كتاب ايات الله البينات والايمان
آيات الله البينات
والأيمان
فيصل محمد عوكل
== بسم الله الرحمن الرحيم ==
مقدمــة
لم يكن يخطر في بالي ذات يوم أن أتجه نحو هذا المسار من الكتابات بعد أن مارست الكتابة الصحفية .. والأدب الساخر قرابة خمسة عشر عاما"،ولم أكن أعتقد بأنه سيكون لدي الوقت لتأليف كتاب آخر عدى ذلك الكتاب الذي انشغلت به منذ عام ونصف ألا وهو .. كتاب ألف يوم حول العالم .. في ترحال دائم وسفر متواصل ، وقد انشغلت به عن سواه وقمت بتأليف الأجزاء الثلاثة كبداية .. ولأجدني فجأة دون إرادتي أقف في مرحلة من مراحل الكتاب .. وأجد نفسي لا أشعر برغبة بالكتابة .. وأجد نفسي تتـرع للجلوس والتأمل بتلقائية ترعاها ظروف قدرية عجيبة .. لتنبثق فكرة هذا الكتاب والذي لا أدري كيف يكون بعد أن وجدتني منساقا" إليه والتفرغ إليه ، والفكرة تلح علي في إنجازه قبل أي شيء آخر ..
وكلما حاولت الانصراف عنه وجدتني أعود إلى نفس الدائرة .. دائرة الصمت والاعتكاف والتفكر .. وتغلق أمامي كل السبل إلا في هذا الاتجاه .. وقد ظهرت لي أسبابه من خلال إحساسي بأن الناس في هذا العالم رغم كل الآيات التي يرونها في حياتهم ليلهم ونهارهم ، قد تعاموا عنها تماما" وأضحوا أسرى وعبيد دائرة الدرهم الضيقة تقودهم نحو الفراغ الروحي ولذة جمع المال ولذة التعالي على بعضهم بعضا" وشهوة الحقد والحسد تلتهم قلوبهم وباتوا تخطفهم نحو البعيد .. المظاهر الخادعة والنفاق الاجتماعي وحب التملك .. إبتداء" بشهوة تملك الإنسان ماديا" ونفسيا" وروحيا" .. وشهوة تملك المتاع والرياش .. فغفلوا عن طريق الرب ليكون الكتاب رجاء" وناقوسا" يذكرهم بأن العالم ينحدر .. وعلى الله توكلت وإليه أنبت وإليه المصير .. وأسأل الله التوفيق ، وحسن الختام ..
فيصل محمد عوكل
الأهــداء
إلى شقيق روحي وأخي الذي لم تلده أمي .. والذي كان ولا يزال بألف رجل.
إنه أخي الحبيب الأنسان الذي لم ولن تموت إنسانيته بعد أن أدرك بكل مشاعره بأن الصداقة من الصدق والأخلاص .. وهما صفتان لا يحملهما إلا من تجاوز كل نوازع النفس وأدراك معاني الحب الحقيقي الأسمى ..
لأخي الحبيب عبد اللة علي الكيلاني مع موفور المودة وعظيم الحب ..
وإلى الروح المهاجرة الطاهرة .. مع وافر الحب وعظيم التقدير
فيصل محمد عوكل
بسم الله الرحمن الرحيم
. يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون . الذي جعل لكم الأرض فراشا" والسماء بناء" وأنزل من السماء ماء" فأخرج به من الثمرات رزقا" لكم فلا تجعلوا لله أندادا" وأنتم تعلمون ..
