قوة اسرائيل في الولايات المتحدة (1-4)
جيمس بتراس استاذ فخري لعلم الاجتماع في جامعة بنجامتون في نيويورك، واستاذ مساعد في جامعة سانت ماري، في هاليفاكس، كندا. وهو يصف نفسه بأنه ناشط “ثوري ومناويء للامبريالية”. كما انه خبير يحظى بالاحترام في شؤون أمريكا اللاتينية، ومؤرخ عريق للحركات الشعبية فيها. وقد كتب مئات المقالات، اضافة الى 62 كتاباً نشرت ب 29 لغة، ومن بينها الكتاب الذي نحن بصدده “سلطة “اسرائيل” في الولايات المتحدة”، الذي يشير الى خبرته الواسعة في شؤون الشرق الأوسط، وشؤون “إسرائيل” وتغلغلها داخل المؤسسات الأمريكية والمجتمع الأمريكي.
والكتاب توثيق دقيق للنفوذ الهائل الذي يمارسه اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، على الحكومة الأمريكية، بحيث يملي سياسة هذه الدولة في الشرق الأوسط. ويكشف الكتاب نفوذ اللوبي الذي يشمل مسؤولين في أعلى المناصب الحكومية، وعالم الشركات والأعمال، والأوساط الأكاديمية، والدينية، وبخاصة الأصوليين المسيحيين والصهاينة المسيحيين، ووسائل الاعلام وغير ذلك.ويبين بتراس كيف ان هؤلاء مجتمعين، قادرون على تأمين الدعم الأمريكي غير المشروط لكل عناصر الأجندة “الإسرائيلية”، حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح الأمريكية ذاتها.والكتاب صادر عن دار كلاريتي بريس.
اللوبي اليهودي وليس شركات النفط وراء الحرب على العراق
يتناول هذا الكتاب، كما يقول مؤلفه، قدرة اللوبي اليهودي على التأثير في السياسة الأمريكية ازاء الشرق الأوسط ويتضمن ذلك، بالاضافة الى الدعم الأمريكي غير المشروط ل “إسرائيل”، شن حرب عدوانية على العراق، والتحريض على شن هجوم عسكري على ايران، وتأمين الدعم الأمريكي للاستعمار “الاسرائيلي” لفلسطين، والاقتلاع الجماعي للفلسطينيين. وقد ادرك زعماء “اسرائيل” منذ زمن طويل سلطة اللوبي اليهودي في تشكيل السياسة الأمريكية، واتاحت لهم تلك السلطة ان يضربوا عرض الحائط بمطالبات الرؤساء الأمريكيين لهم بين الحين والآخر، بأن يكفوا عن ارتكاب المجازر، والاغتيالات، وهدم المنازل، والعقوبات الجماعية، وغير ذلك من ممارسات الابادة الجماعية التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين.
وقد عبّر ارييل شارون، رئيس الوزراء “الاسرائيلي” السابق، ذات يوم، عن تلك السيطرة اليهودية، حين قال متبجحاً بتأثيره في الرئيس بوش، “ان الولايات المتحدة واقعة تحت سيطرتنا”.ومع ذلك، كما يقول المؤلف، فإن عدداً كبيراً من المراقبين الذين يُحسبون في عداد التقدميين في مناسبات أخرى، ورغم معرفتهم بالتمويل الأمريكي الهائل وغير المسبوق ل “اسرائيل”، ينكرون العلاقة بين الدولة “الاسرائيلية” واللوبي اليهودي، وبين السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، أو يخترعون حججاً خادعة لإبعاد الشبهة عن تلك العلاقة.ويقول المؤلف ان كتابه، يقدّم تحليلاً وتوثيقاً مفصّلين للسلطة التي تمارسها “اسرائيل” من خلال اللوبي على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.يتحدث المؤلف في مقدمة الكتاب عن الأموال التي يدفعها اللوبي اليهودي لتمويل الحملات الانتخابية لكل من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. حيث يتلقى الحزب الديمقراطي اكثر من 60% من تمويله، والحزب الجمهوري اكثر من 35% من تمويله من اللوبي اليهودي.
