أصر أبى على اللقاء ، وأكد لى إنه شخص ممتاز ، فسلمت بالأمر ووافقت على لقائى به .
ولكن بشروطى !!!
وافقت على اللقاء به بعد أن نؤدى جميعا صلاة يوم الأحد ، ونبتهل إلى الله ، وسأحمل معى الإنجيل تحت إبطى كالمعتاد . وسأعلق فى رقبتى الصليب يتلألأ ، ويكون مكتوبا على غطاء رأسى " عيسى هو الله " . وحضرت معى زوجتى واثنتين من بناتى لأول زيارة لهذا المسلم !!!
حينما حضرت لحانوت أبى ، سألته أين هذا المسلم ؟؟؟ فأشار لى ، هو هذا هناك ، فحملقت فيه ، وقلت مش معقول !!!
كنت أنظر إلى رجل ضخم ، يلبس عمامة وروب ، وحاجبيه كثيفين ، يكادان يغطيان جبهته .
هذا الرجل لم يكن ملتحى ، بل لم يكن له شعر أصلا ، كان أصلعا ، وقد حيانى بلطف ودماثة خلق ، وأطبق على يدى بدفء ، هذا لم يعنى لى شيئا ! مازلت أقول بأنهم إرهابيون ومفجرى قنابل . ما هذا التمثيل ، الذى أراه ؟؟؟
غير مهم هذا الآن ! سأبدأ مباشرة فى العمل مع الرجل . هو فى حاجة إلى الحفظ ، والله سيحفظنا .
وبعد مقدمة سريعة ، قفزت فورا إلى هذا السؤال :::
" هل تؤمن بالإله ؟؟؟ "
قال ::: نعم .
" هل تعتقد بآدم وحواء "
قال ::: نعم .
قلت ، وماذا عن إبراهيم ؟ هل تؤمن به وأنه كاد أن يضحى بابنه لله ؟
قال ::: نعم .
عدت أسأله ... " ماذا عن موسى والوصايا العشر ؟ وعبوره البحر ؟
قال ::: نعم .
إذا ::: ماذا عن بقيةالأنبياء ، داوود ، سليمان ، يوحنا المعمدان ؟
قال ::: نعم .
قلت ::: هل تعتقد فى الإنجيل ؟
قال ::: نعم .
الآن جاء دور السؤال الكبير !!! " هل تعتقد فى عيسى ؟ بأنه كان المسيح مسيح الله ؟
قال ::: نعم .
حسنا والآن ::: شعرت أنه سيكون أسهل مما ظننت ، فهو مقبل على التعميد ، والدخول فى النصرانية ! وأنا الذى سينصره كذلك !!!
سأكتسب شيئا يقربنى إلى الله يوما بعد يوم ... هذا سيكون كسبا كبيرا لى ... فأٌقوم بتنصير مسلم وأجعله يعود إلى الله !!!
سألته إن كان يرغب فى كوب من الشاى ؟ فقال نعم . ثم ذهبنا لمكان هادئ لنتكلم عن الموضوع الذى يشغلنى ... العقائد !!!
بينما كنا نجلس فى الكوفى شوب ، نتكلم لساعات ، ( كنت أنا المتكلم معظم الوقت ) ، لمست فيه الرقة واللطف ، والخجل فى بعض الأحيان . لقد كان يستمع لى مصغيا للكلام ، ولكل كلمة أنطقها ، ولم يقاطعنى ولا مرة فى الحديث بيننا . أحببت هذا الرجل ، وفرحت به أن يصير نصرانيا فاضلا .
تتابع سير الأحداث أمام عينى ... ووافقت أبى فى أن يشاركنا هذا الرجل العمل ، ويمكنه السفر معنا فى رحلاتنا إلى شمال تكساس . ويوما بعد يوم ، كنا ننتقل سويا ، ونناقش المعتقدات المختلفة للشعوب ، وفى الطريق كنت أتعمد الإنصات إلى المواعظ الدينية ، لأجذب هذا المسكين إلى حظيرة الإيمان !!! تكلمنا عن فهمنا عن الله ، معنى الحياة ، الغرض من الخلق ، الأنبياء ورسالتهم للبشرية ، وكيف أن الله أوحى بوصاياه للبشرية ؟ وتبادلنا الكثير من تجاربنا الشخصية وخبراتنا كذلك .
