مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #181  
قديم 21-10-2005, 06:41 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وهنا يبحث العلماء بحثا معلوما يطول، وهو بحث أصولي وكذلك فقهي، في أن ما يتردد في الصدر ويحيك فيه، ولا يطمئن إليه القلب، هل هو إثم بإطلاق، أم أن بعض أنواعه إثم؟ والتحقيق في هذا أن المسألة فيها تفصيل.

فإذا كان يعني الحالة الأولى : أن يكون التردد الذي في النفس واقعا عن جهل من صاحبه في الحكم الشرعي أو بالسنة، فهذا لو تردد في شيء جاء النص بحسنه أو بإباحته أو بالأمر به -فإنه يكون عاصيا لو لم يفعل، أو يكون ملوما لو لم يمتثل للسنة.

وقد جاء في الحديث الصحيح "صحيح مسلم": ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ناسا بالإفطار في السفر، فبقي منهم بقية لم يفطروا، فقيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن أناسا لم يفطروا. فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة ) .

فهذا يدل أن الأمر إذا كان من السنة بوضوح، فإن تركه لتردد في الصدر أن هذا من الشيطان، فلا اعتبار لهذا النوع: يكون في سفر يقول: أنا لن أقصر، في نفسي شيء من أن أقصر مع توافر الشروط بما دلت عليه السنة بوضوح، فإن هذا تردد لا وجه له.

كذلك شيء دل القرآن الكريم، أو دلت السنة على مشروعيته، ثم هو يبقى في نفسه تردد، فهذا لم يستسلم أو لم يعلم حكم الله -جل وعلا-، فلا قيمة لهذا النوع.

الحالة الثانية: أن يقع التردد من جهة اختلاف المفتين، اختلاف المجتهدين في مسألة، فاختلف المجتهدون في تنزيل واقعة هذا المستفتي على النصوص: فمنهم من أفتاه بكذا، ومنهم من أفتاه بكذا، فهذا ليس الإثم في حقه أن يبقى مع تردد نفسه، ليس الإثم في حقه أن يزيل تردد نفسه.

وليس البر في حقه أن يعمل بما اطمئنت إليه نفسه خارجا عن القولين، بل البر في حقه ما اطمئنت إليه نفسه من أحد القولين؛ لأنه لا يجوز للعامي أن يأخذ بقول نفسه مع وجود عالم يستفتيه، بل إذا استفتى عالما، وأوضح له أمره وأفتاه -فإن عليه أن يفعل ما أفتاه العالم به، فإذا اختلف المفتون فإنه يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه بحاله.

الحالة الثالثة: وهي التي ينزل عليها هذا الحديث، وهي أنه يفتي الناس، وهي أنه يستفتي المفتي فيفتى بشئ لا تطمئن نفسه لصوابه فيما يتعلق بحالته، فيبقى مترددا يخشى أنه لم يفهم، يقول: هذا أفتاني لكن المسألة فيها أشياء أخر لم يستبنها، يقول: المفتي لم يستفصل مني، يقول: حالة المفتي أنه ما استوعب المسألة من جهاتها.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #182  
قديم 21-10-2005, 06:41 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

فإفتاء المفتي للمكلف لا يرفع التكليف عنه في مثل هذه الحالة، وإنما ينجو بالفتوى إذا أوضح مراده بدون التباس فوفي، فإنه يكون قد أدى الذي عليه بسؤال أهل العلم امتثالا لقول الله -جل وعلا-: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {43} النحل .
وأما إذا لم يفصل أو لم يستفصل المسئول المفتي، أو لم يحسن فهم المسألة فاستجعل وأفتى، وبقي في قلب المستفتي شيء من الريب من جهة أن المفتي لم يفهم كلامه، أو لم يفهم حاله أو أن هناك من حاله ما لا يصلح أن يبين، أو ما لم يستطع بيانه -فإن هذا يدخل في هذا الحديث بوضوح: ( فالإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) .

فإذن الأحوال كما قال أهل العلم ثلاثة: اثنان منها لا تدخل في ذلك، وهي :
الأولى : نعيدها باختصار، الأولى: ما ورد النص به؛ فإنه لا يجوز أن يبقى في النفس تردد مع ورود النص: من الكتاب، أو السنة، أو إجماع أهل العلم في المسألة، أو إجماع أهل السنة في المسألة.

والثاني: أن يختلف المفتون، وقد أوضح لهم حاله، فإن عليه أن يأخذ بفتوى الأعلم الأفقه منهم، أو من تطمئن نفسه لفتواه.

