( بحر الحيــاة )
وجهت هذه الأسئلة للــــوافـــــي
فكــانت أجوبته ..
1 / هل كنت معد نفسيا لركوب أمواج الحياة ؟ وماهو قاربك ؟ وماهي مجاديفك؟
كنت أملك بحمد الله منذ البداية ( رؤية ) واضحة للمستقبل ، فقد تعلمت منذ الصغر ( أن من لا يعرف أين يذهب ، فأن أي طريق توصله إلى هناك ) ، ومع هذا لا أنكر أن للمحيطين بي دور كبير في أن أحقق ما كنت خططت له سابقا سواء كان ذلك بالتوجيه أو الدعم والمساندة والتحفيز ، وقد سمعت عبارة من الدكتور / صلاح الراشد يقول فيها : " إذا لم تمتلك خطة واضحة لمستقبلك فأنت بالتأكيد ستكون جزء من خطط الآخرين " ، وهذا يدفعني مرة أخرى إلى التذكير بأهمية الأسرة في بناء الأجيال وإعدادها نفسيا لركوب أمواج الحياة ، مستعينة بإيمانها بالله أولا ثم بالعلم الذي تتلقاه بشقيه الرسمي وغير الرسمي وأخيرا بخوض التجارب مباشرة في معترك الحياة ، فما نتعلمه من خلال التجربة والخطأ يفوق في قيمته ما يمكن أن نحصل عليه من غيره بمراحل عديدة .
أما قاربي في معترك الحياة بعمومها فأتمثله في قول الشاعر :
صحيح ان ما كتب باللوح ياتيني ... لو ما وطيته لزوم انه بياطاني
أما عن مجاديفي فأجدها في قوله عليه الصلاة والسلام ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ) .
2 / شعورك الأول هل كان شعورا بالرجولة وتبعاتها أم شعورا بالمسئولية تحدياتها؟
أصدقك القول .. ؟ ، لا أجد فاصلا بين الرجولة والمسئولية فكلا المصطلحين عندي واحد أو يفسر أحدهما الآخر ، وهذا ليس تعصبا للذكورة – معاذ الله – ولكنني أجد أن المسئولية لا تُلقى إلا على الرجال وهم خلقوا لذلك ، ثم إنني لم أشعر يوما أنني الأفضل لكوني رجلاً فحسب ، فهناك خيط دقيق لا يمكن رؤيته يفصل بين كون الإنسان ( ذكراً ) و كونه ( رجلا ) ، أما بالنسبة للشعور الأول بالرجولة فقد سبق أن ذكرت أننا تربينا في بيئة رجالية بحتة ، حيث كنا نحضر مجالسهم ونحن في سن مبكرة ، ولا زلتُ أذكر أننا كنا نتحدث فيها كما يتحدثون بل ويستمعون إلينا بعناية واهتمام وهذا ما جعلنا نحاول أن نرتقي بأنفسنا قولا وفكراً لنكون في مصافهم آنذاك ، رغم أن البعض قد يعتقد إن في ذلك كبت لبراءة الطفولة وتحطيم لعلاماتها المرتبطة بمراحل النمو ، إلا أن ذلك كان لي عونا بعد الله في تنمية الثقة في النفس والقدرة على الاعتماد عليها ، حتى أنني كنت أسافر إلى خارج البلاد للدراسة في الصيف دون مرافق وأنا لم أتجاوز الثانية عشرة من العمر ، وقد كان في ذلك شعور مبكر بالرجولة وتبعاتها وبالمسئولية وتحدياتها في آن واحد .
3 / من كنت تستشير في هذه المرحلة ؟ وهل شعرت فيها أنك قد تكون أسأت الاختيار؟
كنت في البداية أستشير والدي رحمه الله تعالى ، حيث كنت أطلب رأيه في كل أمر يعن لي ، وأنا في ذلك معه بين أمرين : إما أن أكون قد عقدت العزم مسبقاً فأطلب رأيه ليدعم ما قررت ، أو أكون حائرا فيرشدني ، وبعد وفاته وجدت في أحد أشقائي ما لم أجده في غيره ، بل إنه كان أقرب إلى نفسي من والدي في هذا الأمر ، ربما لتقارب الأعمار أو التفكير أو الرؤى المشتركة عندنا ، وقد اعتبرته مستودعا أضع فيه كل ما أملك دون أن أخشى عليه ، لم أكن أستشيره فحسب بل كنت ألجأ إليه – بعد الله – في كل صغيرة وكبيرة سواء ما احتاج إلى استشارة أو ما لم يكن في حاجة إليها ، وليس ذلك من عدم قدرة على اتخاذ قرار أو العجز عنه ولكنني كنت أتحدث إلى نفسي معه فأسمع منه ما يدور في خاطري بلسانه ، وللأمانة لم أندم – بحمد الله – على أي مشورة أخذتها منهما أبدا ، ولكنهما للأسف قد تركا برحيلهما – عليهما رحمة الله - فراغا كبيرا لم أجد من يملؤه رغم كثرة المخلصين الصادقين من حولي .
4 / ما هو دور العلاقات الاجتماعية في هذه المرحلة ،هل تعتبر نفسك منفتحا على أراء الآخرين أما أنك ما زلت حبيسا لفكر واحد ومدرسة واحدة .
عندما تُبني البيوت فإنه يُجعل لها أبوابا ونوافذ وجميعها مفتوحة على الخارج ، منها يدخل الهواء النقي والضار ، ومنها تدخل الورود والعقارب ، ولكننا نملك أن نغلق الأبواب عن كل ما يضر ، ونفتحها لكل ما ينفع .
هذه القاعدة هي ما أسير عليها وأنتهجها في حياتي ، لإيماني الراسخ أن الإنسان كائن اجتماعي يتأثر ( ويؤثر ) فيمن حوله ، ولن تتكوّن الخبرات إلا بتكرار التجارب وتنوع المشارب ، لهذا كله أنا أعتبر نفسي منفتحا على آراء الآخرين إلى أبعد مدى ، ليس لتطبيق كل ما أجده وألقاه ، ولكن لأنتقي منها ما يخدم توجهاتي ويرتقي بها ، ولأصنع ترياقا لنفسي ضد بعضها الآخر ، خصوصا وأننا في زمنٍ أصبح الحليم فيه حيرانا ، فكيف بمن كان حيراناً من الأساس .؟؟؟
العلاقات الاجتماعية ضرورة دينية قبل أن تكون ضرورة دنيوية ، لهذا سأتجاوز ما كان منها دينيا لأنه لا خيار لي فيه ، وسأتحدث عن العلاقات الاجتماعية الدنيوية ، والتي هي في الغالب ترتبط بتكامل المصالح ( أيا كان نوعها ) ، وهذا يجبرنا على أن نكون منفتحين على كل آراء الآخرين من حولنا سواء اتفقنا معها أم لم نتفق ، لأن قيمة الفرد ومكانته أصبحت تقاس بمقدار ما تركه من أثر فيمن حوله ، ولنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي تعامله مع كل من كان في عصره من بر وفاجر ومشرك وكافر ومسلم ومنافق وغيرهم أسوة حسنة نحاول أن نسير عليها ونتبعها قدر الإمكان .
وعموما يبقى دور العلاقات الاجتماعية والتعامل بها مع الجميع دورا محوريا ورئيسيا في نجاح أي هدف يراد له أن يتحقق ، بعيدا عن نوعية من ستكون تلك العلاقات أو من يكونون .