حديث السَّحر
حديث السَّحَر
الحبُّ لا تمحوه أقلام البشَِرْ
كلا ، ولا تخفي معالمه الغِيَرْ
الحبُّ أمرٌ سرمديٌ في الورى
النفس تطلبه وتألفه الفِطَر
الحبُّ أنفاسٌ يعالجها الجَوى
الروح تبعثها لتسكن في الصُّوَر
من ليس تأسره اللِّحاظ إذا انثنَتْ
ويميته طرف المليحة إنْ فتَر
إنْ شاء عاش بلا فؤادِ فليَعِشْ
ما ليس يهوى لا يُعَدُّ من البشَر
لا تسمعي يا من أحبُّ لعاذلٍ
لو ذاق كاس الحبِّ يوماً ما صبر
كم من فتاةٍ كان يعجبها إذا
سمعتْ حديثي أن تطيل معي السَّمر
وتظنُّ شعريَ فيك مرسولاً لها
فتبيتُ تحلم بالرسائل والصور
يا عاذليَّ وما علمتم شيمتي
ما لي بما يوهي المروءة مِن وطَرْ
أوَ بعدما صرنا حديثاً للهوى
الكلُّ يعرفه ويشهده القمر
وجلوسِنا متقاربين يُظلُّنا
غصنٌ يمايله النسيم عن الشجر
وكأنما نسماته وعليله
كفَّاً تغازل ما بكفِّك من زَهَر
أوَ بعدما صرنا قصائد شاعرٍ
تروي روائعها جميلات الزُهَر
ويزينها ألق العفاف ورونقٌ
للطُهر مرتسمٌ على جِيد السَّحَر
أوَ بعدما كبر الغرام بقلبنا
وسقاه دمعٌ منذ أيام الصِّغَر
أيام لا شيءٌ يحول لقاءنا
أوْ يمنعِ العينين من حلوِ النَّظر
أوَ تذكرين بذات يومٍ عندما
نثَرتْ علينا السُّحْب حبَّات الدُّرَر
أيام نعدوا في الحقول لوحدنا
ندعو الإله بأن يزيد من المطر
وأنا أراك تُشمِّرين من الرِّدا
ما كان يُخفي عن عيوني ما استتر
نعدوا وكفُّك لا تفارق راحتي
والقلب يقسم بالمشقَّة ما شعَر
فتلا حقتْ أنفاسنا وتسارعَتْ
وبدا على الطفلين آثار الخور
فوقعتِ واستلْقيت خائرة القوى
ورداؤك الورديُّ يستر ما ظهر
فأخذتُ أمسح ما بخدِّك من أذى
وأجول بين ذؤابتيك على حذَرْ
وأمرُّ بالخدِّ الأسيل أجسُّه
فكأنه ريشٌ يسير على نهَر
دافعتِ كفي في دلالٍ ساحرٍ
لم يُؤته جانٌ ولا أحد البشر
في لذَّةٍ لامستُ أوَّل مرَّةٍ
خدَّيك مسَّ محبَّةٍ منذ الصِّغَر
أُنْسيتُ ما حولي سواك كأنما
في البحر أُلقينا وما للبحر بَر
مرّتْ كطيفِ سحابةٍ تلك الرؤى
والدمع من أقصى محاجرنا انهمر
فكَّرت في لثمي شفاهك ليلةً
لكنَّ خوفاً في فؤادي قد وقَر
نقَلَتْ عيوني ما يهيج بخاطري
لكِ فارتجفتِ وبان في العين الذَّعَر
واغْرَوْرَقتْ عيناك واضطرب الحشا
وظننتِ أنَّ الطُهر من قلبي انحسر
أغمضتُ عيني وانحنيتُ لطبعها
قُبَلَ اعتذارٍ في جبينك يا قمر
فسَرَت دماء الحبِّ في أجسادنا
وتدفَّقتْ في وجنتيكِ من الخَفَر
وصحوتُ من سُكري لأسمع هاتفاً
يدعو بصوتٍ في ثناياه الخطر
أوَ بعدما كنتَ الوفيَّ محبَّةً
إذ خان مأمونٌ وموثوقٌ غدر
السيف يصدأ إن يُبلِّلَه الندى
والزهر يذبلُ إنْ تداوله البشر
في صون نفسك عن هواك مرارةٌ
لكنما فعل الحرام هو الأمَرّ
لا تمحُ صفحة عاشقٍ سطَّرتها
بالدمع سهراناً وقد نام السَّهر
لا تهدم الصرح الذي شيَّدته
بعفيف شعرك فاستطال على القمر
واحفظه ركناً للمحبَّة طاهراً
ومقام عشقٍ لا تدنِّسُه الصُّور
حُمْ حوله من غير تقبيلٍ ودَعْ
ذلَّ التبرُّك والعناق إلى الحجر
هذي طقوس الحبِّ يرويها لنا
ثقةٌ إمامٌ في المحبَّة ذو نظر
سنداً رفيعاً عن قلوب أولي الهوى
عن" عروةَ العُذريِّ " تُروى لا " عمر"
__________________
معين بن محمد
|