أخى الحبيب فارس ترجل
=================
كعادة الشيخ حسين .. يهتم بأسألة الأخوة الجديرة بالرد ..
لقد وضع جوابا لذلك السؤال أو لتلك الملحوظة التى أخذها أخونا أبو الأسباط على الشيخ .. و لعلك تكون قد قرأتها .. فها هى :-
=========================
الجواب :
أخي الكريم "أبو الاسباط" :
أسأل الله أن يجعل المحبة خالصة لوجهه الكريم وأن يجعلنا وإياكم من المتاحبين فيه على منابر من نور ..
لعلي أعلق على النقاط الواردة في السؤال بغير ترتيب ، إن جاز لكم ذلك ، وذلك لأمور رأيتها ..
أولاً : أعجبني ما كتبت أخيراً ، وهو حق لا ريب فيه "يعرف الرجال بالحق ولايعرف الحق بالرجال" ، فما كان حقاً فهو المتبوع ولو جاء من عدو ، وما كان باطلاً فلا يؤبه به ولو جاء من صديق ..
ثانياً : ما ذكرت من الأخطاء اللغوية والإملائية ، فهذا ما لا أنكره ، وكما اعترف الغزالي بأن بضاعته مزجاة في الحديث ، فأنا أعترف بأن بضاعتي مزجاة في اللغة والنحو بالذات ، ولا أدعو أحد أن يأخذ مني اللغة، وهذا قصور فيّ أقر به ، وقد كنت شرعت في دراسة اللغة والنحو قبل سنوات ولكن دهم الأمة ما دهمها فانشغلت بالنوازل عن اللغة ، نسأل الله أن ييسر تعلمها .. وبارك الله في أخ أهدى لي عيبي وبين لي قصوري ..
أما السؤال ، فهو في حقيقته عتاب ، وربما استنكار أكثر منه سؤال ، فقد أجاب السائل عني في مواطن من سؤاله واستنكر علي ما قلت في مقالة "أحد الرس" وأراد بيان الخطأ في تلك الفقرة ، ومن حسن أدبه أن صاغ هذا الإستنكار والرد على صيغة سؤال ، فنسأل الله أن يبارك له هذا الأدب وهذا الخلق العزيز في هذا الزمان ..
أخي "أبو الاسباط" :
ما ذكرت من حال بعض هؤلاء الجند ، في قولك :
[شيخنا الفاضل كيف لا يكون كافرا من يدوس على كتاب الله بقدميه النجستين ؟
كيف لا يكون كافرا .. من يسب الدين علانية نكاية فى الموحدين ؟
كيف لا يكون كافرا .. من يعتدى جنسيا على الأطهار الأبرار ؟
كيف لا يكون كافرا .. من يقول لأحد المجاهدين :أنتم تكرهون أمريكا .. نحن نبى تيجى أمريكا فتفعل فينا كذا ........ ( لفظة الفحشاء ) أعزكم الله ]
فأقول : إن ظفرت بواحد من هؤلاء بعينه : فحز رأسه ، ولا تسأل عنه أحد ، فهؤلاء لا شك في كفرهم ولا يجادل فيهم مسلم .. وقد بينت هذا في مقالات سابقة .. قال شيخ الإسلام "فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامداً لها عالما بأنها كلمة كفر ، فإنه يكفر بذلك ظاهراً وباطناً ، ولا يجوز أن يُقال : إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمناً ، ومن قال ذلك فقد مرَق من الإسلام" (الصارم المسلمول : ص532)
أما مسألة تكفير جميع الأجناد والشرط في الجزيرة ، فهذه مسألة لا أقدر ولا أجرؤ عليها .. إن مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه : لا يكفر العاصي ولا صاحب الكبيرة ما لم يستحل المعصية ، أما نواقض الإسلام فلها شروط وموانع تمنع تكفير المعين وإن كان الفعل نفسه كفر ، وسيأتي ..
إن من لوازم تكفير هؤلاء الأجناد في جزيرة العرب :
1- أن تطلق زوجاتهم ، وتكون الزوجة الباقية على ذمة أحدهم زانية إن علمت حاله ، ويكون الأبناء أبناء زنى إن كانت الزوجة مسلمة وأتى الإبن بعد ردة الأب ..
2- أن لا يرثوا من المسلمين ولا يورّثوا ولا يصلى عليهم ولا يُدفنوا في مقابر المسلمين ولا يُترحم على أحدهم في حياته ولا بعد موته ..
3- أن الحكم الشرعي فيهم القتل ابتداء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه" ، وتسبى نسائهم وذراريهم إن كانوا على ما هم عليه ، وكانت لهم منعة ..
هذه بعض الأحكام المترتبة على كفر هؤلاء الجنود : فانظر أخي كم امرأة زانية في جزيرة العرب بسبب هذه الفتوى !! وكم ولد زنى في جزيرة العرب إن نحن قلنا بهذا القول !!
إن ما أتى به هؤلاء الجند لاشك أنه من الكفر ، فـ "سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر" (والكفر هنا هو الكفر الأصغر) ، وقاتل المؤمن – ما لم يتب – فهو في النار ، قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء : 93) ، والقتل كبيرة من الكبائر التي لا تغفر إلا بالتوبة ، ولكن قتل المسلم – ما لم يستحله الإنسان – لا يُخرج من الإسلام باتفاق الأئمة ، ودليله ، قوله تعالى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات : 9) .. قال القرطبي رحمه الله "في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين. وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين، واحتج بقوله عليه السلام "قتال المؤمن كفر" . ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك" ، ونقل عن ابن العربي قوله "هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة" (انظر تفسير الآية عند القرطبي) ..