صدق الله العظيم
سورة البقرة الآيات 21 ـ 22 ـ
إن هذه الآيات العظيمات من كتاب الله الكريم موجهة إلى الناس كافه .. أن يعبدوا الله .. وأن يدينوا له بالصدق وبالعبودية .. وأعلمهم ربهم بها أنه هو الباقي والقادر على منح الحياة .. والقادر على أن يميت .. فهو الذي خلقكم كما هو وارد في الآية ، والذين من قبلكم أي آبائهم وأجدادهم حتى بداية العالم حيث آدم عليه السلام .. وأوضح لهم آيات لا ينكرها صاحب عقل .. إذ جعل الله الأرض فراشا" لهم .. منها يبدءون وعليها يعيشون وفيها يقبرون .. أو ليست آية الأرض وخطوهم عليها ليلهم ونهارهم بآية عظيمة .. والله قادر على أن يجعلها تميد بهم .. ولكن رحمته وسعت كل شيء .. ولعل الإنسان أن يتذكر أو أن يخشى .. وخلق السماء بناء" محكما" .. وقدر الله نعمته على خلقه فأنزل من السماء ماء" ، فأخرج به من الثمرات رزقا" للعباد ..
وقد يتجاهل الخلق آية المطر فيمرون مسرعين عنها .. حتى لا تتسخ ثياب بعضهم فلا يحمدون الله على نعمة المطر .. والماء الذي خلق الله منه كل شيء حي .. آية أخرى من آيات الله العظمى .. ومن هذه الآيات رزق الله من الثمرات والشجر والنبات وكل هذه الآيات الدالات على الله متينة وكافية لكل من يفكر ولو لدقيقة واحدة .. بأن الله أولى بنا أن نذكره ونشكره ونحمده دون غيره .. وأن لا يكون خلق الله هم همنا ومن يملكون قلوبنا ومشاعرنا .. وذاكرتنا الحافظة .. ويكونون هم جل حديثنا عنهم في لحظات حياتنا ..فنجعلهم أندادا" لله .. ونحن نعلم علم اليقين بأنهم عباد الله .. وبأن الله قادر على أن يأخذهم منا .. أو يأخذنا منهم بغتة ونحن لا نشعر .. إن كانوا أولادنا فهم عطاء الله لنا فهل نجعل العطاء أعظم من صاحب العطاء المعطي الكريم .. فإن فعلنا فإن هذا نكران للنعمة .. ونكران وكفر بما أعطينا إذ تناسينا مثل هذا الأمر ونحن نعلم بأنه لا خالد إلا الله وأن الموت حق على الوالد والولد .. وعلى الناس جميعا" .. وإن غفلتنا عن مثل هذا الأمر يعني كفراننا بأنعم الله .. إذ كيف نعلم عظمة الله وقدرة الله .. فننسى الله ، ونعظم ذكر نسائنا وأولادنا .. فتكون لهم الطاعة .. ولهم كل شيء وهم لا يملكون لأنفسهم ضرا" ولا نفعا" .. فإذا بأحدهم يموت بغتة فتبقى الحسرة والتي تتبعها حسرات الندم بالغفلة عن الله العزيز الحكيم ..
لأن أولادنا ونسائنا وأموالنا لن تغني عنا أمام الله شيئا" .. فماذا نقول حينها في موقف يجعل الولدان شيبا" .. والحليم حيران خائفا" .. وقد فر كل مخلوق عمن عداه وهو مذعورا" يقول نفسي .. نفسي .. وقد تبع نفسه وهواه وهو حي .. وهو يعلم بوضوح أن نفسه أمارة بالسؤ.. هناك وفي مثل هذه اللحظات وهولها لا ينفع الندم
وإن الإنسان الحقيقي هو الذي يعطي كل شيء قدره بمقدار .. ولا ينسى الله وهو حي .. حتى لا ينسى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .. وأصحاب القلب السليم هم الذين أسلموا بقلوبهم لله ولم يسلموا قلوبهم لأمرأة يعشقونها .. فطغت على القلب والجوارح فتحولت إلى نقمة وليست نعمة .. وهم الذين لم يمل قلبهم للدنيا لتترسخ فيه فتطغى بزخرفها على القلب فينسى الإنسان نفسه ..وهم الذين سلمت قلوبهم من نوازع الحقد ، والغيرة والحسد .. فكانت قلوبهم نقية سليمة من أمراض الدنيا وأدرانها وهم الذين جاءوا الله بقلب سليم لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .. وكانوا يعلمون ذلك .. فبقيت قلوبهم خالصة لله رغم حياتهم في الدنيا وتعاملهم مع البشرية الملوثة بكل أعماقها .. ولم تتلوث قلوبهم .. ولم تدنس ألسنتهم بالمغيبة والنميمة والكذب والخداع .. وحفظوا عيونهم من النظر إلى ما ليس لهم بحق .. وحفظوا آذانهم من سماع الزور وقول الفجور .. فبقيت قلوبهم سليمة طاهرة يكتنفها السلام والأيمان واليقين بالله ..