والحالة الثالثة: أنه لم يحسن إبداء المسألة، أو لم يستفصل المفتي، فرجع الأمر فيما بينه وبين المفتي إلى عدم وضوح في موافقة حكم الله في المسألة، فإنه يترك الأمر ويخلو من الخلاف استبراء لدينه، ورغبة في دوام تعرضه للإثم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

إنتهى شرح الحديث السابع والعشرون

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #183  
قديم 04-11-2005, 04:39 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث الثامن والعشرون

أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة

عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة، وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

هذا الحديث أصل في بابه في بيان الاستمساك بتقوى الله -جل وعلا- والوصية بذلك، والاستمساك بالسمع والطاعة، وبالسنة وبطريقة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد النبي عليه الصلاة والسلام

قال العرباض بن سارية رضي الله عنه ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون ) "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة" الوعظ هو التذكير بالأمر والنهي، وبحقوق الله -جل وعلا- في الأمر والنهي -يعني: فيما أمر به ونهى عنه-، وهذا يكون معه غالبا التخويف.

فالموعظة قد تكون بترغيب، وقد تكون بترهيب، والغالب عليها أن يكون معها التخويف من عدم امتثال الأمر أو بإرتكاب النهي، قد جاء ذكر الموعظة في القرآن في عدد من المواضع، والمفسرون فسروها بإتباع الأمر، أو بالتذكير بإتباع الأمر، والتذكير بإجتناب النهي، قالوا: إن لفظ "وعظ" بمعنى: جعل غيره في عظة.

والعظة: نوع مما يحصل به الاعتبار، وذلك من آثار الاستجابة للتخويف أو التهديد أو الإنذار أو الإعلام وما شابه ذلك؛ فلهذا فسرت الموعظة فيما جاء في القرآن بأنها كما ذكرت لك امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وإلقاء ذلك بشيء من التخويف منهما، وعمم الموعظة أمور الترغيب والترهيب، فيقال: هذه موعظة إذا ذكر بالله وبالآخرة، وبأمر الله ونهيه، وبعقوبة المنتهي عن الأمر، أو المرتكب للمنهي حين يذكر بعقوبته في الآخرة أو في الدنيا صار واعظا.

المقصود من هذا أن قوله هنا: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون ) سبب الوجل، وجل القلوب، وسبب أن العيون زرفت أنها اشتملت على أشياء منها: التخويف والوعيد، ومنها أنه نبههم أنه سيفارقهم.

فجمع -عليه الصلاة والسلام- لهم ما بين الإشعار بمفارقته لهم-عليه الصلاة والسلام- وما بين تذكيرهم بأمر الله -جل وعلا-، وبحدوده وأوامره، والتخويف من مخالفة ذلك، فقال رضي الله عنه ( وجلت منها القلوب، وزرفت منها العيون ) .

والوجل -وجل القلوب- أعظم من خوفها؛ لأن الوجل خوف وزيادة ، وهو الخوف الذي معه +اغترار وتردد في هذا الأمر-يعني: أنه خاف منه مع كون القلب راغبا راهبا في هذا الأمر- فهناك درجات فيه: الرهبة، والخوف، والوجل، فكلها داخلة في معنى الخوف، لكن كل واحدة لها مرتبتها.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #184  
قديم 04-11-2005, 04:40 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع ) يعني لما اشتملت عليه من الإشارات، ولما كانت عليه من أنها جامعة فاستشفوا أنها موعظة مودع لهم، فكأنه -عليه الصلاة والسلام- جمع لهم ما يحتاجون، وأرشدهم بذلك بأنه ربما فارقهم ؛ لأنه جمع أشياء كثيرة في مكان واحد.

قال: "فأوصنا" ومر معنا معنى الوصية، قال -عليه الصلاة والسلام-: ( أوصيكم بتقوى الله الله ) والتقوى: هي وصية الله للأولين والآخرين، وقد ذكرنا لكم أن معنى التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وعقابه في الدنيا الآخرة وقاية، وهذه الوقاية بامتثال أوامره واجتناب مناهيه، والعمل بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتقوى في كل مقام بحسبه.

فقد فسرت التقوى بعدة تفسيرات ذكرناها لكم، ومن أحسنها قول طلق بن حبيب -رحمه الله تعالى- أن التقوى: هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.