فهناك فرق بين المعاصي والذنوب وبين نواقض الإسلام ، وفرق بين الكفر الأصغر والكفر الأكبر .. أما الردة : فهي في الاصطلاح : الكفر بعد الإيمان طوعاً ، إما باعتقاد ، أو بفعل ، أو بقول ، أو بشك .. والفسق : العصيان وترك أمر الله والخروج عن طاعته وعن طريق الحق .. ومن أصول أهل السنة والجماعة أنه : من الممكن أن يجتمع في العبد بعض شعب الإيمان ، وبعض شعب الكفر أو النفاق التي لا تنافي اصل الغيمان وحقيقته ، قال تعالى {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} (آل عمران : 167) ، قال ابن كثير رحمه الله "استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال ، فيكون في حال أقرب إلى الكفر ، وفي حال أقرب إلى الإيمان ، لقوله {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان}" ..
وما ذكرته عن عامة الجنود : هو ما أعلم من الفسق والفجور في كثير منهم ، والذي لا يرقى لدرجة الكفر الأكبر ، أما ما ذكر السائل من حال بعضهم ، فهذا أمر آخر ، وإنما ذكرت الحكم العام ، ولم أخصص أو أعيّن ..
أما تشبيه هؤلاء بجند فرعون ، فإن جند فرعون : كفار أصليون ، وقائدهم كافر اصلي ، ورايتهم راية كفر أصلية ، وهم لم يتأولوا ولم يدّعوا الإسلام ، بل هم مقرون بالكفر ، وهذا تشبيه مع فارق لا يخفى ..
وأما قول الاخ الكريم
[والسؤال الذى أتوجه به إلى شيخنا الفاضل هو :لماذا لا تكفرهم ؟
أعتقد ان الجواب لن يخرج عن حالتين :
الأولى : أنهم متأولون :
والرد على ذلك :
إذا كانوا متأولين , فمعنى ذلك أن عندهم علم وفقه إذا لا يتأول إلا الفقيه , العالم بالدليل ومراتبه ومناطاته .. فإذا كان ذلك كذلك , فإن هذا العلم يكون حجة عليهم , فيهلك من هلك عن بينة , وحينئذ لا مفر من تكفيرهم .]
فهذا الكلام ليس دقيق : فإن التأويل يكون للعالم وغيره في المسائل التي يستطيع فهمها غير العالم ، ثم إن التأويل يكون لجهل المتأول بحقيقة المسألة بعينها والقصور في فهم الأدلة الشرعية ، وهو مجتهد مخلص في اجتهاده ، ولكنه أخطأ من غير قصد ، فهذا التأويل معذور صاحبه حتى تُقام عليه الحجة وتزول عنه الشبهة ..
وهنا نقطة مهمة : ليس كل تأويل معتبر ، فتأويلات الباطنية والفلاسفة واشباههم ليست معتبرة لأنها تخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة وتنفي أصول في الدين ثابتة ، فليس كل تأويل يعتبر ..
أما قول السائل :
[الثانية : أنهم تابعون لعلماء السلطان فى تكفيرهم للمجاهدين .
والرد على ذلك :
أن هذا لا يعفيهم من المسؤلية والتى مناطها التكليف .. فلهم عقل , ولهم تفكير .. لا يجب عليهم أن ينقادوا لكل ناعق .. كما أن هذا لا ينفى عنهم صفة الكفر إذا قاتلوا المجاهدين ( أكرر إذا قاتلوا المجاهدين ) أما من امتنع منهم عن قتال المجاهدين فهذا هو الذى ينطبق عليه وصفكم له :[ولكن أقل حالهم أنهم فساق]]
فأقول : من موانع التكفير "التقليد" ، والتقليد المباح يكون في حق العامي الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية ، ويعجز عن معرفتها ولا يمكنه فهم أدلتها ، فيطلب الحكم من عالم يثق بعلمه وفهمه ، والعامي مذهبه مذهب مفتيه ، وأكثر الناس اليوم عوام لا يستطيعون فهم الأدلة الشرعية ، وجمهور علماء اهل السنة على جواز التقليد في العقائد والأحكام للعامي (انظر فتاوى شيخ الإسلام : ج20 ص203) .. فإذا علمنا هذا ، اتضح لنا بأن الإثم والذنب يقع على هؤلاء الذين يُفتون الناس بهذه الطوام ، ونحن لا نبرئ هؤلاء الجنود ولا نعفيهم من المسؤولية ، فإن عليهم التبين والبحث ، فأمر الدماء ليس بالهين .. وقد كتبت أكثر من رسالة لهؤلاء الجند ، وقد أثرت على بعضهم ، وبعضهم ترك وظيفته بسببها ، فلله الحمد والمنة ..
ولعلي أذكر هنا بعض موانع التكفير في حق المعين حتى تكون في حسبان من يقدم عليه .. فمن موانع التكفير :
1- الإكراه : قال تعالى {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (النحل : 106) ، مع العلم بأن الصابر المحتسب أعظم أجراً ممن اختار الرخصة ..
2- التقليد : وهو اتباع قول من ليس قوله حجة ، أما الإتباع فهو : العمل بالعلم الصحيح المبني على الكتاب والسنة .. واتفق العلماء المحققين على أن التقليد من موانع التكفير لأن المقلد جاهل لا يفهم الدليل أو الحجة ، ولا بصيرة له ولا فقه ، فهو معذور حتى تُقام عليه الحجة ويُعلَّم .. وقد سبق بيانه ..
يتبع ===========>