أثبتت معارك الأنبار والفلوجة وأبي غريب وديالى وبعقوبة أن المشروع الجهادي برمته بات يتعرض لخطر شديد من الداخل، وغدت القوى الضالعة في مناهضته بالتحالف مع الأمريكيين تجاهر عبر وسائل الإعلام بنواياها وتستعرض قواها على الأرض وتخوض حربها ضده دون رادع من أخلاق أو دين أو حتى من مصلحة وطنية! ورغم الضربات العنيفة والنوعية التي وجهتها دولة العراق الإسلامية للقوات الأمريكية خاصة في معارك ديالى وفيما يتصل بإسقاط الطائرات المروحية أو بضربها وهي رابضة على أرضية المطارات العسكرية، إلا أن كثافتها تقلصت فعلا، وهو ما تشهد عليه بيانات الدولة والتصريحات الأمريكية التي تتحدث عما تسميه بانخفاض وتيرة العنف. أما ما هي حقيقة هذا الانخفاض؟ ولماذا؟ فهذا هو موضوع المقالة.
ففي الخطاب الصوتي الذي قدمه البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية سميت الأسماء بمسمياتها دون مواربة، فالمجالس العشائرية والإخوان المسلمين في العراق ممثلين بالحزب الإسلامي وحماس وجامع هي القوى الجديدة التي تشكل رأس الحربة للقوات الأمريكية في هجومها على دولة العراق الإسلامية بالذات، لكن بيانات العديد من الجماعات الجهادية والشخصيات الإسلامية أعربت عن غضبها، هي الأخرى، من الدور الذي تلعبه هذه القوى وخاصة الإخوانية منها. فالهجمة الجديدة طالت الكثير من الجماعات الجهادية وغير الجهادية، وصيحات الاستنكار من دور حماس العراق عبرت عنه شخصيات عديدة ليس هيئة علماء المسلمين إلا واحدة منها بعد أن تبين لها أن المستهدف هو المشروع الجهادي برمته والتي تعتبر دولة العراق الإسلامية فيه رأس الحربة.
والحقيقة أن خطاب البغدادي جاء متأخرا في الكشف عن هذه الأدوار التي اتضحت عشية الهجوم الأمريكي على ديالى وتواصل الإعلان عنها عبر التصريحات الأمريكية للقادة العسكريين. والأهم أن الواقع يؤكد على أن المعارك الطاحنة في ديالى وبعقوبة وغيرهما باتت تجري على المكشوف. حتى أن القوى المحلية المناهضة تعمل جاهدة على زرع الفتنة ولم تعد تتورع عن العمل جهارا نهارا وهي ترتكب، بكبرياء، الجرائم في كل لحظة ضد المجاهدين والمدنيين على السواء.
وكما قال الشيخ بشار الفيضي فإن ما جرى خلال الأشهر الماضية كان محاولة حثيثة لتعميم تجربة مجلس إنقاذ (صحوة) الأنبار في ديالى وصلاح الدين وأنحاء مختلفة من العراق. ونظرا لخطورة ما تفعله هذه المجالس بعد أن أسلمت أمرها للقوات الأمريكية التي تحارب القوى السلفية الجهادية وفي مقدمتها دولة العراق الإسلامية فقد لوحظ على هذه الأخيرة توجهها لحسم الموقف مع القوى المحلية المتهمة بالعمالة عبر استهداف رموزها وقادتها، وفعلا فقد أسفرت عديد الهجمات عليها، ذات الطابع الأمني المعقد، إلى مقتل بعض قادتها مثل عبد الستار الجميلي في الفلوجة وفصال القعود في فندق المنصور ببغداد ويونس السامرائيفي كنعان وآخرهم مقتل زعيمها البارز عبد الستار أبو ريشة الذي طالما توعد بسحق ما يسميه بالإرهابيين فإذا به يلقى مصيره على أيديهم.لا شك أن الدور الذي تلعبه بعض القوى العشائرية الموالية للأمريكيين وحكومة المالكي بلغ من الخطر أن تسبب بخسارة مناطق هامة في الأنبار وغيرها كانت تحت سيطرة دولة العراق فضلا عن تقلص الهجمات على القوات الأمريكية الأمر الذي يعيق المشروع الجهادي عن أي تقدم معتبر، وللتأكيد على خطورة هذا الدور يبدو أن دولة العراق الإسلامية حسمت أمرها باتجاه ضرب هذه القوى بشدة ولو كان ذلك على حساب المواجهة مع القوات الأمريكية. ففي البيان الذي أصدرته بخصوص مقتل أبو ريشة كشف النقاب عن:
إقتباس:
1) "تشكيل لجان أمنية خاصة لتعقب واغتيال الرموز العشائرية العميلة؛
2) ترقب نشر قوائم بأسماء الرموز العشائرية الخائنة والعميلة".