وفى أحد الأيام علمت أن صاحبنا محمد سيترك المنزل الذى يعيش فيه مع صديقه ، وسيقطن بصفة مؤقتة فى المسجد ، ذهبت إلى والدى وطلبت منه إن كان يرغب فى دعوة محمد للبقاء فى منزلنا الكبير بالقرية ، وبذلك يبقى معنا . على الأقل سيشاركنا فى بعض العمل ، وفى بعض المصاريف ، ويكون جاهزا معنا إذا احتاج العمل للسفر لمكان ما . وافق ولدى ، وانتقل محمد للمعيشة بقربنا .
بالطبع كان لدى وقت لزيارة اصدقائى الوعاظ ، والإفانجليست ، الذين يقطنون حول ولاية تكساس ، أحدهم كان يعيش على الحدود بين تكساس والمكسيك ، والآخر يعيش حول حدود أوكلاهوما . وكان يحمل صليبا كبيرا على كتفيه ، ويجرجر أسفله فى الأرض ، متنقلا فى الطرق السريعة ، والعامة ، ليستوقفه الناس ، فيعطيهم كتيبات تدعو للنصرانية ، وأناجيل صغيرة .
وفى أحد الأيام مرض صاحبنا هذا حامل الصليب ، وأصيب بنوبة قلبية ، فنقل إلى إحدى المستشفيات الحربية ، وكنت أزوره عدة مرات فى الأسبوع ، وكان محمد يصحبنى فى هذه الزيارات على أمل أن نتفق معا فى مفهومنا للعقيدة والأديان . صديقى لم يكن متحمسا لمعرفة أى شئ عن الإسلام ، وفى يوم جاء أحد المرضى الذين يشتركون مع صديقى فى الغرفة ، على كرسى متحرك ، ولما سألته عن اسمه ، أجاب هذا لايهم ، فقلت له من أى البلاد أنت ؟ قال من المريخ !!! أخذت أفكر فى طريقته فى الكلام ، وقلت ياترى أنا فى عنبر القلب ، أو فى عنبر الصحة النفسية ؟؟؟
علمت أن الرجل وحيد ومكتئب ، وفى حاجة لمن يؤنسه ، فأخذت أقرأ له من كتاب يونس ، من التوراة !!! ذكرت له قصة سيدنا يونس الذى أرسله الله لقومه ، فتركهم يائسا منهم ، وذهب للبحر ، واستقل السفينة هاربا ، وجاءت عاصفة كادت تغرق السفينة ، فألقاه الركاب فى البحر ، ليلتقطه الحوت ، ونزل به فى قاع البحر ، ومكث فى بطنه ثلاثة أيام ، وثلاثة ليالى ، ولكن رحمة من الله الرحيم ، فقد جعل الحوت يرتفع إلى سطح البحر ، ويلفظ سيدنا يونس على البر ، ويرجع سيدنا يونس ثانية إلى قومه بنينوى . ونستخلص من هذا ، أنه لايجب أن نفر من مشاكلنا ، لأننا نعرف ماذا فعلنا ، والله أيضا يعرف ماذا فعلنا ؟؟؟
حينما ذكرت هذه القصة للرجل على الكرسى المتحرك ، رفع رأسه لى واعتذر ، عن طريقته الوقحة فى الكلام ، وأنه يعانى الآن ، بعض المشاكل الحادة ، وقال أنه يريد الإعتراف لى بشئ !!! قلت له أنا لست قسا كاثوليكيا لتعترف لى ، فقال أنا أعرف ذلك ، ثم استطرد يقول " أنا نفسى قس كاثوليكى "، فصدمت !!! لقد كنت أعظ قسيسا نصرانيا بما يعلمه هو !!! ما هذا الذى يحدث هنا ؟؟؟
وبدأ القس فى سرد قصته لى ، وقصة حياته ، وعند خروجه من المستشفى كان لابد أن يلتحق بمأوى للنقاهة ، فطلبت من أبى ، أن يصحبنا فى منزلنا ، ليعيش مع محمد ، فوافق أبى على ذلك ، وانتقل الرجل ليكون ضيفا علينا .
فى طريقنا للمنزل ، أخذت أكلم القس عن بعض مفاهيم الإسلام ، ففوجئت بأنه يعلم الكثير عنها ، وقال لى بأن الكاثوليك ، يدرسون الإسلام ، وبعضهم يحمل درجة الدكتوراه فيه !!! لقد أضاءت هذه الكلمات بصيرتى ، ولكن هناك الكثير بعد لأسرده عليكم !!
انتهت الحلقة السادسة
تحياتي