر وسيلة الركوب.
8ـ المائدة 69
9ـ محمد عمارة : الإسلام والسلطة الدينية ص 16
10ـ رواه أبو داوود عن عبد الله بن عمر
11ـ رواه مسلم والبخاري
__________________
ابن حوران
  #6  
قديم 29-01-2007, 07:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

محطات مفصلية أثرت على شكل الحياة السياسية العربية الحالية

إذا كان لنا الحق أن نفخر بالتجربة العربية الإسلامية التي بدأت بدولة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتدت الى النصف الأول من الدولة العباسية، فإنه لا بد لنا من الاعتراف بأن هناك محطات مفصلية أدت بهذا الزهو والروعة بالأداء (السياسي) الذي تفجرت من خلاله إبداعات المواطنين (بصرف النظر عن دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم) في ظل تلك النمطية من الحكم، الى التراجع الذي قاد في النهاية الى ما سمي بعصر الانحطاط والذي امتد زهاء ألف سنة ..

الانتكاسة الأولى :

مع انتصار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مع القوى المساندة له، على آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والقوى المساندة له، تحول الحكم الى نظام ملكي وراثي، لا دور فيه للإرادة الجماهيرية أو حتى الشرعية .. ومع ذلك استمرت ايجابيات الدولة العربية الإسلامية حيث تجلت في :

أ ـ لم توقف تلك الانتكاسة استمرار عملية تفاعل المجموعات البشرية التي شملها الفتح العربي، ووصلتها الدعوة الإسلامية حتى تم تبلور أمة عربية واحدة في رقعتها الحالية وضمن عالم إسلامي يشمل أمما أخرى. واستمرت المبادئ والأسس التي رُسِخَت في صدر الإسلام في الانتشار بين جماهير كل مجموعة تصلها الدعوة الجديدة.

ب ـ أتاح استقرار الحكم في العهدين الأموي والعباسي (لمنتصفه)، بالرغم من التحول في طبيعة نظام الحكم، وبفعل المبادئ الجديدة التي قدمها الإسلام وفجر بها الطاقات الخلاقة الكامنة .. أتاح قيام تفاعل عميق وشامل أنتجت الحضارة العربية الإسلامية في شتى الميادين الفكرية والتطبيقية..

ج ـ لم تتوقف قطاعات كبيرة من الناس عن الرغبة في تصويب أسلوب تداول السلطة، والعودة الى الأسلوب الذي ساد في صدر الإسلام، وقد كان أول مؤشر لتلك الحركات قد ظهر أثناء الاقتتال على السلطة بين علي و معاوية رضي الله عنهما، فكان هناك فصيلان فكريان:

1ـ الشيعة: التي ناصرت الإمام علي وغالت في مناصرتها، فحصرت حق الخلافة ثم السلطة السياسية في آل البيت، فابتعدت بذلك عن مفهوم الاختيار الشعبي..

2ـ الخوارج: وهي الحركة التي عارضت الفريقين المتصارعين، وتمسكت بمبادئ الاختيار المباشر للحاكم وخضوع السلطة السياسية للإرادة الشعبية، غير أنها وقعت بالتباس شديد إذ أنها عادت السلطة الشرعية ونفذت جزءا من مخططها الذي كان يقتضي بقتل أطراف الصراع، وهو المتعلق بقتل الإمام علي، فظهرت وكأنها تناصر طرفا ضد طرف. ومع ذلك فإنها لم تلق من النظام الجديد سوى التنكيل والتشريد.

انتكاسات متتالية مع بداية النصف الثاني من الحكم العباسي:

مع بداية النصف الثاني من العصر العباسي وتغلغل العنصر غير العربي في الشؤون الداخلية العربية، فأصبح تنصيب وعزل الخليفة يتم من خلال إرادات تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، وإن كانت بعض تلك الإدارات قد نتج عنها بعض النشاطات الفكرية والعلمية الخالدة، إلا أنها مهدت لتفكك جسم الأمة وظهور الدويلات (عصر الأتابكة) في المشرق وإمارات متعددة في المغرب والأندلس، كل هذا قاد الى الغزو الصليبي والمغولي واختفاء شكل الإرادة الذاتية (الجمعية) العربية ..

