وهكذا فكل نوع من أنواع الخلق يتعلق به نوع من أنواع الإحسان ، جاءت الشريعة بتفصيله ، حتى الحيوان من الخلق تعلق الإحسان به ، بما مثل به المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) هذا تمثيل لنوع من أنواع الإحسان ، تعلق بنوع من أنواع المخلوقات ، فذكرنا أن الإحسان على كل المخلوقات يعني: في كل المخلوقات التي تعاشرها ، ومن هذه المخلوقات الحيوانات ، فالحيوان كيف تحسن ؟
مثَّلَ المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحيوان تمثيلا وتنبيها للإحسان في غيره ، فقال -عليه الصلاة والسلام- ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) يعني: أن تسعى في القتل بأحسن الطرائق ، وفي الذبح بأحسن الطرائق ، وقوله : ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ) هذا يشمل قتل من يستحق القتل من بني آدم ، أو من الحيوانات ، والظاهر من السياق أن المقصود به الحيوان ، وحتى الإنسان مأمور بأن تحسن قتلته ، فيضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه ، يعني: بما يكون ، يعني: على رقبته بما يكون أسرع في إزهاق روحه .
حتى الكفار أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يمثل بهم ( لا تمثلوا بهم ) وألا يقتل شيخ ، وألا يقتل امرأة ، ولا طفل إلى آخر ما جاء في السنة في ذلك .
قال : ( وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) أحسنوا يعني: ابحثوا عن أحسن طريق للذبح فاذبحوا ، ( وليحد أحدكم شفرته ) يعني: بحيث لا يتألم المذبوح حين الذبح ، ليحد أحدكم شفرته ؛ بحيث يكون إمرارها مسرعا في إزهاق الروح ؛ بحيث لا يأتي يحاول ويحاول فيكون مع ذلك إتعاب الحيوان في إزهاق روحه ، وهذا يدل على استخدام الآلات الجيدة في إزهاق الروح في الحيوان ، فيخالف الإحسان ما قد يفعله بعضهم من أنه لا يحسن الذبح ، ويذهب يتعلم كيف يذبح ، يذهب يتعلم فيأتي عشر دقائق أو خمس دقائق ، وهو يعالج هذه الذبيحة ، وربما فرت منه أو يعني: جمزت من يديه ، وقامت والدم يتناثر ، ونحو ذلك مما قد يجرب بعضهم الذبح ، وهذا مخالف للأمر بالإحسان .
الأمر بالإحسان ؛ إحسان القتلة ، وإحسان الذبحة أن يكون مسرعا في إزهاق الروح في الحيوان بإحداد الشفرة ، وأن تكون يده -أيضا- محسنة لاستعمال الشفرة في ذلك ، وهذا من الإحسان الذي أمرنا به .
حتى جاء من الإحسان الذي أمرنا به ألا تذبح بهيمة عند بهيمة ؛ حتى لا تتأذى برؤية دم أختها وهي تذبح ، فهذا أمر عام بالإحسان في كل شيء ، إحسان في العبادة ، إحسان في التعامل مع نفسه ، ومع الخلق ، ومع الحيوان ، حتى مع النبات فيه إحسان ، حتى مع الجن ، حتى مع الملائكة ، إلى آخر ذلك ، حتى مع مخلوقات الله في كل شيء إحسان بحسبه .
وهذا مقام عظيم أمر الله -جل وعلا- به : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {90} سورة النحل ، فعلى طلاب العلم أن يحسنوا في أقوالهم ، وفي أعمالهم ، وفي تعاملهم مع ربهم -جل وعلا- ، وفي تعاملهم مع الخلق بأنواعه المكلفين وغير المكلفين ، الجبال والنبات والشجر والدواب ، إلى آخر ذلك .
فالله -جل وعلا- كتب الإحسان على كل شيء .
وبهذا القدر الكفاية ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
إنتهى شرح الحديث السابع عشر
تحياتي