أما الملاحظة الأكثر أهمية فهي اعتذار البيان عن ذكر أية تفاصيل عن عملية اغتيال أبو ريشة "لأسبابٍ أمنية" لعل أهمها ما أشار إليه البيان من مساهمة العشائر " في إنجاح هذه العملية المباركة سواء بالمعلومات أو بالدعم اللوجستي". ويبدو أن البغدادي حصل فعلا على هذا الدعم من العشائر خاصة وأن التخطيط للعملية استغرق شهرا كاملا مما يؤشر على اتصالات حقيقية مكنت من نجاح العملية، وشجعت البغدادي على المضي قدما في العفو عن التائبين ممن شعروا أنهم تعرضوا لخديعة، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يصدر عبر وسائل الإعلام وبلسان البغدادي كأعلى سلطة في دولة العراق الإسلامية لو لم تكن هناك اتصالات معتبرة مع العشائر إن لم يكن توصيات منهم بإطلاق الحملة لتأمين المغرر بهم وتمهيد لطريق لآخرين كي ينسلخوا بأمان من مجالس العشائر. ويذكر أن بعض زعماء العشائر سبق لهم وانتفضوا على أبو ريشة بدعوى فساده فضلا عن أنهم لم ينضموا لهذه المجالس كي يكونوا عملاء وخونة وهو ما يخالف عقيدتهم كمسلمين.
وحقيقة الأمر فالحديث عن مجالس الصحوة والإنقاذ والإسناد شابها الكثير من الشكوك بعد أن تبين أن قادتها ورموزها
ليسوا سوى قطاع طرق ولصوص يمارسون السطو والقتل بحق المدنيين ومجرمين سابقين وانتهازيين لم يكن لهم في يوم ما شأن وطني أو أخلاقي،
وكل ما فعلوه من التحالف مع الأمريكيين لم يكن له من هدف إلا الحصول على المال والثراء السريع بقطع النظر عن مصدره، وهو ما اعترف به الأمريكيون أنفسهم من أن هذه القوى لا يُؤمَن جانبها لاسيما وأنها تبحث فقط عن المال.لكن إن كانت المجالس ورموزها يبحثون عن المال لقاء تحالفهم مع الأمريكيين كمرتزقة محلية فما الذي يبرر للحزب الإسلامي وحماس العراق وجامع وغيرها من ثوار العامرية إلى سامر عكاشة وغيرهم من المتهمين التحالف مع الأمريكيين والحكومات الشيعية المتعاقبة على إلحاق الأذى بالمشروع الجهادي؟
فلم يعد يخفى على أحد، وقبل خطاب البغدادي،
إقتباس:
الدور الذي يلعبه الحزب الإسلامي لوأد المشروع الجهادي في العراق ابتداء من تشكيله كتائب الحمزة في القائم وتلعفر وحماس العراق وقتل العشرات من المجاهدين ونصب كمائن لهم وتعقبهم في منازلهم والكشف عن مخازن الأسلحة وتبرير سياسات الحكومات الصفوية وتحريض السكان في سوق بهرز والتحرير على الانقلاب على المجاهدين والتحالف مع أبو ريشة وقادة مجالس العشائر العميلة لإنشاء مجالس الإسناد في عدة محافظات والاجتماع مع شرطة ديالى والضباط الأمريكيين والاتصال بجماعة مقتدى الصدر للقدوم إلى المنطقة والتنسيق الخفي لطارق الهاشمي لعودة الجعفري إلى الحكومة. وكما سبق وأشرنا في مقالات سابقة تكاد لائحة إدانة الحزب الإسلامي وأعوانه في جبهة التوافق في إيذاء أهل السنة عامة والمجاهدين خاصة، ومن أهل السنة أنفسهم، أن تكون أطول من لائحة الإدانة الأمريكية.
