وخلال صيف ذلك العام قاد السيد سعيد حملة بحرية رافقه فيها جماعات من عرب الموانئ الفارسية للاستيلاء على جزر البحرين، ولكنه مني بهزيمة قاسية على يد العتوب. وحين أراد حاكم مسقط إعادة الكرة ضد البحرين بمساعدة ألف وأربعمئة من رماة البنادق والخيالة الذين تعهد بإرسالهم له أمير إقليم فارس، اكتشف أن الحكومة الفارسية تخطط للقبض عليه وأخذه أسيراً إلى شيراز، مما اضطره إلى إلغاء الهجوم على البحرين(101). لم تقتصر النكسات التي واجهها حاكم مسقط على ذلك فقط، بل إن القواسم تمكنوا في عام 1232هـ/1817م من الاستيلاء على ميناء خورفكان على ساحل الشمالية. وعندما قاد السيد سعيد قواته لاسترداد ذلك الميناء منهـم مني بهزيمة أخرى على أيديهم(102). وحتى حينما أصبحت قوات إبراهيم باشا تضغط بشدة على الدولة السعودية في أواخر عام 1232هـ/1817م، ونجحت في فرض حصار طويل على الدرعية خلال العام التالي، كان قواسم رأس الخيمة ما يزالون يمارسون هجماتهم ضد الموانئ والسواحل التابعة لحكومة مسقط أو المتحالفــة معهــا، والمراكب والسفن المملوكة لها، أو تلك التي تتردد علــى موانئهــا ســواء كانت مــراكـب محلــية أو هنديــة أو أوربية(103). وقد ظهر بوضوح للمقيم البريطاني بروس أن حاكم مسقط كان عاجزاً عن التصدي لقوة القواسم، أو وضع حد لهجماتهم على مراكبه وسواحله دون مساعدة البريطانيين، وأنه متلهف جداً للحصـول على تلك المساعدة، وسيكون سعيداً بالتنازل عن أي ميناء أو جزيرة تابعة له في جنوب الخليج في مقابل الحصول عليها(104). وبذلك حال القواسم دون تحقيق السيد سعيد لطموحاته العريضة الرامية إلى فرض سلطته على شمال عمان وموانئ القواسم وبلاد الصير ومد نفوذه إلى جزر البحرين، وهي الطموحات التي ظل يبذل في سبيل تحقيقها جهوداً مضنية منذ أن وصلت الحملة العثمانية المصرية الأولى إلى الحجاز. لقد رحب حاكم مسقط بوصول الحملات العثمانية المصرية إلى الحجاز واستيلائها عليه، ثم توغلها بعد ذلك في نجد، وأبدى استعداده للتعاون مع والي مصر ضد الدولة السعودية؛ لأن تلك الحملات قد خففت من الضغوط العسكرية السعودية على عمان، وأدت إلى انسحاب القوات السعودية من هناك في النهاية وإضعاف قوة القواسم تبعاً لذلك، لكن استيلاء القوات العثمانية المصرية على الدرعية وقضائها على الدولة السعودية ووصول تلك القوات إلى الأحساء والقطيف قد أثار مخاوف السيد سعيد على نفوذه في جنوب الخليج وطموحاته في جزر البحرين، فحين وصل الكابتن سادلير (Captain G. F. Sadlier) إلى مسقط في ربيع عام 1819م (1234هـ) مبعوثاً من حكومة الهند البريطانية لتهنئة إبراهيم باشا على انتصاراته على السعوديين، وعرض على السيد سعيد تعاون كل من البريطانيين والعمانيين مع قوات إبراهيم باشا ضد أعدائه القواسم عبر حاكم مسقط عن استعداده للتعاون مع البريطانيين، لكنه أبدى ارتيابه بنوايا الباشا، ورفض أن تشترك قواته في الحرب ضد القواسم(105). ويبدو أن الذي غير موقف السيد سعيد من القوات العثمانية المصرية في المرحلة الأخيرة من حربها للسعوديين هو ما أوضحه هو نفسه للكابتن سادلير من قسوة إبراهيم باشا في معاملته للعرب بعد سقوط الدرعية وعدم إجابته على استفسارات السيد سعيد بخصوص نواياه تجاه جزر البحرين(106). لقد أدرك كل من والي مصر العثماني وحاكم مسقط ما يمكن أن تفعله القوات العثمانية المصرية في الحجاز ضد السعوديين لتخفيف الضغوط العسكرية على حدود عمان، وما يمكن أن يفعله حاكم مسقط على الجبهة الشرقية للدولة السعودية لإشغال القوات السعودية عن الحجاز، ولذلك حاول الطرفان التعاون ضد العدو المشترك. لكن النجاح الذي أحرزته القوات العثمانية المصرية - والذي لم يتوقعه السيد سعيد على ما يبدو - ووصولها إلى سواحل الخليج العربي واقترابها من حدوده ومنافستها له على جزر البحرين أثار مخاوفه، فرفض التعاون معها ضد أعدائه التقليديين (القواسم). الخاتمــة وصل نفوذ الدولة السعودية الأولى في عمان وجنوب الخليج العربي إلى قمته خلال عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز، حيث فرض ذلك الإمام سلطته على القواسم في شمال عمان، ومد نفوذه إلى أقاليم الظاهرة والباطنة ومسقط، وأقام حاميات له في الباطنة. وقد عزم الإمام سعود على فرض سلطته في مسقط والأقاليم العمانية الأخرى كما فعل في شمال عمان، لكن السنوات الأخيرة من عهده شهدت أيضاً وصول أولى الحملات العثمانية