بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
وإليك هذا يا اخي الفاضل أيضا..قراته للتو:
قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى - :
قول أحمد بن حنبل : إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد ، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ، وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال : ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به ، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي ، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم ، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره ، بل هو أصل الدين المشروع .
وإنما مرادهم بذلك : أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع ، كتلاوة القرآن ، والتسبيح ، والدعاء ، والصدقة ، والعتق ، والإحسان إلى الناس ، وكراهة الكذب والخيانة ، ونحو ذلك ، فإذا روي حديث في فضل الأعمال المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها – فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به ، بمعنى : أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح ، لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ، فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لم يضره ، ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات ، والمنامات ، وكلمات السلف والعلماء ، ووقائع العلماء ، ونحو ذلك ، مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي ، لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب ، والترجية والتخويف .
فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان في نفس الأمر حقا أو باطلا ، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ، فإن الكذب لا يفيد شيئا ، وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضره في كذبه ، وأحمد إنما قال : إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ، ومعناه : أنا نروي في ذلك الأسانيد ، وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم .
وكذلك قول من قال : يعمل بها في فضائل الأعمال ، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة ، مثل : التلاوة والذكر والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة .
ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو : ( بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) فإنه رخص في الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به ، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم ، فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع .
فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا مثل الصلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة لم يجز ذلك ، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي .
فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب لا في الاستحباب ، ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي . انتهى
انظر مجموع الفتاوى ج 18 ص 40 : 41 الطبعة الجديدة - مكتبة العبيكان
والسلام عليكم..