فجمع في هذا التعريف بين الترك والعلم والنية، وهذا هو حقيقة التقوى في الأوامر والنواهي، قال: ( أوصيكم بتقوى الله الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) قال: ( والسمع والطاعة ) والسمع والطاعة حقان للإمام أو للأمير، وهما من ثمرات البيعة؛ لأن البيعة عقد وعهد على السمع والطاعة، فتحصل بالمباشرة وتحصل بالإنابة.

فالسمع والطاعة من ثمرات البيعة، فالإمام المسلم إذا بايعه طائفة من أهل العلم، ومن يسار إليهم في الحل والعقد - فإن في بيعتهم له على السمع والطاعة، وعهدهم له أن يسمعوا ويطيعوا -في ذلك مبايعة بقية المسلمين، وعلى هذا جرت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين .

فالسمع والطاعة -كما ذكرت لك- لا فرق بينه وبين البيعة، ومن فرق بين البيعة وبين السمع والطاعة في الحقوق التي للإمام المسلم أو للأمير المسلم، فلا دليل له من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا من عمل الصحابة والتابعين، ولا من قول أهل السنة والجماعة، وأتباع السلف الصالح من عقائدهم.

فالسمع والطاعة للأمير المسلم حق من حقوقه؛ لقول الله -جل وعلا-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59}‏ النساء ، لكن السمع والطاعة له لا تجب له حقا له استقلالا، وإنما هي على وجه التبع -يعني أنها تبع لطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولهذا جاء في الأحاديث بيان أن ( الطاعة إنما هي في المعروف ) .

والمعروف هو ما ليس بمعصية -يعني: ما عرف في الشرع حسنه- وهو ما ليس بمعصية؛ ولهذا جاء في أحاديث أخر بيان أن الطاعة تكون في غير المعصية، وعلى هذا اعتقاد أهل السنة والجماعة في امتثالهم لهذه الوصية العظيمة منه -عليه الصلاة والسلام-: ( أوصيكم بتقوى الله الله والسمع والطاعة ) .

السمع والطاعة -كما ذكرت لك- يعني في غير المعصية، فإذا كان في الواجبات فالسمع والطاعة لأمر الله -جل وعلا-، ولحق الله -جل وعلا- لا لحق الأمير، وإذا كان في المبيحات أو فيما يكون فيه الاجتهاد، فهنا يتوجه السمع والطاعة لحق الإمام أو لحق الأمير.

يعني أن المسائل ثلاث: ما وجب بأصل الشرع فإنه يطاع فيه الأمير لأمر الله -جل وعلا- لذلك، وليست الطاعة هنا في الواجب من حقوقه، بل هو يطاع لحق الله -جل وعلا- في طاعته فيما أوجب جل وعلا.

والحالة الثانية: أن يأمر أو ينهى عن مباح، أو فيما فيه اجتهاد، أو عن مكروه أو ما أشبه ذلك، فإنه يطاع هنا لحقه هو؛ لأن الله -جل وعلا- جعل له السمع والطاعة.

الحالة الثالثة: أن يكون أمره بمعصية أو نهيه عن واجب، فهنا لا طاعة له؛ لأن طاعة الله -جل وعلا- حق مقدم على طاعة غيره ممن جعل الله -جل وعلا- له الحق، فمثلا: الوالدان، والمرأة لزوجها، والإمام، وأشباه ذلك ممن جعل الله -جل وعلا- لهم حقا في السمع والطاعة، فإنهم يطاعون في غير المعصية، يعني: فيما جاء في الشريعة أنه غير محرم.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #185  
قديم 04-11-2005, 04:42 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( وإن تأمر عليكم عبد ) "وإن تأمر عليكم عبد" في قوله: "تأمر" معنى تغلب، ( وإن تأمر عليكم عبد ) يعني: غلب عبد على الإمارة، فدعا لمبياعته أو دعا لأن يسمع له ويطاع، فهنا يجب أن يسمع له ويطاع
فلهذا قال العلماء: الولايات الشرعية العامة تكون بإحدى طريقين:
الطريق الأول: طريق الاختيار: أن يختار الإمام العام، أو أن يختار الأمير، والاختيار، ولاية الاختيار لها شروطها إذا كانت لأهل الحل والعقد، فإنهم يختارون من اجتمعت فيه الشروط الشرعية التى جاءت في الأحاديث، ومنها: أن يكون الإمام قرشيا، ومنها أن يكون عالما، ومنها أن يكون يحسن سياسة الأمور، وأشباه ذلك مما اشترطه أهل العلم في ولاية الاختيار.