وترتبط كل هذه الأموال بقضية واحدة، هي دعم “اسرائيل” وسياساتها، ومؤسساتها واستيلائها على الأراضي، وتعريفها السياسي العسكري للأعداء. وما من جماعة ضغط أخرى تلعب مثل هذا الدور المهيمن في تمويل الحزبين.ويقول المؤلف ان الغرض من دفع هذه الأموال، ليس تحقيق مكاسب وامتيازات شخصية لأفراد من اللوبي اليهودي، بل هو تحقيق الأغراض الاستعمارية التوسعية لدولة “اسرائيل”، وتحقيق تفوقها في الشرق الأوسط.ويرد المؤلف السبب الرئيسي لهيمنة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الى النسبة العالية من العائلات اليهودية بين أشد العائلات الأمريكية ثراءً. وينقل عن مجلة فوربس قولها ان 25 30% من أصحاب المليارات والملايين العديدة في الولايات المتحدة يهود.
فإذا أضيف الى ذلك، ما يدفعه الى اللوبي اصحاب المليارات من اليهود الكنديين، الذين يملكون اكثر من 30% من سوق البورصة الكندية، فإنه يمكن عندئذ إدراك مدى وعمق سلطة اللوبي في املاء السياسة الأمريكية ازاء الشرق الاوسط، على الكونجرس وعلى الرئيس الأمريكي ذاته.ويقول المؤلف ان تسلّط “إسرائيل” على الولايات المتحدة له عواقب وخيمة على العالم وعلى السلم والحرب، وعلى استقرار أو عدم استقرار الاقتصاد العالمي، وعلى مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة.. وانه قد حان الوقت لشن حملة مضادة للهيمنة التي يمارسها اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، لا من أجل ايجاد امبراطورية من نوع آخر، متحررة من الأحابيل “الاسرائيلية”، بل من أجل إعادة بناء جمهورية أمريكية ديمقراطية، توفر الحرية الحقيقية للتعبير والنقاش، بشأن القضايا الحساسة التي تهم الشعب الأمريكي.ويعتبر المؤلف كتابه أحد الجهود في سبيل تحقيق ذلك الغرض. ويركّز القسم الأول من الكتاب، والذي يحمل عنوان “السلطة الصهيونية في أمريكا”، على دور المسؤولين الموالين لـ “إسرائيل” في الحكومة الأمريكية واللوبي اليهودي ، في قيادة الولايات المتحدة نحو حرب العراق.ويستهل المؤلف هذا القسم بفصل بعنوان “من الذي لفّق الحديث عن الخطر الحربي الذي يشكله العراق؟”، وهو يتحدث عن فئتين متنافستين من صناع السياسة والمستشارين في الادارة الأمريكية، والفئة الأولى هي فئة الموظفين الاداريين العسكريين والمدنيين في وزارتي الدفاع والخارجية، والفئة الثانية هي التي أوجدها المحافظون الجدد في ادارة بوش داخل وزارة الدفاع، وحشدوا فيها من استطاعوا حشدهم من الساسة، خصيصاً للقيام بذلك التلفيق، وهي التي يطلق عليها اسم “مكتب الخطط الخاصة”.