بالمقابل فقد كانت تتشكل دول تشاركنا في هذا الكوكب، فبعد استكمال بناء الكيانات القومية الأوروبية وانتقالها من عصر الإقطاع والتخلص من (الثيوقراطية) التي تتدخل فيها الكنيسة في الحكم، ثم انتقلت الى الشكل البرجوازي( فكريا وعمليا) وانتقلت الى الليبرالية التي توجت جهدها في حالة إمبريالية لم تقف أطماعها عند حدود. فدخلت منطقتنا بما يشبه الذهول الطويل والركون لنصرة أقوام غير مفهوم تحركها (في وقته) تحت عباءة الدين، ليتوالى حكم أربع وثمانين حاكما مملوكيا و سبعة وثلاثون حاكما عثمانيا.

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان لا بد لمن أراد أن يفكر في حال الأمة أن يتلمس موقع انفلات إرادتها منها ليرتق الشق الذي حدث، من عند طرف بدايته، وبالمقابل على من أراد التفكير في أي حل أن يضع بالحسبان تقدم الذين تقدموا في العالم من شعوب، وأن لا ينسى قدراتهم، ويعيد في نفس الوقت موضوع استثارة الهمم الطيبة لتكون سرعة الأمة في تخطيها أوضاعها لتلحق بمن سبقها من أمم ومن ثم بعد أن ينجز مهمته في التعبئة العامة أن يفكر في شكل الحكم وطريقة تداوله .. لم تكن المهمة سهلة، وهي مهمة مركبة من ثلاث ركائز: تهيئة الأمة وتسريع أدائها أولا، والتخلص من ثقل الشعور بانعدام الوزن والاتكال على قوى غير عربية ثانيا، و مقاومة أطماع القوى الإمبريالية التي كانت تتربص بالدولة العثمانية التي أنهكتها الديون والفساد ثالثا.

كانت النخب التي تولت عملية تحريك الإرادة العربية، قد تلقت علومها في أوروبا واحتكت بالحضارة الأوروبية، وأعجبها قسم مما لاحظته هناك، ولكنها لم تنس جذورها وتراثها العربي الإسلامي، فبدأت بحركة تبشيرها بشكل أدبي مموه بالفكر السياسي، وكان من هؤلاء كل من (رفاعة الطهطاوي، و عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، و جمال الدين الأفغاني وغيرهم) . ثم حدثت مجموعة من الأحداث التي أثرت على الفضاء الذهني العربي في بداية القرن العشرين ولا زالت نتائجها ماثلة حتى اليوم لتفرز مدارس فكرية وسياسية تبحث بها الشكل العام للدولة:

أولا: عندما ظهرت جماعة الاتحاد والترقي التركية التي استلمت الحكم في الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين حاولت (تتريك) وطمس هوية العرب وتحويلهم لأتراك، تصدت النخب القومية العربية لتلك المحاولة اللعينة، فتعرضت تلك النخب الى أبشع أنواع التصفيات من خلال (الخوازيق) والتشريد والإعدام، حتى أعدم في يوم 6/5/1916 مجموعة هائلة من الرموز العربية في يوم واحد على يد جمال باشا، فاستحق هذا اليوم أن يسمى بالتاريخ الحديث يوم (الشهيد العربي)..كما استحق جمال باشا أن يحظى باسم (جمال السفاح).

ثانيا: أدى انتصار الثورة السوفييتية الى انتشار الأفكار الاشتراكية والشيوعية في العالم ومنها منطقتنا..

ثالثا: مع انكشاف سر اتفاقية (سايكس بيكو) وصدور وعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني في نهاية المطاف في قلب الأمة العربية، أخذ النضال العربي مقترنا وممزوجا بأفكار أخذت أولوياتها تتشكل بمقاومة الصهيونية ومقاومة الإمبريالية التي غذت ومهدت وشرعنت لوجود هذا الكيان في المنطقة، والانتباه لمن يمد يد العون أو يبارك أو يتساهل مع تلك المصادر المقلقة والمعيقة لإرادة النهوض لدى الأمة، وقد طال هذا الحذر الاتحاد السوفييتي والحكومات العربية المتعاونة مع الغرب ..