والقسم الثاني: ولاية التغلب: وهو أن يغلب الإمام، أن يغلب أحد أميرٌ أو غيره ممن لا تتوفر فيه الشروط، أو بعض الشروط، أو تكون تتوفر فيه لكنه غلب إماما آخر قبله فإنه هنا إذا غلبه فيبايع، ويسمع له، ويطاع؛ لأن البيعة هنا أصبحت بيعة تغلب، والولاية ولاية غلبة وسيف.

فهذا كما أوصى هنا -عليه الصلاة والسلام- أن يسمع ويطاع لمن لم تتوفر فيه الشروط التي تكون في ولاية الاختيار؛ حيث قال هنا -عليه الصلاة والسلام-: ( وإن تأمر ) ونفهم من التأمر أنه لم يكن ثم اختيار، فهذه ولاية التغلب، وقال: ( إن تأمر عليكم عبد ) ومعلوم أن العبد لا يختار بيدي أمور المسلمين.

فدل هذا على أن ولاية الغلبة يجب لمن غلب فتولى، يجب له السمع والطاعة، كما تجب للإمام الذى يختار اختيارا، لا فرق بينهما في حقوق البيعة والسمع والطاعة؛ وذلك لأجل المصلحة العامة من المسلمين.

وإذا نظرت فإن الاختيار وقع في تاريخ هذه الأمة على الخلفاء الراشدين الأربعة، وعلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ومن بعد معاوية من عهد يزيد إلى زماننا هذا، فالولايات ولايات تغلب؛ لأنها تكونت الدويلات، وهذا يعارض هذا إلى آخره، فكلها لم تنشأ كتواتر أو كتتابع لأصل الخلافة الراشدة، وإنما صارت ولاية تغلب.

وهذا هو الذى جاء في الحديث الصحيح أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ( تكون خلافة النبوة ثلاثين عاما ) أو قال: ( ثلاثون عاما خلافة النبوة ) ثم يكون ملكا عاضا وهكذا، يعني: أن الخلافة التي على منهاج النبوة تكون في هذه الأمة فقط لمدة ثلاثين عاما بعده -عليه الصلاة والسلام-، وهي التي انتهت بمقتل علي رضي الله عنه .

وولاية معاوية -كما هو معلوم- ولاية اختيار؛ لأن الحسن بن علي تنازل له عن الخلافة، فاجتمع عليه الناس، وسمي ذلك العام عام الجماعة؛ لاجتماعهم على معاوية رضي الله عنه وما بعده أصبحت ولاية تغلب.

وأهل السنة والجماعة أجمعوا لما صنفوا عقائدهم من القرن الثاني إلى زماننا هذا -على أن البيعة منعقدة لمن تغلب، ودعا الناس إلى إمامته، مع أن الذى يشترط للإمام غير متوفر فيه أو هو متوفر فيه، فالأمر سيان من جهة حقوقه، حقوق الطاعة والسمع والبيعة، وما يترتب على ذلك من الجهاد معه والتجميع عليه، وعدم التنفير عنه، وسائر الحقوق التي جاءت في الأئمة والأمراء.

قال هنا -عليه الصلاة والسلام-: ( وإن تأمر عليكم عبد ) فإن الفاء هذه تعليلية ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) يعني: سيرى اختلافا على الأمراء، فوصيته -عليه الصلاة والسلام- له أنه من عاش فرأى الاختلاف، فعليه بالسمع والطاعة وإن تأمر عليه عبد.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #186  
قديم 04-11-2005, 04:43 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وجاء في أحاديث أخر بيان بعض هذا الاختلاف، وما يحصل من الفرقة وأشباه ذلك يجمعها أن الاختلاف اختلاف على الدين، أو اختلاف على الأمير، فمن رأى الاختلاف الكثير فإن عليه أن يلزم التقوى، وعليه أن يلزم السمع والطاعة، فهذه وصيته -عليه الصلاة والسلام- إذ قال: ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ) .

والاختلاف الكثير يعني: عما كانت عليه سنته -عليه الصلاة والسلام- فأوصى فقال: ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) عليكم بسنتي يعني: الزموا سنتي، ابحثوا عنها والزموها، فما أوصيت فيه في سنتي فالزموه، وهذا هو الواجب على العباد حين الاختلاف.
إذا اختلفوا في العقائد فعليهم أن يبحثوا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا في الشرائع وفي الأحكام فعليهم أن يبحثوا في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا كثر الاختلاف بينهم في أمور الفتن والآراء إلى آخره فعليهم أن يرجعوا إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين؛ فإن فيها النجاة.