وفي خطاب سابق له (قل موتوا بغيظكم) طالب أبو حمزة المهاجر الحزب الإسلامي فقط بان يُخلّي بين المجاهدين والأمريكيين، فلا يتدخلوا ولا يقفوا حجر عثرة أمام المجاهدين، لكن يبدو أن هذه الدعوة لم تجد آذانا صاغية عند الهاشمي وكتائبه المسلحة الذين فضلوا المجاهرة بإعلان الحرب على المجاهدين والتحالف مع الأمريكيين وقوى العمالة، فما كان من هؤلاء إلا الاستعداد للرد بالشدة التي يتطلبها الموقف من الدفاع عن المشروع الجهادي وعن أنفسهم وإلا فسيضيع العراق وتترسخ تقسيماته من دولة صفوية في الوسط والجنوب إلى دولة كردية في الشمال كما يقول البغدادي في خطابه.
ولكن سؤال بسيط للحزب الإسلامي وقواه المسلحة: ما الذي يريده الهاشمي والدليمي أو ينتظراه من إقامة تحالف مع أعداء الأمة؟ وبأية مبررات شرعية يمكن لمقاتليهم أن يشنوا حملات دموية على المجاهدين ويقطعوا عليهم الطريق ويداهمون بيوتهم ويسلمونهم للأمريكيين والمالكي؟ ولماذا يجتمع الدليمي مع خونة الأنبار ويمتدحهم ولا يمتدح مجاهدا؟ وأية عقيدة تسمح لجبهة التوافق بالتحالف مع عدو أصيل للأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض وإعانة مشرك على مقاتلة مجاهد وقتله؟!! بل والتطوع في ذبح المجاهدين من الوريد إلى الوريد؟ ولمصلحة من تُبنى هذه التحالفات؟ وما هي الغاية المرجوة منها؟
الطريف في خطاب البغدادي عنوانه " ويمكرون ويمكر الله"، والأطرف إشارته لمنهج الإخوان في استعمالهم التقية أو ما يسميه بـ "بعقيدة التآمر الإخوانية". فبالنظر لما يجري من وقائع على الأرض فقد تبين أن الإخوان كما يقول البغدادي: "شابهوا الرافضة في أسلوبِ التَّقِية الخسيس؛ فيُظْهِرون إعلاميا أنهم ضد حربنا كما تفعل "حماس" وأخواتها من الكتائب المسلحة التابعة للإخوان المسلمين، بينما حربهم لنا على أَشدها وعلى كافة الصعد".والحق أن مثل هذه التهمة، بحق الإخوان، رائجة بين صفوف الحركات السياسية الإسلامية منها والعلمانية على السواء. لهذا يبدو الخطاب وهجومه على الإخوان المسلمين في العراق ليس عتابا ولا توسل كلمة حق، بل هو، على الأرجح، إفصاح عن منازلة جارية منذ بداية الاحتلال لم يعد إخفاءها واردا بعد سفور المواقف والأفعال وافتضاح التحالفات.
بعد أن قتل أبو ريشة، وصف الرئيس الأمريكي اغتياله بأنه عمل مشين وهمجي! ورأت القوات الأمريكية التي تلقت صفعة مدوية باغتياله، بعد تقريري بتريوس والسفير الأمريكي في العراق، خسارة فادحة، لكن قبل أن تفتح أبواب العزاء للقتيل تبين أنه شهيد ! فهل من مواصفات جديدة للشهداء غير الخيانة والعمالة؟ وهل سيظل الحزب الإسلامي وحماس العراق وجبهة التوافق فرحين بمواصفات الشهادة على الطريقة الأمريكية؟
__________________