هذه البيئة السياسية التي سبقت حالة النظام العربي الرسمي الراهن والتي تشكل الرافعة الأساسية لتقييم ما نحن فيه، وسيكون لها دور في اقتراح الحلول في تداول السلطة.
__________________
ابن حوران
  #7  
قديم 20-04-2007, 08:42 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المثقفون والديمقراطية

منذ أسبوع وأنا أحاول ربط ما كتبته سابقا، بما سيليه، فوضعت لا يقل عن اثني عشر مرجعا، منها ما كتب في الستينات ومنها ما كتب في الثمانينات أو أوائل التسعينات، فأجبرني هذا الوضع أن أقرأ فصولا من تلك الكتب كاملة، أو أعيد قراءتها أكثر من مرة، فأحسست لأول مرة بشعور يثبط الهمة ويشعرني بالقرف الشديد .. فبالرغم من قدرة الذين كتبوا سواء كانوا من الكتاب العرب، أو من الكتاب الأجانب الذي تطوع بعض المفكرين العرب أن يترجموا ما كتبوا، ويضيفوا بصماتهم أو تدخلاتهم العربية على تلك المساهمات الأجنبية، فإن ما حدث خلال العقدين الماضيين من تغيرات هائلة نسف كل ما كتب وجعل تلك الكتابات تصلح أن تكون مقبولة فيما لو قورنت في ذاتها، أي إذا ما قارنها كاتبها بما أسس له أصلا في محاكمة ما أراد من سوق لنظريته أو ما أراد أن يوصله للقارئ، من جداول إجرائية من سياق ما كتب ..

يستطيع أي كاتب أن يضع وصفة لحل مشاكل الأمة العربية، والإسلامية بخمس دقائق، فيبدأها بالمطالبة أن نعود لكتاب الله ولا بأس أن يزين كتابته ببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، ثم ينتقل للإعداد للخطوة الأخرى من نقل التقانة والتدريب على السلاح وتوحيد الجيوش والالتزام بالأخلاق و نبذ الفرقة وإخماد مواضع الصراعات الجانبية المضيعة لجهد الأمة، وسد المنافذ أمام الجواسيس والمخترقين لصفوف الأمة، وتشجيع العلم ومحاربة الفساد وتقليل الفوارق بين طبقات الشعب الخ ..

لكن ما أهمية ذلك؟ ومن سيحول هذا الكلام لإجراء؟ ألم يتناوب على ذكر تلك الوصفة منذ مئات السنين خطباء الجُمَع، وأساتذة التاريخ، وتوسع بشروحاتها وأساتذة كليات السياسة والقانون والشريعة، والإعلام، والإعلاميين ؟.. وهل هناك تاريخ معين سنتوقف به عن الكلام في هذه المواضيع وقد أنجزنا ما تكلمنا به؟ وقد نُصاب حينها بإحباط عندما تحل مشاكل الأمة، إذ لن يبقى موضوع للكتابة به!

لو عدنا للعقدين السابقين، وألقينا نظرة سريعة عليهما، دون فحص عميق، لخرجنا بوصف يمكن تلخيصه بما يلي:

1ـ بعد تصاعد موجات المعارضة التي قادتها نقابة (تضامن) في (بولندا) وترنح التجربة الشيوعية، رأينا سرعة توجه شعوب البلدان التي كانت تنضوي تحت مجموعة (المنظومة الاشتراكية) نحو التحول السريع الى النموذج الليبرالي الغربي في الانتخابات وتداول السلطة، كما رأينا سرعة التكيف التي اعتمدتها الأحزاب الشيوعية، أو ما تبقى من أعضائها الملتزمين، إذ استبدلت أسماء تلك الأحزاب من (الحزب الشيوعي الفلاني) الى (الحزب الديمقراطي الفلاني) .. وقبلت بالنموذج الليبرالي الغربي، واحتكمت الى الصناديق، وكأنها زاولت العمل بهذا النموذج منذ عشرات السنين ..

