في أوائل الستينات بعد سنتين من سنين القحط
كان الناس في الأرياف، إذا ما تتابعت سنون القحط، يلجؤون الى تدابير صارمة في تقنين استهلاكهم للغذاء، الذي لم يكن موجودا أصلا، فمن كان لديه القليل من القمح أو الشعير، يطحن منه ويأكل هو وعياله باقتصاد شديد .. فالكل قد دخل في خطة (حرب البقاء) ..
ومن الطبيعي أن تظهر أعراض، لمثل تلك التدابير، قد تطال المواليد الصغار فيموتون لندرة الحليب في أثداء أمهاتهم. وقد تطال الكبار، فتظهر عليهم علامات الهزل، والضعف وارتباك السير أو الإنهاك المبكر من أي عمل بسيط، وقد تظهر عليهم علامات (العشى الليلي) وهي عدم القدرة على الإبصار في الظلام، أو حتى في النهار .. وهذا ما حدث لمسعود ..
ذهب مسعود الى جدته متلمسا طريقه، وحدثها بعدم قدرته على رؤية أي شيء، فهرعت الجدة الى ابن عمها (فرج) وكان شيخا قد مر عليه الكثير من تلك الحالات، وله بعض النوافل التي تشهد بحكمته الصحية، وحتى لو لم يكن له فالخيارات قليلة أمام من أراد أن يعالج حالة كحالة مسعود ..
ابتسم الشيخ (فرج) ومسد على لحيته البيضاء، وطمأن العجوز (ابنة عمه) .. أن الأمر مقدور عليه .. وهي عبارة يستبشر منها الخير كل من وقع بكرب.. قال الشيخ ائتوني بنصف رطل من (السمرة) وهي (كبد الجمل) .. وقطعوها (14) قطعة .. وضعوها في (صينية) وأدخلوها الفرن ولا تجعلوها تستوي كثيرا، بل نصف استواء ..
فعلت العجوز ما أمرها به (أبقراط) (فرج) .. ونادته وهو الجزء الأهم من وصفته التي لن تتم إذا لم تكن تحت إشرافه!
جلس الشيخ مرتكزا على عجزه، جامعا ساقيه بين يديه، وأمر مسعود أن يجلس كجلسته، مسندا ظهره الى ظهره، فأصبحا كأنهما تمثال حجري من العهد الكنعاني القديم .. فأمر بإحضار الصينية وما تحويه من كبد مشوي نصف شية، فأخذ يتناول قطعة من الكبد ويعطيها لمسعود، قائلا: هذه لك .. ويتناول قطعة ويضعها في فمه (هو) .. حتى انتهيا من أكل الكبد ..
عندما يتذكر مسعود تلك القصة، ويحلف: والله يا أخوان لم تمض نصف ساعة حتى أصبحت أشوف من على بعد كيلومترات .. ويصمت مسعود قليلا، ويقول: لكن ما لم أفهمه، هو ما علاقة أن يأكل الشيخ (فرج) نصف الصينية بموضوع شفائي مما كنت فيه!
__________________
ابن حوران
آخر تعديل بواسطة خاتون ، 04-07-2007 الساعة 06:03 AM.
|