المولد والنشأة
في العراق تختلف المشاعر القومية أو الطائفية عن غيرها في البلدان العربية، حيث تتعدد القوميات والطوائف، رغم حالة التعايش الطويلة لقرون طويلة بين نسيج سكانه، فالقومية لها طعم مختلف لوجود من يذكر بها والطائفة لها طعم مختلف لوجود من يذكر بها..
في قرية العوجا من قرى تكريت وفي 28/4/1937 ولد طفل لم يرى والده الذي سبقت وفاته مولده بأربعة شهور أو أكثر لوالدة فقيرة اسمها صبحة طلفاح فقدت علاوة على زوجها ابنها الآخر الذي بلغ من عمره قبل وفاته اثنا عشر عاما.. فنشأ الطفل بجو فلاحي قاسي عانى من طفولته ويتمه ما عانى .. فامتزجت قسوة نشأته الأسرية مع قسوة أوضاع البلاد التي كانت تعاني الفقر رغم غنى موجوداتها .. فحمل في نفسه هما مركبا ..
في أوساط الأقليات يُستساغ الفكر الشيوعي على غيره، لعدم إشباع الذات الفردية في انتماءها الجماعي، فتحلق عاليا في أحلام أممية، وقد يساعد ذلك عدم تطابق ديانة الأفراد لديانة الوسط الأكبر الذين يعيشون فيه، فلذلك كانت معظم قيادات الشيوعيين العراقيين إما يهود أو من طوائف وأعراق غير عربية. في حين كان يميل أبناء الفقراء والذين مقتوا الممارسات الإقطاعية والتباين الاجتماعي الى الانتماء للحركة القومية وما مثلته من أحزاب كحزب البعث فيما بعد أو الى الأحزاب الإسلامية ..
انضم صدام حسين الى صفوف حزب البعث في عام 1957، حيث تعرف على نشاط أعضاءه أثناء انتقاله في رعاية خاله (خير الله طلفاح) ..
وقد مر العراق بعدة انتفاضات وثورات على الحكم الملكي، من بينها ثورة رشيد عالي الكيلاني أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أسهم بها احمد حسن البكر. ومنها الانتفاضة على حكومة صالح جبر عام 1948, وتصاعدت مشاعر الرفض بالأوساط العسكرية حتى تشكلت جماعة الضباط الأحرار، التي أسقطت النظام .
ولما كانت ثورة 14/7/1958 من الأهمية بمكان في تاريخ العراق الراهن فإنه من المفيد في هذا الصدد أن نتوقف عندها بعض الوقت لتكون صورة الخلافات التي ظهرت على السطح وآلت لما آلى إليه العراق من مصير ..
لقد تشكلت قوى من عدة أحزاب للقيام بثورة 14تموز، هي حسب التسلسل الأبجدي حزب الاستقلال و حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديمقراطي (كردي) .. وقد لخصت أهدافها بكراس مكون من 12 صفحة، أهم نقاطه ما يلي :
1ـ تنحية وزارة نوري السعيد وحل المجلس النيابي.
2ـ الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق مع سياسة البلاد العربية المتحررة. ( المقصود الجمهورية العربية المتحدة) (مصر وسوريا)
3ـ مقاومة التدخل الاستعماري بشتى اشكاله ومصادره وانتهاج سياسة عربية مستقلة اساسها الحياد الايجابي.
4 ـ اطلاق الحريات الديمقراطية والدستورية.
5 ـ الغاء الادارة العرفية واطلاق سراح السجناء والمعتقلين والموقوفين السياسيين. واعادة المدرسين والموظفين والمستخدمين والطلاب المفصولين لاسباب سياسية.
وتتضمن الكراس مقدمة عن الوضع الدولي والاوضاع الداخلية التي استوجبت قيام (جبهة الاتحاد الوطني) وتحليل لكل مطلب من المطالب الخمسة للجبهة وكون هذه الاهداف تعتبر في هذه المرحلة نقطة ابتداء لتحقيق الحرية والاستقلال للشعب العراقي، والسير به في موكب الامة العربية التحرري.
لكن استئثار الشيوعيين في تسيير عبد الكريم قاسم الذي كان صاحب مزاجية واضحة، قد جعله يستبعد القوميين والبعثيين الذين كانوا يشكلون الأغلبية العظمى في تنظيم (الضباط الأحرار) الذي نفذ الثورة، وكان منهم عبد السلام عارف و عبد الرحمن عارف و احمد حسن البكر و ناظم الطبقجلي وصالح مهدي عماش والكثير.
وقد تصاعدت مخاوف الشيوعيين عندما أصبحت النداءات من القوميين والبعثيين في تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، فتوجه وفد منهم برئاسة يحي ق و حامد الحمداني تمثل شيوعيي الموصل الى بغداد لتبلغ عبد الكريم قاسم بوجود نواة للتمرد والثورة في الموصل بقيادة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف، ونصح الوفد عبد الكريم قاسم بالمبادرة بمعالجة الموقف .. وقد كانت المعالجة في قتل ما يقارب من عشرين ألفا (حسب إذاعة صوت العرب من القاهرة) من أهالي الموصل وتعذيبهم و تعليق النساء عاريات على أعمدة الهاتف والكهرباء ..
ويقول الشيوعيون (حامد الحمداني) أن عبد الكريم قاسم، عاد وتخلص من الشيوعيين بعد أن نكلوا بأهل الموصل.*1
فكان على البعثيين أن يتحركوا ويخلصوا البلاد من عبد الكريم قاسم، وقد نفذ محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم كل من الشهيدين صدام حسين و عبد الوهاب الغريري الذي استشهد في المحاولة .. في حين استطاع صدام حسين الذي أصيب في ساقه أن يختفي ليغادر العراق الى سوريا ومن ثم الى مصر وكان ذلك في 7/10/1959.
المراجع:
1* أضواء على محاولة انقلاب العقيد الشواف/ حامد الحمداني
__________________
ابن حوران
|