وكانت مهمة هذا المكتب تدبيج الكتب والمواد الإعلامية، واختراع فكرة أسلحة الدمار الشامل، وتجاهل كل ما عداها من الأدلة التي تثبت عدم وجود هذه الأسلحة. وكان أعضاء هذا المكتب من المسؤولين ضمن سلسلة القيادة التي يقوم على رأسها دونالد رامسفيلد، وهم مرتبطون على نحو وثيق بعدد من المحافظين الجدد المتنفذين، وبالمنظمات الموالية ل “اسرائيل”. وقد أعدوا خططاً وبرامج حربية قائمة على الكذب والتلفيق، لأن “اسرائيل” تريد ذلك من أجل أمنها، وهيمنتها في الشرق الأوسط، وقد بدأوا هذه الخطط بإطاحة صدام حسين، وينوون إتباعها بتغيير الانظمة في سوريا، ولبنان وايران وحتى العربية السعودية. وكان يتزعم ذلك المكتب الذي وُجد من سبتمبر/أيلول 2002 حتى يونيو/حزيران ،2003 أبرام شولسكي، ويتضمن محافظين جدداً آخرين، ليس لديهم اي معرفة مهنية أو تأهيل حقيقي في الشؤون العسكرية وشؤون الاستخبارات. واللذان أوجدا ذلك المكتب هما دوجلاس فيث، يوم كان وكيلاً لوزارة الدفاع، وبول وولفوتز، كما كان شولسكي، كما يقول المؤلف، ربيباً لريتشارد بيرل، المعروف بميله الى الحرب، ومساندته الدائمة لشن هجمات على الأنظمة العربية.
اللوبي اليهودي.. لا شركات النفط
وفي هذا الفصل، يخالف المؤلف آراء معظم المثقفين التقدميين الأمريكيين، الذين يقولون ان النفط، ومصالح شركات النفط الكبرى، هي الدافع الاساسي وراء حرب العراق. ويقول المؤلف، انه ليس هنالك اي دليل يثبت ان شركات النفط الأمريكية الكبرى قد ضغطت على الكونجرس، أو ساندت الحرب في العراق أو المواجهة الحالية مع ايران.ويضيف ان هنالك أدلة عديدة على عدم ارتياح تلك الشركات جراّء الخسائر التي قد تحل بها نتيجة هجوم “اسرائيلي” على ايران.
ويضيف المؤلف ان من المنطقي الافتراض بأن كبريات شركات النفط لا يسعدها تحمل المسؤولية عن كل ما يحدث في الشرق الأوسط ، وبخاصة حين يترافق مع الغضب الشعبي بسبب ارتفاع اسعاز الغاز، ويؤدي الى تحقيقات يجريها مجلس الشيوخ.
ويقول المؤلف ان هنالك أدلة وفيرة، على مدى السنين الخمس عشرة الماضية، على:
1- ان شركات النفط لم تدعم سياسة تقوم على الحرب.
2- ان الحروب قد أضرّت بمصالحها، وعملياتها واتفاقياتها مع الأنظمة العربية والإسلامية البارزة في المنطقة.
3- ان مصالح شركات النفط قد ذهبت ضحية مصالح دولة “اسرائيل”.
4- ان قوة جماعات الضغط الموالية ل “اسرائيل”، تتجاوز قوة شركات النفط في تشكيل السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط.
ويقول مؤلف الكتاب ان غزو أمريكا العراق وموقفها العسكري العدواني ازاء معظم الانظمة العربية في الشرق الأوسط، جعلا أسماء صنّاع السياسة الصهاينة معروفة في العالم. فقد كان وولفوتز وفيث، الثاني والثالث في السيطرة على البنتاجون. وكان من بين ربائبهما في مكتب الخطط الخاصة ابرام شولسكي، وريتشارد بيرل ، الذي كان يومئذ رئيس مجلس سياسة الدفاع ، واليوت ابرامز (المدافع عن الإبادة الجماعية في جواتيمالا في ثمانينات القرن الماضي) ، والذي كان يومئذ المدير الأعلى لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، في مجلس الأمن القومي.
وكان من بين أشد المتعصبين الموالين ل “اسرائيل” في واشنطن نفوذاً، وليام كريستول وروبرت كاجان من مجلة “ذي ويكلي ستاندارد”، وعائلة بايبسي وعدد ضخم من المؤسسات والمعاهد الموالية ل “اسرائيل”، والتي تعمل عن كثب مع الصهاينة اليمينيين في البنتاجون وتشاطرهم الرأي.