لأن الأيمان ليس قولا" .. وليس الأيمان بكلمات تقال بل هو صدق ما يكمن في القلب والروح والجوارح .. وصدق مع الله وإخلاص لا تشوبه شائبة .. لأن المؤمن الحقيقي همه كله في الدنيا أن يكون الله راض عنه ولو حاربه الوجود كله .. وغضبت عليه الدنيا كلها .. بينما نجد أن هناك غالبية عظمى يصفهم الله عز وجل بقوله (( بسم الله الرحمن الرحيم . ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .
صدق الله العظيم ـسورة البقرة الآيات 7 ـ 8
لقد نزلت هذه الآيات الكريمة .. وآيات أخرى لتؤكد علم النفس القرآني وعلم الأجتماع الرباني الذي يؤكد للناس طريق حياتهم بأن الصدق والإخلاص هم طريق الخلاص وليس الكذب والإدعاء لخداع من هم حولهم من المؤمنين ..
لأن الصدق في النية في الدين والتعامل مع الآخرين هو لب الأيمان .. وليس الكذب .. وإن هذا الكذب ما هو إلا خداع للنفس نابع من النفس الغير مطمئنة والتي ضلت الطريق السوي .. فعلم الله ما في قلوبهم فذكرهم الله في كتابه الكريم كي يعلم المؤمنين عن هذه الفئة التي أضمرت في نفسها السوء وأعلنت غير ذلك فخدعت الآخرين بأقوالها والله يعلم خبيئة نفسها وشاء الله أن تنـزل هذه الآيات حجة من الله عليهم حتى يتبينوا المصيبة التي هم فيها ويتوبوا إن كانوا يعقلون .. لأن الذين أمنوا بالله واليوم الآخر يدركون يقينا" بأنهم سيجمعهم الله يوم القيامة فيسألهم ماذا فعلوا في الدنيا .. فتداركوا قبل الميعاد مثل هذا الكذب والنفاق .. ولم يمارسوه وكانوا أكثر صدقا" مع أنفسهم ومع الآخرين بوضوح لأن علاقتهم مع الله متينة .. ولأن المؤمن معلق قلبه مع الله ..وغير المؤمن معلق قلبه مع الناس يخافهم ويخادعهم حتى يعيش معهم ويمارس حياته كما هو يريد .. بقلب ميت لا حياة فيه ونفس خبيثة ولسان كذوب .. وأتخذ الأيمان حركات وسكنات حتى يوهم من حوله من المؤمنين حتى يقال مؤمن بينما هو مختوم على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره غشاوة .. ويعدهم الله بعذاب عظيم ..لأنه لو لم يكن مختوم على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره غشاوة .. لأبصر آيات الله فاتعظ بها ولسمع كلام الله فارتعدت فرائضه من هيبة الله وقدرته .. ولو لم يكن على بصره غشاوة لشاهد آيات الله فيه وفي أهله وفي كل ما حوله ولعاد إلى الله ولتاب إليه وصدق في توبته .. وهؤلاء من الصعب إقناعهم .. بأنهم ليسوا مؤمنين .. بل قد يؤذون المؤمنين لو قالوا لهم ذلك .. لأن إقرارهم يعني فضح طويتهم وسريرتهم التي يعرفونها هم قبل غيرهم .. وكما يقول الله عز وجل (إن الإنسان على نفسه لبصيرا ولو ألقى معاذيرا ))