ولم نر مسألة من المسائل التي من أجلها اختلف الناس في تاريخ الإسلام كله، من أوله إلى يومنا هذا إلا وفي السنة بيانها، لكن يؤتى الناس من جهة أنهم لا يرغبون في السنة، لا يرغبون في امتثال وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه وبيانه -عليه الصلاة والسلام-؛ لهذا أوصى -عليه الصلاة والسلام- هذه الوصية العظيمة، فقال: ( فعليكم بسنتي ) .

والسنة المقصود هنا بها الهدي والطريقة التي كان عليها -عليه الصلاة والسلام-، والسنة بيان للقرآن، فما كان من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وما كان من أفعاله -فإن في ذلك السنة، وهي الطريقة والهدي الذي كان عليه -عليه الصلاة والسلام-.

وهذا فيه بيان واضح لمعنى القرآن، حيث قال -جل وعلا-: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {44} في سورة النحل، فقوله: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) الذكر هنا هو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ( وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) الخلفاء: هم الذين خلفوا المصطفى صلى الله عليه وسلم في ولاية الأمر على طريقته عليه الصلاة والسلام.

والخلفاء الراشدون من بعده -عليه الصلاة والسلام- أربعة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم أجمعين-، ووصفوا بأنهم راشدون؛ لأنهم قاموا بالرشد، والرشد: هو العلم بالحق والعمل به. فسموا راشدين؛ لأنهم كانوا علماء في الحق عملوا به، وليست هذه الصفة إلا لهؤلاء الأربعة.

وفي عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- خلاف، هل يعد من الخلفاء الراشدين أم لا يعد من الخلفاء الراشدين؟ والذي عليه نص كثير من أهل العلم كأحمد وغيره أنه من الخلفاء الراشدين؛ لأنه علم الحق فعمل به، وعامة الولاة ليسوا على ذلك بل منهم من لا يعلم الحق أصلا، ومنهم من يعلم الحق فيخالفه لأهواء وشهوات، ونوازع مختلفة.

فالذين وصفوا بأنهم خلفاء راشدون هؤلاء هم الأربعة أصحاب محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام-، وعمر بن عبد العزيز كذلك خليفة راشد، وهنا تنبيه على مقالة ربما ترد على ألسنة بعض الكتاب، وهي غير سليمة من جهة مكانة الصحابة -رضوان الله عليهم-، غير متفقة بالجملة مع عقائد أهل السنة والجماعة فيما نفهم من عقائدهم، وهي قولهم عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: إنه خامس الخلفاء الراشدين.
وهذا ليس بسديد؛ لأن معاوية رضي الله عنه أعظم منزلة من عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى-، وإذا كان ثم خامس للخلفاء الراشدين فهو معاوية؛ لأنه أحق بهذا الوصف من عمر بن عبد العزيز، لكن عمر وصفه جماعة من أهل العلم بأنه خليفة راشد، ومعاوية بحسب الاعتبار أنه اجتمع عليه؛ فإنه خليفة راشد.

لكن لما جعل الأمر ملكا في بنيه -ملكا في يزيد- كان أهل العلم يعبرون عنه بأنه ملك راشد، وخير ملوك المسلمين على الإطلاق، وهو خليفة؛ لأنه خلف ما بعده بالحق، وليس ثم خامس للأربعة الخلفاء، فإذا قيل: إن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- خليفة راشد هذا حق، ولكن لا يقال: هو خامس الخلفاء الراشدين؛ لأن معاوية أحق منه بهذا الوصف، لو كان هذا الوصف سائغا.

أما الخلفاء فهم أربعة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ( ثلاثون سنة خلافة نبوة ) فما بعد ذلك إنما هو وصف لأجل التحبيب في خلال الأمراء وأوصاف الولاة.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #187  
قديم 04-11-2005, 04:46 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال -عليه الصلاة والسلام-: "المهديين" يعني: الذين من الله عليهم فهداهم للحق فعملوا به، قال: ( عضوا عليها بالنواجذ ) "بالنواخذ" وهي الأضراس، وأشد ما يكون الاستمساك إذا أراد المرء أن يستمسك بشيء بأسنانه أن يعض عليه بأضراسه؛ لأنها أشد الأسنان.

