جزاك الله خيرا أخي اش بك يا شيخ..وجزاك الله خيرا أخي سلاف…
أما أن نسوي بين مسائل الحكم والخروج على الحكام وبين العبادات…فهذا لا يمكن أن يكون أبدا….لأن هناك فرق بين فعلٍ قاصرٍ على فرد، وفعل متعدٍ للغير…يعني أن من لم يتعلم فقه الصلاة والوضوء بطلت صلاته وحده دون غيره…أما من أراد الخوض في مسائل السياسة والخروج على الحكام دون أن يتعلم فقهها، فإنه قد يؤثر على أديان ملايين من البشر…فمن أعلن الخروج على حاكم وكان فعله هذا خطأ ومفاسده أكثر من مصالح، فإن ذلك قد يؤدي إلى فتن ومقاتل وانتهاك للعورات والأعراض وسلب ونهب للأموال وقتل النفس بغير الحق… وقد يؤدي أيضا إلى انتهاز العدو المتربص للفرصة لغزو تلك البلاد أو للسيطرة عليها، ويكون هذا العدو مثل أمريكا وإسرائيل يكفرون ملايين من البشر ويقضون على أركان دينهم كلها لا الصلاة فقط، وعلى أديان جميع الأجيال التي تأتي بعدهم، كما حصل في التاريخ مثل هذه الأخطاء وأدت إلى إضعاف إديان الملايين بل والقضاء على أديانهم جميعا…فلا يمكن أن نسوي بين مسألة يترتب الخطأ فيها على بطلان صلاة فرد، ومسألة يترتب الخطأ فيها على بطلان وتضييع جميع أركان الإسلام لدى الملايين…ولذلك فإنه يجوز في الفقه أخذ رأي أي عالم في أي مسألة في العبادات وإن اختلف رأيه عن غيره…أما في المسائل التي تخص البلد كلها أو الأمة كلها، فقد ذكر بعض العلماء أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا باتفاق من العلماء المجتهدين، وليس العلماء الذين لم يصلوا إلى درجة الاجتهاد…
وهذا ليس رأيي الشخصي إنما هو رأي كثير من العلماء مثل: الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، والشيخ سيد سابق والشيخ عبد الفتاح أبو غدة والشيخ نجيب المطيعي والشيخ أسامة عبد العظيم بمصر والشيخ سعيد النورسي رحمه الله وأبي الحسن الندوي رحمه الله …فلما سئل هؤلاء العلماء عن هذا الأمر:كيفية إصلاح الأمة في هذا العصر… هل نبدأ بتغيير الحكام أم بإصلاح الشعوب أولا؟ في ظل الأوضاع السيئة التي تمر بها الأمة الإسلامية الآن وضعف الأديان لدى الحكام والشعوب جميعا…فقال أحدهم:"وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" وقال آخر:"علاج الأمة بالاستغفار في السحر"، وقال آخر:"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا"….
وأما "حشرنا" الآيات في هذه المسألة، فعلى الحقيقة نحن لا "نحشر" الآيات في هذه المسألة فقط، بل وفي كل مسألة..لأن الله عز وجل قال:"ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل"…وقال بعض السلف: إني لأجد كل شئ في القرآن، ولو ضاعت مني إبرة لوجدتها في القرآن، فسأله بعض الجالسين: فأين تجد الحكمة"الجار قبل الدار" قال: أجدها في قوله تعالى:"رب ابن لي عندك بيتا في الجنة" فذكر الجار وهو الله عز وجل"عندك"، قبل أن تقول:"بيتا"…
ولأن الله عز وجل هو خالق الأرض ومن عليها وهو أعلم بما يصلح البشر وما يفسدهم من أنفسهم، فلذلك فإننا نحاول أن نجد عن كل واقعة مثلا في القرآن الكريم، ولو طهرت قلوبنا لما افتقدنا لأي حادثة مثلا في القرآن والسنة…
وأنت على حق أخي "اش بك يا شيخ" بأن صلاح الحاكم يؤدي إلى صلاح الأمة، وفساد الحاكم يؤدي إلى فساد الأمة…وأنا لا أختلف معك في هذا الأمر أبدا…
ولكن هناك نوعين من الخطاب: خطاب للأفراد، وخطاب للمسئولين..فالخطاب الموجه للأفراد يختلف عن الخطاب الموجه للمسئولين…فالأولون يقال لهم:اتقوا الله وتعلموا العلم ولا تخرجوا على حكامكم…والخطاب الموجه للحكام: اتقوا الله وأصلحوا دينكم واعدلوا بين رعيتكم وحكموا شرع ربكم في حكمك…والخطاب الأول لا يكون مناسبا للصنف الثاني…والخطاب الثاني لا يكون منسابا للصنف الأول….ولكننا في الخيمة نجد أن أكثر من يدخل عليها من الأفراد ليسوا من الحكام… ولو دخل علينا حسني مبارك والملك فهد وصدام حسين وبشار الأسد لكان من المناسب أن نقول لهم الكلام الثاني، ولا يناسب الكلام الأول
…أقصد أن تذَكِّر كل صنف بعيوبه وما هو مكلف به وما هو مسئول عنه يوم القيامة، لا أن تٌذَكِّره بعيوب غيره وما هو غيره مكلف به وما هو غير مسئول عنه يوم القيامة….وإذا قلنا للأفراد: العيب في الحكام ليس فيكم أي عيب، فنحن نشغلهم بعيب غيرهم عن عيبهم…وإذا قلنا للحكام العيب في الأفراد ليس فيكم فكذلك نشغلهم بعيوب الأفراد وكأن ليس فيهم أي عيب…ولكن الصواب أن تحاول أن تسد عيب كل صنف في الأمة…ويقوم من بجوار الحكام من الوزراء والعلماء لنصح الحكام عندما يروا في ذلك مصلحة….
