[ أمر ابن فهيرة بعد مقتله ]
قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه ؟ قالوا : هو عامر بن فهيرة
[ سبب إسلام ابن سلمى ]
قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، قال - وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر ثم أسلم - ( قال ) فكان يقول إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلا منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول فزت والله فقلت في نفسي : ما فاز ألست قد قتلت الرجل قال حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا : للشهادة فقلت : فاز لعمرو الله
أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع
[ خروج الرسول إلى بني النضير يستعينهم في دية قتلى بني عامر وهمهم بالغدر به ]
قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما ، كما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف . فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، رضوان الله عليهم .
[ انكشاف نيتهم للرسول واستعداده لحربهم ]
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا إلى المدينة . فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة . فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم فأخبرهم الخبر ، بما كانت اليهود أرادت من الغدر به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : ثم سار بالناس حتى نزل بهم .
قال ابن هشام : وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر
[ حصار الرسول لهم وتقطيع نخلهم ]
قال ابن إسحاق : فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها ، فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد ، وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها ؟
[ تحريض الرهط لهم ثم محاولتهم الصلح ]
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم ( عدو الله ) عبد الله بن أبي ابن سلول ( و ) وديعة ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير : أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل . فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به . فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام .
[ تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين ]
وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار . إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ من أسلم من بني النضير ]
ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير ، أبو كعب بن عمرو بن جحاش ; وأبو سعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها .
[ تحريض يامين على قتل ابن جحاش ]
قال ابن إسحاق - وقد حدثني بعض آل يامين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني ؟ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش ، فقتله فيما يزعمون .
[ ما نزل في بني النضير من القرآن ]
ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها ، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته . وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وما عمل به فيهم فقال تعالى : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها . فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء وكان لهم من الله نقمة لعذبهم في الدنيا أي بالسيف ولهم في الآخرة عذاب النار مع ذلك . ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها واللينة ما خالف العجوة من النخل فبإذن الله أي فبأمر الله قطعت لم يكن فسادا ، ولكن كان نقمة من الله وليخزي الفاسقين
وما أفاء الله على رسوله منهم - قال ابن إسحاق : يعني من بني النضير - فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير أي له خاصة .
ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى قال ابن إسحاق : ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب وفتح بالحرب عنوة فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه يقول هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه .
ثم قال تعالى : ألم تر إلى الذين نافقوا يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ومن كان على مثل أمرهم يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب يعني بني النضير إلى قوله كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم يعني بني قينقاع . ثم القصة . . . إلى قوله كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
غزوة ذات الرقاع في سنة أربع
[ الأهبة لها ]
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام :
[ سبب تسميتها بذات الرقاع ]
قال ابن إسحاق :حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع .
قال ابن هشام : وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع : شجرة بذلك الموضع يقال لها : ذات الرقاع .
قال ابن إسحاق : فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، - حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس .
|