فقال -عليه الصلاة والسلام-: ( عضوا عليها بالنواجذ ) يعني: كونوا مستمسكين بها على أشد ما يكون الاستمساك بسنته عند الاختلاف، وسنة الخلفاء الراشدين عند الاختلاف، والتقوى والسمع والطاعة؛ فإن في هذا النجاة، وهذا مجرب في كل ما مر في تاريخ الإسلام من تقلبات وفتن، فإن من أخذ بهذه الوصية نجا في دينه ودنياه.

قال -عليه الصلاة والسلام-: ( وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) "إياكم" هذا تحذير ونهي، ومن الصيغ التي يفهم منها النهي أو يعبر بها عن النهي صيغة إياك، وكذا كما قرره علماء الأصول، فقوله: ( وإياكم ومحدثات الأمور ) هذا في معنى قوله: لا تقربوا أو لا تأتوا محدثات الأمور، فهو نهي عن محدثات الأمور.

والمحدثات جمع محدثة، وهي: كل ما أحدث بعده -عليه الصلاة والسلام- على غير مثال سابق له، وهذه المحدثات التي أحدثت على قسمين: منها محدثات من قبيل المصالح المرسلة التي أوضحنا لكم معناها وضوابطها في أوائل هذا الشرح، فهذه لا تدخل في المحدثات المذمومة؛ لأنها محدثة لغة، ولكنها ليست بمحدثة شرعا؛ لأن لها الدليل في الشرع الذي دل على اعتبارها، وهو كونها من المصالح المرسلة، وأشباه ذلك على الضوابط التي ذكرنها في ذلك المقام.

والقسم الثاني: المحدثات التي هي في الدين بما أحدث مع قيام المقتضي لفعله في عهده صلى الله عليه وسلم وترك، فما ترك في عهده من العبادات أو مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- مع قيام المقتضي بفعله ولم يفعل، فهو محدثة في الدين، فهو بدعة.

وهذا القسم هو الذي يتوجه إليه قوله صلى الله عليه وسلم ( وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) وهذا يعني أن نعكس الأمر، فيكون المنهي عنه هي الضلالات من البدع، وهي البدع في الشريعة البدع في الدين.

وأما البدع من حيث هي في اللغة فإنها قد تكون، ولا ينهى عنها في الشرع كما قال عمر حين جمع الناس، أو حين جمع الناس على إمام واحد، فقال: "نعمت البدعة هذه" فجعلها بدعة -يعني: في اللغة- فليست كل بدعة في اللغة بدعة في الشرع؛ لأنها قد تكون بدعة لغة، ولا تكون بدعة شرعا لدخولها في تعريف المصالح المرسلة، أو في العفو العام أو ما أشبه ذلك.

أما ما يتقرب إلى الله به من العبادات، وقد قام المقتضى بفعله في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولم يفعل -فإنه من البدع المحدثات، ومن البدع الضلالة، فقال: ( فإن كل بدعة ضلالة ) وهذه الكلية من صيغ العموم، وهذا يدل على إبطال قول من قال: إن من البدع في الدين ما ليس بضلالة.

وهو ما أحدثه العز بن عبد السلام في الأمة من تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، ومستحبة، ومباحة، ومكروهة، ومحرمة. فتبعه الناس على ذلك، وانتشرت البدع على هذا التعريف أو هذا التقسيم بقوله: إن من البدع ما هو واجب، ومن البدع ما هو مستحب، وأشباه ذلك، وهذا مصادم لهذا النص، وقولهم بالرأي، والقول بالرأي مذموم إذا كان في مقابلة النص ومصادمته.

فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لنا: ( فإن كل بدعة ضلالة ) فهذه الكلية، فمن قال: "إن ثم من البدع ما ليس بضلالة" فهو مخالف لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ( إن كل بدعة ضلالة ) فما من بدعة في الدين إلا وهي ضلالة، كما قال عليه الصلاة والسلام.

على تعريف البدعة الذي ذكرناه يخرج من ذلك المصالح المرسلة؛ لأنها لا تدخل في البدع، كما هو معروف من تعريف البدع، وتعريف المصلحة المرسلة؛ حيث ذكرنا لك ذلك مفصلا في موضعه

إنتهى شرح الحديث الثامن والعشرون

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #188  
قديم 11-12-2005, 12:23 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث التاسع والعشرون

تعبد الله ولا تشرك به شيئا

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار. قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا قوله -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {17} السجدة ، حتى بلغ: ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96}البقرة .
ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله.
فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

هذا الحديث فيه ذكر أشياء من أبواب الخير، وهو من الأحاديث العظيمة التي في كل جملة منها شاهد، لكل جملة منه شواهد كثيرة؛ ولهذا هو حديث حسن بمجموع شواهده لجمله المختلفة.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه ( قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار ) هذا فيه ما ينبغي التأدب به على ما ينبغي التأدب به لأهل العلم؛ لأن معاذ بن جبل -رضي الله عنه، ورحمه- من أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام، بل هو أعلم الأمة بالحلال والحرام.