ولذلك نجد في التاريخ أن الذين كانوا ينصحون الحكام أو يخرجون عليهم من العلماء والوزراء الذين كانوا قريبين من الحكام والولاة، لا من الأفراد العاديين أمثالنا….فكان كل فرد يعلم واجبه، أما نحن فكل واحد منا يترك ما هو مكلف به وظل يردد ويكرر ويخطب ويعلن ويستفيض ويستزيد ويشعر ويفصح في عيب غيره…الأفراد يقولون: الحكام هم السبب، ثم ينظرون إلى المعاصي كلها ولا يغضون البصر في النظر إلى وسائل الإعلام، ويفعلون ما يروق لهم من المعاصي، ثم إذا انهزمت الأمة قالوا:الحكام هم السبب…وكذلك الحكام يقولون: الشعوب هي السبب…
وهناك درس في غزوة أحد: أن المعصية التي أدت إلى هزيمة الجيش كانت من أفراد لا من المسئولين…فقد كان المسئولون: نبي الله وأفضل من وطئ على الأرض وهو لم يعص الله…ثم كبار الصحابة أفضل البشر بعد الأنبياء وهم لم يعصوا النبي صلى الله عليه وسلم…ثم جاءت الهزيمة على الجميع: الحكام والمحكومين….
ويجب أن نعلم أن الحساب يوم القيامة سوف يكون فرديا لا جماعيا…أي ٌيسأل الحاكم: لماذا لم تحكم بما أنزل الله…?ويسأل كل فرد من الشعب: لماذا لم تتعلم العلم وتتفقه في الدين وتواظب على الطاعات والعبادات المفروضة ؟؟ ولماذا لم تغض بصرك عن الحرام…؟؟؟فإن رد الفرد: لأن الحاكم لم يكن يحكم بما أنزل الله، لم ينفعه ذلك الرد…ولو قال: لأن الحاكم جعل المدارس والجامعات علمانية وحذف مناهج الشرع... لم ينفعه كذلك لأنه كان يمكن أن يتعلم العلم في المسجد أو على أيدي أي شيخ وهم كثيرون والحمد لله إلى الآن…ولو قال: لم أغض بصري ولم أمنع أهلي من غض البصر لأن الحاكم سمح بظهور الفجور والخلاعة والميوعة في الإعلام.... لم ينفعه ذلك الرد، لأنه كان يستطيع أن يغلق وسيلة الإعلام هذه ويمنع أهله من فتحها مرة أخرى….فنحن نفعل جميع المعاصي التي تروق لنا، ثم إذا نهانا أحد من المصلحين عنها قلنا: إن الحكام هم السبب لأنهم سمحوا بهذا، وإن العلماء هم السبب لأنهم لم ينصحوا للحكام، ثم تابعنا المعاصي وأكملناها على أكمل وأتم وجهها بجميع صورها…
وأما العلماء الذين نتهمهم بأنهم هم السبب، فبجملتين يمكن فهم المسألة جيدا:
الأولى: أنه كان في العصور السابقة الجميع يطيع العلماء ويقتدون بهم حكام وأفرادا…. أما في عصرنا هذا فالجميع يعصي العلماء حكاما وأفرادا…. فإذا حصلت المصيبة، تطيرنا بهم كما كان يتطير فرعون بموسى ومن معه"فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه"…ونحن في هذا العصر جعلنا قدوتنا أهل الفن والرياضة وأصحاب الصحف وأهل الفسوق والعصيان واللاهين اللاعبين بأوقات الأمة ومصيرها.. ثم إذا ذكر عالم من العلماء قلنا: أصحاب السلطة، علماء السوء، بهم عيوب، لا تقتدوا بهم، احذروهم، متشددون، متطرفون، متزمتون…..ثم تقوم الحكومة بالقبض عليهم ووضعهم في السجون[لتعليم المسجونين ورجال الأمن العلم بالطبع، لا اضطهادا لهم]…
الثانية: أن الشريعة: عقائد، وعبادات، ومعاملات، وسياسة…ثم السياسة تنقسم إلى أقسام، جزء منها معاملة الحكام…وقد يرى العالم أو الفقيه أنه إذا تكلم في مسألة سياسية لا تمثل واحد في المائة من الشريعة كلها،أدى ذلك إلى تضييع بقية الشريعة كلها،فإنه يترك الكلام في هذه المسألة…وعلينا أن نقول: لعله غلب المفسدة على المصلحة إذا تكلم في هذه المسألة….لأن ذلك العالم إنما يعلم الناس الشريعة كلها لا بعضها……لكننا نريد أن نعصي الله تعالى، فينهزم ولاة أمورنا، فيخضعوا لعدونا، ثم بعد ذلك نريد أن يقوم علماؤنا بسب الحكام الذين انهزموا بمعاصينا، ليقتل الحكام جميع العلماء، وبدلا من أن تضييع مسألة من مسائل السياسة والجهاد وفقه معاملة أولي الأمر، تضيع جميع أبواب الشريعة، لأننا لن نجد من يعلمنا أي مسألة في جميع أبواب الشريعة….
__________________
أبو سعيد
|