المصرية التي شنها محمد علي باشا والي مصر العثماني لاسترداد الحجاز من السعوديين، التي لم تتمخض عن انحسار النفوذ السعودي من عمان فحسب، بل أدت إلى القضاء على الدولة السعودية نفسها. كان السيد سعيد بن سلطان - حاكم مسقط - رجلاً طموحاً بالرغم من صغر سنه وقلة خبرته، فأدرك مدى ما يمكن أن تحدثه تلك الحملات من أثر على الدولة السعودية وعلى نفوذها في عمان وجنوب الخليج، ومدى ما يمكن أن يساعده ذلك في التخلص من ذلك النفوذ وفي توسيع نفوذ حكومة مسقط على حساب السعوديين. ولذلك بدأ أعماله العسكرية ضد أتباع الدولة السعودية في الخليج منذ أن سمع بعزم والي مصر على حرب تلك الدولة في بداية عام 1226هـ/1811م. وقد حرص السيد سعيد على الحصول على الدعم العسكري والسياسي من البريطانيين في الهند ومن حاكم إقليم فارس ومن بعض الشيوخ العرب في الخليج، وتراسل مع محمد علي باشا وقواده في الحجاز، وقدم لهم بعض المساعدة. وقد ألح في طلب ذلك الدعم من البريطانيين بحجة ارتباطه معهم بمعاهدة تحالف، وبدعوى القضاء على ما يسمى بـ (القرصنة) التي كان يمارسها القواسم في ظل سيادة السعوديين ضد تجارة الهند. لكن البريطانيين حرصوا من جانبهم على عدم إظهار دعمهم العسكري لحاكم مسقط؛ لئلا يستثيروا القواسم والسعوديين ضدهم، ولأنهم أدركوا أن السيد سعيد كان يهدف إلى استخدام الدعم البريطاني في تحقيق طموحاته التوسعية. شن حاكم مسقط عدداً من الحملات العسكرية على القواسم وغيرهم من أتباع الدولة السعودية، وكان يقوم بتلك الحملات كلما شعر بتعرض السعوديين لهزيمة أو تراجع أو ضغوط شديدة على يد القوات العثمانية المصرية، لكن أغلب تلك الحملات فشلت في تحقيق أهدافها، ولم يتمكن السيد سعيد إلا من استعادة سلطته في الباطنة والظاهرة حين اضطر السعوديون إلى سحب حامياتهم ومقاتليهم من هناك لمواجهة القوات العثمانية المصرية في الغرب. لا يعود فشل السيد سعيد في تحقيق طموحاته العريضة في جنوب الخليج إلى بقاء النفوذ السعودي قوياً هناك حتى توغل حملة إبراهيم باشا في نجد فحسب، وإنما يعود ذلك أيضاً إلى الغيرة والحذر وانعدام الثقة بين حاكم مسقط وحلفائه، وتعارض مصالحه مع مصالح أولئك الحلفاء، ورفض القواسم والعتوب بشكل خاص لهيمنة حكومة مسقط عليهم ومنافستها التجارية لهم، وكان السعوديون يدركون هذه الأمور، ولذلك فإنهم لما وجدوا أنهم قد انشغلوا عن التصدي لحملات حاكم مسقط، لجؤوا إلى منح أتباعهم في الخليج سلطات واسعة، وأوكلوا إليهم مهمة التصدي لحملات حاكم مسقط وأعماله التوسعية، وقد نجح القواسم في وقف توسع ذلك الحاكم وإحباط طموحاته، واستمروا في التصدي لحملاته العسكرية ومهاجمة سواحله ومراكبه ومراكب حلفائه حتى بعد سقوط الدرعية. والواقع أنه في حين كانت القوات العثمانية المصرية تسدد الضربات الأخيرة للدولة السعودية وتدمر عاصمتها، كان قواسم رأس الخيمة يرفعون لواءها عالياً في شمال عمان ومياه الخليج والبحار الشرقية. لقد اضطر الحكام السعوديون منذ عام 1226هـ/1811م، إلى إرسال مبعوثين إلى شيراز وبوشهر للتفاوض مع الفرس والبريطانيين من أجل تحسين العلاقات معهم والتوصل إلى اتفاقات تجارية وسياسية وإقناعهم بعدم تقديم المساعدة العسكرية لحاكم مسقط حيث انشغلوا بمواجهة الجيوش العثمانية. ويبدو أن السعوديين أرادوا الاستفادة من التنافس بين الفرس والبريطانيين من جهة والعثمانيين من جهة أخرى في حوض الخليج والعراق. كذلك حرص السعوديون على التوصل إلى اتفاق سلام مع حاكم مسقط، لكي يتفرغوا للتصدي لحملات والي مصر، فأرسلوا مبعوثين إلى مسقط للتفاوض مع السيد سعيد والتوصل معه إلى سلام، لكن حاكم مسقط كان متأكداً من تحرج الموقف العسكري السعودي ومن إمكانية استغلاله لصالحه، فاستمر في تفادي التوصل إلى أي اتفاق مع السعوديين بالرغم من نصائح حلفائه البريطانيين التي تحثه على التوصل إلى سلام معهم. لقد دأبت الدولة السعودية على تحقيق أهدافها وحماية مصالحها قبل وصول الحملات العثمانية المصرية لحربها منذ عام 1226هـ/1181م عن طريق القوة العسكرية، لكن وصول تلك الحملات أجبر تلك الدولة على اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية والمفاوضات لحماية تلك المصالح؛ مما يدل على حدوث تطور في السياسة السعودية خلال تلك الفترة وشعور بالحاجة إلى توثيق العلاقات مع القوى المجاورة.
http://www.aldarahmagazine.com/magz...25&article_no=1