فهو من أهل العلم، وهذا يدل على أن طالب العلم ينبغي عليه أن يكون حريصا على ما يقربه من الجنة، ويباعده عن النار، قال معاذ: ( يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار ) وهذا مما ينبغي لكل طالب علم أن يحرص عليه: ما يقربه إلى الجنة، وما يباعده من النار.

لأن العلم له شهوة، والعلم له عنفوان، وقد يصرف صاحبه عن السعي في الغاية من العلم، وهو ما يقرب من الجنة، وما يباعد عن النار، وقد قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-: إن للعلم طغيانا كطغيان الماء، فالعلم يطغي إذا لم يكن صاحبه يسعى فيما يقربه إلى الجنة، ويباعده عن النار.

فالعلم له مقتضيات كثيرة، وأصحاب العلم وأهل العلم وطلبة العلم ينبغي لهم أن يكونوا ألين الناس في غير تفريط، وأن يكونوا أبصر الناس، وأحق الناس بالحكمة والأخذ بما يقربهم إلى الله -جل وعلا-؛ فهم القدوة، وهم البصراء في العلم والعمل.

لهذا سئل معاذ هذا السؤال، وذلك من حكمة الله -جل وعلا- أن يسأل ليبصر أهل العلم جميعا بما ينبغي أن يكونوا عليه، قال: ( أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار. قال -عليه الصلاة والسلام-: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه ) .

هذا السؤال العظيم ما يقرب إلى الجنة، ويبعد عن النار، سؤال عظيم، وهو شاق من حيث الامتثال، لكنه يسير على من يسره الله عليه، فإذن نفهم من هذا أن ثم كلفة في أن يمتثل المرء بمقتضى العلم، ولكنه يسير على من يسره الله عليه.

والله -جل وعلا- إذا أقبل العبد يسر عليه الأمر، كما قال -جل وعلا- ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} الليل .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #189  
قديم 11-12-2005, 12:25 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال -عليه الصلاة والسلام- هنا: ( وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه ) ثم فصل فقال: ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ) "تعبد الله" يعني: أن تتوجه بجميع أنواع العبادات إلى الله -جل وعلا- وحده، فإذا دعوت دعوت الله، وإذا سألت سألت الله، وإذا صليت صليت لله، وإذا استغثت استغثت بالله، وإذا أعظمت الرجاء أعظمته بالله.

وكل العبادات القلبية، واللسانية، والعملية بالجوارح كلها تكون لله -جل وعلا- وحده، ولا يكون لمخلوق فيها نصيب، قال: ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ) يعني: كبير الشرك وصغيره وخفيه؛ لأن كلمة شيئا نكرة جاءت في سياق النفي فتعم كل ما كان في معناها.

فلا يشرك بأي شيء: لا يشرك بالهوى، لا يشرك بالمخلوق البشر، لا يشرك بالملائكة، لا يشرك بعظيم، لا يشرك بصالح، لا يشرك بجني، بإنسي، بشجر، بحجر، بأي نوع مما خلق الله -جل وعلا-، وهذا لا شك أنه عظيم، ولكنه يسير على من يسره الله عليه.

فعبادة الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه هذه غاية إرسال المرسلين، ونفي الشرك ونبذه والتخلص منه، أيضا مما جاء به المرسلون وأقاموا رسالاتهم عليه، وهذا يتنوع، فما كان من قبيل الشرك الأكبر فظاهر وجوب اجتنابه، وأن من فعله فهو مشرك كافر تارك للدين مع اجتماع الشروط وانتفاع الموانع.

وما هو أقل من ذلك الشرك الأصغر والخفي، ينبغي على العبد أن يسعى في تجنبه -يعني: ينبغي وجوبا- يجب عليه أن يسعى في تجنبه، وأن يجاهد نفسه، والشرك الأصغر يدخل فيه الرياء -يسير الرياء-، والشرك الخفي أيضا يدخل فيها أشياء، والشهوة الخفية، والتسميع والمقاصد، وأن يكون قصد المرء الدنيا فيما يأتي ويذر، وفي الأمور الدينية وطلب العلم وأشباه ذلك مما يراد لله.