وهؤلأ مهما قالوا يعرفون حقيقة أعماقهم بأنهم لا يناسب حياتهم الاجتماعية وسلوكهم المعيشي غير ذلك .. لأن نفوسهم قد أختطت لها سبيلا" للعيش ولن تفعل شيئا" لا تريده مادام يسعدها ذلك .. فهناك فئة كبيرة تعتقد من شدة جهلها بأن الأنفاق على أهل البيت والولد إسراف ومضيعة للمال .. ويضربون لك الأمثال التي ما أنزل الله بها من سلطان .. ومنهم من يجد أنه أحق من الفقير بالزكاة ويشتري قارورة خمر .. وإن جادلته أوقعك في متاهة ومشكلة ووجدته شرا" مستطيرا" أنت في غنى عنه .. ومن الناس من يؤمن بأنه إن لم يكن ذئبا: أكلته الذئاب .. فأضحى يأكل الحرام بشهية بالغة وسعادة وهو يعتقد بأنه (لفهوي ) وذكي ورجل أعمال ناجح .. مهما كانت مهنته ساقطة .. ويعتبر بأن الصدق والإخلاص كلمات لم يعد لها معنى ولا تطعم خبزا" .. فأتخذ الكذب سبيلا" والرشوة والمال الحرام حقا" مكسوبا" والصراخ والفجور دفاعا" عن النفس وثورة على الباطل الذي هو رأسه وذنبه .. وأضحى إمتهان الإنسان وكرامة الإنسان لديه لذة يستمتع بها حتى يرضى غرور نفسه بأنه أضحى شيئا" مهما" وهو في أحط درجة من درجات الآدمية .. ومن الناس من يتمسك بمقولة جائرة لا يعرف مصدرها .. كقولهم ..( أتق شر من أحسنت إليه ) حتى يمنع الإحسان للغير ويأخذها ذريعة وغطاء بخله وسقوط همته ودناءته وبعده عن الخير ..
وإن الأيمان بالله ليس كلمة تقال بل هو يقين في أعماق القلب والجوارح كلها .. وأبسط دلائل الأيمان .. الصدق مع الذات والصدق مع الله .. ومن ثم الصدق مع الخلائق وإخلاص في القول والفعل .. دون أن يعتو الشعور أدنى ريبة .. لأن صفاء القلب مع الله والإخلاص لله .. والذل في العبودية لله أمر صعب جدا" على أصحاب النزعات الدنيوية الدنيئة .. وأصحاب الهوى والمآرب الذين أتخذوا هواهم إلها" لهم .. فعميت بصيرتهم وأبصارهم .. فختم الله على قلوبهم بفعلهم وما كانوا يمكرون .. والأيمان بين .. هين .. لين .. لمن شاء الله أن يهديه السبيل .. لأنه ما من شيء في الوجود إلا آية من آيات دالة عليه وعلى قدرته وعلى عظمته .. فرؤية النار التي نصطلي عليها آية من آيات الله وجنده .. والماء الذي هو حياة الخلائق كلها آية عظيمة فكيف يتجاهل الإنسان آية لا يحيا دونها .. وهو يشرب منها زلالا" .. ويطهو بها طعامه .. ويتطهر بها .. ويطهر بها ثيابه .. ويسقي بها زروعه .. ولا يتذكر عظمة الله إن تجاهل النعم.. والكفران بالنعمة .. كفران بآيات الله وكفر بالنعم .. ومن يكفر بالنعمة ويتجاهلها ويتعامي عنها إنما هو يتجاهل ويكفر بالمنعم الذي أنعم عليه وتفضل عليه بالنعم والخير الذي وهبه إياه ولو شاء الله لمنع عنه الخير ولكن الله يرزق من يشاء وهو القاهر فوق عباده ..
|