كانت الهجرة – بهذا المعنى – مفصلا تاريخياً بين الظلم والعدالة، وحوّلت المدينة في كنف العهد الجديد إلى موئل لكل مستضعف ولو لم يكن مسلماً، بل إن العهد المذكور (صحيفة المدينة) أمّن أهل الشرك على أصنامهم، وترك الفرصة لهم ليخبروا الإسلام عن كثب وليعتنقوه عن رضا وليتخلوا عن عقائد الجاهلية عن قناعة، ففي رأس قواعد الإسلام: {لا إكراه في الدين} [البقرة/256] وهي قاعدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بممهدات تعترف للإنسان بقدراته وقابلياته وحرية اختياره.
وهو أمر فاق بكثير ما تدعيه الأمم المتحضرة خلال تاريخها القديم والمعاصر. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعرف حتى اليوم، معنى التعددية التي عرفتها المدينة المنورة في العهد النبوي والراشدي على حد سواء.
وهي صورة حضارية إسلامية رائعة ومتميزة لم تتوقف بوفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا بانتقال خلفائه إلى الرفيق الأعلى، بل استمرت في تاريخنا، إلا ما كان في أيام معدودة من الجور والظلم أصابت المسلمين قبل غيرهم.