فإذن عبادة الله وحده لا شريك له، هذا حاصل -إن شاء الله- عند الموحد، لكن يخاف على الموحد من أنواع الشرك الأصغر والخفي، مما يكون من يسير الرياء والتوجه لغير الله في ذلك، فهذه عظيمة:

فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة .... وإنــــي لا أخــــالك ناجيـــا

يعني: أن هذا الأمر شديد، ويجب أن توطن نفسك على إخراج المخلوق من قلبك، وأن يكون القلب خالصا لله متوجها لله: في تحركه، في سكناته، في أمره، في نهيه، في تصرفك مع أهلك، مع أقاربك، مع الأمور العامة، مع الأمور الخاصة، إذا كان كل شيء لله تم الإخلاص.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #190  
قديم 11-12-2005, 12:26 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ) وهذه الأربعة مر بيانها.
ثم قال: ( ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة ) الصوم يريد به صوم النفل؛ لأنه قدم صيام رمضان، ثم قال: ( ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة ) جنة يعني: وقاية يقي العبد مما يسخطه الله -جل وعلا-؛ لأن الصيام فيه تذكير بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، فهو جنة من نفوذ الشيطان إلى العبد.

وكما جاء في الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ( إذا دخل رمضان -أو قال إذا جاء رمضان- فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ) وقال -عليه الصلاة والسلام- في حق من لم يجد طولا للنكاح: ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) .

فالصيام جنة -يعني: يكون به الاجتنان؛ لأن الجنة والاجتنان هو: الحاجز الذي يقي. فالغطاء هو الجنة، ومنه قيل للجنين: جنين؛ لأنه في غطاء في استتار، وللمجن مجن لذلك... إلى آخره.

قال: ( والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) الصدقة بأنواعها تطفئ الخطايا؛ الصدقة بالقول وبالعمل، الواجبة والمستحبة، والصدقة بالمال، كل هذه تطفئ الخطايا؛ لأنها حسنات، والله -جل وعلا- قال: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {114} هود .

وقد مر معنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) فإذا فهمت معنى الصدقة العام الشامل الذي ذكرناه لك في درس مضى، فإنه كلما حصلت منك خطية فعليك بكثرة الصدقات، والخطايا لا تحصى؛ لأنه ما من حال تكون فيه إلا ولله -جل وعلا- أمر ونهي في ذلك، وقل من يكون ممتثلا للأمر والنهي في كل حالة.

فإذن لا بد من الإكثار من الصدقات؛ فهي أبواب الخير، قال: ( تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) النار إذا شبت لا يطفئها إلا الماء، فإنك تأتي بالماء فتنطفئ، وهذا مثال الحسنات بعد السيئات.

قال: ( وصلاة الرجل في جوف الليل ) صلاة الرجل في جوف الليل، يعني: أن يقوم الليل القيام المستحب، وقيام الليل على درجات، وأعلاه أن يكون كقيام المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي جاء في آخر سورة المزمل: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {20}‏ المزمل .

فأفضله ما كان بعد نصف الليل إلى الفجر، وبعده من أول ثلث الليل الآخر إلى الفجر، ثم هكذا مراتب بما يتيسر للعبد، فصلاة الرجل في جوف الليل هذه من أعظم أبواب الخير، وبها يحصل للمرء من النور في قلبه، وحسن تعامله مع ربه، وخشيته له، والتنقب عن دار الدنيا، والرغب في الآخرة ما لا يدخل تحت وصف.

أعاننا الله وإياكم على ذلك، فإن صلاة الرجل والمرأة في جوف الليل هذه يكون معها التدبر للقرآن، وحسن منجاة الله، والدمعة التي تسيل من خشية الله -جل وعلا- إذ يكون المرء في ذلك على يقين من أنه إنما قام لله -جل وعلا- وحده، فتعظم الصلة، ويعظم التعلق، ويعظم إخبات القلب، ويعظم الرجاء، وتعظم الرهبة، ويعظم الخوف، ويؤثر القرآن في القلوب تأثيرا عظيما.
فأصحاب الليل هم أهل التقوى، قال -جل وعلا-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ) ، يعني: في وصف عباده المخبتين المنيبين في سورة الم السجدة: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {17} وهذا من فضل الله -جل وعلا- عليهم.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م