ويُجمع منتقدو ادارة بوش على ان احداث 11/9 قد أتاحت للمتعصبين الصهاينة اليمينيين، فرصة فريدة لاستغلال سياسة أمريكا في الشرق الاوسط وقوتها العسكرية لمصلحة “إسرائيل”، ونجحت في جعل الولايات المتحدة تطبق مبدأ الحرب الاستباقية على أعداء “اسرائيل”.
ويضيف المؤلف قائلاً: ان الصهاينة المتعصبين، الذين غلب اهتمامهم بالتفوق “الاسرائيلي” على اهتمامهم بالخسائر العسكرية الامريكية، تجاهلوا المستنقع العسكري الذي يغوض فيه الجيش الامريكي في العراق، ومضوا ليخططوا حروباً جديدة مستهدفين ايران وسوريا ولبنان، بل حتى العربية السعودية، وقد اصدروا سلسلة من “التقارير الاستخبارية” التي تتهم الدول العربية بتمويل وحماية ومساندة الارهاب، واستمرت معلوماتهم الاستخبارية الملفقة في التدفق عندما كانوا مسؤولين في الحكومة، وهي لا تزال تفعل حتى يومنا هذا.ومع تصاعد الخسائر العسكرية الامريكية في العراق يوميا، حيث يقدر عدد الجنود القتلى حتى الأول من اغسطس/ اب 2006 بنحو 2579 جندياً، وحيث بلغت النفقات العسكرية زهاء 300 مليار دولار، ومع تردي حالة الاقتصاد الامريكي ، لم يعد الشعب الامريكي مفتوناً بادارة بوش.
ومع استمرار التحقيقات العلنية، انكشفت عمليات مكتب الخطط الخاصة، وهويات مهندسيه ورجال الدعاية فيه الذين حرضوا على الحرب ضد العراق وساندوا التفوق “الاسرائيلي”.
حرب العراق.. والصهيونية و”اسرائيل”
ضمن فصل يحمل هذا العنوان، يتساءل المؤلف عن السبب الذي جعل الولايات المتحدة تذهب لحرب العراق في مارس/ آذار ،2003 وتضع المزيد من الخطط لمهاجمة سوريا وايران وربما لبنان، ويقول المؤلف ان كل الاسباب التي قدمت حتى الآن قد ثبت بطلانها، فلم تكتشف أي أسلحة دمار شامل.ولم يثبت وجود أي علاقة بين العراق وحركة القاعدة ولم يشكل العراق أي خطر على أمن الولايات المتحدة، وسجلات العديد من حلفاء الولايات المتحدة السابقين أو الحاليين، في مجال حقوق الانسان، إما مثل سجلات العراق أو أسوأ منها، كما ان الحرب والاحتلال والقتل وعمليات السجن والتعذيب الفظيع لألوف العراقيين، قد أثارت حقد وغضب مئات الملايين من المسيحيين والمسلمين وأصحاب الفكر الحر في أرجاء العالم، مما أفقد المؤسسة السياسية في واشنطن مصداقيتها.ثم يتساءل المؤلف : من الذي أفاد من حرب العراق؟ ويجيب قائلا: ان تفحص المنتفعين من هذه الحرب، يعطي فكرة عمن كان لديه الدافع للتحريض على هذه الجريمة ضد الانسانية.ويمضي المؤلف الى القول، ان الولايات المتحدة قد حصدت الخزي والعار، في العالم نتيجة لهذه الحرب التي يستمر تأثيرها في الشعب الامريكي وأعماله ومشاريعه ، والارهاب في تصاعده بينما يمكن الافتراض ان أمن الولايات المتحدة بات في وضع أسوأ. ونفقات الحرب المتصاعدة، والتي يتنبأ البعض بأنها ستتجاوز 2 تريليون دولار (التريليون يساوي واحداً على يمينه واحد وعشرون صفراً) تنخر البنية التحتية الأمريكية ببطء.