2ـ سارعت الكثير من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وحتى إفريقيا (عدا الدول العربية طبعا) لاعتماد هذا النموذج، باستثناء (تجربة موريتانيا) ..

3ـ تراجعت الصيغ الديمقراطية (الصورية) في بعض الأقطار العربية، عما كانت عليه في الفترة التي سبقت (تجربة الجزائر) ..

4ـ دخلت مجموعة من الدول العربية مرحلة التزويق الديمقراطي، في اختيار أشكال من الصيغ التي تذر الرماد في العيون، واعتبار خطواتها تلك، طريقا لتطوير الأسلوب الديمقراطي

5ـ تدخلت دول خارجية لتوليد ديمقراطيات مسخة في منطقتنا، وبالطريقة (القيصرية) لتستبق النمو الطبيعي لولادة ديمقراطيات حقيقية في المنطقة، وتقطع الطريق على تحقيق صيغ شعبية راقية، تجسد الرؤى التي حلم بها مواطننا طيلة العقود السابقة.

6ـ عادت جولات اللغو اللفظي في تحديد وتعريف المفاهيم حول الديمقراطية، وقد استعرت تلك المناوشات من قبل نخب تحيط بالحكومات العربية والمعارضة العربية، بعدما نجحت منظمة حماس في الأراضي المحتلة في انتخاباتها ..

استشعر الكثير من المثقفين العرب، أن تحريك الأحداث في المنطقة لا يخضع، لا لمفاهيم عربية ولا إسلامية ولا حتى عالمية بأشكالها المتناقضة، فمفهوم حقوق الإنسان يخترق في كل لحظة من قبل المتشدقين به عالميا، ومن يحرك عجلة الأحداث في المنطقة هم أعداء شرسون لا تهمهم لا قواعد خلقية ولا سلوكية ولا يبحثوا عن عدالة. ويعاونهم نخب تحكم وتخشى على ديمومة حكمها .. فاختلت كل المعايير التي تشجع المثقفين لأن يسهموا بجدية بتطوير العلاقات مع الحكومات العربية القائمة، فباتوا لا يعلقون آمالا على أي تحرك بهذا الاتجاه ..

بالمقابل، كان الانهيار الذي حدث في الاتحاد السوفييتي والمجموعة التي كانت تدور بفلكه قد شكل قناعات عند الكثير من المثقفين الذين كانوا في حالة تعاطف مع الفكر اليساري، حيث عبر الانهيار عن هشاشة الضمانات الخلقية عند من كان يتبنى الفكر اليساري، فالسرعة في التخلي عن الصمود حول تلك المبادئ، هو ما جعل المتعاطفين يتناسوا تلك التجربة، ولا يرجحوا عودتها نهائيا ..

استشعرت القوى التي تبشر بعودة تطبيق الشريعة، بزيادة نصيب شعبيتها في الساحة الثقافية، خصوصا بعد تراجع القوى القومية، إضافة لاختلال التوازن الدولي بغياب الاتحاد السوفييتي .. وحيث أن تلك القوى لم تمتحن في استلام الحكم (في العصور الحديثة) فإن سجلها خالي من الإخفاقات التي تلازم التيارين اليساري والقومي .. فهي عمليا تكتسح الساحة الثقافية وتسجل نجاحات في الانتخابات البرلمانية والبلدية، وقد يتمنى بعض القائمين على إدارة تلك الجهات (الإسلامية) أن لا تنفرد في الحكم بالوقت الحاضر .. بل تبقى أقليات برلمانية، تستخدم المنابر البرلمانية لنشر خطابها .. في حين لو استلمت الحكم في الوقت الحاضر، فقد تخسر بعض شعبيتها، إن انكشف عجزها في إدارة شؤون الدولة، وقد تكون تجربة السودان نموذجا يمكن القياس عليه في بعض جوانبه ..

هناك صنف من القوى الإسلامية، يدرك أهمية التعاضد والتعاون مع غيره من القوى السياسية الأخرى، وقد يكون التعبير عن تطوير اللغة حول مفهوم الديمقراطية هو ما يميز نشاط هؤلاء بالوقت الحاضر ..
__________________
ابن حوران
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م